أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود حمد - بيتٌ -عليٍ- والفانتوم!














المزيد.....

بيتٌ -عليٍ- والفانتوم!


محمود حمد

الحوار المتمدن-العدد: 1811 - 2007 / 1 / 30 - 10:45
المحور: الادب والفن
    


عليٌ (1) طفلٌ يأتي كُلَّ صباحٍ في بابِ المدرسةِ المَوصودةِ..
مُذْ كانَ ابنَ ثلاث سنين..
يسألُ جَدَّتَهُ عن صبحٍ قادم..
..................يَجعلُهُ بين تلاميذِ المدرسةِ المفتوحةِ..
عليُ يكبر مطحوناًً بين الفُقرِ الأزليِّ وسندانِ"حصارِ"السُلطةِ..
وأبيهٍِ الغارقِ بالهَمِّ اليوميِّ يُمازحُ إخوتَهُ بجوارِ المُوقِدِ..
"مريم" تَتَشَبَثُ بالثَدي الناضِبِ ..
أمُّهْ تَطحنُ قَمحاً لعشاءِ الأسرةِ..
تَهطلُ أستارَ الظُلمةِ أثقالاً..
فوقَ البيتِ المتساقطِ..حيثُ يُقيمُ عليٌ....
يَغفو الجيرانُ بِخَوفٍ خَلفَ سكونِ الليلِ المهجورِ..
يسري الذُعرُ بأوصالِ بيوتِ"الزعفرانيةِ"(2)....
......وصَريرُ الجوعِ بأجسادِ الأطفالِ المهزولةِ من أطوارِ الخَنْق المتواترِ لبلادِ النهرينِ..
......................
تُقَلِّبُ جَدتُهُ وجهاً محزوناً في "وجهِ اللهِ"..
تسألُ خاشعةً:
هَلْ هذا البيت الشاخصِ في أطرافِ البلدةِ يُنقذُنا من سَخَطِ المُحتلينَ؟
تَمسحُ جَبهتَهُ المعروقةَ من ذراتِ الرَملِ العالِقِ بالأهدابِ..
تَحكي قِصَّتها الليليةَ للأطفالِ المُلْتَّفينَ كسَربِ طيورٍ جاثمْ:
- نَزَلَتْ نائِبَةٌ في أهلِ القلعةِ..
- أخذتهُمْ دونَ أنينٍ..بُغْتَةً..
- نَشرتهُمْ في كُلِّ ديارِ الدُنيا..
- أمسى الولدُ البكرُ شَريداً.. يَبحثُ عَنهُم..
- رَكَبَ المَوجَ العاتي..
.......رَمْلَ الصحراءِ..
....... الجَبَلَ الأخضر..
- يأتي لَيْلٌ تَعقُبُهُ أيامٌ وليالٍ ممتدة..
......وفَتانا ما كَلَّ البَحثَ المُتواصلَ عن أخبارِ الأهلِ...
...........
تقطعُ جَدتُهُ قِصَتَها..
يَتَبعثَرُ صَمتُ الليلِ بنَوبةِ رَعدٍ صاخبةٍ ..
دونَ بَريقٍ أو غيمٍ..
يَفزَعُ مَذعوراً..
قالَتْ جَدَتُهُ :
- لا تَفزَعْ يا ولدي.. هذي بَعضُ رعودِ اللهِ المحمولةِ بالخيرِ..
غِربانٌ سودٌ تَجنحُ فوقَ بيوتِ البلدةِ..
عليٌ يَثْغَبُ..
يَنفِرُ من حُضْنِ الجَدَةِ ..
يَهرَعُ مُنفَرِداً في جوفِ الليلِ الخاوي..
تَهْتَّزُ الأرضُ وتَدوي..
صوتُ جحيمٍ يَتَفاقمُ..
تَتَناثَرُ أشلاءُ الأهلِ..
....أعمدةُ البيتِ..
.....وجيبُ قلوبِ الأطفالِ..
.....المُوقدُ..
.....ثَديُّ الأمِ الناضبِ..
.....شِفاهُ الأُختِ الظمآنةِ..
.....شظايا القُنبُلَةِ المَكنونَةِ باللّحمِ النازفِ..
يَبكي مَرعوباً..
ويَظَلُ يَحومُ جريحاً حولَ جحيمِ النيرانِ الـ كانت أهلاً وحياة..
باغَتَهُ كلبٌ مسعورٌ لا يدري من أيَّ ديارٍ جاءَ..
يَتلاشى خَلفَ غُبارِ الليلِ الفاحِمِ..
يأتيهِ بعيرٌ منبوذٌ تَرَكَتْهُ الرَحّالةُ..
يَركَبَهُ..
يَطرُقُ بابَ الصحراءِ المُغلقِ في وجهِ الخصبِ..
يَفتحُ أقفالَ الظمأَ الجائرِ..
يتسارعُ هرباًً خلف اللاّ معلومِ..
تَتأججُ نارُ الغُربَةِ فيهِ..
تَدبي أشياءٌ لامعةٌ من تعويذةِ جَدَتَهِ المَربوطةِ فوقَ الأضلاعِ..
تُؤْنِسُهُ..
تُهديهِ من المجهولِ إلى المجهولِ..
تَصحَبُهُ وطناً مألوفاً في دربِ الاستفهامِ الشائَكِ..
تَهجُرُهُ الصحراءُ..
يَقصُدُ وديانَ الجبلِ المُمْتَنعِ الإذعانِِ..
يُعطيهِ العازِفُ بالنايِّ الحجريِّ الساحرِ.. بَغلاً ازرقْ..
يَتسلقُ والبغلُ نشوزَ السِنِّ الصَخريِّ..
يُلَمْلِمُ عَبَثاً أصداءَ بكائِهُمُ بينَ الوديانِ..
يَقطعُ أزمنةً ناهِشَةً..
................بينَ الرُعبِ ..
................... وأسلابِ القِمِرِ المِيِّتِ عِندَ خريرِ الشلالِ المَقموعِ..
يَمضي ..
لا يعرِفُ في الليلِ رُقاداً..
أو يَهجَعُ في وضَحِ الصُبحِ..
يَسألُ في وَلَهٍ:
- أشجارَ الظِلِّ الوارفِ..
- كهوفَ الجَبَلِ السِريَّةِ..
- شجرَ الكَرْمِ المُتَدَلي فَوقَ صدورِ الصَخرِ الباردِ..
- أحلامَ الثُوّارِ المَنسِيَّةِ بينَ الأحراشِ..
تَتَآكَلُ قَدَمَيهِ بآلافِ الأميالِ المحفوفةِ بالخوفِ..
يُلقي جَسداً مَنخوباً كالقصبِ اليابسِ..
................. فَوقَ القَصَبِ الأخضرِ..
يَتَفَرَدُ جاموسٌ ابيضٌ من بينَ القِطعانِ رفيقاً للرحلةِ في مدياتِ"الحَمّارِ"(3)..
يَسألُ أسرابَ الغَرنوقِ الغاربِ في دَربِ الهجرةِ..
يُجيبُ السَمَكُ المتخومُ بأحشاءِ الجُثَثِ المسمومةِ..
..............................تَطفو جُزُراً في "جُزُرِ المَجنونِ"(4)......
.....
يَفتَحُ عَينيهِ طَريحاً ..
مَقطوعَ الأذرُعِ ..
كَوْمَةَ لَحمٍ مَشويٍّ..
تَقْتاتُ عَليهِ الشاشاتُ الدَمويةُ ..
........................كي تَستُرَ أهوالَ حروبِ القَتَلة..
عليٌ لا يدرك إن "علياً"(5) في "صيدا"من أترابهِ..
سَيُصابُ بذاتِ "الفانتومِ" جِهاراً بعد ثلاثِ سنين!!



(1)علي إسماعيل عباس:طفل عراقي أبادت الفانتوم أسرته في الأيام الأولى لغزو العراق ، وجعلته – سلعة- لمضللي الرأي ، ومسوغي الدمار.
(2) الحي الذي محقته الفانتوم في الأيام الأولى للاجتياح 2003 جنوبي شرق بغداد.
(3)الحَمّار:هو احد اكبر أهوار جنوب العراق.
(4) جزر المجنون: مستنقع يحوي اكبر حقل للبترول في العالم-حسب بعض الخبراء- غلفته الجثث طيلة سنوات حرب صدام مع إيران.
(5)أصيب الطفل اللبناني "علي عباس غريب" بمدينة صور نتيجة احد غارات الطيران الإسرائيلي في اليوم الرابع للعدوان على لبنان في تموز 2006بذات الأسلحة التي أصابت الطفل العراقي علي إسماعيل عباس.




#محمود_حمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إمّا البيضةُ أوْ بَيتُ الطاعةِ؟!
- و-إذا الايامُ أغسَقَتْ-(1) فَلا تَنسوا -حياة شرارة-!
- لوحةٌ على جُدرانِ غُرفَةِ التَعذيبِ!
- طِفلٌ قُرويٌّ يقرأُ ألواحَ الطينِ
- لا يَصلِحُ لبلادِ النَهرينِ إلاّ السُلطانُ الجائِرُ؟!
- -عمالُ المَسْطَرِ- (1) بضيافةِ -عُقْبَة - (2)
- عبد الرحمنٌ ..كوَةُ ضَوءٍ في الظُلمةِ!
- -شهدي-(1)واحدٌ مِنّا!
- أميرةُ -الحَضَرِ- تبحثُ عن بَطنِ الحوتِ!
- ليلةُ الغدر ب -محجوب-
- الوحوش يغتالون الإبداع
- نَخلةٌ طَريدةٌ على الخليجِ!
- الحوار المتمدن و-الجريدة-!
- -هَلْ نَشهدُ إطفاءَ الظُلْمَةِ..وَشيوعَ رَغيدَ العَيشِ؟!-
- -نصبُ الحريةِ- يُسْتَعبَدُ بالخوفِ!
- -سومرُ- تَصْطَّفُ إلى طابورِ الأيتامِ!
- لوحةٌ عاريةٌ في مجلسِ المساءِ!
- مَنْ مِنّا لَمْ يَدفِنَ قَتلاهُ بحَقلِ الحِنْطَةِ؟!
- المَقابرُ تَشْفِقُ علينا؟!
- تَشهَدُ الشوارعُ في يومِ الحَشْرِ!


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود حمد - بيتٌ -عليٍ- والفانتوم!