أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - وداعًا أيها السلاح لوعاد همنغواي حياً ماذا كان سيكتب؟














المزيد.....

وداعًا أيها السلاح لوعاد همنغواي حياً ماذا كان سيكتب؟


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8341 - 2025 / 5 / 13 - 08:09
المحور: الادب والفن
    


وداعًا أيها السلاح
لوعاد همنغواي حياً ماذا كان سيكتب؟

إبراهيم اليوسف
رواية وداعًا أيها السلاح لأرنست همنغواي ليست سردًا تقليديًا عن أهوال الحرب، بل هي تفكيك صامت لأسطورة الإنسان الجندي، واستنطاق عميق للفراغ الوجودي الذي تخلفه البنادق بعد أن تصمت. في هذا العمل، لا تكون الحرب مجرد سياق، بل تتحول إلى بنية تحتية للمعنى، وفضاء تتعرى فيه هشاشة الإنسان أمام آلة لا تعترف بالعاطفة أو بالمنطق.
يقف بطل الرواية، فريدريك هنري، على تخوم التعريفات: ليس جنديًا تمامًا، ولا عاشقًا خالصًا. إنه شخصية تتجول بين الأنقاض النفسية التي تخلفها المدافع، وتحاول إعادة بناء ذاتها وسط مشهد لا يمنح سوى الفقد. الحرب في الرواية لا تفتح المجال للبطولة، بل تغلقه تمامًا. ومع ذلك، لا تموت الشخصيات فجأة، بل تذوي على مراحل، كما لو أن الزمن نفسه يشارك في عملية المحو.
هنري ليس ضحية الجبهة فحسب، بل ضحية معنى غائب. خياراته ليست بطولية، بل اضطرارية، وهو ما يجعل تحركاته أقرب إلى ردود الفعل منها إلى الأفعال. حتى حبه لكاثرين لا ينبثق من رغبة رومانسية، بل من حاجة للبقاء، ولو كان ذلك على هيئة وهم مشترك.
الحرب كأرضٍ خصبة للعدم
لا تقدم الرواية تفسيرًا للحرب، بل تفضح عجز اللغة عن احتوائها. همنغواي لا يكتب عن الانتصار أو الخسارة؛ إنه يكتب عن الفراغ الذي يخلفه الرصاص في النفس، وعن الطين الذي يبتلع الأقدام والأحلام معًا. كل ما في الرواية يتحرك باتجاه التفكك: العلاقات، المبادئ، وحتى الزمن، الذي يفقد خطيته لصالح التكرار المرير للموت والانتظار.
الغرف البيضاء في المستشفى ليست أماكن شفاء، بل نقاط توقف مؤقتة بين طلقتين. لا نجد فيها شفاءً بقدر ما نجد محاولة يائسة لتجميل جراح لا تندمل. هكذا تشتبك الحرب مع الوجود البشري، لا بوصفها معركة، بل كمنظومة عمياء تفرض على الإنسان أن يتخلى عن ملامحه قطعةً قطعة.
السلاح: من أداة إلى قدر
في هذه الرواية، لا يُعامل السلاح بوصفه أداة، بل كعنصر سردي له كيانه الرمزي. لم تعد البندقية وسيلة قتالية فحسب، بل أصبحت معادلًا موضوعيًّا لحالة الاستسلام أمام قوى كبرى تتجاوز الإنسان. الطلقة لم تعد بداية لمعركة، بل علامة نهاية متكررة. وبذلك، يصبح السلاح تمثيلًا لمصير لا يملكه أحد، حتى من يمسك به.
ليست الرواية وداعًا للسلاح بالمعنى الحرفي، بل وداعًا لفكرة إمكانية الحياة بعد أن يقتحمها السلاح. العنوان إذًا، هو مفارقة: كل محاولة لتوديع الحرب تقود إلى شكل جديد منها.
الحب كمهرب خادع من الحطام
علاقة فريدريك بكاثرين، التي قد تبدو في ظاهرها تعويضًا عن دمار العالم الخارجي، تتكشف مع الوقت كملجأ مؤقت لا يحمي من السقوط، بل يؤجله. الحب في" وداعًا أيها السلاح" ليس خلاصًا، بل تجربة هشّة، تحكمها القابلية الدائمة للانهيار. لا يتحقق فيه الشفاء، بل يُعاد إنتاج الفقد من زاوية أخرى.
كاثرين ليست حبيبة تقليدية، بل هي استعارة للسلام الذي لا يأتي، أو يأتي على هيئة موت ناعم لا صوت له. عندما تموت، لا يموت الحب فقط، بل يموت معه أي احتمال للخروج من الجبهة دون ندوب.
سؤال ما بعد الحرب: هل يمكن حقًا الوداع؟
لا تنتهي الرواية بجواب، بل بفراغ. إذ تتركنا أمام سؤال ملغوم: هل يمكن للإنسان أن ينجو من الحرب، أم أنه يحملها داخله أينما ذهب؟ إن توديع السلاح في هذا السياق، هو توديع للمعنى، أو على الأقل، لليقين الذي كان يمنح الإنسان وهم السيطرة.
وداعًا أيها السلاح إذًا، ليست رواية عن الحرب، بل عما تتركه الحرب فينا بعدما تمر، وها نحن الآن، في ذروة المعاناة والتبعات المفتوحة. إنها دعوة للإنصات إلى الصمت الذي يعقب الضجيج، حيث تكمن الحقيقة الوحيدة: لا أحد يخرج من الحرب حيًّا تمامًا، حتى لو لم يسقط جسده.
لو عاد همنغواي الآن…؟!
ولو نهض همنغواي من قبره في كي وست- فلوريدا، حيث ترقد رفاته منذ أكثر من نصف قرن، ونظر إلى عالم اليوم، لرأى كابوسه وقد تَحوَّل إلى واقع أشد قتامة: الكراهية مضاعفة، والثأر مضاعف، والسلاح لم يعد مجرد قطعة حديد، بل صار منظومة ذكية تستهدف من بعيد، وتقتل من دون أن ترى من تقتل. في زمن الطائرات المُسيّرة والذكاء الاصطناعي القاتل، ربما لم يكن همنغواي ليكتب وداعًا أيها السلاح، بل مرحبًا أيها الوحش.
ربما كان ليصمت، أو يختار منفى داخليًّا أعمق من أي جبهة، حيث لا مجال للكتابة حين يغدو الخراب هو اللغة الوحيدة المفهومة. فالحرب، التي صوّرها بوصفها تشوهًا فرديًا للعالم، أصبحت اليوم نظامًا معولمًا يتغذى على كل ما تبقى من إنسانية.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وداعًا أيها السلاح: رواية الموت المؤجل والمعنى المنكسر-2
- وداعًا أيها السلاح...وداعاً أيها الظلم أم وداعًا أيها الحلم؟
- يوسف جلبي الفنان الكردي الكبير غنى لشعبه ولنوروز والمظلومين ...
- سري كانيي... المدينة المنفية من الخرائط والضمائر
- الفنان الكردي الكبير يوسف جلبي في الذكرى الثالثة والخمسين لا ...
- مأثرة التدوين وسقوط التخوين
- ليس دفاعاً عن الشيخ الهجري: حين تُستنجد الطائفة بأخلاقيات ال ...
- الطائفة كأداة تفكيك: حين تُغتال الدولة في مهدها
- الدروز واستهداف الكيان: فتنة المذهبة ومسؤولية الدولة المتخيل ...
- -الفتنةُ على سرير الموتى: فيمن يحترفون زرع الألغام وتأليب ال ...
- ما بعد مؤتمر قامشلي بين سمّ العقدة وشرعية الدفاع عن الوجود.
- الموالاة والمعارضة في سوريا: التقاءٌ وافتراقٌ في مرايا الدم
- خمسون عاماً في محرقة الصحافة: في سيرة الإعلامي الذي يحارب نف ...
- رمضان نجم أومري حين يصبح الفن جبهة والعود سلاحًا للوجود
- رمضان نجم أومري حين يصبح الفن جبهة والعود سلاحًا للكرامة
- الزئبقيون: سيكولوجيا الحرباء في ظل السلطة
- جلد الذات والعبودية تجاه الآخر وسائل التواصل ومفاقمة العقدة!
- لماذا أكتب؟ حين تصبح الكتابة بلا قرّاء! في رثاء نصف قرن من ا ...
- بعد مئة يوم ويوم على سقوط الأسد: خطوط في خريطة طريق أمام الس ...
- بعد مئة يوم على سقوط الأسد: من منهما أعاد سوريا إلى الآخر؟


المزيد.....




- رحيل روبرت بينتون.. السينمائي الذي أعاد تعريف الطلاق ومعاناة ...
- روبيرت دي نيرو -المناضل- وأسطورة السينما العالمية: -في بلدي ...
- مصر.. جدل في البرلمان بسبب إغلاق بيوت الثقافة.. ومسؤول: -مسا ...
- السويد الى نهائي مسابقة الاغنية الاوروبية يوروفيجن
- -المعجم الأدبي- يرى النور في طهران بثنائية فارسية - عربية
- المؤرخ الأميركي يوجين روغان: الاستعمار سلّح الاستشراق والعثم ...
- اللغة العربية والذكاء الاصطناعي.. معركة للبقاء في المشهد الر ...
- في مهرجان كان السينمائي.. لا يجوز الصمت أمام رعب غزة
- صورة محمد بن سلمان -الأيقونية- تثير تفاعلا في سوريا بعد رفع ...
- تألق عربي لافت في حفل افتتاح مهرجان كان السينمائي 2025


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - وداعًا أيها السلاح لوعاد همنغواي حياً ماذا كان سيكتب؟