أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - وجدان الأقلية الدينية في الرواية المصرية















المزيد.....

وجدان الأقلية الدينية في الرواية المصرية


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 543 - 2003 / 7 / 17 - 16:49
المحور: الادب والفن
    


 

 

أول ما يلفت النظر في رواية " وصايا اللوح المكسور" هو التصوير الواضح لوجدان الأقلية القبطية وتميز ثقافة وتراث وشعائر وطقوس ذلك الوجدان ، ثم صميم مصريته أيضا، وصولا إلي انغماره أحيانا كثيرة في الوجدان الديني الآخر . يقول " بولا " بطل الرواية لنفسه حين يدخل بيت زميل مسلم : " على منضدة صغيرة في الركن المصحف ، في ذات الركن في منازل أقاربه الكتاب المقدس ". الأكثر من ذلك أن والد " بولا " أصر على إلحاق ابنه بكتاب لتعليمه القرآن الكريم قبل أن يدخل المدرسة . وبالرغم من كل ما هو راسخ ومشترك ، فإننا نواجه حالة خاصة ونفسية مغايرة نراها في شخص " بولا " كما قدمه لنا غبريال زكي غبريال في روايته البديعة " وصايا اللوح المكسور" يعيش بولا مؤرقا بسؤال وحيد هو" ما البديل ؟ " ولا يعثر على إجابة إلي أن تقتله الجماعات الإرهابية في قطار كان استقله لزيارة أهله في الصعيد . عاش بولا موظفا ميسور الحال ، متزوج ، سعيد ، له ولد وبنت بل وعشيقة إضافية هي تريزا زميلته في العمل ، ومن ثم فإن أزمته الوحيدة أنه ممثل للأقلية القبطية يحيا:" غريب وعاجز . ينمو بداخله رفض لحالته لكنه لا يملك حلا " الأكثر من ذلك أنه ممثل للأقلية المثقفة المستنيرة .. داخل الأقلية ذاتها ! فهو من ذلك النوع الذي لا يعرف اللغة القبطية ، ولا يتردد على الكنيسة إلا في المناسبات الهامة ، ومن ثم فإن بولا - على حد وصف المؤلف له : " في الحالتين ، في المنزلين ، غريب " . والمخرج الديني لا يجسد حلا لأزمة بولا . وحين يتوجه بولا بسؤاله إلي الأب إسحاق : " والحل ؟ " يقول له الأب : " المحبة " فلا يقتنع بولا بذلك ، لأنه يشعر دون وعي - أن لأزمته حلا آخر في منطقة أخرى اجتماعية وسياسية وحضارية وربما أيضا إنسانية . يعالج غبريال زكي غبريال موضوع الأقباط ليس بوصفهم جماعة دينية ( رغم أنهم كذلك أيضا ) لكن بوصفهم جماعة ثقافية لها بيئة وطقوس ورموز وشعائر مختلفة . وحينما تتعرف إلي كل الأشياء المختلفة ستجد أنها مصطلحات أخرى لذات المعاني والهموم والعشق والخيانة والمكائد الصغيرة . نفس الماء لكنه يتدفق بطريقته في النهر الضخم . وستعرف أن القبط أيضا فرق ومذاهب ، وحين يتردد بولا على كنيسة بروتستانت مع زميل له ، يوبخه أبوه ، وتبكي أمه . وصايا اللوح المكسور تقدم ربما للمرة الأولى بوضوح الشعائر والرموز التي لا نعرفها : المنجلية ( اسم المكان الذي يوضع فيه الإنجيل في الكنيسة ) ، والرفاع ( الوجبة الأخيرة قبل الصيام المسيحي ) والقنديل الذي يشبه النذور والشموع عند المسلمين . وبفضل ذلك كله تخرج الشخصية القبطية من عتمة الكلمات العامة عن عنصري الأمة لتصبح شيئا محددا ، يمكن التعرف إليه وإدراكه . تخرج الشخصية القبطية من المجال المثالي ، الوهمي ، لتغدو تجسيدا أدبيا وفكريا ملموسا ، الأمر الذي يستحيل من دونه إقامة أية علاقة مع الطرف الآخر لأن كل علاقة تستلزم قدرا من التعارف.

إلا أن خطورة تلك الرواية أنها تنبه بقوة إلي ما هو أبعد . أعني ذلك التكوين النفسي الخاص للشخصية القبطية والذي لازمها بفعل اعتبارات كثيرة . نحن جميعا مصريين . لكن .. انظر الآن إلي سلوك بولا بطل " وصايا اللوح المكسور " لتدرك أهمية رأب الصدع الذي نشأ في تاريخ طويل ورسخ معه الحذر والتوجس والحيطة : فحينما يصدر قرار بنقل بولا من عمله في القاهرة إلي بني سويف ، يعتقد على الفور خطأ أن التفرقة الدينية وراء القرار . وبعد أن يسافر بولا إلي الصعيد لاستلام عمله تأتي مجموعة من الموظفين لزيارته في الفندق والتسرية عنه ، ويتقدم محمد أفندي قائلا له : " لدينا كل التخصصات.. أنا وسيد فرغلي طاولة .. همام دومينو .. الأستاذ متياس شطرنج " . يكفر بولا في أنه من عشاق لعبة الشطرنج ، لكنه لو أعلن ذلك سيفهم الآخرون ضمنا تشيعه لمتياس لأن متياس قبطي مثله ! هذا التوجس المرضي يبلغ حد أن يفكر بولا وهو يلعب طاولة مع محمد أفندي على النحو التالي : " خشى بولا أن يفوز على محمد أفندي .. فلعب بولا كيفما اتفق حتى لا يستثير محمد أفندي ضده .. لكن الحظ عانده وكسب ( ! ) .. اجتهد ألا يكسب في الأدوار التالية .. لكنه استمر في فوزه .. فكر بولا : ماذا يفعل في مواجهة تلك الكارثة ؟ اختار أن يغير نوع اللعبة .. لكي يخسر . وحين بدأ بولا يخسر فرح لأنه حقق المعادلة الصعبة : أن يحتفظ بود الآخرين دون أن يفقد موقفه كلاعب طاولة " ! يعتبر القبطي - بهذه الدرجة من الحساسية أن فوزه في لعبة كارثة عليه أن يتفاداها ! . مثال آخر: حين يذهب بولس إلي بولا في الفندق لكي يرافقه إلي العمل يفكر بولا في أنه : " كان يود لو قال لبولس ليس من المستحب أن ندخل معا إلي مبنى العمل ، فهو لا يرغب في هذا الشكل من التكتل " ! إلي هذه الدرجة يصبح مجرد المشي مع زميل تهمة تبعث على الخوف والحيطة ! السؤال الحقيقي هنا : كيف تشكل هذا الوجدان الحذر ؟ وكيف يمكن أن نطلق في سمائه الشعور الكامل بالأهلية والندية ؟ . يفكر باولا : " ما البديل ؟ " لكن سؤاله مطروح علينا جميعا ، ويمسنا جميعا ، ونحن على الأرجح نعرف الإجابة .

***

* أحمد الخميسي . كاتب مصري



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخوف من الكتابة
- هــمـوم قــبـطــيـة في أحـزان بـلـدنـا
- بغداد التي في خاطري
- حكايات ألف ليلة وليلة للرئيس جـورج بـوش
- شموع على كف حوار متمدن
- 1948 الفرصة الضائعة
- الرئيس الأمريكي يعلمنا كيف نحيا
- الوطنية والديمقراطية في العراق


المزيد.....




- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - وجدان الأقلية الدينية في الرواية المصرية