عبد الرحمن جاسم
الحوار المتمدن-العدد: 1804 - 2007 / 1 / 23 - 09:28
المحور:
الادب والفن
كان الباص ممتلئاً، لا مكان لكي أضع حتى أحلامي. جلست بهدوء أترقب مرور الوقت. الوصول أحياناً من مكانٍ لآخر يستلزم خبزاً للإنتظار. هناك أشخاصٌ كثر، لا أقدر متابعة ملامح كل الناس؛ وحده لميس لم تحتمل، لم تقدر على السكوت. كانت سماعة الأذنين تطن بأغنية هادئة، لا أدرِ كيف سمعت؛ لكنني أدركت الأغنية. أزل السماعات، صدح الصوت عالياً، والمكان الضيق اتسع فجأة لنا؛ I know a place لبوب مارلي، كانت تنهد من خلال الجهاز المحمول؛ أترقصين؛ همس لي مقترباً من وجهي، أنفاسه الدافئة تلفحني. رفضتُ. لكن لميس قبلت؛ ورقصنا في باصٍ ضيقٍ والناس تبتعد، بلا ملامح، تتركنا نرقص بهدوء، ولميس تقول لي: أتلاحظين كيف عالمي أحلى، اتركي كل شيءٍ لي، واهدئي.
*************
لم تتسلق يداه ظهري، كما توقعت، لكنه كان حميماً، لم يقترب وجهه من وجهي، لم يعانقي حتى، كان فقط يراقصني بحنان. انتهت الأغنية. عدنا نجلس والأماكن حولنا تبدلت، لميس ظلت ممسكةً بيده. هو كان يعرف أن وقته لا بد منتهٍ، ضغط زر التوقف في الباص، فتوقف. ونزل، ابتسامته الشاحبة أنارت المكان. لميس التي ظلّت ممكسةً بيده، رافضة إفلاتها، هو كان ينزل ويده في يدي. نزلت معه. لم أعرف إلى أين، فجأة أفلتُ يده، ضاع مني. صرت وحيدة. لكن لميس طمأنتني، لا زلتُ هنا"، إمشِ سنصل إلى حيث نريد، اصبري فحسب.
*******************
أسير بين الناس وبجانبهم، كأني لا أحد، أخاف وجوههم حين تنظر إلي. تخيفني التجاعيد الكثيرة، النظرات الحبيسة الضيقة، تجعلني أريد البكاء. وأنا لو كنت وحدي، لكنت جلست وبكيت عند زاوية. لكن لميس "اللعوبة"، كانت تمشي بحبور، مصامتها في فمي، وحقيبتها على ظهري، وتعقص شعري كالأطفال. أتعرفين، لا أحب أحداً، ولا أكره أحداً، لكنني أحب الإبتسام، ولا أبالي بما يقولون، فهم سيفعلون مثلي اليوم أو غداً، كلهم لميس في يومٍ من الأيام.
أتستر بسلوك لميس وهي تمشي، وأنا خلفها أسير اتقاءاً من النظرات، والشمس وكل الأقنية الأصوات البشرية. خلفها أمشي، كما لو أنني في جنازة. وهي بفرحها، تختصر كل الطرقات. لميس الطفلة. وأنا الأم الحزينة.
كلهم لميس. وتنشدها بفرح!
#عبد_الرحمن_جاسم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟