|
لن يُغْفَر للشعب الفلسطيني سكوته!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 1810 - 2007 / 1 / 29 - 07:19
المحور:
القضية الفلسطينية
النائب العام الفلسطيني أحمد المغني أراد لـ "سلطة القانون" أن تؤكِّد وجودها وحضورها، وأن تضطلع بمسؤولياتها، أو أن تُظْهِر أنَّ لديها الإرادة والنية والرغبة في ذلك ولو لم تسطع إليه سبيلا، فأعلن تأليف لجنة تحقيق خاصة من خمسة من أعضاء النيابة العامة للتحقيق في "كل جرائم الانفلات الأمني". وكان ينبغي للأجهزة التنفيذية جميعا التعاون مع هذه اللجنة، وتنفيذ القرارات الصادرة عنها للكشف عاجلا عن الجناة، لكنَّ شيئا من هذا التعاون لم يتحقق، فاضطُّر النائب العام إلى أن يُحَمِّل الأجهزة التنفيذية والفصائل ووزارة الداخلية مسؤولية هذا التقصير، وأن يُعْلِن ويوضِّح الآتي: المدعوون إلى التعاون تقاعسوا عن تسليم المطلوبين من مرتكبي الجرائم للنيابة العامة، أو عطَّلوا تنفيذ آلاف مذكَّرات الإحضار الصادرة بحق أولئك المطلوبين، أو أمَّنوا لهم الحماية والحصانة، فمضوا قُدُما في ارتكابهم الجرائم. وعليه، ظلَّ نحو 80 في المئة من المجرمين مطلقي السراح!
شكرا للنائب العام على ما تفضَّل به على الفلسطينيين ممَّا يملك من معلومات قبل أن يُدْرِكه ما أسكته عن الكلام المباح، فهذا الذي يُمثِّل "سلطة القانون"، حيث لا سلطة ولا قانون غير سلطة وقانون أولئك الذي يرتكبون عن (أو مع) إسرائيل و"المحافظين الجدد (اليائسين القانطين والخطرين بالتالي)" جرائم في حق الشعب الفلسطيني وقضيته القومية، كان ينبغي له، حتى لا يُلام هو أيضا، أن يكسو عِظام كلامه لحما، وأن يتوسَّع في التحديد والتعيين والتسمية، فيُبْلِغ إلى "الضحية"، وهي الشعب مع حقوقه ومصالحه وقضيته، الاسم الرباعي لكل مجرم، أو لكل مطلوب للنيابة العامة من مرتكبي الجرائم، فهناك نحو80 في المئة من المجرمين والجناة ما زالوا منتشرين في الأرض، يعيثون فسادا، ويمضون قُدُما في ارتكاب الجرائم.
وكان ينبغي له أن يكفَّ عن "المجاملة"، التي تضر الشعب وتنفع أعدائه الذين يتلثَّمون بفلسطينيين متلثِّمين، وأن يُظْهِر قدرا أقل من هذا الإحساس (الضار) بالمسؤولية، فيكشف لـ "الضحية"، أيضا، عن هوية أولئك الذين أمَّنوا الحماية والحصانة للمجرمين، و"تقاعسوا" عن تسليم المطلوبين من مرتكبي الجرائم للنيابة العامة، وعطَّلوا تنفيذ آلاف مذكَّرات الإحضار الصادرة بحقهم.
وكان عليه، أخيرا، أي بعد أن ينطق بما تحضُّه الضحية على النطق به، أن يستقيل، أو أن يهدِّد بالاستقالة إذا لم يرَ التعاون الذي يريد في مهلة محدَّدة، فالاستقالة، في مثل هذه الحال، هي الإجراء الذي به يؤكِّد المستقيل عزمه على تغليب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، أو الفئوية الضَّيقة.
لقد اتَّهم النائب العام قوى فلسطينية عدة بـ "التقصير"، أو بما يشبهه من مثالب يمكن ويجب النظر إليها في الحالة الفلسطينية الحاضرة على أنَّها جرائم في حدِّ ذاتها، أو مشارَكة غير مباشرة في ما يُرتَكَب من جرائم في حق الشعب الفلسطيني.
وكان ضِمن المتَّهمين "وزارة الداخلية، فانبرى له رئيسها سعيد صيام يدافع عن الوزارة ويبرِّر عجزها عن الاضطلاع بمسؤولياتها في مواجهة "الانفلات الأمني"، و"جرائم الانفلات الأمني". على أنَّ كل "مرافعته" لم تنطوِ إلا على ما يحضه على ترك منصبه والاستقالة، فَلِمَ هذا المنصب والاستمساك به إذا ما كانت العاقبة هي هذا الذي نرى من انفلات أمني ومن جرائم، أؤكِّد لكم أن تذليل العقبات من طريق ارتكابها قد بدأ إذ ارْتُكِبت جريمة اغتيال شارون للرئيس ياسر عرفات.
هذا الذي نراه ليس باقتتال فلسطيني، أو حربا أهلية بين الفلسطينيين، وإنْ قال نحو 54 في المئة من فلسطينيين اسْتُطْلِعت آراؤهم إنَّ الفلسطينيين قد دخلوا مرحلة الحرب الأهلية.
ما نراه إنَّما هو جرائم ترتكبها فئة ضئيلة من المجرمين في حق الغالبية العظمى من الفلسطينيين الذين يُقْتَلون ولا يشاركون في أعمال القتل والإجرام. لو انقسم الشعب، أو المجتمع، على نفسه، طائفيا أو مذهبيا أو ..، وأظْهَر من الدافع الجماعي للاقتتال ما جَعَل لمثيري أعمال العنف عُمْقا شعبيا، لقُلْنا إنَّ ما يحدث في قطاع غزة والضفة الغربية هو حرب أهلية.
الغالبية العظمى من الفلسطينيين تلعن الآن القاتل والمقتول من تلك الجماعات أو المجموعات المنفصلة تماما عن الشعب والمجتمع، والتي لديها من مصادر التغذية الخارجية ما يجعلها بمنأى عمَّا يسبِّبه الحصار المالي والاقتصادي الدولي من معاناة، وغير مكترثة لما يحلُّ بالشعب من كوارث ومآسٍ، تصنعها بالتعاون مع هذا الحصار.
على أنَّ المصيبة تكمن في كون تلك الزُمَر المنفصلة تماما عن الشعب، والتي تستسهِل التخاطب بلغة الحديد والنار، والسعي في حسم كل خلاف أو نزاع بالعنف، تتلفَّع بعباءات قوى سياسية فلسطينية تملك من صفة التمثيل السياسي للشعب ما يبقيها غير منفصلة بَعْد عنه، وإنْ اشتد ميل الشعب إلى الانفضاض من حولها، وعزلها على نحو يمكن أن يفضي إلى تحوُّلها إلى "قبائل سياسية" متناحرة على أشياء، يكفي أن تتناحر عليها حتى يصبح الفلسطينيون شعبا بلا قيادة!
إنَّ زمرة من هنا، وزمرة مضادة من هناك، تسعيان بما تملكان من نفوذ قوي غير مستمَد من الشعب إلى حسم الصراع، الذي لا ناقة للشعب فيه ولا جَمَل، بوسائل وأساليب، أقل ما يمكن أن يقال في متَّبعيها ومستخدِميها إنَّهم أناسٌ يزِنون المصلحة العامة للشعب الفلسطيني بميزان مصالحهم وأهدافهم الذاتية، التي لا يتورَّعون عن إلباسها لبوس المصلحة الفلسطينية العامة.
والمصيبة تكمن، أيضا، في كون "الحكماء" و"العقلاء" و"الشرفاء" قد اتَّفقوا على تحريم الدم الفلسطيني، وأوشكوا أن يتَّفقوا على حلٍّ يرضي الفلسطينيين إذا ما قارنوا نتائجه بنتائج الـ "لا حل"، فإذا بالمجرمين المتسربلين بسرابيلهم ينقضُّون بجرائمهم على "الاتِّفاق" و"المتَّفقين"، وعلى الشعب بأسره، وكأنَّهم يريدون أن يقولوا: نحن، لا أنتم، ولا الشعب، من يملك اليد الطولى.. يد الهدم والدمار، والتي لن تهدم وتُدمِّر إلا بما يَجْعَل صاحبها، أراد ذلك أم لم يُرِد، من بناة الهيكل الثالث.
لقد حان للشعب الفلسطيني الضحية أن ينزل إلى الشارع، واحِدا موحَّدا، فيؤكِّد وجوده السياسي المستقل عن العابثين بمصيره ومستقبله، ويعزل وينبذ الزُمَر المغتَصِبة لإرادته وقراره، ويجتذب إليه "الحكماء" و"العقلاء" و"الشرفاء" من قادته، محرِّرا إيَّاهم من قبضة وسطوة تلك الزُمَر وأسيادها في العواصم غير العربية، فالتاريخ إنْ علَّم الضحية شيئا فإنَّما علَّمها أنَّ مأساتها من صنع يديها في المقام الأول، فالشعب لجهة إظهاره العجز والتقصير عن الدفاع عن وجوده وحقوقه ومصالحه إنَّما يشبه المرأة التي استسلمت لعابر السبيل الذي أراد اغتصابها، فاغتصبها؛ ولن يُغْفَر لها، بعد ذلك، ذنبها هذا، ولو جاءوا بها إلى الكنيسة!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-التقارب- بين الرياض وطهران!
-
جدل قانون الأحزاب الجديد!
-
التقريب بين المذاهب.. في الدوحة!
-
الخلوة الدمشقية!
-
كفَّرْنا بعضنا بعضا فعُدنا غساسنة ومناذرة!
-
رايس وصلت إلى رام الله في زيارة للعراق!
-
بوش.. من -العجز- إلى ارتقاب -معجزة-!
-
الوعي
-
درءا لنصر يُهْزَم فيه الشعب!
-
في الدياليكتيك
-
هذه هي -الاستراتيجية الجديدة-!
-
المرئي في -المشهد- ومن خلاله!
-
موت كله حياة!
-
حَظْر الأحزاب الدينية!
-
أوْجُه من الفساد!
-
حذارِ من -حيلة الهدنة-!
-
ملامح -التغيير- كما كشفها غيتس!
-
قصة -الروح-!
-
ما ينبغي ل -حماس- قوله وفعله!
-
-المقارَنة- و-التعريف-
المزيد.....
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|