فجر يعقوب
الحوار المتمدن-العدد: 1809 - 2007 / 1 / 28 - 07:42
المحور:
الادب والفن
لم تكن الصورة التلفزيونية بأبهى حالاتها ،بل ربما لم يكن هناك صورة ليستقوي بها هذا المغني الذي كان يرتفع بصوته الشجي المدرب فيرفع الناس معه. تفصلنا بضعة عقود أو أكثر بقليل عن سنوات البراءة حين كان المغني يتكئ على صورة شفافة مثل كريستال نقي وثمين لايخدشه إلا ألم الرحلة الطويلة مع كل أغنية يطلقها في ملكوت الفن الجميل.
الآن تختلف الصورة تماما،اذ تبدو صناعة النجوم وكأنها قد أتت على كل شيء حولها ،لأنها مربحة وحاسدة وكسيحة في آن ،وهذا مايفسر زيادة الانفاق عليها،اذ تساوي كلفة فيديو – كليب واحد أحيانا ميزانية فيلم روائي يكون طليعيا في كل شيء إلا في تمويله.والكثير من هذه الشرائط ولدت أساسا في الغرب من أجل انقاذ صناعة الأغنية هناك من الكساد واعادة بث كل ماهو مألوف ومكرور ،وهذه بالطبع حجة العالم التفكيكي الاستهلاكي الذي نحبو إليه من دون أمل قبولنا أعضاء أصيلين فيه،بل نكاد نبقى على الهامش ،وبنظرة تقويم واحدة يمكن للمبتدئ أن يكتشف أنها في معظمها مكلفة للغاية ولاتسد رمقا عاطفيا أو تسكن مهجة ثائرة.
صحيح أن الصورة التي يدور الحديث عنها الآن قد تطورت بفضل التقنيات الرقمية الحديثة ،وهي قد استجرت معها رهافة أثرت في العين أكثر فأكثر،لكن صورة المغني تطورت معها بعكس السنوات التي نبحث عنها ،فبتنا نشاهد الكثير من العيون المحملقة ببعضها ،العيون التي تقدح شررا وتلتهم أصحابها من دون رحمة ،والأجساد التي تتقصع وتتمايل دون أن ترأف بنا ،والأدهى من ذلك كل تلك الشفاه المكتنزة التي تتمطق وتعبث بالحروف على هواها.
الرهافة البصرية كما نراها في صورة اليوم لاتبحث عن زمن البراءة بالأوصاف إياها ،فهذه سنوات يطويها النسيان مع فوضى الغناء، وفوضى لم تعد المرأة فيها تمشط فيها شعرها بغية تقليد حركات النجوم ،على مايذهب النحات رودان.الرهافة الآن أصبحت تقنية بحتة ،وهي شرهة وفيها امتهان لأمثلتها الكثيرة ،واذا عدنا طائعين الى سنوات البراءة،فسنجد المغني الكبير وهو يستعد لأداء أغنيته (يامالكا قلبي) ،وهي أغنية تدأب روتانا على بثها بالأسود والأبيض ،فيما تقترب منه فتاتان وتقومان بتقبيله وتهديانه الورود ،ويزيد هذا من حماس الجمهور ،فيشتعل تصفيقا وصفيرا ،ويحمر وجه المغني ،ويختفي وراء خجله ،وتراه يحلف قائلا :" دول غنوة وأنغام بنات الموجي".
هل كان على المغني الكبير أن يحلف أمامنا ليردنا مبتهجين الى سنوات البراءة التي نقصدها ..ربما ..من يدري؟!
#فجر_يعقوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟