محفوظ بجاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8327 - 2025 / 4 / 29 - 07:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"الدبلوماسية الحقيقية لا تصرخ... الدبلوماسية الحقيقية تَبني."
لطالما كانت الدبلوماسية الجزائرية عنوانًا للحكمة والتوازن، استطاعت من خلالها الجزائر أن تحافظ على علاقات جيدة مع مختلف الأطراف، حتى المتناقضة منها. شكلت سياستها الخارجية عنصر قوة وهيبة، جعلها تحظى باحترام واسع في المحافل الإقليمية والدولية.
لقد كانت الدبلوماسية الجزائرية خلال العقود الماضية، خاصة في فترتي الرئيسين الراحلين هواري بومدين وعبد العزيز بوتفليقة، إحدى أبرز أدوات القوة الناعمة للبلاد. فقد لعبت الجزائر دور الوسيط المحايد في العديد من النزاعات الدولية، دعمت حركات التحرر الإفريقية، ساهمت في إنهاء الحرب العراقية الإيرانية، ونجحت في التوسط في أزمة الرهائن الأمريكيين بطهران سنة 1981. كانت سياستها تقوم على توازن دقيق بين المبادئ والمصالح، بمهارة كبيرة في بناء التحالفات دون الوقوع في المحاور أو التبعية.
أما اليوم، فقد بدأ هذا التوازن يتصدع، وظهرت بوادر انزلاق نحو سياسة خارجية تتسم بالصدام والتسرّع، لا تعكس تقاليد الدولة العريقة، بل تعكس ارتجالًا في اتخاذ القرار وغيابًا للكفاءات.
بعد أن كانت الجزائر تُحسب لها خطواتها على الساحة الدولية بدقة، أصبحت ردود فعلها في بعض الملفات تُبنى على ما يُثار عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في استجابة شعبوية تتجاوز ضرورات التحليل العميق للمواقف والظروف.
كما تم تهميش الدبلوماسيين والخبراء الذين صنعوا أمجاد السياسة الخارجية الجزائرية، واستبدالهم بمن لا يملكون الخبرة ولا الدراية اللازمة، بل فقط الولاء أو الاستعداد لتبرير كل القرارات دون نقد أو تقييم.
وهنا تكمن الخطورة: عندما يتحول الفضاء الدبلوماسي إلى ساحة مزايدات، وتُتخذ المواقف القصوى من البداية، يصبح التراجع عنها لاحقًا مكلفًا ويضرب صورة الدولة ومصداقيتها في العمق.
الدبلوماسية ليست استعراضًا ولا تسجيل نقاط، بل هي فن الحفاظ على المصالح الوطنية بحكمة وهدوء واستباق.
اليوم، مع تآكل الكفاءات وتراجع الأداء المؤسساتي، تخسر الجزائر تدريجيًا وزنها في محيطها المغاربي والإفريقي، وتصبح أكثر انعزالًا عن التفاعلات الإقليمية التي كانت بالأمس تصنعها أو تؤثر فيها.
إن مستقبل الجزائر ومكانتها الدولية مرهون بإعادة بناء سياسة خارجية رصينة تستند إلى الكفاءة والخبرة، لا إلى الانفعال والمواقف الشعبوية. فلا يكفي أن نرفع الشعارات، بل يجب أن نمتلك رؤية استراتيجية طويلة الأمد تحفظ المصالح العليا للبلاد، وتستعيد للجزائر دورها الطبيعي كصوت للعقل والحكمة في عالم مضطرب.
#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟