زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8327 - 2025 / 4 / 29 - 16:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نافذة على الصحافة الروسية
نطل منها على أهم الأحداث في العالمين الروسي والعربي والعالم أجمع
*اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف*
فلاديمير بولشاكوف
فيلسوف وعالم اجتماع روسي، دكتوراه في الفلسفة، أستاذ، ناشط اجتماعي.
7 فبراير 2019
الجزء الثامن
رعاة وحلفاء الصهاينة
حتى قبل أن تتشكل الصهيونية تنظيمياً، كان مصرفيون يهود أوروبيون مستعدين لتمويل مشروع "العودة إلى إريتس يسرائيل". ومع ذلك، لم يكن الجميع يؤيدون الصهيونية أو إنشاء دولة يهودية في فلسطين.
على خلاف الاعتقاد الشائع، فقد تعامل معظم أفراد عائلة روتشيلد، سواء الفرع الإنجليزي أو الفرنسي منها، بدايةً مع فكرة إقامة دولة يهودية بريبة، بل واعتبروا أن تأسيس دولة لليهود قد يؤدي إلى زيادة معاداة السامية في أوروبا. فعلى سبيل المثال، وفي القرن العشرين، عارض اللورد فيكتور روتشيلد من الفرع الإنجليزي للعائلة تقديم اللجوء أو حتى المساعدة للاجئين اليهود أثناء الهولوكوست.
ومع ذلك، لا تزال ترتبط في الوعي الجماهيري أسماء روتشيلد والصهيونية وكأنهما مترادفان. وليس هذا بدون سبب؛ إذ لولا الدعم المالي والسياسي الذي قدمته هذه العائلة، لما أمكن تحقيق مشروع "دولة إسرائيل" حتى اليوم.
لفترة طويلة، تجاهلت عائلة روتشيلد المنظمة الصهيونية العالمية التي أسسها تيودور هرتسل، مفضلةً أن تسيطر بنفسها على عملية الاستيطان اليهودي في فلسطين. واتخذ أثرياء يهود آخرون موقفاً مماثلاً؛ فمثلاً، البارون موريس دي هيرش، الذي كان يقدم الدعم للمستوطنين اليهود في فلسطين، استقبل هرتسل عام 1895، إلا أنه لم يدعم فكرته بتأسيس دولة يهودية في فلسطين ورفض منحه التمويل. كذلك توجه هرتسل إلى مجلس عائلة روتشيلد، لكنه قوبل أيضاً بالرفض، إذ تم رفض فكرته بشأن "القرض الوطني اليهودي" لتمويل الهجرة فوراً ومن دون نقاش. ولم يحظَ هرتسل بأي دعم حقيقي في العواصم الأخرى؛ إذ صرح البابا بأنه لن يعيق هجرة اليهود إلى فلسطين، لكنه أيضاً لن يدعمها. ولم يتلقَ هرتسل دعماً من الحاخامية، إذ سخر الحاخام الأكبر لفيينا، موريتس غودمان، بشدة من أفكار هرتسل في كتيب له، واعتبر أن هرتسل بالنسبة له لم يكن يمثل تطورًا طبيعيًا داخل اليهودية، بل "تطفل" سياسي قومي لا علاقة له بالإيمان اليهودي التقليدي، مصرحاً أن "اليهود ليسوا أمة"، وأن "ما يجمعهم هو الإيمان بالله فقط"، وأن "الصهيونية لا تتوافق مع العقيدة اليهودية" (Gudemann M. Nationaljudentum. Leipzig & Vienna, 1897. P. 42).
كانت "اللاسامية" أو بالأحرى "اللاسامية الصهيونية" لدى النخبة المالية اليهودية ناجمة إلى حد كبير عن أن مشروع الاستيطان الصهيوني في فلسطين كان أقل أهمية بالنسبة لهم مقارنة بالأرباح السياسية والاقتصادية التي كانوا يأملون تحقيقها من خلال تمويل الثورة العالمية. فقد دعمت عائلة روتشيلد بنشاط الحركات الماركسية، كما ساهم مصرفيون يهود آخرون بالأموال في صندوق الأممية الأولى.
وقد تطورت الصهيونية كأيديولوجيا، وممارسة، ومنظومة تنظيمية، بشكل متزامن وموازٍ مع الاشتراكية الديمقراطية، رغم أن الصهيونية تأسست لاحقاً من الناحية الرسمية والسياسية. وتشترك الصهيونية والاشتراكية الديمقراطية في الكثير من الأفكار الأيديولوجية والهياكل التنظيمية. بل إن الحركة الاشتراكية الديمقراطية كانت، لفترة من الزمن، مجرد شكل من أشكال التنظيم السياسي لليهودية، كما يتجلى بوضوح في أنشطة أحزاب مثل "البوند" و"عمال صهيون"، اللذين حافظا على طابعهما اليهودي المميز حتى ضمن الحركة الثورية.
وفي عام 1903، تمكن هرتسل، الذي سعى جاهداً لتقديم الصهيونية لكبار رجال العالم في صورة إيجابية، من الحصول على مقابلات مع شخصيات بارزة في الإمبراطورية الروسية، مثل وزير الداخلية بليفيه von Plehve، ووزير المالية ثم رئيس الوزراء سيرغي ويتّه Sergei Witte (1903). وقد جرت لقاءات الزعيم الصهيوني في سانت بطرسبورغ بعد فترة قصيرة من مذبحة كيشينيف (6–8 أبريل 1903)، التي شكلت نقطة تحول في راديكالية يهود روسيا، وهي الظاهرة التي ساهم فيها بدرجة كبيرة أعضاء حزب البوند والصهاينة الاشتراكيون.
"في يونيو، أصدر بليفيه تعليماته باتخاذ تدابير صارمة ضد الدعاية الصهيونية، إذ بحسب تصريحه، فإن الصهاينة قد انحرفوا عن هدفهم الأساسي، أي تشجيع هجرة اليهود إلى فلسطين، وبدلاً من ذلك بدأوا بتأسيس جمعيات يهودية سرية. كما تم حظر بيع أسهم صندوق الاستعمار اليهودي، وكذلك جمع التبرعات لصندوق الاستيطان اليهودي. وقد شكل هذا تهديداً حقيقياً للحركة الصهيونية" (لاكر ف. تاريخ الصهيونية. موسكو: كرون برس، 2000، ص. 176).
في اللقاء الأول مع بليفيه، عرض هرتسل أن يقدم خدماته مقابل دعم الحكومة القيصرية لتنظيم هجرة اليهود ودعم الصهاينة في تركيا، وكان عرضه يتضمن وعداً بكبح جماح "التمرد اليهودي". وقد كانت رسالته الشفوية التي نقلها عبر بليفيه إلى القيصر تقول: "ساعدونا في الوصول سريعاً إلى الأرض (الموعودة)، وسينتهي التمرد، تماماً كما سينتهي انضمام اليهود إلى صفوف الاشتراكيين".
بعد بضعة أيام، أطلعه على رد القيصر نيقولا الثاني. فقد وافق القيصر على تقديم الدعم المعنوي والمادي للحركة الصهيونية في تنفيذ الإجراءات «التي ينبغي أن تسهم في تقليل عدد السكان اليهود في روسيا». وفي الوقت ذاته، حذر نيقولا الثاني من أن «الحركة الصهيونية ستحظر إذا ما أدت إلى أي تعزيز للنزعة القومية اليهودية».
في سانت بطرسبورغ، لم يكن هناك تأييد لفكرة ترحيل جميع اليهود إلى فلسطين. أما أولئك الذين اندمجوا في المجتمع وكان بإمكانهم أن يعودوا بالنفع على الإمبراطورية، فلم يتعرضوا للاضطهاد. وقد وافق القيصر على فكرة هرتزل بإنشاء دولة يهودية مستقلة قادرة على استيعاب عدة ملايين من اليهود الفقراء في روسيا، نظراً لكونهم عديمي الفائدة للإمبراطورية، بل ومصدر خطر عليها.
(المصدر نفسه – ف. ب.)
كان موقف هرتزل من مشاركة اليهود في الحركة الثورية سببًا في تعرضه للانتقاد خلال المؤتمر الصهيوني السادس، حيث أعلن هرتزل أن الحكومة الروسية لن تضع عقبات أمام الصهاينة إذا تصرفوا ضمن إطار القانون. وقد أدى هذا الإعلان إلى أول مواجهة بين الصهاينة الاشتراكيين من حركة «عمال صهيون»، الذين شاركوا في المؤتمر، وبين قيادة المنظمة الصهيونية العالمية، وعلى رأسها هرتزل شخصيًا، متهمين إياه بالتواطؤ مع «مثير المذابح بليفيه». ومع ذلك، لم تمض سوى فترة قصيرة حتى قام ناشطون صهاينة في عام 1904 باغتيال بليفيه في وضح النهار.
ومع ذلك، لم يوفِ هرتزل بوعده "بكبح" الثوار اليهود. ففي روسيا، أُنشئت فرق للدفاع الذاتي اليهودي كانت تعد المقاتلين للثورة. ولم يكن رأس المال الصهيوني في تلك الفترة مهتمًا بتحطيم الأحزاب اليسارية التي كان قد ساهم بنفسه في إنشائها. وقبيل ثورة 1905، وجّه المصرفي النيويوركي يعقوب شيف Jacob Schiff، أحد قادة المحفل الصهيوني-الماسوني الأمريكي «بني بريت»، إنذارًا إلى نيقولا الثاني: إما أن يتم مساواة اليهود بالروس وإلغاء "منطقة الاستيطان اليهودي"، وإما أنه سيقوم بتنظيم ثورة ويحرض اليابان على شن حرب ضد روسيا. رفض القيصر هذا الإنذار، إلا أن شيف نفذ تهديده بالكامل. فقد خسرت روسيا الحرب ضد اليابان وفقدت جزءًا من أراضيها. ثم اندلعت الثورة في الأعوام 1905–1907، وتلتها ثورتا عام 1917، اللتان أسقطتا الحكم القيصري وأشعلتا حربًا أهلية انتهت بفقدان بولندا ودول البلطيق وفنلندا. وكان من الصعب للغاية تجنب تفكك روسيا إلى ستة أو سبعة دول، وفقًا لـ«خطة الكولونيل هاوس» Colonel Edward M. House المعروفة، التي وُضعت في الولايات المتحدة بمشاركة نشطة من الصهاينة.
بعد أن حصلت المنظمات الثورية والصهيونية على مبالغ مالية ضخمة للعمل التخريبي داخل روسيا، بدأت هذه القوى هجومها على الأسس التاريخية للدولة الروسية. وفي رد فعل على الفوضى التي نظمها الصهاينة في بعض المناطق، بدأ السكان المحليون في مهاجمة البلدات اليهودية. ويوضح القيصر نيقولا الثاني (القديس الشهيد كما اعتبرته الكنيسة عام 2000-ZZ) أسباب سخط السكان الروس؛ ففي رسالة إلى والدته بتاريخ 27 أكتوبر 1905، كتب معلقًا على المذابح اليهودية في ذلك الوقت: «ثار الشعب بسبب وقاحة وجرأة الثوار والاشتراكيين، ونظرًا لأن تسعة أعشارهم يهود، فقد انصب الغضب كله عليهم — ومن هنا جاءت المذابح ضد اليهود».
(نقلاً عن: «موسوعة التاريخ: المائة السوداء 1900–1917»، موسكو: كرافت + معهد الحضارة الروسية، 2008، ص. 8).
بعد وفاة مؤسس المنظمة الصهيونية العالمية عام 1904، وجدت الصهيونية تفاهمًا مع رؤوس الأموال اليهودية الكبرى. وأتى زمن الصهاينة عندما اقترب العالم، برغبة القوى الخفية العالمية، من الحرب العالمية الأولى وأول عملية لإعادة تقسيم العالم.
------
يتبع ....
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟