|
عاشوراء.. القضية بين الرؤية وسرفة الدبابة
نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 1809 - 2007 / 1 / 28 - 07:35
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
عاشوراء.. القضية بين الرؤية وسرفة الدبابة
نعيم عبد مهلهل
يتشكل القدر التأريخي من خلال تشكل القدر الصانع للفعل ، الذي هو حتما وليد غاية وفكرة ورغبة ، هذا القدر الذي يكاد أن يكون غير خاضع للغيب وإنما للقصد المسبق يشكل في مجمله الحدث التأريخي بشتى مشاهده ، بناء دولة ، قيام حرب ، إختراع آلة ، تأليف كتاب ، إعلان ثورة ، غرق تايتانيك ...أي كان . منذ زمن الكهوف ، وحتى زمن عابرات القارات والأحزمة الناسفة . مجمل هذا الكون الزمني ، هو تأريخ مدون أو مستذكر شفاهياً ، وعمومه يمثل ( ماكان ) عبر هاجس الحدث ومقولة ( أمم سادت ثم بادت ) ..ومن السيادة والإبادة يبقى شاهد ماحدث يمثل في منطق الحضارة : (التأريخ ) الذي يُقرأْ من قبل الجميع ( إستذكاراً وإستعباراً ) ومن العبرة نأخذ حدثاً تأريخاً واحداً ، هو واقعة ( عاشوراء ) .. الواقعة التي حدثت لعشرة أيام في مواجهة غير متكافئة بين الحسين بن علي ( عليهما السلام ) وصحبه السبعين ، وبين جيش بن زياد والي يزيد بن معاوية في الكوفة ، والقضية هي قضية مبدأ بالنسبة للحسين ع . في إعادة حق يعتقدُ فيه إنه خَلفٌ لأبيه الذي قتل غدرا في مؤامرة بن ملجم وكانت فقدان للزهد والحكمة والقوة التي تحتاجها الامة والاسلام أكثر من أي وقت . وحدث الذي حدث ، كما في السرد التأريخي والمأساوي للواقعة التي يمكن قرأتها بوضوح وتجلي في كتاب أبي فرج الأصفهاني المسمى ( مقاتل الطالبين ) والتي صورت الايام العشرة بمجريات النقل الشفاهي عن شهود عيان شاهدوا الملحمة والدروس الكبيرة التي سطرها الحسين ع وأصحابه في مواجهة الالوف المؤلفة من جيش إبن سعد . ويمكن ان تقرأ هذه الايام العشرة بقراءات لاتحصى وبأشكال متعددة المستويات من حيث هواجسها ( الثورية ، والنفسية ، والأيمانية ، والروحية ، والتعليمية ، والغيبية ، والحضارية ) ...وكل هاجس يمثل رؤيا ومنطق وعبرة . وعلينا أن ندرك إن تلك الأيام العشرة هي أيام لثورة خالدة تمثل في منطقها ( الثبات ) من أجل ما نؤمن به ، وإلا كيف يمكن أن يقاس في موازنة الحرب بين سبعين جندي في جهة وفي الجهة المقابلة عشرة الآف جندي . لأجل هذا نعتبرهذه العشر ( المحنة ) ، فاصلة لتأريخ يقرأ بمستويات كثيرة وأهمها المعنى الثوري في خطوة الحسين ع من خلال إصراره على متابعة السير وهو يعرف سلفا إنه من غير الممكن في معادلة لاتتوازن فيها قوى العدة والعدد أن يكون هناك نصر لصالحه . فنرى رؤية الأمر في هكذا تصور . ( نجد إن تجدد الروح المقاومة زائدا الهالة الكبيرة من الأيمان زائدا مثابة الحزن والخيبة لوعود لم تحقق تتحد في ذات إبن رسول الله وتجعله أكثر ثباتا من ذي قبل .) يقول هوشي منه في إتجاه ثوري يقارب هذا الأمر : إن الثائر هنا ينسى الفوارق المادية بين بندقيته ومدفع العدو ويذهب بعيدا وكأنه حسم النصر له . فيما يعد ماسنيون وهو يجد في البحث عن شهادة المتصوفة من أجل إحساس الذات بالسمو ، إن قضية الحسين في وقفتها العميقة وهالة الايمان التي تحيط بها تمثل للتصوف إستشراق وثبات رغم إن الحسين قضيته بمنحى سياسي فيما المتصوفة يندرجون ضمن إستشراق مايحسون حتى لو كلفهم لحظة الصلب كما مع الحلاج . في رؤية هوشي منه ، وماسنيون ، تندرج عاشوراء ضمن الثورة النظيفة ، كالتي تسجل في سابقات التأريخ ولاحقاتها من الثورات التي تبدأ بالأنسان وتنتهي بإنسان كما هو الحال مع ثورة سبارتكوس في عهود روما ، وثورات الشعوب في الحاضر التي نضع جيفارا مثالا لها لإنه يمتلك الرؤية في إن الأنسان الفرد قادر بحبه لقضيته ومبادئه أن يصنع الصحوة الشاملة التي تقود الى الثورة الناجحة . والحسين (ع ) ،كان بكامل الصحوة والرؤية حين قاد ركبه صوب كربلاء ليثبت إنه صاحب قضية وليس صاحب تاج ، وقراءة لمدونة مقاتل الطالبين وبعض السير التأريخية التي كتبت بتوثيق تأريخي عن تلك الأيام العشرة تكشف إن الأمام الحسين ( ع ) كان خلال محنة المواجهة يتعامل مع الأمر بروح القائد ولكن بذاكرة إستشراقية عالية السمو ، وهذا كان كفيل بإن ينسيه هول الفارق بالعدة والعدد بين جيشه الصغير والجيش الاموي الآخر المحتشد بألوفٍ مؤلفة . كان وعي الثورة يخطط له من قبل الحسين ( ع ) بإداء عال ، وكان عليه أن يجد الموازنة بين الضغط الأسري من العوائل التي كانت تأن من عطش الصغار وخوفهم داخل المخيم وبين الموت اليومي الذي كان يمارس على صحبه وأبناء بيته إذ كان جنده يتناقصون يوما بعد يوم ، وكل يوم من تلك الايام العشرة تأتيه رسائل قائد جيش يزيد ليقول : تنازل عن الامر تأخذ من الدنيا الكثير وتسلم بعز مع الباقين من أهلك وصحبك . وكان الرفض هو ما يردده الحسين أمام نداءات المساومة . إذ لاشيء من ماديات الدنيا يمكنها أن تغري رجلٌ كالحسين علمه أبوه : إن إدراك الحقيقة عندما لايأتي عن طريق منهج الكلام ، فالسيف اولى مهما كانت التضحية والنتيجة . ولإنه كان يعرف النتيجة ، كان الأمر بالنسبة له محسوم ، وربما كان يدرك ماسيحدث بالضبط له ولبيته ، وكان يعلم بسيناريو السبي وحرق الخيام ، ورغم هذا ، هو يعلم بالمقدر وماسيحصل وعليه أن يكمل الطريق وإن يكبر حزنه وجزعه حين يرى أخيه العباس قطيع الكفين وقرب ضفة العلقمي مضجر بدماء نخوته وبسالته والشهادته . بعد اليوم السابع ، إعيدت نداءات المساومة ، لكن الحسين ( ع ) مضى الى قدر اليوم العاشر ليسجل التأريخ واحدة من أ روع الوقفات الثورية والروحية والتي مثل فيها نكران الذات قيمة الانتماء الى ضفة التشيع في سبيل مبدأ الحق ، لافي سبيل مبدأ العنصرية والطائفية وحب الجاه والتاج . كانت رؤية الحسين (ع ) للثورة هي رؤية لصناعة الحرية ، وصناعة الحياة الجديدة عبر الأستشراق المؤمن وليس هناك رغبة منه لتأسيس مجدا لدكتاتورية السيف إذ كان يقال عنه في وصف لطباعه وأخلاقه وشمائله : إنه كان هادئا ، مدركاً لوصية أبيه ، ومتحفزا لقول الجملة الكاملة ، وبشوشاً متسامحاًً ويرجح العقل في كثير من ردود الأسئلة . حتى قيل إنه الأقرب لعادات جده وأبيه ، وإنه حينما كان في حجر النبي في طفولته ، كان يظهر هدوءا في الجلسة ، فيقول النبي ص : ارى في هدئة الجلسة هذه محنة فائرة وأياما عصيبة . وربما ظل الحسين يحمل رؤى جده النبي ص ويدركها ولهذا حين سير الركب صوب كربلاء كان يعلم بالمصير ، وماتأتي به المعركة ، وبعد قرون حمل الجنرال جياب ، القائد الفيتنامي الذي هزم الفرنسيين في معركة الفصل من إجل إستقلال فيتنام قوله : في الشرق القوي ، رجال تعلمت منه خططاً ، قادتني لأهدم أسوار القلعة على رؤوس أعدائي . وربما درس الحسين ( ع )هو أحد الدروس . يرى قديس الهند ( المهاتما غاندي ) إن قضية الحسين ( ع ) تمثل للشرق الباحث عن حريته واحدة من المنارات الخالدة ، وإن وقفته الشريفة هي درس بليغ للشعوب لتنال حريتها من خلال عدم التفكير بالموازنات القتالية وتأثير آلة الحرب لإن الأصرار الروحي الذي يخلقه المبدا الحق قادرعلى صناعة المعجزة . علينا إن نعكس هذا في واقع جديد ، قد يشمل كل بلاد ترضخ تحت نير محتل في أي مكان من العالم . ينظر الى عاشوراء ، كنقطة تحفيز لمجابهة المحتل ، النقطة التي حين نعكسها على احتلالات زمن العولمة علينا أن ندرك فيها رؤية التخطيط والموازنة وتعلم الدرس ، فقضية الحسين ( ع )هي قضية وقت بخصوصية تأريخ معين وزمن كانت فيه رؤى الثورة تولد بسيف وتموت بشهادة من جرح هذا السيف . الآن تغيرت العدة وبقي الهاجس ولكنه ليس هاجس سيف . ينظر اليوم الى قضية الحسين ( ع ) والاستفادة منها في التخلص من سرفة دبابة المحتل على إنها قضية للوعي والمثاقفة والمحاججة ، ومن ثم حين يقطع سبيل الوصول عند تلك المبتغيات تأخذ الثورة مدى آخر .. وتصبح عاشوراء صورة للبازوكا التي عليها إن تعطل سرفة الدبابة التي تسير متبخرة في شوارع مدننا الحزينة ...
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رؤى عن الجمال وعطر البياض
-
عكاز قاسم حداد
-
الحسين ع - العراقي الأصيل الأصيل أبداً
-
النبي الأب ..والعمُ النفري
-
قصيدةٌ عن عُطاس الخبز
-
دمعة على مدرج ملعب كرة قدم
-
أنا أحب العراق ..إذن انا حزين
-
المستنصرية الشهيدة
-
بابل ...وجنائن من لغز ورموش التوراة
-
من طور سيناء ..الى طور الشطراوي
-
شروال بحجم غيمة ، وكاكا دعابتهُ القمر الآري
-
إغنية ( لصدى صرخة وردة ، في آنية حلم )
-
العراق ..الشمس أجمل في بلادي من سواها
-
العراقي الحالم ..والعراقي المسالم ..بين الوطن والمهجر
-
العراقي ..من تعرق بعرق العرق الطيب
-
الفضاء - مساحة اليقين لرؤية العين ..
-
نصٌ مشتعل ، بنارِ الثلجِ ..وعيونِ ملاكٍ من الجنة
-
الكتابة على الشفاه .. بحبر الآه
-
قصائد / كزار حنتوش / الموت بأرجوحه
-
اتمنى أن لايكون عام 2007 .عام 2000 ودمعة
المزيد.....
-
قد لا تصدق.. فيديو يوثق طفل بعمر 3 سنوات ينقذ جدته المصابة
-
مستشار ألمانيا المقبل يواجه طريقًا وعرًا لتعديل سياسة -كبح ا
...
-
اندلاع النيران في محرك طائرة تابعة للخطوط الجوية الأمريكية ع
...
-
الموحدون الدروز في سوريا وتحديات العلاقة مع السلطة الجديدة
-
أمريكا وإسرائيل تتطلعان إلى أفريقيا لإعادة توطين غزاويين
-
موريتانيا.. حبس ناشط سياسي بتهمة -إهانة- رئيس الجمهورية
-
مترو موسكو يحدّث أسطول قطاراته (فيديو)
-
تايلاند تحتفل باليوم الوطني للفيل (فيديو)
-
اختتام مناورات -الحزام الأمني البحري 2025- بين روسيا والصين
...
-
القارة القطبية الجنوبية تفقد 16 مليون كيلومتر مربع من الجليد
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|