علي سالم عزيز
الحوار المتمدن-العدد: 8328 - 2025 / 4 / 30 - 09:01
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
تُعدّ مهنة الطب من أسمى المهن الإنسانية، لما لها من التزام أخلاقي ومهني بحياة المرضى وصحتهم. إلا أن ممارسة هذه المهنة لا تخلو من الأخطاء، التي قد يرقى بعضها إلى مستوى الجرائم، لا سيما في حالات الإهمال الطبي الجسيم الذي يُسفر عن إصابة بدنية أو وفاة المريض. ومن هنا، تنشأ مسألة المسؤولية الجنائية للطبيب عند ارتكابه فعلاً يُخالف الأصول العلمية أو المهنية المتعارف عليها.
في القانون العراقي، لم يُحدد المشرع نصوصاً محددة لمسؤولية الأطباء، بل تُطبق عليهم القواعد العامة لقانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، ولا سيما المواد المتعلقة بالقتل الخطأ (المادة 411) والإصابة الخطأ (المادة 416). لكي تنشأ المسؤولية الجنائية، يجب أن يكون خطأ الطبيب جسيمًا، أي تجاوزه الحد الأدنى من الحيطة والحذر، كإجراء عملية جراحية دون فحوصات كافية، أو استخدام أدوات غير معقمة، أو وصف علاج خاطئ دون التأكد من ملاءمته للحالة.
يختلف الإهمال الطبي الجسيم عن الخطأ الطبي العادي من حيث أنه ينطوي على تقصير واضح لا يقبله من هم في نفس مكانة الطبيب الأكاديمية والمهنية، ويُقاس عادةً بمعيار "الطبيب العادي" في نفس الظروف.
ومع ذلك، يُعد إثبات هذا النوع من الإهمال من أصعب التحديات في القضايا الجنائية ضد الأطباء. إذ يتطلب غالبًا مساعدة خبراء فنيين لتقييم الفعل الطبي، وقد تتداخل اعتبارات مهنية معقدة مع هذا التقييم. علاوة على ذلك، يمكن أحيانًا استخدام بيئة العمل الطبي في العراق - من حيث نقص الموارد أو الضغط المهني - كعذر مخفف أو دافع لفهم سياق الخطأ.
تجدر الإشارة إلى أن القانون العراقي يسمح بالتصالح والتنازل في بعض الجرائم الناتجة عن الخطأ. مع ذلك، يبقى المبدأ الأساسي هو أن مسؤولية الطبيب لا تُرفع إذا ثبت ارتكابه إهمالاً جسيماً نتج عنه ضرر جسيم.
وختاماً، فإن الموازنة بين حماية الأطباء من المسؤولية الجائرة وضمان حقوق المرضى تتطلب تنظيماً قانونياً أكثر دقة يتضمن قواعد واضحة للمسؤولية الطبية، ويعزز دور النقابات والهيئات الصحية في الرقابة والتقييم المهني. ويبقى القضاء الجنائي الضامن النهائي للعدالة في حال تجاوز الطبيب حدود المهنة وارتكب إهمالاً جسيماً.
#علي_سالم_عزيز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟