أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - حمدي سيد محمد محمود - الصحافة في زمن الخوازميات: إستعادة الضمير الأخلاقي للتقنيات الذكية














المزيد.....

الصحافة في زمن الخوازميات: إستعادة الضمير الأخلاقي للتقنيات الذكية


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8328 - 2025 / 4 / 30 - 12:15
المحور: الصحافة والاعلام
    


د.حمدي سيد محمد محمود
مع التحوّلات التكنولوجية العميقة التي يشهدها العصر الرقمي، لم تعد مؤسسات الإعلام والاتصال تعمل وفق النماذج التقليدية للإنتاج والخطاب والتأثير، بل أصبحت في قلب ثورة يقودها الذكاء الاصطناعي، من حيث جمع البيانات، وتوليد النصوص، وتحليل التوجهات، وصياغة الرسائل. لكن هذا التقدّم الهائل، الذي يبدو في ظاهره تحررًا من الحدود التقنية، يطرح أسئلة أخلاقية ملحّة تتعلق بالمصداقية، والخصوصية، والتحيّز الخوارزمي، وحقوق الجمهور، ما يجعل من الضروري إعادة صياغة مناهج الإعلام والاتصال بما يتضمن تدريس أخلاقيات الذكاء الاصطناعي بوصفها محورًا تأسيسيًا لا مجرد ترف معرفي.

إن إدخال أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في مناهج الإعلام لا ينبغي أن يُفهم باعتباره مجرد استجابة لمتطلبات سوق العمل أو لتطورات تقنيّة، بل بوصفه ضرورة فلسفية ومهنية تقتضيها التغيرات الجوهرية في طبيعة العمل الصحفي والاتصالي. فالذكاء الاصطناعي، حين يُستخدم في صناعة الأخبار أو إدارة المحتوى أو التفاعل مع الجمهور، لا يكون محايدًا، بل يتضمّن افتراضات مضمرة، وآليات تصنيف قد تعزز الانحيازات العرقية أو الثقافية أو الإيديولوجية، ما يُهدد مبدأ العدالة الإعلامية. وبالتالي، فإن تعليم الطلبة كيفية التفكير النقدي حول هذه الأدوات، وتحليل مضامينها الأخلاقية، يفتح المجال لتكوين جيل إعلامي أكثر وعيًا بالمسؤولية الإنسانية والتأثير المجتمعي لقراراته.

وفي ظل هذا السياق، تصبح الحاجة ملحّة لإعادة هندسة المناهج التعليمية في كليات الإعلام والاتصال، بحيث تتجاوز النظرة التقنية للذكاء الاصطناعي، لتدمجه ضمن مقررات تستعرض النظريات الأخلاقية، مثل النفعية، والواجبية، وحقوق الإنسان، وتربطها بالتطبيقات الإعلامية الجديدة. فمثلاً، يجب مناقشة قضايا مثل: من يتحمّل مسؤولية الخطأ عندما ينشر روبوت صحفي خبرًا كاذبًا؟ ما المعايير الأخلاقية التي ينبغي أن تُبرمج بها أنظمة التوصية الإخبارية؟ هل من حق الخوارزميات أن تختار للجمهور ما يراه؟ وما حدود التدخل التحريري البشري في محتوى تولده الآلة؟ هذه الأسئلة ليست نظرية فقط، بل تُشكل تحديات يومية تواجه غرف الأخبار الرقمية وتحرّك الضمير المهني للصحفيين.

كما أن تدريس أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في الإعلام يُعيد الاعتبار للعلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا، ويؤسس لفهم نقدي لمفاهيم مثل "الموضوعية"، و"الحياد"، و"الشفافية"، وهي مفاهيم باتت تُهددها الخوارزميات المبهمة التي لا يفهم كثير من الصحفيين كيف تعمل. فالمعرفة الأخلاقية لا تُبنى على حسن النية فقط، بل على فهم عميق للآليات التقنية وسياقات استخدامها، وهو ما يتطلب تكوينًا متعدد التخصصات يشمل الإعلام، والفلسفة، وعلم الحاسوب، والسياسات العامة.

إن مناهج الإعلام، حين تتجاهل البعد الأخلاقي للذكاء الاصطناعي، تُخاطر بتخريج أجيال مهنية متواطئة – ولو من حيث لا تدري – مع أنظمة تقنية قد تُنتج تمييزًا، أو تُمارس رقابة غير مرئية، أو تُسهم في تزييف الوعي العام من خلال توليد محتوى مُضلل. بينما التكوين الأكاديمي الرصين، القائم على وعي أخلاقي نقدي، يمكن أن يرسّخ ثقافة المساءلة، ويُسهم في بناء صحافة مسؤولة، لا تنحاز للتقنية بوصفها غاية، بل توظفها في خدمة الحقيقة والعدالة.

من هنا، فإن مستقبل الإعلام لن يُقاس فقط بمدى توظيفه للتقنيات الحديثة، بل بمدى ترسيخه لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي في ممارساته التعليمية والمهنية. وهذه ليست مسؤولية المؤسسات الأكاديمية فقط، بل مسؤولية جماعية تشمل واضعي السياسات، والممارسين، والمطورين، لضمان أن يكون الذكاء الاصطناعي أداة لتحرير الإنسان لا أداة لتهميشه أو تسطيح وعيه.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الإيمان إلى العدم: سردية الغياب في الفلسفة الغربية الحديث ...
- البيولوجيا السياسية: آليات السلطة على الجسد والحياة في الدول ...
- تقاطع السلطة والمعرفة والسرد في الواقع السياسي العربي الراهن
- انفجار المعلومات وتحولات المعرفة: أزمة الإدراك في زمن التدفق ...
- الزمان والمكان في فلسفة كانط: أطر المعرفة وحدود الإدراك
- أنثروبولوجيا العلمانية: تفكيك المقدس وإعادة تشكيل الذات في ز ...
- الاقتصاد الرقمي في العالم العربي: الواقع، التحديات، والآفاق ...
- ترامب والتجارة العالمية : السياسات الخاطئة في مواجهة الصين و ...
- استثمار في الخراب : كيف تبتلع الحروب مقومات التنمية في المجت ...
- تفكيك المقدس: ديكارت في مواجهة الميتافيزيقا
- نيتشه و مابعد الحداثة: من موت الإله إلى تشظي المعنى
- العلمانية والإسلاموفوبيا: جدلية التنوير والإقصاء
- الذكاء الاصطناعي في مواجهة تغير المناخ: أمل تقني في معركة مص ...
- عصر الخوازميات الناطقة: الثقافة الرقمية وتحولات الإعلام
- مستقبل القواعد العسكرية الأجنبية في الوطن العربي في ظل التحو ...
- الحرية بين العقل والإيمان: قراءة مقارنة في الفلسفة الإسلامية ...
- المقاومة التنظيمية وإعادة تشكيل الثقافة المؤسسية: تحديات وسب ...
- على حافة العدم: النقد الفلسفي للإلحاد الوجودي ومعضلة المعنى
- الأمن الأوروبي في مفترق طرق: تحديات التحول الاستراتيجي في ظل ...
- الأمن المائي في العالم العربي: بين التحديات الجيوسياسية والف ...


المزيد.....




- الشيخ الدرزي موفق طريف يتابع الاشتباكات في سوريا مع قيادات إ ...
- طيار حربي إسرائيلي سابق يقود احتجاجاً ضد الحكومة: -الحرب في ...
- الخارجية الإيرانية: جولة المحادثات غير المباشرة مع واشنطن ست ...
- باكستان: لدينا معلومات استخباراتية بأن الهند تنوي شن عملية ع ...
- الوحدة الشعبية ينعى الرفيق المناضل عضو اللجنة المركزية “زيد ...
- جنبلاط يجري اتصالات سعيا لوقف إطلاق النار في بلدة أشرفية صحن ...
- السعودية تعرب عن قلقها إزاء التوتر المتصاعد بين الهند وباكست ...
- الدفاع التركية: سلامة أراضي سوريا ووحدتها السياسية أولوية أس ...
- السيسي يوافق على اتفاقية مع الإمارات لنقل السجناء
- تقرير: أمل كلوني قد تمنع من دخول الولايات المتحدة بموجب عقوب ...


المزيد.....

- مكونات الاتصال والتحول الرقمي / الدكتور سلطان عدوان
- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - حمدي سيد محمد محمود - الصحافة في زمن الخوازميات: إستعادة الضمير الأخلاقي للتقنيات الذكية