رشيد كرمه
الحوار المتمدن-العدد: 1811 - 2007 / 1 / 30 - 10:55
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
قال لي صديقي يوما ًونحن في حالة نحس ٍ ويأس ٍ معا ً, أن كربلا مركز الكون , كان ذلك قبل أكثر من 15 عاما ,حيث إستقوىالدكتاتور المقبور صدام حسين ومنظمته الإرهابية بالآلة الأمريكية لسحق إنتفاضة آذار والتي أراد لها البعض تحويل مسارها ومآلها الى مايخدم دولة الفقيه التي عملت وما زالت على دق أسفين الفرقة والتناحر ليس بين أبناء الوطن الواحد , وإنما بين أبناء الدين الواحد ,والحق أنهم يسعون لإحداث شرخ كبير بين أبناء المذهب الواحد , وعلينا ان نتجرد من عواطفنا ونتلمس بل ونمعن النظر في الواقع الحالي . الإنتفاضة ( الآذارية )العفوية ذي السمة الشعبية التي كادت أن تطيح بالدكتاتورية البعثية لولا النجدة الأمريكية السريعة والفاعلة والمتوقعة وهذا واضح من مدونات الإتفاق والإستسلام المذل وما عرف عنه بـ ( خيمة صفوان ) وما بين سطورها جعلت دول الخليج ربما نستثني الكويت أن تعدل عن رأيها بإزالة ( صدام ) خشية هيمنة ولاية الفقيه على العراق وهو السبب الذي أوعز للقيادة الكوردية حينذاك أن تشد رحالها الى بغداد لتحاور نظاما دمويا بغية مصالح معينة .
ولقد نشرت لي جريدة الغد الديمقراطي لسان حال التجمع الديمقراطي العراقي آنذاك مقالا تحت عنوان _ كاد الحلم ...._
وما أشبه اليوم بالبارحة فلقد هيمنت قوى ولاية الفقيه على مقاليد الأمور , كما تحاول القيادة الكوردية تحقيق أو إستحصال حقوقها !!!!!
الفرق الأوحد في المشهدين غياب بعث صدام وإستبداله ببديل ديمقراطي *في غير آوانه ( على الأقل في هذه المرحلة ) التي تبقي نزيف الدم وباب الثأر الإرهابي مشرعا ً الى ماشاء الله .
فلقد نجح الأمريكان في تحقيق المعجزة , معجزة إزالة حكم صدام وزمرته , لا بل ان المعجزة الأهم هي حصر الأرهاب وقواه وإستدراجه الى العراق .
الإستراتيجية الجديدة لابد وان تتضمن تشذيب الموقف وتحجيم أدوات الولي الفقيه وإنتشال هيمنتهم على الوضع الأقليمي ومن هنا تأتي إرهاصات دول المنطقة وهذا ما يجب ان يحدث وهذا ما يجب ان تنتبه اليه قوى الإحتلال في العراق .
قد يكون مفيداً ان نعلم ان إيران تتكأ على جماهير تعد بالملايين أعدتهم على مدى مئات السنين عاطفيا على المذهب متخذة من واقعة كربلا ملاذا وهو ما حدا بصاحبي ان يستقرأ ويستنبط معا الحكاية التأريخية التالية :
بعد مقتل الحسين وإنتشار الخبر , سأل إعرابيا جليسه في الحجاز عما يجري في العراق وتحديدا في كربلا والكوفة ؟
وكان الجواب : يقولون ان سيدنا يزيد قتل سيدنا الحسين .
والحقيقة ان كربلا ومنذ تلك الواقعة دخلت التأريخ ..ولقد شوهت ( البُدع ) الصفووية وقفة الحسين وقرنت إستشهاده بما نرى اليوم من ممارسات كان الزمن قد عفا عليها , ولئن منع الدكتاتور إقامة الشعائر الحسينية بوسائل قمعية دموية الآ أننا ندعو إلى قراءة موقف الحسين و بما يتلائم ومنهجه في الثورة على الظلم .
لم تقع كربلا جغرافيأ في مركز الكون ولكنها في قلب الحدث ويقول آلآخوندية وجلهم من الأميين ان الإسم مركب من كرب ٍ وتعني الهم أو الغم , وبلا أي البلاء وهم يعنون بذلك إنها ارض هم ٍ وبلاء و نسب البعض منهم هذا المعنى للحسين بن علي يوم وقف هو ونفرُ من صحبه لمواجهة آلاف من الجيش الأموي ,,,و أحسب أن هذه معلومة خاطئة ظلت تعشعش في مخيلتي ردحا من الزمن نتيجة جهل المعممين ( الأميين ) كما أشرت , فلعنة الله عليهم أجمعين . والحقيقة كما يرويها ويؤكدها المؤرخون إن إسم كربلا ذو أصل آشوري ويتألف من مقطعين , كرب ويعني _قرب _ والمقطع لا وهو تحريف أرامي لكلمة أيل أي إله , فيكون معناها قرب الآله وتشير بعض الدراسات الى إحتمال نزول آشوريين في هذه المنطقة , ولموضع كربلا أكثر من إسم ( الطف**....الغاضرية ***..الحائر وهو وصف لطوبوغرافية المدينة ) ولقد إخترع أهل النجف إسما جديدا للكربلائيين نكاية لتبعيتهم لإيران ( بجه خيمكَه ) **** بينما مُنح النجفيون أهل السراديب كنكاية مضادة ...
والحسين هو الإبن الثاني لعلي بن أبي طالب من فاطمة الزهراء بنت مؤسس الإسلام ونبيها وإسمه مصغر لأسم أخيه الحسن ***** وهما من ألأسماء المستحدثة في الإسلام .ويختلف الحسين عن أخيه الحسن كونه أكثر حزما ً ومطالبة لا بل أكثر جرأة وثورية ففي حين عقد أخيه الصلح مع معاوية تمرد الحسين على الدولة ألأموية , وهنا ومن باب إستذكار ليس إلا ( في السبعينات من القرن المنصرم طلب الإمام الخميني زعيم الثورة الإيرانية ومؤسس الجمهورية الإيرانية وولاية الفقيه من المرجع الشيعي الأعلى ابو القاسم الخوئي أن يتحرك ( يثور , يتمرد ) ضد البعث فأجابه الخوئي بإنه حَسني !!!! اي انه سائر على نهج الحسن , سياسيا ً مسالما ً على عكس الحسين الشديد الإندفاع والجاد في مقارعة الخصوم ولقد إختلفا في معركة صفين .
وتشير بعض الروايات التأريخية.....ولما قرر الحسن التنازل لمعاوية عارضه الحسين معارضة شديدة إضطرت الحسن إلى تهديد الحسين بالإعتقال حتى إمضاء الصلح ( المصدر مقتل الحسين لأخطب خوارزم 1/135 )
كان الحسين متزوجا من أربع نساء متكافئات في الجمال وسمو الشخصية , وكان من بين نسائه إحدى أميرات البلاط الساساني وإسمها ( شهر بانويه ) تقول بعض المصادر الشيعية أنها إنتحرت في الفرات بعد مقتله عام 61 هجرية ( المصدر بحار الأنوار للمجلسي 10/257 ) وإلى شهر با نويه ينتمي الفرع الحسيني من العلويين لأن إبنها علي بن الحسين الملقب بـ( زين العابدين ) وهو الوحيد الذي نجا أو الذي بقى على قيد الحياة .
بعد وفاة الحسن مسموما من قبل زوجته , صار الحسين الشخصية الأبرز في زعامة بني هاشم وكان على صلة مباشرة بالنشاط السري لشيعة العراق ولقد خطب في موسم الحج ( المصدر تحف العقول لأبن شعبة الحراني ) يقول المؤلف تحدث الحسين عن مظالم الأمويين متها إياهم بإستعباد الناس وقهرهم وإغتصاب حقوقهم المعيشية ...إلخ
كان الوضع الأمني آنذاك يتسم بهيمنة مطلقة للخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان عبراللا تجول ليلا ً ,اللاتجمع نهارا ً ,القتل الكيفي , الإعتقال الكيفي , التعذيب ومصادرة الأموال , وهدم الدور وهذه سمات تكاد ترتبط بكل تأريخ الإسلام منذ تأسيسه وحتى هذه اللحظة والخروج عليها يدخل من باب النشاز .....
إذ ان الدساتير في كل البلدان الإسلامية أنما تستمد شرعيتها من الإسلام الذي يجيز لها أن تطبق شرع الله والقران حمال أوجه .
بعد ان تولى يزيد السلطة وجهت الى الحسين رسالة وقعها خمسة 5 من زعماء الشيعة في الكوفة يحثونه ويستعجلونه على التحرك لأخذ زمام المبادرة , غير انه أرسل مبعوثه مسلم بن عقيل ليتدبرأو يستطلع الأمر ( ولقد شاهدت فيلما سينمائيا أنتج في عهد الخميني أن هناك مبعوثا آخر للحسين وإسمه قيس بن الأشعث ) ولم أهتدي الى مصدر ثابت حول ذلك .رغم ان حيثيات الواقعة متشابهة من حيث ان مسلم بن عقيل وهو إبن عم الحسين ومنذ وصوله الى الكوفة قد أخذ البيعة للحسين وظهر الشيعة للعلن وبدا له ان الوضع قد إستتب لصالحه فكتب اليه يستدعيه للقدوم , غير ان عبيد الله بن زياد تمكن من إستعادة الوضع وقتل مسلم في الوقت الذي دخل الحسين أرض العراق ( وينقل ابو فرج الأصفهاني عن أبو مخنف مؤرخ مقتل الحسين ) إن رجالا من بني اسد لقيا الحسين وهو في الطريق فأخبراه بمقتل مسلم بن عقيل مبعوثه الخاص الى الكوفة ففكر في العودة من حيث أتى , الا إنه جوبه بالإعتراض من بني عقيل الذين كانوا معه , فقرر المضي في سيره .
كان الحسين يعرف نتيجة المعركة سلفا ًفعرض ان يتركوه ليعود للحجاز , او يتوجه إلى جهة أخرى غير العراق , او يذهب الى الشام لمقابلة يزيد بن معاوية خليفة المسلمين _ وردت هذه العروض في كتاب وجهه عمرإبن سعد الى عبيد الله بن زياد الذي رفضها وطالب بإستسلام الحسين للجيش أو الحرب مما حدى به قائلا ً في خطبة مدوية قال فيها :
ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين السِلة والذله وهيهات منا الذلة , يأبى الله ورسوله والمؤمنون , وحجور طابت وطهرت , وأنوف حميه ونفوس أبية لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ..........
لقد إستبسل الحسين إيما إستبسال ولا أظن ان البدع التي يعود تأريخها الى زمن سحيق , اواخر العصر العثماني والتي تمارس هنا وهناك تليق بهذا الرجل الشجاع وحقا علينا ان نقرأ ما أبدعه الجواهري وماكتبه عبد الرحمن الشرقاوي ونستمد منه مواقفنا المبدأية أزاء مايجري وأزاء تطور البشرية في كل أرجاء المعمورة .
فلقد أصبح الحسين مثالا للصمود ليس في كربلا او محيطنا العربي وانما إمتد ليشمل أصقاع الأرض المختلفة فهو ثائر كما سبارتكوس وكما جيفارا ففي القرن التاسع عشر ألف الشاعر الألباني نعيم فراشري ملحمة شعرية من عشرة آلاف بيت عن كربلا كرسها للنضال الوطني في بلاده وهو من أقدم الأصوات الوطنية في الأدب الألباني .
ولعل المثقفيين الكربلائيين معنيين قبل غيرهم في عكس الصورة الحقيقية لمجد يوم 10 محرم يوم إستبسال الحسين وصحبه كما فعل الكربلائي الجميل محمد علي الخفاجي في مسرحيته في السبعينات عن الحر بن يزيد الرياحي .
إن الهجمة الطائفية على بلاد الرافدين , والتي جاءت على خلفية اعتى نظام دموي عاث في أرض العراق فسادا يتطلب من الجميع المشاركة في بناء الإنسان العراقي بعد خراب إستمر أكثر من ثلاث عقود , كما يتطلب صيغا ً أكثر إحتراما للحسين سيد الشهداء....
الهوامــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــش
* = أنا من المؤمنين بالعملية الديمقراطية ولكن مع هذا التدخل الفض لللإيرانيين والسوريين والذي أفضى الى هيمنة ميليشيات تمارس القتل على الهوية وتحول العراق الى بؤرة تجمع لللإرهاب والأرهابيين أطالب بتأجيل العملية الديمقراطية عبر آلية ترتبط بهيئة الأمم المتحدة .
** الطف = في اللغة العربية ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق .
*** الغاضرية = وينسب الى غاضرة من بني أسد كانوا يسكنون هناك .
**** بجه خيمكَه = وتعني اولاد منطقة المخيم حرفيا ألا أنها تعني كل من يسكن كربلا .
***** تقول الحكايات الشيعية أنهما تعريب لأسمي ولدي هارون أخو موسى ( شبر بضم الشين وفتح الباء المشدودة ) وشبير , ويستعمل إسم شبر عند الشيعة المعاصرين , والغرض من الحكاية وضع العلاقة بين علي بن أبي طالب الإمام الأول للمذهب الأثنى عشر ونبي الإسلام محمد بن عبد الله في مستواها بين هارون وموسى .
رشيد كَرمة السويد 28كانون الثاني 2007 الموافق للتاسع من محرم
#رشيد_كرمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟