أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالحميد برتو - رواية -كدمات اليمام- (3 والأخيرة)















المزيد.....

رواية -كدمات اليمام- (3 والأخيرة)


عبدالحميد برتو
باحث

(Abdul Hamid Barto)


الحوار المتمدن-العدد: 8327 - 2025 / 4 / 29 - 16:47
المحور: الادب والفن
    


للروائية العراقية منى سعيد الطاهر

تحت طائلة الحصار ثم الإحتلال:
فَرَّضَ الحصارُ على كل إنسان بذل كل ما يستطيع من أجل إدامة الحياة. سافر هيثم بن محمود إلى عَمّان حاملًا معه بعض البضائع، من بُسط وتمور وغيرهما على أمل بيعها، أو مبادلتها ببضائع أخرى، غابت عن السوق العراقي بسبب الحصار، مستعيناً في ذلك بخبرة أبيه. فشلت جهوده ففكر بحل آخر. بنى فرناً لصناعة الخزف مستعينًا بابنه أنسام، الذي يدرس في كلية الفنون الجميلة. نجح المعرض وبيعت البضاعة خلال يومين. سلمان الأبن الأوسط لسليمة دافع عن الممتلكات العامة عندما تعرضت للنهب عشية الإحتلال. لكن بعد عودة الاستقرار سجن بتهمة عدم حماية ممتلكات الدولة.

احتلت سوسن بنت سليمة مساحة واسعة في الرواية. كبرت عابرة مراهقتها. عُقد لها على الشاب نمير أبن أحد أقاربهم في الحلة. هذه المناسبة رفعت ستار السواد عن شبابيك البيت. انتقلت إلى عائلة زوجها وتمتعت بالهدايا الثمينة. كذلك نال زوجها نمير سيارة هدية من والديه. لكن الحياة تعطي بيد وتأخذ بأخرى. اختطف نمير في طريق عودته إلى البيت بعد شراء مستلزمات الفطور الصباحي. بديهي أن تعيش سوسن تحت دوامة الانتظار المرعب. زمردة زوجة العم التي اختبرت الحياة. وجهت سوسن إلى ضرورة مواصلة أمتحاناتها النهائية في مدرسة التمريض. ظلت معها ترعاها وترعى والدي نمير. في لحظة تختلط دموع الحزن بالفرح لدى العائلة كلها. عند ولادة سوسن لابنها البكر و زوجها نمير ما زال مفقودًا.

فَكَرّت زمردة بالبحث لسوسن عن عمل ما. تَعرّفُ صديقًا شيوعيًا هرب 1979 إلى موسكو. أكمل هناك الدراسات العليا. بعدها عمل في بريطانيا. جاء مع الاحتلال عام 2003 معتمدًا للأمريكان في المنطقة الخضراء. لجأت إليه زمردة ليُعينَ سوسن في البحث عن عمل، فلبى الطلب. لكن نتيجة للتفتيشات والتحرشات نقلت سوسن خدماتها إلى منطقة اليرموك. أسرت قلب طبيب يعمل معها. متزوج من ابنة عمه ضمن الأعراف الريفية. يلوم نفسه: لماذا لا تأتي الأمور في وقتها؟ طلب الدكتور جبار الجلوس على طاولة سوسن لشرب قهوته. فهمت ما يدور في ذهنه. قالت له: أنا زوجة مفقود. لا أعرف هل هو على قيد الحياة أم تحت التراب. السؤال المؤلم في كل الأحوال: ماذا لو عاد أو لم يعد؟

عَلِّمت زمردة بالموضوع فبادرت إلى إستشارة الشرع. توجهت إلى رجل دين تثق به مستشيرة. جاءها الجواب: "يحق لزوجة الغائب لمدة أربع سنوات وعشرة أيام الاقتران بغيره". تعهد الدكتور جبار لسوسن ببناء بيت لها في قريته بصلاح الدين. شيد لها خلال 6 أشهر بيتًا فخماً وجميلاً. بدأت سوسن حياتها العائلية الجديدة. لكن الحال لم يدم طويلًا. استيقظ الناس فجر 13/6/2014 على أصوات سيارات وحالة غريبة. إشتباكات بين مسلحين ملثمين وزوار غرباء لمرقدي الإمامين العسكريين في سامراء. قوات عسكرية قادمة وأزيز طائرات في السماء. يملأ الرعب قلب سوسن من جديد. جمعت وثائقها وأغراض ضيفتيها (زمردة وابنتها) وحشرتهما في سيارة أجرة مع عائلة تريد الفرار إلى بغداد. غرباء متوجهون لإحتلال سامراء. يقترب الخطر من قرية محطة بلد على الطريق السريع الموصل ـ بغداد. ثار الذعر في قلوب الناس متذكرين احتلال تنظيم القاعدة لقريتهم عام 2008. كانت معركة بلد قاسية، حيث لُقِبَت بمدينة الألف شهيد. وصل إلى جبار خبر بقاء أخته نجود وجارتهم سلوى في مدرسة القضاء. أتصل بمعارفه في القضاء طالباً سلامتهما. هب صديقه د. برزان العاني لتلبة النداء.

بدأت تنقلات الناس بين القرى والمدن بحثاً عن الأمان. اختارت سوسن في محطتها الأخيرة حمامًا مهجورًا من بيت شيخ ملاذها الأخير، لتحوّله إلى عيادة تمريض. تعوض قدر الإمكان افتقار المنطقة لمركز صحي أو مستشفى. جهزت المكان بمصطبة خشبية وخزانة ضَمّت أدوية وفرها "علي الشروگي"، الشخصية الشهيرة بمعارفها الواسعة مع مسؤولي الأحزاب وموظفي الدولة وسائقي المركبات. ذاع صيت "الدكتورة سوسن" كما سمَّاها الأهالي في المجمع. وسعت سوسن عملها بأخذ غرفة أخرى. وَلَّدَت طفلًا لامرأةٍ يرافقها مسلحون. خاضت تجربة التوليد هذه لأول مرة في حياتها. عززت تلك العملية ثقتها بنفسها.

سردت تلك السبيَّةُ بعد الإنجاب قصتها لسوسن. هي ابنة ضابط في طيران الجيش من سكنة الفلوجة. عند احتلال داعش للمدينة قتلوا جميع أفراد عائلتها. تركوها مع أختها الأصغر على أمل أخذهما سبيَّتين مذلولتين. لكن الصغير المصابة بالسكر المزمن، لم تحمل الحالة فأسلمت روحها بأثر نوبة سكر شديدة قضت عليها. قالت: بقيت لوحدي مع هؤلاء القتلة الأجلاف. ذكرت لها كيف حَلّت لشيخ زارهم. خُدِرت وحين صحت من التخدير. وجدت نفسها وقد اغتصبت فحاولت الانتحار.

تناهت أخبارٌ إلى سوسن تفيد بأن داعش قد تصفيها. لأنها عرفت الكثير من أسرارها. لجأ جبار إلى مناشد علي الشروكي لتهريب سوسن إلى بغداد. بدأت رحلة هروب سوسن من بداية مشروع الاسحاقي. تتجاوز نقاط سيطرات العصابات و بلوغ مشارف بغداد إلى بيت أهلها. كما هرب جبار من الجزيرة إلى بغداد مع أمه وابنه عادل. كان مرضُ الطفلِ غطاءً للهروب. يا للمفارقة العجيبة، أن يحن قلب متجبر طاغ على طفل. إنتظروا في السيطرة الحكومية ثلاثة أيام، لتمر سيارة تنقلهم من السيطرة الحكومية على عجل إلى بغداد.

تحفل الرواية بازدحام هائل من الأحداث، الأسماء، المواقع والمآسي المتداخلة. على الرغم من هذا الزحام، كان لكل لقطة أو حالة قيمة جمالية واجتماعية مهمة. تحتاج إلى المزيد من تسليط الأضواء عليها. مهما يحاول أي الكاتب إيهام نفسه وأعماله، بأنه يعيش في عالمه الخاص، بعيدًا عن العوالم من حوله، في المحصلة يرى إختراقها له. هناك حقيقة أخرى، أن أي مشهد في الحياة، فكل يراه من زاويته. تُكْتَشَفُ القيمةُ الإنسانية من خلال قوة الملاحظة الفنية الصارمة. هو نفسه يرى المشاهد الثابتة تتغير حسب حركة ساعات اليوم الواحد.

ينطوي العمل الروائي في حزنه أو فرحه على فكرة مضمرة. ظلت طوال محطاته ترافقها ثنائية الوطن المحيط بها والقناعات الخاصة بكل تفاصيل ما يدور حولها: سياسة، جور ضد المرأة، الغربة، الاغتراب، الغدر، ضيق الأفق، الإنتصارات، الإنكسارات، أجواء الدراسة والعمل بحقوله المختلفة وغيرها الكثير من المثالب و المحاسن. هل تتبني الرواية نقدًا عقلانيًا أم فهمًا ماديًا، غير بعيد عن فكر الحزب الشيوعي، الذي تتبنى معظم منطلقاته. ولكن ليس بالضرورة أن تكون القراءة دقيقة وحرفية لمجمل مواقف الحزب. يتمنى الكاتب أو يتبنى عالماً يناسب قيمه وتصوراته الخاصة الكامنة والظاهرة. وقد تبنت الكاتبة سيرة موازية لسيرة حياة البلاد أو بالتعارض معها.

يُقاتل الإنسان من أجل هدف يرسمه لنفسه أو يُرسم له من خلال الأقربين أو من المحيط الإجتماعي أحيانًا. أخذت الرواية إمتدادًا تاريخيًا وليس مجرد ومضات تتعلق بلحظة كانت راهنة. هذه هي الحالة العامة لعدد هائل من الروايات. ولكن الأهم حين تبقى ضمن أجواء تاريخها المعلن. وهنا نجحت الروائية منى سعيد الطاهر في سعيها. تصهر الحلم بالواقع. تُعطي إشارات تُقرأعلى نحو يناسب ما جرى. يبقى التأمل الفلسفي حاضراً بمساحات رحبة بمجمل سلوكيات شخوص الرواية.

لا تحبس الكاتبة شخوصها ضمن نماذج مألوفة أو نافرة أو إشكالية. سعت نحو ذلك إزاء جيش من بنات و ابناء الأخوين محمود وحامد. رسمت لكل منهم قدراته على مواجهة الواقع الذي تمر به الأسرة. مدهشة نظرات واستنتاجات الكاتبة خلال مراقبتها لنمو شخوص روايتها. كم تُجسد هذه العبارة طبيعة قراءتها: هذه وليدة أمها ليس بيولوجياً فقط، إنما رؤية وممارسة إتجاه الحياة والعلاقات والأحكام الإجتماعية. أظهرت الرواية الكثير من القيم في مخفيات متونها، لتوقد حالات تدقيق النظر في المجريات من قبل القارئ.

اختفت الروائية وراء شخوصها بمهارة الفنان المُسْتَوعِب والخالق لفنه. كما أجادت توظيف الكلمة والأمثال والوقائع الشعبية. نَجِدُ بين ثنايا الرواية اختبارات صعبة. ربما كانت سِيَرُ الفتيات أغنى من اخوانهم، على الرغم من التباين الشاسع فيما بينهن. قد يأتي ذلك التصور تحت وطأة القهر الإجتماعي. هذه الشابة رومانسية وتميل إلى الحميمية، وتلك مفتونة ببنيتها الرياضية أو بدراستها، وأخرى تهيمن على حياتها مسألة دورها في الحياة العامة والنضال الوطني واجتراح الملاحم الثورية. تنمو قصص الحب الكبرى و تتقلص في حالات أخرى أو تصل الى نهايات موحشة. إن الميزان الفلسفي عند الروائية في لحظات التجلي يطلق أوصافًا وصفاتًا، مثل: رائعة، شجاعة، مرنة، عنيفة، مسطحة، مرحة وخفيفة هشة... الخ. خاتمة القول: كدمات اليمام رواية رائعة رُسمت بريشة فنانة صادقة جميلة الروح والتطلع والأمل.

إنتهى



#عبدالحميد_برتو (هاشتاغ)       Abdul_Hamid_Barto#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية -كدمات اليمام- (2)
- رواية -كدمات اليمام- (1)
- في عالم الذكاء الإصطناعي
- أوامر ترامب العجولة
- إهانة التضحية
- يحيى علوان رحل مسالماً
- حميد الحريزي يرسم واحةَ الهذيان
- جولة مع الروائي راسم الحديثي
- الشاعر والمناضل مخلص خليل
- حين يَتولى مُنصفون مهماتٍ
- باب المنفى
- لحظة مجيدة في نضال الشعب الفلسطيني
- لماذا يحمل الطلبة الراية الأعلى؟
- أمينة الرحال بطلة من بلادي
- الترقب السياسي السلبي
- الذكرى الخامسة لرحيل مناضل
- بين الساهر و الدكتور صالح
- حول شخصنة الأزمة
- مع الجواهري
- التصحر الأخطر


المزيد.....




- العبث واللامعقول في حرب السودان.. المسرح يمرض لكنه لا يموت
- مصر.. توقف قلب فنان مشهور 4 دقائق وتدهور حالته الصحية
- ملابس تحمل بطاقات مكتوبة باللغة العبرية تثير جدلا واسعا في ل ...
- كتاب جديد يستكشف عالم الفنانة سيمون فتال
- ثبت تردد قناة الفجر الجزائرية الجديد 2025 وتابع مسلسل صلاح ا ...
- -مذكرات سجينة-.. مسلسل تلفزيوني عن سجينة روسية في الولايات ا ...
- الطائرات في الأفلام.. هل هي سبب فوبيا الطيران؟
- مهرجان كان السينمائي: لجنة تحكيم دولية برئاسة جولييت بينوش و ...
- لحظة غفلة تكلف الملايين!.. طفل -يتلف- لوحة بقيمة 56 مليون دو ...
- ترامب يوقع أمرا تنفيذيا يُلزم سائقي الشاحنات بالتحدث باللغة ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالحميد برتو - رواية -كدمات اليمام- (3 والأخيرة)