أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - من تحت التراب... رسالة الشهيد نزار بنات إلى حسين الشيخ!














المزيد.....

من تحت التراب... رسالة الشهيد نزار بنات إلى حسين الشيخ!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8327 - 2025 / 4 / 29 - 13:15
المحور: القضية الفلسطينية
    


"العدل أساس الملك، وحين يسقط العدل، يسقط معه كل عرش وكل سلطان."
ـ قول مأثور.

"الشهيد ليس رقماً يُعد، بل روحاً تُضيء الطريق للآتين من بعده."
ـ محمود درويش.

من قاع القبر، يمد الشهيد نزار بنات يده، لا لِيُسامِح، بل لِيُذَكِّر بأنَّ الحساب آتٍ، وأن الدم لا ينسى. لم أمت حين أسكتُّم صوتي، بل بدأت محاكمتكم أمام ضمائركم الميتة.
هذا الصوت، وإن خَفَت، سيظل يُلاحِقُكم حتى آخر حفنة تراب.
نزار لم يرحل، بل ينتظر... يوم تُساقون أنتم إلى ميزان العدالة.

من أعماق القبر، حيث لا كذب، ولا بيانات شجب، ولا لقاءات مصالحات على جثث الأحياء، مددتُ يدي المرتجفة بالتراب، وصافحتك يا حسين الشيخ.
مباركٌ لك منصبك الجديد، مباركٌ لك هذا المجد المبني فوق أضلاعي المكسورة، وفوق صوتي الذي حاولتم خنقه، فصار صدىً لا يموت.

صافحتك، لا حبّاً، بل لأنني تذكرت أنك كنت من أوائل من حرَّض عليَّ، حين قلتُ كلمة حقٍّ في حضرة سادة المشروع الوطني المُباع.
صافحتك، لأن موتي كان بطاقة دعوتك الأولى إلى موائد الرفعة والمناصب، حيث يتم توزيع المنافع كأنها صُكوك غفران تُلقى فوق جراحنا المفتوحة.

سألتك وأنا أرتجف بين الحياة والموت:
ـ "يا حسين، ماذا حلَّ بغزة؟ وماذا عن أهلها؟"
رفعتَ رأسك قليلاً، وزغردتَ كمن يُعلن افتتاح فرع جديد للنكبة، ثم قلتَ:
ـ "غزة؟ مشغولون نحنُ بالتنسيقِ الأمنيِّ المُقدَّس، بالمفاوضات، بالبيان الختامي! غزة هناك، تصرخ وحدها."

يا الله... حتى موتانا يخجلون من سؤال الأحياء.
يا غزة... كنتُ أظنك آخر الحصون، فإذا بكِ تُترَكين تنزفين، وتُرمى جراحك بين فصائل تشحذ موتها على أبواب السياسة.

أيها الأحياء في رام الله، في الضفة، في القدس،
نحن، أموات فلسطين، نحسدكم لا على الحياة، بل على قدرة الصمت.
نحن، شهداء الرأي والكلمة، نتساءل: كيف لم تجف دماؤنا بعد، وأنتم تغسلون أيديكم منها كل صباح؟

حسين الشيخ، باركتُ لك وأنا أفترش حجارة القبر. لا تُصوِّر نفسك منتصراً، فالمنتصرون لا يهربون من المرايا.
المناصب تلمع كالذهب الكاذب، لكنها تُصبغ دوماً بلون من ماتوا ليقولوا الحقيقة.

يا غزة، قولي لهم: إن الشهيد حين يسقط، لا ينتهي، بل يبدأ.
والشهيد نزار بنات، حتى وهو تحت التراب، ما زال يسأل ويسأل:
ـ "ماذا فعلتم بالوطن؟"

يا حسين، يا من صافحتك بيدٍ من تراب، اعلم أنك مهما لبثتَ في قصورك، ومهما ركضت خلف المناصب والرتب، ومهما ظننت أن الدنيا قد خضعت لك... سيأتي يوم، تُحمَل فيه على الأكتاف كما حملوني، وتُدفن كما دُفنت. وسنلتقي، أنا وأنت، لا على موائد السياسة، بل أمام من لا تخفى عليه خافية. سنقف عراةً من كل لقب، وكل منصب، وكل خداع. وهناك، عند الله العادل، سيكون الحساب الحقيقي.

نداءٌ إليك، يا حسين: يمكنك الانتقام من قبري في دورا الخليل، افعل ما شئت، دنِّس قبري، اكسر شاهدي، مزق كفني، فلن يضيرني ذلك شيئاً. فأنا في انتظارك يوم الحساب، ذاك اليوم الذي لا تؤمن أنت به، وسنرى أيُّنا المفلح وأيُّنا الخاسر. فإني، والله، لم أنسَ.

وانظر إلى أطفالي، يا حسين، أولئك الصغار الذين سرقت منهم ضحكتهم، وأبقيتهم يكملون حياتهم أيتاماً بلا أب، يحملون جرح الغياب كل يوم، وينامون على وسائد الفراق، ينتظرون لقاءً لا يأتي إلا في أحلامهم البريئة... فأيُّ قلبٍ حملتَ، وأيُّ حسابٍ تنتظره؟

يا حسين، عندما تمرُّ من أمام بيتي في دورا الخليل، توقَّف لحظةً، وانظر في عيني ابني خليل، ذاك الطفل الذي ما زال واقفاً هناك، ينتظر عودتي التي تأخرت.
وانظر في عيني ابنتي ماريا، الصغيرة التي كانت تنتظرني كل مساءٍ على عتبة الباب، تحمل إليَّ ضحكتها البريئة. فأيُّ ذنبٍ اقترفته لتحرَم مني إلى الأبد؟
لا تمرَّ مرَّ العابرين يا حسين... ففي عيونهما سترى الوطن الذي خنقتموه، والأمل الذي وأدتموه، والحقيقة التي لا تموت.

[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزَّة وحدها... والأُمَّةُ في صمتِ الغِيابِ
- رئيس -زعَلَطي-… في حضرةِ الدمِ والخذلانِ
- ياسر عرفات(أَبو عمَّار)… آخرُ الرِّجالِ في زمنِ الانكسارِ
- طارق الدوخي… الذي نجا من المجزرة ولم يَنجُ من الغيابِ
- معين عبدالغني الجشي… حين يُصابُ الأَرشيفُ بالصَّمتِ
- خليل الوزير (أبو جهاد)… رَجُلٌ مِن زمنٍ لم يَبلُغ رام الله.
- ياسر عرفات(أبو عمار): حين خانتهُ البنادقُ التي ربّاها
- عبد القادر الحسيني: بطلُ القسطل ورمزُ الفداءِ في تاريخِ فلسط ...
- الذين خذلونا… هُناك، حيث يُدفَنُ الوطنُ في حضرةِ الفسادِ
- خان يونس: زُهورُ الطفولةِ التي احترقت نائمةً
- ذاكرةُ الدم: حينَ يكونُ الصمتُ شريكاً في القتل
- الأَسدُ لا يُفاوِضُ على قُوتهِ
- لا تَنسَ يا أَحمد... فذاكرتُكَ تفضحُهُم
- وداعاً أَبا أَحمد: حين تغادرُنا الطُّيُورُ الأَصيلةُ بلا ودا ...
- هذه ليلتُها... وغزَّة تَصحو على خُذلانٍ بلا فجرٍ
- حينَ تفرَّقَ الأَصحابُ وضاعَتِ الخُطى: حِكايةٌ من مُخيَّمٍ ف ...
- عيسى أَحوش ودار بيسان: صوتُ فلسطين الذي لا يمُوتُ
- من فِيتنام إلى غزّة: أَمريكا في مَسَارِ الهزائمِ والخيباتِ
- الاستسلامُ ليس خياراً: دُروسٌ من بيروت إلى غزَّة
- الدكتور صالح الشيباني... من تُرابِ فلسطين تَكَوَّنَت رُوحُهُ


المزيد.....




- لم تتخل عن حلمها.. مسنة بعمر 97 عامًا تحصل على الجنسية الأمر ...
- ترامب يحلم بالإمبراطورية ويكافح من أجل الوفاء ببعض وعوده
- دول الساحل تدعم مبادرة -الولوج للمحيط الأطلسي- المغربية
- اكتشاف يرقة -ماكرة- تتغذى على ضحايا العناكب
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط مقاتلة -سو-27- أوكرانية
- سموتريتش: يجب أن تنتهي هذه الحرب بسوريا مفككة وإيران بلا تهد ...
- مجلة أمريكية تشيد بكاسحات الجليد العسكرية الروسية
- الحد اليومي للجلوس الذي يُنذر بآلام الرقبة
- البرهان: حربنا ليست ضد أي قبيلة.. ونحارب كل من يحمل السلاح ض ...
- حريق ضخم في محطة كهرباء غربي لندن (فيديو + صور)


المزيد.....

- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - من تحت التراب... رسالة الشهيد نزار بنات إلى حسين الشيخ!