دينا سليم حنحن
الحوار المتمدن-العدد: 8342 - 2025 / 5 / 14 - 11:54
المحور:
الادب والفن
قصة قصيرة
يوميات جندي في ساحة الوغى (1)
وصلني استدعاء للخدمة العسكرية، أنا مهاجر جديد، لكنني ملزم.
حملت دفتر ملاحظات بعد أن سلمتهم هاتفي الجوال، ركن دفتر التدوين جانبي صامتا، تأملته لساعات، انتظرتُ والفريق في قلق ملحوظ، لو كان رجلا وصف حالتنا! أردت تدوين الحدث، لم أتقن لغة الوطن الجديد بعد، وبقيت اللغة الأمهرية راسخة في رأسي المذلول، حاصرتني شرارة، شهوة التعبير كتابة، لا يعلم الكولونيل أنني كاتب، كتبتُ رسائل العشاق إزاء ربع بير (عملة أثيوبية)، انتقلتُ من بيت إلى بيت، سلّمتُ رسائل الحب في الخفاء، لكن، أكثرية العاشقين هناك أميين وأميّات، اضطررتُ قراءة الرسائل لهم، طبعا إزاء مبلغ إضافي، الشيء الجميل النابض حياة في وطني الأم، العشق الحقيقي، أكثره العشق الممنوع! أحبني متسولوا العشق، أحبوني، نعتوني برسول الحب، حتى أنني مارستُ مع بعضهن الحب وأنا أقرأ الرسائل، يا لهوي، ماذا فعلتُ؟ لكن هنا في هذا الوطن، كلهم يتقنون القراءة، ويكتبون الرسائل عبر الموبايلات.
خسر العالم الحب الحقيقي، العشق الحقيقي يُدوّن على الورق، ويبقى قرونا دون أن يمحى، لا أؤمن بالرسائل النصية.
من بين أزيز الرصاص، انتشر الخوف، غمرني ومن حولي، اشتهيتُ امرأة، بدأت أنبش داخل ذاكرتي عنها، من بينهن، عنهن، عن كل واحدة أذيبت وأذابتني، تذكرتُ بثينة، كمنت نار الشهوة داخل شفتيها، احترقتُ في قسمات وجهها الناعم، اشتقت لها، حلمتُ فيها، كل شيء فيها شدني إليها، جننتُ بها، كانت أول الحلم، وليست آخره، ماذا فعلت بي؟ كم أشتهيها الآن بالذات وأنا في ساحة الوغى ؟
في اللحظات العصيبة نبدأ باسترجاع لحظات جميلة عشناها، أهمها، لحظات تذكرنا رجولة، إن ضاعت تصبح الرجولة معصية إلهية، ويضيع من الرجال كل شيء، وأهم شيء يملكونه!.
استنشق جندي دخان سيجارته بلذة واضحة، أجهز عليها مسعورًا، حتى آخرها، ثم غفا، ظهر شهيدا في حلمه! مات الجندي، اخترقت رصاصة رأسه، تلوث أنفي بدمائه، دماء ساخنة، بلعتُ لساني، لم أصرخ، تبعثر حلمه!
قال له الحلم معاتبا: ألا أستحق منك سحبة دخان؟
كل جندي يُقتل سعره سحبة دخّان.
#دينا_سليم_حنحن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟