وحيد محمود محمد
كاتب و باحث
(Waheed Eyada)
الحوار المتمدن-العدد: 8331 - 2025 / 5 / 3 - 18:47
المحور:
كتابات ساخرة
في مسرح الحياة الكبير، حيث الأضواء تسلط على كل حركة وكل همسة، أقف أنا... ماريونيت بائسة. لا، لست مصنوعًا من الخشب ولا خيوط صوفية، بل من لحم ودم وأحلام... وأحيانًا، كوابيس. كوابيس تتجسد في خيط رفيع شفاف، يتدلى من الأعلى، يمسكني من حيث لا أدري، ويحرّكني.
هذا الخيط، يا سادة يا كرام، ليس خيط القدر كما يدّعي بعض الشعراء الرومانسيين الذين لم يجربوا أن يبتسموا وقلوبهم تصرخ "قتلني النمل الأزرق!". إنه خيط "سعادتكم". نعم، سعادتكم التي تتطلب مني أحيانًا أن أرقص رقصات لا أفهمها، كأنني أطارد شبحًا غير موجود، وأن أقول كلمات لا أؤمن بها، كأنني أبيع أوهامًا في سوق النخاسة، وأن أرتدي أقنعة تخدش وجهي الداخلي، وتجعلني أبدو كنسخة باهتة من نفسي في يوم سيء للغاية.
أحيانًا، يشدّ الخيط لأبتسم ابتسامة عريضة، بينما قلبي يعتصر من الألم. ابتسامة تقول: "أنا بخير، كل شيء على ما يرام، لا تقلقوا عليّ". بينما الحقيقة تصرخ في داخلي: "أنا لست بخير، وكل شيء مقلوب رأسًا على عقب، وأنا غارق في قلق لا نهاية له، وربما أحتاج إلى جرعة مكثفة من الشوكولاتة السويسرية لأنجو!".
وفي أحيان أخرى، يشدّ الخيط لأصفّق بحرارة لإنجازات لا أراها عظيمة، بل أراها مجرد فقاعات صابون تتلاشى في الهواء، كوعود سياسي في حملة انتخابية. أصفّق وأنا أتمنى لو أستطيع أن أصرخ: "يا له من هراء! يا له من تضييع للوقت والجهد! كنت أستطيع أن أنام في هذا الوقت الثمين!". لكن الخيط يمنعني، يهمس لي بلهجة تهديدية: "صفّق، وإلاّ ستفسد عليهم فرحتهم الصغيرة، وربما يرمونك بالبيض الفاسد!".
وهناك أوقات يكون فيها الشد أقوى، يجبرني على السير في طرق لا أريدها، على اتخاذ قرارات تتعارض مع كل ما أؤمن به. أجد نفسي في مواقف غريبة، كمن يقفز من قارب النجاة ليسبح في بحر هائج مليء بأسماك القرش التي تبتسم ابتسامة شريرة، فقط لأن أحدهم على الشاطئ ابتسم له من بعيد وقال: "يا له من شجاع!".
يا له من مشهد كوميدي مأساوي! ماريونيت تظن أنها حرة، بينما هي معلقة بخيوط غير مرئية، وتشعر وكأنها في حفلة تنكرية لا تعرف كيف وصلت إليها. تظن أنها تتخذ قراراتها بنفسها، بينما هي مجرد دمية تحركها رغبات الآخرين وسعادتهم، وكأنها جهاز تحكم عن بعد بشري!
والأكثر سخرية، أنني أرى في عيونكم نظرة امتنان، نظرة تقول: "شكرًا لك لأنك جعلتنا سعداء". ولا تدرون أن هذه السعادة، في كثير من الأحيان، بُنيت على أنقاض راحتي، وعلى حساب تضحيات لم تروها ولم تشعروا بها، وكأنني أدفع فاتورة عشاء فاخر لم آكل منه شيئًا!
ولكن، مهلاً! هل أنا حقًا ماريونيت بائسة؟ أم أنني فنان ماهر في الكوميديا السوداء، أتقن فن التضحية والإيثار، وأجيد التمثيل لدرجة أنني أخدع حتى نفسي؟ هل أنا ضعيف لأنني أستجيب لشد الخيط؟ أم أنني قوي لأنني أستطيع أن أتجاوز رغباتي من أجل الآخرين، وأقنع نفسي بأنني أؤدي واجبًا مقدسًا؟
ربما... ربما كلانا صحيح. ربما أنا ماريونيت وفنان في آن واحد. أرقص رقصة السعادة المزيفة، وأنا أعلم أنني أفعل ذلك من أجلكم، وأتمنى في سري لو أستطيع أن أستبدل هذه الرقصة بنومة عميقة تستمر لثلاثة أيام. أبتسم الابتسامة التي لا أشعر بها، وأنا أعلم أنها تضيء وجوهكم، وأفكر في كمية الطاقة التي أستهلكها في هذه الابتسامة التي لا تأتي من القلب. أصفّق بحرارة، وأنا أعلم أن تصفيقي هذا هو وقود لفرحتكم، وأتمنى لو كان بإمكاني استخدام يدي للتصفيق على وجهي وأقول: "استيقظ أيها الماريونيت البائس!".
فهل هذا تضحية نبيلة أم جبن مقنّع يرتدي بدلة رسمية؟ هل هذا إيثار حقيقي أم مجرد خوف من خذلانكم، وخوف أكبر من مواجهة حقيقة أنني لا أعرف كيف أكون سعيدًا بنفسي؟ لا أعرف. ربما هو مزيج من كل ذلك، مع رشة إضافية من الجنون.
في النهاية، يا سادة يا كرام، تذكروا دائمًا أن خلف كل ابتسامة ترونها، وكل تصفيقة تسمعونها، وكل خطوة ترونها أخطوها، قد يكون هناك خيط رفيع يشدّني. خيط "سعادتكم". فكونوا حذرين في شدّه، فقد ينقطع يومًا ما، وتتساقط الماريونيت، وتكشف الأقنعة، وتظهر الحقيقة المرّة...
...أو ربما لا! ربما في يوم من الأيام، وأنا أرقص رقصة مضحكة وغريبة لإسعاد أحدهم، أتعثر! نعم، أتعثر بشكل لم يخطط له الخيط. وأثناء تعثري، أرى شيئًا لم أره من قبل... بابًا صغيرًا في جانب المسرح! بابًا لم أكن أعرف بوجوده لأنه كان دائمًا مخفيًا خلف رقصاتي المتقنة.
وأدرك فجأة أن هذا الباب ليس مجرد ديكور. إنه مخرج! إنه طريق للهروب! ودون تفكير، ودون انتظار إذن من الخيط، أزحف نحو الباب، وأفتحه ببطء، وأدخل.
خلف الباب، لا يوجد مسرح آخر، ولا أضواء مبهرة، ولا خيوط تتدلى من الأعلى. هناك مساحة هادئة، مضاءة بنور خافت ودافئ. وهناك، على كرسي مريح، أرى نفسي... نفسي الحقيقية، دون أقنعة، دون خيوط. تبتسم لي بهدوء وتقول: "أخيرًا وصلت!".
وهناك، أجد سعادتي. سعادة لا تتطلب مني أن أرقص رقصات لا أريدها، ولا أن أقول كلمات لا أؤمن بها. سعادة بسيطة، هادئة، تنبع من داخلي.
فربما، يا سادة يا كرام، لم أكن ماريونيت بائسة بعد كل شيء. ربما كنت مجرد ممثل يؤدي دوره على المسرح، وينتظر اللحظة المناسبة للخروج من الباب الخلفي. وربما، في رقصتي هذه، تعلمت شيئًا مهمًا: أن البحث عن سعادة الآخرين قد يقودني يومًا ما إلى اكتشاف طريقي الخاص نحو سعادتي.
فلا تيأسوا، أيها الماريونيت المنتشرون في كل مكان! استمروا في الرقص، استمروا في الابتسام، استمروا في التصفيق. ولكن أبقوا أعينكم مفتوحة. فقد يكون هناك باب صغير ينتظركم في جانب المسرح، باب يقودكم إلى ما هو أبعد من خيوط سعادة الآخرين، إلى سعادتكم الخاصة، الحقيقية، التي لا تحتاج إلى تصفيق أو ابتسامات زائفة.
وإلى ذلك الحين، أتمنى لكم رقصة موفقة، وابتسامة صادقة، وبابًا يظهر في اللحظة المناسبة تمامًا!
#وحيد_محمود_محمد (هاشتاغ)
Waheed__Eyada#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟