خلف الناصر
(Khalaf Anasser)
الحوار المتمدن-العدد: 8327 - 2025 / 4 / 29 - 14:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الحركة الصهيونية الحديثة هي منظمة يهودية رسمية، وضع أسسها ـ كما هو معروف ـ الصحفي اليهودي النمساوي (تيودور هرتزل) في نهايات القرن التاسع عشر، ونجح في عقد أول مؤتمر رسمي لها عام 1897 في بازل بسويسرا، حضرته ثلاثمائة شخصية يهودية صهيونية. وقد سبق الحركة الصهيونية الحالية عدة منظمات يهودية تحمل الفكرة الصهيونية ذاتها، لكن بأسماء ومسميات مختلفة: كالماسونية العالمية و "أحباء صهيون" وغيرها من المسميات، وكان كل من هذه المسميات متخصصاً في شأن محدد يمهد ـ كما يعتقد البعض ـ لتحقيق حلم يهودي قديم، بإقامة امبراطورية يهودية عالمية عظمى تشمل العالم كله، يتوج على رأسها (ملك من نسل داوود) في "أرض المعاد" ،أي، في فلسطين التي ستقام على اديمها مملكة داوود [Kingdom of David] ـ يرمز إليها بــ KDاختصاراً ـ الموعودة، لتحكم العالم كله من عاصمتها [أورشليم/القدس] في فلسطين !!
لكن هناك رأي آخر يقول: صحيح أن الحركة الصهيونية تعمل لصالح قيام دولة يهودية كبرى لتحكم العالم سراً وليس علناً، وهذا متحقق اليوم فعلياً ـ كما يعتقد أصحاب هذا الرأي ـ من خلال سيطرة اليهود على العالم مالياً واعلاميا وحتى اجرائياً في بعض الاحيان، وذلك من خلال سيطرتهم الفعلية على جميع الصحف العالمية الكبرى وعلى وسائل التواصل الاجتماعي ومعظم هيئات ومنظمات الأمم المتحدة والمنظمات العالمية المشابهة، كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والبنوك المركزية لمعظم دول العالم ......الخ.
****
لكن يتناسى البعض أن وراء نشوء الحركة الصهيونية الحديثة كان هناك حافز مهم جداً، وهو الذي مكنها من النهوض والاستمرار والنجاح في تحقيق اهدافها الواحد تلو الآخر، تمثل بما عرف "المشكلة اليهودية" في أوربا وهي مشكلة تجهلها الكثير من أجيالنا الحلية، وهي الاضطهاد الشديد الذي تعرض له اليهود طوال تاريخهم في اغلب الدول والمجتمعات الأوربية التي تواجدوا فيها، وذلك لأسباب كثيرة يعددها البعض:
بالربا واقراض الأموال للدول والافراد وشعور اليهود العميق بالتفوق العرقي على غيرهم وطبيعتهم الانانية الاستغلالية ـ تصورها البعض بصورة شخصية شايلوك لشكسبير ـ لكل تلك الاسباب ولغيرها، كان اليهود يتعرضون دائماً لمذابح مروعة في مختلف الدول والمجتمعات الأوربية وقد وصل بعضها إلى حد "الابادة الجماعية"، كما حدث في الحرب العالمية الثانية على يد النازيين الألمان، سبقتها ـ وعلى مدى قرون ـ اعمال اضطهاد وترويع وقتل جماعي لليهود في أماكن عديدة من أوربا، وكذلك لحقتها اعمال مماثلة كان اشهرها في روسيا سنة 1902، إثر اكتشاف "بروتوكولات حكماء صهيون" المنسوبة لليهود في تلك السنة، اعقبتها اعمال مماثلة في دول ومجتمعات أوربية مختلفة. فكل تلك الاعمال كانت هي المبرر الظاهري لقيام الحركة الصهيونية، وهي الدافع نجاحها في تحقيق الكثير من اهدافها السرية والمعلنة!
في البداية كانت الحركة الصهيونية:
تطالب بإنشاء "وطن قومي لليهود" في أية بقعة من العالم "للم شتات اليهود" وتخليصهم من الظلم والاضطهاد الذي يتعرضون له في المجتمعات الأوربية، وقد عرضت عليها أماكن عديدة في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية، كانت أشهرها بقعة تقع في أوغندا بأفريقيا.. ولكن؟!
****
ولكن.. بعد عشر سنوات من مؤتمر بازل عقد [مؤتمر لندن عام 1907/ الشهير والذي شاركت فيه سبع دول أوربية نافذة في ذلك الوقت] وكان غرض ذلك المؤتمر المعلن هو حماية الحضارة الأوربية من السقوط والانهيار كالحضارات الكثيرة التي سبقتها:
وكانت مداولات ذلك المؤتمر التي استمرت لسنين عديدة قد توصلت إلى نتيجة مفادها:
أنه لا يمكن حماية الحضارة الأوربية إلا بكسر المعادلة التاريخية الجبرية التي تحكمت طوال التاريخ بالعلاقات بين شرق البحر الأبيض المتوسط/ العربي وغربه/ الأوربي. وهي معادلة تاريخية تقول:
[إن تفوق الغرب وتطوره واستمراره مرهون بضعف الشرق ـ العربي انذك ـ وتخلفه، والعكس صحيح أيضاً. ،أي إن، تقدم الشرق/العرب وتطورهم يؤدي إلى ضعف أوربا وتخلفها] وإن وقف مفاعيل تلك المعادلة التاريخية لا يمكن أن يتم، إلا بتغير طبيعة جغرافية شرق المتوسط والكتلة البشرية التي تسكنه!
ولهذا الغرض تبنى "مؤتمر لندن/1907" عدة قرارات خطيرة في هذا الشأن، كان أخطرها قراراً بتقسيم البلاد العربية وتخريب كياناتها التاريخية الكبرى المعروفة: [العراق ، مصر ، بلاد الشام ، المغرب] ومنعها من التطور والنهوض من جديدا، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بإقامة "حاجز بشري غريب" يفصل مشرق الوطن العربي عن مغربه، ويمتص كل جهده وثرواته وطاقاته؟؟
****
هنا وفي هذه النقطة بالذات، التقى "مؤتمر بازل الصهيوني" بــ "مؤتمر لندن الأوربي" في هدف واحد!
،أي، والتقى الاستعمار الغربي البريطاني بالحركة الصهيونية العالمية لقاء مصالح أدت إلى زاوج كاثوليكي بينهما، بعد أن اصبحت لهما مصالح حيوية موحدة في منطقة جغرافية واحدة، ولهذا اكتسبت الحركة الصهيونية أهمية عالمية في سياسات وقرارات الدول الأوربية الكبرى أنذك، فتحت لها جميع الابواب التي كانت مغلقة في وجهها سابقاً، بعد أن جمعت الاثنين مصلحة حيوية مشتركة في منطقة جغرافية واحدة هـي.. فــلــسطــيــــن..
ففلسطين كانت بقعة جغرافية مثالية للمشروعين الصهيوني الاىستيطاني، والأوربي التقسيميً..!؟..
فهي مثالية للاستعمار الغربي/البريطاني لأنها جغرافياً تقع في موضع القلب من الوطن العربي، وهي بموقعها الجغرافي هذا تحقق للمستعمرين الأوربيين هدفهم بقطع الاتصال والتواصل بين مشرق الوطن العربي الآسيوي ومغربه الافريقي، وتسهل لهما عملية الهيمنة عليهماً معاً!
وكذلك كأنت فلسطين بقعة جغرافية مثالية للحركة الصهيونية أيضاً، لأنها تعطيها فلسطين المرتبطة توراتياً بخرافة "أرض المعاد" التي ستقام على اديمها مملكة داوود [Kingdom of David] الموعودة، لتحكم العالم كله من عاصمتها [أورشليم/القدس] في فلسطين !!
والأهم أن فلسطين كانت مثالية جداً بالنسبة لعموم أوربا وليهودها معاً، لأنها ستحل للأثنين معاً ما عرف في حينه بـ "المشكلة اليهودية" حلاً نهائياً؟؟
****
و "المشكلة اليهودية" في أوربا ـ كما نوهنا سابقاً ـ ... هـــــــــــي:
أن اليهود ولأسباب كثيرة كانوا يتعرضون دائماً لمذابح مروعة في مختلف الدول والمجتمعات الأوربية، وكانت آخرها واشهرها تلك المذابح النازية المروعة لليهود في ألمانيا اثناء الحرب العالمية الثانية. في حين أن اليهود في الشرق عموماً والوطن العربي خصوصاً لم يتعرضوا في تاريخهم كله لمذابح من ذلك النوع الأوربي، ربما تعرضوا لبعض المضايقات لكنها لم تصل إلى مستوى المذابح الأوربية لليهود مطلقاً، فكانت فكرة "الوطن القومي لليهود" في اهم جوانبها حلاً مثالياً لتلك "المشكلة اليهودية" وللأوربيين معهم!!
وهو حل يتمثل :
بتصدير تلك "المشكلة اليهودية" ومعها اليهود الغربيين (الشكنازيم) أنفسهم إلى المشرق العربي وتوطينهم في أرض فلسطين العربية!. وبهذا تصبح "المشكلة اليهودية" الأوربية الاصل، (مشكلة يهودية/ عربية) بدلاً عن كونها (مشكلة يهودية/ أوربية) كما هو اصلها وحقيقتها!!..
وبهذا الحل العبقري، توحدت المصالح الأوربية الاستعمارية مع المصالح الصهيونية اليهودية الاستيطانية في فلسطين، وبناءاً عليها أعطت بريطانيا لليهود "وعد بلفور" ـ أعطى من لا يملك لمن لا يستحق ـ الشهير: بـ (إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين) وساعدتهم سياسياً ومالياً وعسكرياً وبشرياً على اقامته فيها!
وهكذا أنشأ الاستعمار الأوربي/ البريطاني الكيان الصهيوني "إسرائيل" في فلسطين باعتبارها "وطناً قومياً لليهود" وتعهدت لهم بحمايتها وتقويتها وجعلها قوة ضاربة وأقوى من جميع الدول في محيطها، ونجدتها عند الحاجة ـ انظروا كيف هبت أميركا ومعها الغرب كله وحاربت مع "إسرائيل" حرب مصير مشترك ضد غـــزة ومناصريها ـ بينما تعهدت هي ـ أي إسرائيل ـ للاستعمار الغربي بحماية مصالحه في المنطقة العربية وعموم الشرق الأوسط.... وهكذا كان!!!!
وبهذا ضربت أوربا الاستعمارية ثلاثة عصافير بحجر واحد:
قطعت تواصل العرب جغرافياً فيما بينهم، وأمنت تخلفهم وتدمير كل امكانات تجددهم ونهضتهم.. وبهذا ابطلت مفاعيل تلك المعادلة التاريخية التي تحكمت بالعلاقات العربية الأوربية طوال التاريخ!
ضمنت مصالحها في المنطقة كل تلك السنين.. وربما لمئات من السنين القادمة!!
تخلصت من "المشكلة اليهودية" الأوربية، وجعلتها (مشكلة عربية/ يهودية) يدفع اثمانها العرب اليوم أنهاراً من الدماء والخراب والتخلف المستدام، ومنذ ما يقارب الثمانين سنةً.. وغــــزة شاهد وشهيد حي تبعتها سورية، وربما ستتبعها غداً لبنان واليمن وبعده الأردن وقد تليها غيرها, تمهيداً لقيام "إسرائيل الكبرى"؟؟
والفيديو النادر التالي يشرح لنا قبل 60 عاماً حدود "إسرائيل الكبرى" وبعض تفاصيل ما يجري في حياتنا اليومية الآن!!
https://www.facebook.com/reel/1615681619152848/?s=single_unit&__cft__[0]=AZVCvqU_3XzVrxsDLK_kDnoajO1qt5nL-aA5jyiPXK5nGyZ60vTSdhyQwxm84Cl5HRYeEbOUiJv0mvr958aPPpXZkNuGvw9-68rAUlG1dizSdLxqjNZda3yW4BdvNh1JQWYIgLYFqWw8d6N9MbyKO1h9TvE4WC35v4TGulwv4PotCiBl5hHf15I81icg5nafezvdTWbvCP82OmVeo7UNIoEqKHqidJfNTdQaDSY8hK22jFpPq9FKRPnLyGTeQI7rK8U&__tn__=H-R
#خلف_الناصر (هاشتاغ)
Khalaf_Anasser#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟