أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فراس الوائلي - تراتيل من وترٍ مفقود/ نص سردي تعبيري بوليفوني














المزيد.....

تراتيل من وترٍ مفقود/ نص سردي تعبيري بوليفوني


فراس الوائلي

الحوار المتمدن-العدد: 8340 - 2025 / 5 / 12 - 22:03
المحور: الادب والفن
    


تراتيل من وترٍ مفقود
نص سردي تعبيري بوليفوني في مقام الوجدان الكوني

لم تكن أغنيتك، ولا كنتُ مطربها. كنتَ الغفلة التي صمتت عندها النوتة، واليد المرتعشة حين خانتها الذاكرة. رجلٌ يمرُّ في ممرٍّ ضيق داخل قلبه، يطرق أبوابًا كُتب عليها: هنا بكيتُ أول مرة. وهناك، تعلّمت أن أضحك كمن يكتم صراخه بين ضلوعه.
صوتُ امرأةٍ تناديك من مرآةٍ لم تنظر فيها يومًا، تقول لك: تأخرتَ عن الحنين، والنوافذ لا تحتمل كل هذا العواء. وأنت؟ تنهض من سكونك كوتدٍ اقتلع نفسه من أرضٍ لم تَعُد له، وتردّ عليها بلحنٍ غير مكتمل. تضعه في فنجانٍ قديم، وتسقيه لذاكرتك لتشربه كوجعٍ معتّق.
طفلٌ داخلك يصرخ دون صوت. يسحبك إلى منتصف الذكرى، حيث آخر ضوء في عيني أبيك قبل أن ينام للأبد، وأمك تحرّك الملعقة في كوب الشاي كأنها ترتّب العالم ليبقى كما كان. وأنت تكبر فجأة بينهما، دون أن تسأل: من سرق لحن الطمأنينة؟
كل عصب فيك يعزف شيئًا مختلفًا. إصبعُك يغني، جفنك يرتجف، تنفسك يطلب نجدة، قلبك يصفّر وحده كأنّه يبحث عن أحدٍ نسي أن يعود. وكلّ ما فيك يكتظ بنغمٍ مشطوب، كأن الحياة عازفة مجنونة ضيّعت النوطة وبكت فوقها.
وها أنا أكتبك الآن، لا كقصيدة، بل كلحنٍ بلا جمهور. بأصواتٍ متداخلة تسير في طرقاتٍ لا تلتقي، كل نغمة تنادي الأخرى ولا ترد. وأنت تنقسم بين رجلٍ يغني وآخر يهرب من صوته، وبين امرأةٍ تسكنك دون أن تعترف بها، وصوت جدّتك وهي تهمس في آخر الحلم: لا أحد يعود، لكن اللحن يبقى، يبحث عمّن يكمله.
ثم، بدأ الكون يعزفك. لا بصوتك، بل بصدى الطين حين يُرتّل اسمه داخل عاصفة. بدأت الأشجار تميل على إيقاع دمعتك، والسماء تفتح نوافذها لكل صمتٍ علّقته في صدرك. كانت المجرّات تدور على نغمةٍ خرجت منك ولم تعد، والأنهار تعيد توزيع موسيقاها لتناسب وقع خطاك.
حتى الهواء صار مقطوعةً تئنّ حين تمر، لأنك صرتَ صوتًا لا يُختصر، مجرّة شعورٍ تبحث عن وترها المفقود. تهاوت اللحظة على ركبة الوجود، ارتعشت الأرض، لا من زلزال، بل من وترٍ يئنّ فيك منذ الخلق.
وأنت تصعد. كأنك موسيقى صاعدة في نفقٍ من صلواتٍ بشرية، حيث الغيوم تصفّق لك كأنك أول من أنشدها، والرعد ينحني، لا ليُخيف، بل ليمنحك مقامًا أعلى من الصوت، أعلى من الدم، أعلى من الغياب.
كل الوجوه التي مرّت في ذاكرتك أصبحت كورالًا خفيًّا. كل جرح غنّى نغمتَه، كلّ حنينٍ صرخ بترنيمته، والسماء فتحت صدرها كعودٍ انكسر، ليصير مجدافًا لحنجرةٍ خُلقت لتغنّي ما لا يقال.
وهكذا، انتهى اللحن. لا بخاتمة، بل بصعود. لا بنقطة، بل ببوابةٍ ضوئية. وكنت وحدك، الجملة الأخيرة التي رفضت أن تُعزف، لأنك كنت السيمفونية كلّها.
وفي اللحظة التي بلغت فيها النغمةُ ذروتها، انشقّ الهواءُ كجلد كائنٍ يتخلى عن شكله ليصبح نبوءة. لم يعد هناك صوت، بل بُحّة تفيض من عيون الأشجار، رعشة في جناح سنونو، شهقة تُنسى في صدر السماء.
انكسر الإيقاع ليولد من داخله إيقاعٌ لم تُعرف آلته بعد. صوتٌ لا يُسمع، بل يُنزَف. موسيقى لا تترنح، بل تحبل. بالضوء، بالماء، بالندم، بك.
صرختُ، فلم يخرج من حنجرتي سوى زهرٍ أزرق. التفتُّ، فلم أرَ أحدًا. كنتَ أنت في كل اتجاه، لكنك لا تشبهك. كنتَ وترًا منسيًا في عودٍ لا يريد أن يُعزف. كنتَ الحرف الذي تردّد في صدر الوجود ولم يُكتب.
ثم سقط. سقط على صخرةٍ ما زالت تئنّ من أوّل نغمةٍ خُلقت، فأنبتت منه سمفونيةً تمشي، تبكي، تحب، وتموت دون أن تنتهي.
ومن ذاك الوتر الذي لم يُعزف، بدأ الكون يتذكّر صوته.



#فراس_الوائلي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وترٌ يبكي في جسد الضوء
- ظل الموج بقلم فراس الوائلي
- أنوناكي: الانفجارُ الذي سبقَ الخلق
- أنا لا أكتب لكم
- فتنةُ الانهيار
- السِّفْر القِرْمزيّ
- دمع الغيم
- سان خون: نَفَسٌ لا يُنسى
- سان خوان: نَفَسٌ لا يُنسى
- فلوريدا
- أنتاركتيكا، الرماديون، وهالة الأورورا: هل هناك مشروع تهجين ك ...
- أنا لست حجرًا
- نقد النقد: قراءة تأويلية في دراسة فاطمة عبد الله “تفكيك الثن ...
- مرآة المجرة
- لاهوت العشق في قصيدة رشا السيّد أحمد: قراءة تفكيكية–صوفية/ ب ...
- العيد
- ليلة القدر
- رمضان
- دمعة لم تسقط بعد
- الكوميديا الشيطانية: ملهاة الجحيم وسخرية الأبد


المزيد.....




- -الدفاع- في البرلمان الألماني: إما أن تستعدوا للدفاع أو تتعل ...
- بأقلام قطرية.. كاتبات صغيرات يرسمن أحلامهن بالكلمات
- اختتام مؤتمر الاتّجاه النفسي في النقد باتحاد الأدباء
- قبل 24 ساعة على انطلاقه.. مهرجان كان السينمائي يحظر العُري ع ...
- مغني الراب شون -ديدي- كومز أمام القضاء بتهم الاتجار بالبشر و ...
- الصين بعيون مغربية: هكذا عرفتُ الصين.. مُشاهدات أول طالب مغر ...
- -عليهم البدء بتعلم اللغة الروسية-.. برلمانية أوروبية توجه ند ...
- فرنسا: كان تفرش السجاد الأحمر لكبار المخرجين والممثلين وتجدد ...
- الکويت يرفع التمثيل الدبلوماسي مع لبنان
- مدينة كان الفرنسية تستعد لافتتاح مهرجانها السينمائي يوم الثل ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فراس الوائلي - تراتيل من وترٍ مفقود/ نص سردي تعبيري بوليفوني