نوزاد جرجيس
الحوار المتمدن-العدد: 1811 - 2007 / 1 / 30 - 09:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
جاءت الاستراتيجية الامريكية الجديدة في العراق بتعديلات طفيفة على سابقاتها , اذ اقدم الرئيس جورج بوش بالاقرار بالفشل في العراق ( وليس الهزيمة ) و تقديم خطة التقدم للامام بصوب النجاح (وليس النصر )مع تصعيد الضغوط السياسية مع كل من ايران وسوريا و تشخيص للاطياف العراقية السياسية التي يمكن التعويل عليها في المستقبل القريب في حالة اخفاق حكومة السيد المالكي في تنفيذ الوعود التي قطعتها في ملاحقة الارهابيين والمليشيات المسلحة واقترن ذلك بتعزيز عديد القوات العسكرية الامريكية في العراق وتغيير ابرز الوجوه القيادية لقواتها في المنطقة.
توصي الخطة الجديدة في مضمونها غير المعلن عن ( اعادة احتلال بغداد )عسكريآ وسيتم توظيف القوات الجديدة الاضافية لهذا الغرض , دون تقديم الحلول السياسية التي سيتم اتباعها مع التصعيد العسكري مما يضعف فرص نجاح هذه الخطة لايقاف الصراع الدموي في بغداد والمناطق المتاخمة لها
وقد اشرنا في مقال سابق لنا بعنوان (التغيرات المرتقبة في الاستراتيجية الامريكية في العراق )* بمحدودية الخيارات الامريكية للتعاطعي مع الماءزق العراقي و عن خيار اعادة احتلال بغداد كتبنا في المقال(ويمكن القول ان هذا الخيار هو من افضل الخيارات القبيحة المتاحة امام الادارة الامريكية حاليا ).
لم تخلتف خطة بوش تماما مع توصيات لجنة بيكر- هاملتون بشأن العراق كما يتوهم البعض , والادعاء ان بوش قرر السباحة بعكس الامواج من خلال تجاهله كل التوصيات السياسية والعسكرية من المقربين لسياساته في العراق والديمقراطيين المعارضين لتلك السياسات محض هراء , فالسياسة الامريكية الخارجية ليست موضوعا للبحث والنقاش بين الجمهوريين والديمقراطيين بقدر ما هي الورقة السياسية التي تستخدم لاغراض الاستهلاك المحلي في التشكيك بمواقع الضعف في كيفية التعامل مع الملفات الساخنة ويمكن لنا سرد العشرات من التوجهات السياسية الشرق اوسطية للحزب الديمقراطي في المزايدة على المصلحة الوطنية الامريكية اكثر تشددآ من مواقف الحزب الجمهوري ورئيسه جورج بوش.
كما في توصيات لجنة بيكر-هاملتون , اقر الرئيس بوش باحتمالات الفشل والنجاح لخطته الجديدة , هذه التوصيات طالبت بالحوار مع ايران وسوريا ولكنها شككت في مصداقية تلك الدولتين في التعاون لتخفيف العنف في العراق وتركت باب الخيارات مفتوحا ولذلك اختار بوش التصعيد السياسي والعسكري و تحريك اساطيله للخليج و اعتقال بعض الرموز الايرانية في اربيل واصدار بوش اوامره الجديدة في استهداف (اعتقال او قتل) الايرانيين المتورطين في تمويل الجماعات المسلحة في اشارة واضحة للايرانيين ان الادارة الامريكية جادة هذه المرة في محاولة لتقليم الاظافر الايرانية في العراق.
خطة بوش الجديدة تختصر في اعادة احتلال بغداد عسكريا ( والتي جاءت متأخرة بثلاث سنوات ونصف اخفاقا في التخطيط او تعمدا في ابقاء التوتر وتغذيته) ومراقبة تحرك السيد المالكي وحكومته في احتواء جيش المهدي و تحجيم تأثيره السياسي في الساحة قبيل اعلان الحرب الشاملة على القوى الارهابية السنية و بقايا الفلول الصدامية , واعطاء المالكي الفرصة الاخيرة قبل الاطاحة بحكومته وتبرير ذلك بفشله في كبح جماح جيش المهدي والانتقال الى الخطة(ب)المبهمة والمبنية على صيغة المبني على المجهول و المقامرة على التكتل الرباعي الذي سيخلف الحكومة هذه بعد توفر المناخ السياسي المناسب والاستناد الى مبدأ دعم المنتصر ! بالاشارة الى الى القوى الطائفية الرئيسية ذات صبغة الاكثرية القوية التي ستخرج في المعركة الحالية هي التي يمكن ان تقود العراق الى منحنى جديد .
الادارة الامريكية واثقة ان يد المالكي لن تتطاول على الربع الشيعي ولا تراهن كثيرآ على العكس فالمالكي يتراوح بين قدرته لقيادة الوطن وتمايله في مغازلة التيار الصدري ولم يحدد بعد التوجه الصائب في اقرار وطنيته اولآ ويحاول التوافق بين هذا وذاك ولكن( ليس في مقدور المرء ان يخدم سيدين اثنين), وايقنت الدرس الكافي ان العرب السنة برغم الدعم المطلق لحكوماتهم المتعاقبة لم تتعاون معها في مشروعها في العراق بهاجس الخوف من القوة الاقليمية الايرانية المتصاعدة في المنطقة والرغبة الجامحة في اعادة احتكار السلطة (ونذكر هنا ما نقله السيد محمد الفيضي -هيئة علماء المسلمين -في مقابلة مع فضائية العربية من ان الخطة الامريكية الجديدة هي اقصاء وتهميش للسنة و لا ترابط بين العرب السنة المنضوين في العملية السياسية وبقية السنة ولا حلول سياسية في العراق الا بعد تسليم قيادته للوطنيين الحقيقيين !) لذلك اطلق الرئيس جورج بوش تحذيره للحكومات العربية(المعتدلة )بالخيار بين دعم المشروع الامريكي في العراق والمنطقة او مواجهة خيار السقوط بين كفتي التطرف السني او الامتداد الشيعي الشامل في المنطقة, وقد نجحت كونداليزا رايس (وزيرة الخارجية الامريكية) في زيارتها الاخيرة للدول(المعتدلة ) في المنطقة من كسب تأييد هذه الحفنة من العرب( التي تعتبر الخطر الايراني اكبر من الخطر الاسرائيلي)للاستراتيجية الامريكية في المنطقة ,ويأتي دعم هذه الحكومات(كالسعودية ومصر والاردن)للاستراتيجية الامريكية الجديدة في سياق التفهم لمغزى التصعيد العسكري الامريكي والقناعة المطبقة في جدية الادارة الامريكية لتقليم الاظافر الايرانية في العر اق كخطوة اولى للتعامل مع خطر الهيمنة الايرانية في المنطقة.وقدم الرئيس الامريكي بوش في خطابه (حالةالاتحاد)**الرؤيا الامريكية في تصنيف الارهاب بين ارهاب سني ممثل في القاعدة واتباعها التي تقود الارهاب السني والقتل وارهاب شيعي يحاول الهيمنة السياسية في المنطقة بدعم ايراني كامل.وهذا يعني ان المستوجب من الخطة الجديدة ضرب التمرد السني المسلح دون اي احتجاجات رسمية عربية مقابل ترك السيد المالكي للتعامل مع جيش المهدي بالاعتماد على قوات الشرطة والجيش المخترقة اساسا من قبل الميليشيات المسلحة.
المالكي الذي اكد لبوش في اتصال هاتفي بينهما قبل اعلان الخطة(اقسم بالله ان مقتدى الصدر لا يريد قيادة العراق)*** سيتمهل ويراقب قبل الشروع باي عمل ما,بالاضافة ان له رؤيا مختلفة عن جيش المهدي ,وقد يكون منصفا اذا جزمنا انه بصدد التفكير في(تبخير)هذا الجيش في الوقت الحالي والتريث لحين بزوخ معطيات المعركة الحالية ضد السنة والتأكد من المصداقية الامريكية في دعمها لحكومته وعدم تغيير المسار.
وسمعنا بصدورتعليمات قيادية لجيش المهدي بتفادي المواجهة مع الامريكان و الغياب عن الساحة الان.
اعلن بوش ايضا ان الالتزام الامريكي تجاه حكومة المالكي ليس بلا نهاية ,والخطة (ب)بصيغة كش ومات للمالكي جاهزة للتنفيذ بعد نفاذ الصبر الامريكي ,ومهما كانت تفاصيل الخطة هذه سوف لن تتجاوز منحنى الاستقطاب الطائفي بل سيتم التركيز على تعميق الهوة بين السنة الموالين والرافضين وفصل الشيعة بين وطني مؤيد وآخر موالي لايران وتهيئة الظروف المؤاتية لاقتتال شيعي-شيعي وادخال ايران طرفا مشاركا في هذا الاقتتال.لا نلمس اي تغيير جوهري في سياسة بوش لتسليم زمام قيادة الفترة الحالية لايادي وطنية حقيقية ومخلصة التي يمكن ان تخرج العراق من ورطته ,بل ان فريق بوش لا يكترث لما هو آت للعراق بقدر ما يهمه توريط ايران في المستنقع العراقي واستنزاف طاقاتها وادخال الشقاق في رأس المرجعية الايرانية ان امكن لتفادي الفشل وليس الهزيمة,وكما خاطب روبرت غيتس (وزير الدفاع الامريكي الجديد) الايرانيين قائلا اننا جئنا لنبقى في المنطقة ولانجاح المشروع الامريكي ,فعلينا اخذ مثل هذه التصريحات بجدية وتجاوز المراهنة على الهزيمة الامريكية بهذه السهولة.
وهنا ارغب الاشارة الى رأي الكاتب جابر حبيب جابر ****بهذا الصدد حيث يقول(عند هذه النقطة سيكون علينا ان نتجاوز السذاجة الخطابية التي تتغنى بهزيمة امريكية في العراق، بدون إدراك لحقيقة ان هذه الهزيمة، بالمعنى الذي يسوق له متطرفو المنطقة، ستفتح باب جهنم على الجميع، ثم ان الوضع الامريكي يبدو من التعقيد، بحيث يصبح التسليم المتسرع بأن هذا الحدث أو ذاك هو انتصار او هزيمة بالمعنى المطلق امر غير وارد. ولو قدر للامريكيين ان يخرجوا «مهزومين سياسياً» من العراق، فإنهم سيجعلون تكلفة هذه الهزيمة عالية جداً، ليس أقله حرب مشتعلة بين الاثنيات المتعددة التي عجزت عن ان تتوافق في ظل الراعي الامريكي.)
فاذا كان كل ذلك معروفا للجميع ,فلماذا لا تتحلى القوى الاسلامية السياسية العراقية ببرنامج وطني صادق بعيدا عن التدخلات الاقليمية والخارجية بدلا من تقديم العراق كبش فداء طموحاتهم المذهبية والطائفية الضيقة ولماذا تشارك (شاءت ام ابت)في تنفيذ قواعد اللعبة الامريكية بدقة متناهية في طبخ المشاريع الطائفية على الطبق العراقي (التي تكاد ان تكون اخطر من المشروع الامريكي حيث ستعيد العراق الى العصور الظلامية او العودة للنظم الاستبدادية الشمولية ),واجندتها السياسية ستغرق العراق في نزيف دموي مستمر من خلال اشعال الحرب الاهلية الشاملة التي ستأكل الاخضر واليابس ,ولن تتوقف الا بعد فتور الشهوات ,وايصال القتل الطائفي الى قمته ,وعندما يتعب الجميع ,حينها سيانشدون العدو الامريكي للتدخل في تقسيم العراق بشكل منصف وحيادي .
قد يكتب النجاح لخطة اعادة احتلال بغداد عسكريآ في تخفيف حدة العنف واعادة الاوضاع الامنية الى ما كانت عليه عام 2004 وهذا هو على اقل تقدير ما تتمناه الادارة الامريكية ,لكن دوامة الصراع الطائفي سيبقى قائمآ لفقدان الخطة الى مشروع سياسى شامل للمصالحةوالتمسك بابقاء العراق رهينة الخطاب الطائفي المتمثل بالحركات الاسلامية السياسية الرافضة للمساومة على حقوقها الطائفية بين هيئة علماء المسلمين التي لا تقبل باقل من اعادة احتكار السلطة بأيدي السنة والتيار الصدري الذي لا يقبل باقل من الهيمنة الشيعية على العراق و توطيد العلاقات الاستراتيجية مع ايران و تعميقها لانجاح مشروعها الاقليمي .وعدم تحميل الدول الاقليمية مسؤولياتها في المساهمة في تحقيق هذه المصالحة عبر اشراك الجميع في حوار دولي او اقليمي وحل الملفات العالقة بالاساليب الدبلوماسية عوضا عن سياسة العصا الغليظة.
لايمكن القاء اللوم كله على الفريق الامريكي فيما هو آت للعراق بل سيكون الاسلام السياسي شريكا مناصفا له.
فالمصائب نادرآ ما تأتي فرادى...
هوامش :
* يمكن الاطلاع عى المقال على الرابط التالي
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=77940
** خطاب سنوي تقليدي يلقيه الرئيس الامريكي في منتصف يناير امام الكونغرس الامريكي بحضور اعضاء
مجلسي النواب والشيوخ وطاقم الوزارات وهيئة القضاء العليا ليقدم شرحا للوضع القائم و مشاريع
المستقبل.
*** نقلآ عن شبكة CNN الامريكية .
**** المقال بعنوان(أخيرا العراق بين الخيارات الدبلوماسية .. وتكاليف الفشل)نشر في صحيفة الشرق
الاوسط في العدد10239 بتاريخ 10ديسمبر 2006
#نوزاد_جرجيس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟