أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - سهام يوسف علي - موازنة على أرائك مهترئة: العراق بين النفقات الحاكمة والملاعق الذهبية














المزيد.....

موازنة على أرائك مهترئة: العراق بين النفقات الحاكمة والملاعق الذهبية


سهام يوسف علي

الحوار المتمدن-العدد: 8359 - 2025 / 5 / 31 - 11:37
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


في العراق، الموازنة العامة تشبه أريكة قديمة: كلما غطّيتها بقماش فخم، زاد وضوح اهترائها. الموازنة تُكتب بلغة جافة من "أرقام إجمالية" و"تخصيصات استراتيجية"، لكنها في الواقع خريطة فشل متكرر، تخبرك أين تُهدر الأموال لا أين تُبنى الدول. الجميع يطالب بترشيد النفقات، ما عدا أولئك الذين يقررونها، فهم مشغولون إما بحفل توقيع اتفاقية جديدة، أو بإعداد قائمة الطعام لمؤتمر دولي يتحدث عن "الشفافية والإصلاح المؤسسي".

في عام تُقدّر فيه الموازنة بـ150 ترليون دينار، تذهب 94 ترليون إلى الرواتب والمتقاعدين والرعاية — وكأن الدولة صارت "مكتب توظيف مؤقت" لا أكثر. أما خدمة الدين العام فحصتها 16 ترليون دينار، تكاد تقول معها: "المديونية باقية وتتمدد". ولا ننسى مستحقات شركات جولات التراخيص، التي تُدفع بدقة وسخاء لم يُعرف في دفع أجور العمال المحليين أو مستحقات المقاولين المتعثرين. وبين هذا وذاك، يُرمى فتات تمويني بنحو 10 ترليونات لشراء الوقود والدواء والطحين، كي لا يُقال إن الدولة بلا حس اجتماعي.

لكن مع كل هذه الضغوط، تُستخرج "معجزة إنفاقية" لشراء ملاعق ذهبية لضيوف القمة العربية، ربما ليتذكروا طعم الضيافة النفطية حتى بعد مغادرة بغداد. ولأن "صورة الدولة" أهم من بنيتها، فلا مانع من استيراد سيارات فارهة لأصحاب المعالي، وتأثيث صالات المناسبات الرسمية بذوق رفيع يفوق الموازنات نفسها، كل ذلك في بلد قد يتوقف فيه مشروع ماء أو مدرسة بسبب "سقف التمويل"..

في العراق، قد تُلغى مشاريع حيوية بسبب العجز، لكن لا تُلغى الولائم الرسمية، ولا يتأخر "موسم الاستيراد الاستهلاكي"، ولا تُمسّ امتيازات ومخصصات الطبقة المخملية من الرئاسات والكتل السياسية وحمايتهم المدججة، فالتقشف لا يصعد إلى الأعلى، بل يهبط فقط على رؤوس البسطاء.

وفي بلد تُدار فيه النفقات بمنطق الولاء لا الأولوية، لا بد من فهم تصنيف غير رسمي يحكم الواقع: فئات المواطنين حسب الأهمية. فهناك فئة الـVVIP، من الرؤساء وزعماء الكتل، الذين لا تطأ أقدامهم أرض الموازنة إلا عبر سجادة من الاستثناءات. يليهم الـVIP، من النواب والمسؤولين السابقين وأصحاب "المناصب الغامضة"، ممن تُفتح لهم الأبواب الخلفية في كل شيء. ثم تأتي فئة المواطن العادي، ذاك الذي يُطلب منه الصبر و"الوعي المالي"، لكنه لا يجد راتبًا منتظمًا أو علاجًا مجانيًا. وأخيرًا، المواطن غير المرئي، الذي لا يُحسب في الموازنة إلا كرقم في خانة البطالة أو بند "الأمل القادم". فالمساواة في العراق ليست في الفرص، بل في الشعور بالعجز أمام طبقة محصنة بالنفقات والامتيازات.

البلاد التي لا تملك مساحة مالية إلا بنسبة 11% خارج النفقات الحاكمة، تنفق كما لو أن الفائض النفطي أبدي، والتنمية المؤجلة قدر إلهي. في دولة تُدار بعقلية "الطوارئ الدائمة"، لا توجد أولويات سوى تلك التي تلمع في الصور الرسمية، أو تُبرَّر في المؤتمرات الصحفية. كل سنة هناك "مراجعة دقيقة للموازنة"، تنتهي دائمًا بإعادة إنتاج الأزمة، وتجميلها بلغة فنية لا يفهمها حتى واضعوها.

في العراق، قد لا يكون هناك ضوء في نهاية النفق، لكن هناك بالتأكيد شمعدانات ذهبية في منتصفه.

*الـVIP و الـVVIP تعني (Very Important Person) (Very Very Important Person)



#سهام_يوسف_علي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- روسيا: تراجع المخزونات العالمية حفّز أوبك بلس على رفع إنتاج ...
- ترامب يدفع الفدرالي نحو -هيمنة مالية- خطيرة تهدد الاقتصاد ال ...
- الإمارات ثالثة عالمياً بأصول صناديق سيادية بقيمة 2.5 تريليون ...
- ترامب يوقع قانون خفض الضرائب والإنفاق في ذكرى الاستقلال
- العراق يتصدر قائمة 8 دول في “أوبك+” تقرر رفع إنتاج النفط
- هل تفتح قمة أذربيجان باب الاندماج الاقتصادي لأفغانستان؟
- ملفات -ساخنة- على جدول قمة -بريكس 17- في البرازيل
- شلل اقتصادي وتجاوز على الاستحقاقات.. تأخير موازنة 2025 يفتح ...
- -أوبك بلس- يعلن زيادة جديدة في إنتاج النفط
- الخليفي رئيس سان جيرمان: ديمبيلي يستحق الكرة الذهبية لأنه فع ...


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - سهام يوسف علي - موازنة على أرائك مهترئة: العراق بين النفقات الحاكمة والملاعق الذهبية