|
مع الوقت...اذهب، كل شيء يذهب
حنين عمر
الحوار المتمدن-العدد: 1810 - 2007 / 1 / 29 - 11:52
المحور:
الادب والفن
صوت داليدا ما زال يخترقُ الفضاء في غرفتي: مع الوقت اذهب...كل شيء يذهب ننسى الوجوه وننسى الأصوات و حينما لا يكون القلب على ما يرام يجب أن نترك الوقت يتصرف وهذا جيد جدا
Avec le temps Va…tout s’enva… On oublie le visage Et on oublie la voix Le cœur quand sa va plus Il faut laisser faire et s’est très bien !!!
إنها محقة ٌ بعض الشيء، والكتابة في أصابعي تحاول أن تتبع نوتاتها الموسيقية إلى أماكن بعيدة جدا، يمكنني فيها أن اجلس مع قلم وورقة لأكتب حكايتي مع الزمن... الشيء الوحيد الذي أخافهُ هو الزمن، خوفٌ نابعٌ من سيكولوجية افتراضية تتلعثم على وجوه من سبقوني في ممارسة الكتابة مثل عمي " فكتور هوجو " أو صديقي " بودلير " ، فالكتابة في حد ذاتها تحد للزمن و محاولة لاختطاف قطاراته المسرعة . فتحتُ دفتري، و ابتسمتُ لخربشات قديمة باللغة الفرنسية على حافته، أنا التي ألجأ للكتابة بالفرنسي دائما حينما لا أريد أن يعرف ذلك الرجلُ العراقي الذي أحبهُ ما أريدُ أن أقوله في مقطع مثل:
أغمض عينيّ.. فأغمض عينيكَ هل تشعرُ بي ؟؟؟ جسدي يحتلُ روحكَ وروحكَ تحتلُ جسدي !!!
Je ferme mes yeux …ferme tes yeux Me sent tu ? Mon corps s’empare de ton âme… Mon âme s’empare de ton corps !!!
ابتسمُ حين لا يفهمني ، لأن كل امرأة تعشق أن تتركَ في ذاتها جزءا من الغموض أمام أعين عاشق يحاول اكتشافها تفصيلا تفصيلا ، ويحاول جعلها مملكتهُ الخاصة التي لا يدخلها أحد ، فتحتمي - هي - بالسر الأخير لتظل مثيرة للرغبة والدهشة و الفضول كما أحتمي أنا بقصائدي و أحتمي بعينيه من رؤية تاريخ ميلادي في عيون الرزنامة هذا الصباح . اليوم هو السابع من نوفمبر ألفين وستة، هذا معناهُ أنني أصبحتُ في الثلاثين !!! غريبٌ كيف مضى الوقتُ في انتظاري حتى كأنني تحولتُ إلى كائن ضوئي لا يشعرُ بأن الحياة مجرد محطة باص، ولابد أن ننزل في محطة ما ذات يوم..كما نزل اليوم " كيوبيد " من باص قصتنا وقرر أن يواصل رحلته مع عاشقين آخرين... لذا لم يرن هاتفي اليوم ولم يسقط مطر صوتك مثل مفاجآت العيد والضوء ليعايدني ويخفف عني وجع البقاء منذ عشرة أعوام في انتظار أن تأتي وتمنحني تأشيرة لأحضانك أسافرُ بها إلى الجنة. عشرةٌ أعوام هي ما سأحكيه في هاته القصة التي اكتبها هذا الصباح لأروي كيف عرفتكَ وعشقتكَ وانتظرتكَ ولم يحدث شيء مميزٌ كما يحدث في أفلام هوليود الخيالية حينما تكون البطلة طيبة وجميلة وشقراء بعيون غبية. وربما لأنني امرأة ذكية تغابت لعشرة أعوام فقد قررت ُ أن أرسل إليكَ آخر رسالة في مسرحية البكاء هاته ، رسالةٌ لا أريدك أن تبكي وأنت تقرؤها ولا أن تضحكَ مثل بطل أغنية فيروز : يبكي ويضحكُ لا حزنا ولا فرحا/ كعاشق خط سطرا في الهوى ومحى !!! بل أريدكَ أن تقبل الامر ببساطة أغنيتها الرائعة : حبوا بعضهن...تركوا بعضهن.
كنا نحبها – فيروز- وكنتُ أحبكَ – أنا – وكنت أنتَ غير قادر على مواجهة الزمن الذي أكل عمرك في المنافي...وأنت تنتظر تذكرة عودة للوطن، نحلم بها سويا في كل مكالمة هاتفية فلا يسمع المتلصص علينا سوى صوتكَ !!!
ربما علي إذن أن اخرج عن صمتي واكتبَ إليكَ الليلة، أن أكتب إليكَ بلغة لا تفهمها ...ألم أطلب منكَ أن تتعلم الفرنسية أكثر من مرة ؟؟؟ قلبتُ صفحة من دفتري وبدأت الكتابة: حبيبي...لآخر مرة : حبيبي ...
ما يزال صوت داليدا يثقل تجاعيد المكان، وعلى الطاولة جرائد قديمة لم تعد تصلح إلا لمسح زجاج النوافذ المطلة على فراغ السماء الرمادية مثل أيام نوفمبر التي تستمتع هاته الأيام بمصادقة جو العاصمة الجزائرية معلنة حالة صداقة عجيبة مع النوارس في بور سعيد...تلك النوارس التي تمد أجنحتها على مدى الغيم البعيد باحثة عن حريتها الافتراضية...تماما كما أفعل أنا على مدى ورقة بيضاء ناصعة وحزينة لا مؤنس لها إلا الحبر الأسود وسط عتمة الزمن وأنا أحاول كتابة قصيدة جديدة، أحاول فقط ...فتنزلق بضع كلمات مني..." أنا..أنت...الزمن". ثم لا شيء، لا يمكنني أن أواصل الكتابة...أو لعل الكتابة لم تعد قادرة على مواصلتي...ضاعت القصيدة على شفتي المطرزة بالصمت و تركتني ذاكرتي لتبدأ في رسم ذاكرتها على الجدار...
أضيع أنا...أو بعضٌ مني فقط لأنني أحتفل بعيدي الثلاثين وأشعر أن كل شمعة في كعكة الشوكولا المهملة فوق الطاولة مثل امرأة عجوز... تسخر مني ،تسألني عن الرجل الذي أحببت ؟ عن وعوده، عن أحلامه...عن انتظاري...عن احتراقي الطويل في ممارسة الضوء. ؟؟؟ أتسائلُ مثلها : هل كبرت فعلا ؟؟؟ وتتسائلُ مثلي : ألم تعد تحبني ؟؟؟
وهل أحببتني...فربما لم تفعل أبدا وكل ما كان بيني بينك إنما كان كذبة كبيرة...هل تعرف أن الكذب يمر بجانب أحلامنا ولا يلمسها...فقط يسرق من جيوبها أعمارنا ويمضي... و العمر يأخذ كل شيء معه...كل شيء حتى " نحن " .
لا أعرف لم تتراآى لي عيونك في مرآتي...تصفعني بنظراتكَ الشفيفة و تكسرني ...أتسائل ماذا تريد مني فلا تجيبني...وانتظرك أنا ...امضي أعواما هكذا في كتابة رسائل باللغة الفرنسية إلى رجل لا يفهم الفرنسية مطلقا ولا يريد أن يتعلمها لكي لا يفهم رسائلي...ولكنني في كل مرة تلمس فيها شفاهك حدود فنجان القهوة أهمس لك بنفس تلك اللغة أني: أحبكَ لقد كنت دائما تقول لي : أحبك ِ لكنني أتسائل لم لم تهدني ساعة يوم عيد ميلادي العشرين لتذكرني بأن الوقت يمر ما دمت تحبني...و أن الحب يمر أيضا ما دمنا ننتظر. أتذكر جيدا يوم عيد ميلادي العشرين...كنت حزينة و خائفة من " المارينز " المنتشرين على ضفاف دجلة وعلى ضفاف عينيك... كان ذلك قبل عشرة أعوام ولا أكاد أصدق أن كل تلك السنوات قد مرت علي في كتابة قصة حب فاشلة ما تزال أثار حبرها عالقة على أصابعي إلى اليوم... لا أكاد أصدق أنني أحببت رجلا بلا وطن فتوهني معه غجرية تحمل الريح في فستانها والجنون في شعرها وتتبع قوافل العشق والكهرمان من اللا مكان إلى اللا مكان ِ. و أهمس في غمرة الضياع : - أنا خائفة فتهمس بنبرة مائية شهية: - من ماذا ؟ أقول: - من الوقت فتقول ضاحكا: الوقت لا يخيف...وحين سنعود إلى العراق سنتزوج وننجب ثلاثة أطفال سيحتاجون الكثير من وقتك ليكبروا والكثير من مشاعرك ليحلموا.
كنت أبتسم مثل طفلة مدللة و لكنني لا أتنازل عن سؤال أخير: - متى سنعود ؟
سؤال لم يكن ليطرح ولا ليجاب عليه في قصة حب لا تجد حتى وقتا للموت، لكنه كان يجيبني بجملة اعتدت عليها واعتادت علي: قريبا. يحين وقت العودة...قريبا ...ربما.
" قريبا " و " ربما "...معادلة غريبة وافتراضية تسحبني داخل صمتي، وأشعر فجأة أن هناك أحمرا على شفتي...أحمرٌ فاقعٌ كحلبة الكوريدا ...مليء بالنعومة كجسد امرأة مجنونة ترقص فوق النزيف... ونزيفي استمر ولم يتوقف رغم كل الأدعية التي كررتها في صلاتي وكل الرسائل المكتوبة " بالفرنسية طبعا " التي أرسلتها إلى بابا نويل طالبة منه أن يحضر قصفة زيتون وحمامة بيضاء لأطفال العالم... وأن يحضر لي إكليل ورد و فستانا أبيضا أرتديه يوم أتزوج الرجل المنفي .
لكن رسائلي لم تصل والمنفى لم ينته...وحزنك لم يترك لي مجالا لاختصار ابتسامة.
لم يترك لي مجالا لأقنعك بأنه لا يمكنني أن انتظر انتهاء المجازر في العراق لأنهي مجزرة الزمن فينا...ولا يمكننا البقاء إلى الأبد حالمين بهدوء خرافي سيشرق على الوطن و يحمل معه رغبتك في صنع عائلة صغيرة أنا أمها وبغداد بيتها . واليوم..بعد كل تلك السنوات التي مرت ، أشعر أن رغبتك تلك بعض المستحيل وأن محاولة إقناعي بأني ما زلت صغيرة لم تعد مجدية ولا صالحة للاستهلاك الشعري . لقد أصبحت في الثلاثين ، فهل تعرف كيف تفكر امرأة في الثلاثين ؟ هل تعرف كيف تقترب منك النهاية وأنت لم تقترب من البداية بعد ؟ هل تذكر يوم قلت لك: - سأموت قبلك لكن الفكرة لم تعجبكَ وأخذت تجادلني...مدعيا أنك من سيموت قبلي ، يومها أجبتك بجملة خرجت كسمكة حمراء من مياه قلبي : - أنا أموت وأنت تبقى...لأنني الذكرى وأنت..أنت الذاكرة.
يومها كنت ما زلتُ مؤمنة بأن الحب كاف ٍ...فهل كان الحب كافيا ؟ لن أطلبك الليلة، فهاتفي النقال يرفض أن يسمع صوتكَ... يرفض أن أسألكَ: لماذا نسيت عيد ميلادي ؟ يرفض أن أسألك: لماذا نسيت، وكذبتَ...وضعت في برد المنفى البعيد ؟ يرفض أن أسألكَ: كيف استطعت أن تجعل مني امرأة على هامش الزمن...ليس لها مواعيد ثابتة وليس لمواعيدها أحلام ثابتة...وليس لأحلامها سوى علب تونة تخطت تاريخ صلاحيتها كنت تسميها قصائد حب ترسلها إلي حتى لا أنتبه إلى الساعة ، لكنها في النهاية قتلتني.
هكذا مضت عشرة أعوام و مضت بغداد و مضى عطركَ في الهواء. هكذا ما ظل منك سوى طيفكَ يخترق مساحة الأشياء حولي...مازال صوت داليدا يصاحب آخر رسالة أكتبها إليكَ: حبيبي لا ترجع متأخرا لا تصب بالحزن..لأنه فعلا مع الوقت... يذهب كل شيء.
حبيبتكَ
ثم ...أغلقتُ الدفتر، وألقيتهُ بعيدا .
Avec le temps, va…tout s’en va :* أخر أغنية لداليدا : مع الوقت اذهب..كل شيء يذهب
Fayrouz est une grande diva de la chanson orientale. فيروز مطربة كبيرة في العالم العربي.
Le texte intégral est écrit en deux langues arabe /français النص الأصلي مكتوب باللغتين: فرنسي / عربي
المقاطع الشعرية في القصة مقتطفة من قصائد باللغة الفرنسية للكاتبة.
#حنين_عمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رغباتٌ على هامش الأزرق
-
خربشة على غلاف تذكرة جوية
-
اسئلة على شط دجلة
-
ديموقراطية عاشقة
-
إلى 2007 : تعال...لا تجيء أبدا
-
كل عام وأنت صديقي - الى الحوار المتمدن
-
امرأة وتسع مطارات-3
-
رقصة الفالس الأخيرة....
-
أمرأة وتسعة مطارات -2
-
الصمت أنتَ.. ,انا مواويلُ العراق يا حبيبي
-
سكَّرٌ وقهوة
-
رسالة إلى عاشق عربي
-
الستائر البنفسجية
-
مواسم الزيتون والألم
-
وطن من الياسمين
-
طريق الحزن
-
هنا القاهرة
-
الطريقُ إليكَ
-
اشتهاء لمساحة حنين أخرى
-
امرأة عربية في مقها ألماني
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|