أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - جمال الهنداوي - المال والثقافة














المزيد.....

المال والثقافة


جمال الهنداوي

الحوار المتمدن-العدد: 8341 - 2025 / 5 / 13 - 00:47
المحور: قضايا ثقافية
    


قد يكون الكثير من الكلام قد سُفح في مقاربة موضوع التمويل الثقافي في العراق، وغالباً ما كان النقاش لا يتجاوز مساحة الاتهام والدفاعات المتشنجة خاصة مع كل انطفاء لفعالية أو ممارسة تتباين بها الأرقام ما بين التكاليف الفلكية من جهة، والحضور – والمنجز – الضئيل من جهة أخرى، وهو ما يحتم التراكم الحتمي للأسئلة الروتينية حول ماهية الممكن، وجدوى الفعل، وحدود الطموح الذي يسنده أو يفسح له مكاناً في جدول الانشغالات العامة. فالثقافة لدينا، كما في كثير من المفاصل المهمة في بناء الدولة، لا تزال تنمو وتتنفس من خلال الشقوق الضيقة التي ما زالت في متناولها صدفةً، لا لشيء، إلا لأنَّ الحياة دائماً ، وإنْ ضُيّق عليها، لا تنفكّ تخلق لها أسباباً للبقاء.
وهنا لا نبغي من خلال هذه العجالة فك الاشتباك المتقادم ما بين الميزانيات المتخمة والقاعات الخاوية، فلا أعتقد أننا بحاجة لمزيد من الأحباط، أو جلد الذات التقليدي الذي نستمرىء اجتراره للتعويض عن افتقارنا لترف اللامبالاة، ولكنَّ الحديث عن التمويل قد يجرنا إلى ما بتنا نصادفه يومياً من المبادرات التي تمارس الترفع الايجابي عن الأعطيات والدعم مقابل تغليب المنجر وقيم التعبير الحرة.
فلا يسع للمتتبع لما يجري على الأرض، إلا أن يلتفت بإعجاب إلى تلك الطاقات الفردية والجماعية التي أخذت على عاتقها أن تُبادر، وأن تُعلن عن وجودها في فضاء خالٍ من الضمانات، وأن تضع كيانها بالكامل في ميزان المجازفة الإبداعية. من خلال المعارض الفنية التي تقام على الأرصفة أو في الصالات الصغيرة الملفقة، والملتقيات الأدبية التي تُدار من جيوب أصحابها، والمنصات الإلكترونية التي تنهض بقوة الفكرة لا الدعم، وهي كلها شواهد تشي بقدرة المثقف العراقي على صناعة الوجود الإبداعي حتى من أقل المتيسر من فتات المشهد العام، ومن هشيم الاهتمام الرسمي.
ولعل أكثر ما يثير الإعجاب –والتأمل- أن هذا الحراك لا يدّعي الأسبقية، ولا البطولة، ولا التقاطع مع النشاط الرسمي ، بل يمضي في نسقه العضوي كفعل حيوي يشبه التنفس أكثر منه لاحتجاج، استجابة حتمية للحاجة إلى التعبير بدون كثير عناية بمحاولات لفت النظر أو إثبات الوجود. بفعل الثقافي لا يطلب مكافأة، ولا ينتظر تصفيقاً، ولا يكدس الفواتير ويزيفها، بل محض وعي عميق بوظيفة الثقافة بوصفها حاجة ومرآة ، في آنٍ واحد.
وقد لا نحتاج كثيراً من الاستطراد لنُدرك أن هذه الظواهر، على عفويتها، قد باتت تؤسس لمشهد موازٍ خارج الروزنامة الرسمية، بل تكتفي بمجرد التموضع الفعال المؤثر على خارطة المشهد الثقافي، وربما من حسن المصادفة، أو من حُسن الحظ، أن هذه المبادرات لا تزال بمنأى عن الفساد المؤسسي، لأنَّها لم تدخل بعد في دورة المصالح والمنفعيات والوجاهيات، ولم تُصَب بلوثة التموقع في دوائر الضوء المصنوع.
إنَّ المبدع العراقي، حين ينشر من جيبه الخاص ، ويرسم من دون الأمل بالحصول على صالة عرض، ويلقي شعره على الجمهور في مقهى شعبي، لا يفعل ذلك استسلاماً للعزلة، بل مقاومة لها، ولا يضع نفسه على هامش المشهد، بل يُعيد تشكيل المركز من موقعه البعيد، ليؤكد أنَّ الفعل الثقافي الأصيل لا يُقاس بحجم التمويل بل بنوع الشغف الذي يُنفق عليه.. وأنَّ هذه المبادرات لا تعد بديلاً عن المؤسسات، ولا استنساخاً لها في قالب مغاير بل هي نوع من التذكير المستمر بأنَّ الثقافة لا يمكن احتكارها أو تدجينها، لأنَّها ببساطة ليست امتيازاً ممنوحاً من جهة إلى فئة، بل هي حق وواجب في آن واحد.
ولعلَّ ما يجري في الزوايا المنسية والقاعات الفقيرة، هو دعوة مفتوحة لإعادة ترتيب الأولويات، لا على مستوى القانوني والتشريعي فحسب، بل على مستوى الوعي الجمعي بمكانة الثقافة ودورها. ولعلنا، حين نصغي بعناية إلى هذا الهمس الثقافي المثمر والفعال ، نفهم أنَّ القوة لا تكمن في حجم الصوت ولا انتشاره، بل في صدقه وتعبيره عن روح الثقافة الحية للشعوب.
ومن هذا المنطلق ، قد يكون لزاماً علينا أن نعيد النظر في مفهوم التمويل الثقافي بحد ذاته، بوصفه ليس ضخّاً مالياً باتجاه منصات جاهزة مقولبة ومقننة سلفاً ، بل كفعل رعاية عضوي، يبدأ من إيمان حقيقي بجدوى الثقافة، وبأنَّها ليست زينةً تُعلّق على صدر الدولة أو المؤسسة حين تحاول التلبس بلبوس الدعم الثقافي، بل من خلال الاعتراف بكون الثقافة هي مصدر الشرعية الأعمق للمجتمعات المتحضرة.



#جمال_الهنداوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمريكا وأيران.. والعرب بينهما
- (سيلفي) خلف النعش
- حديث الدراما
- معاوية..درامياً
- الإعلام العربي.. بين الفشل والتواطؤ
- صراع السرديات.. معركة وجود
- كتب بلا صور
- الديكتاتورية الخوارزمية
- مقدمات جديدة..لتاريخ قديم
- الخلاف والاختلاف
- موقعة ( الأم بي سي)
- مثقفو القصاع
- التاريخ المحكي..والتاريخ المكتوب
- السيرة.. بين التوثيق والتلفيق
- الثقافة العربية.. والآخر
- فقه التكسب
- ثقافة تلامس الروح
- طيور المنافي
- الإمام الحسين (ع) نبراس الحرية للشعوب
- صناعة الأصنام


المزيد.....




- -كله مسموح-.. كارول سماحة تقدم عرضاً مسرحياً بعد أيام على وف ...
- -يتحدثون بذكاء شديد-.. هكذا علق ترامب على سلوك إيران بالمفاو ...
- تفاعل على حديث جانبي -ودي- بين ترامب ومحمد بن سلمان وإيلون م ...
- موسكو: سنرد بالشكل المناسب على قرار وارسو إغلاق القنصلية الر ...
- -أكسيوس- يكشف خفايا إطلاق سراح الأسير الإسرائيلي الأمريكي
- الملك تشارلز يستضيف ماكرون في زيارة دولة
- البرلمان الأوروبي يحقق في زيارة وفد من نوابه موسكو لحضور احت ...
- غزة: حصيلة قتلى القصف الإسرائيلي للقطاع بلغت 52908
- ليبيا.. مقتل 6 أشخاص في اشتباكات بين مجموعات مسلحة جنوب طراب ...
- رئيس الوزراء الهندي في قاعدة -أدامبور- الجوية


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - جمال الهنداوي - المال والثقافة