أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجيب طلال - سوق المداويخ- نص - بين الرمز والترميز















المزيد.....


سوق المداويخ- نص - بين الرمز والترميز


نجيب طلال

الحوار المتمدن-العدد: 8326 - 2025 / 4 / 28 - 14:30
المحور: الادب والفن
    


منــطــلق §

في غفلة أتحفنا الأستاذ " رشيد هيبا" بنص مسرحي باذخ- "سوق المداويخ"- (1) ربما سيبدو للبعض أن المؤلف ليس معروفا في المجال المسرحي، بالعكس له حضور في المشهد الثقافي ولاسيما أنه عضو فعال في الجمعية المغربية للدراسات الأكاديمية العربية ، لكنه من طينة " الظل" وعيّـنة من يتلافى البهرجة والانخراط في ازدحام غير منتج ولا فعال. إذ بحكم اهتمامه وغوصه في عوالم الأدب العربي والشعبي( الملحون) حاول أن يخابر ويجرب قدراته الإبداعية وطاقته التخييلية التي يفرغها في الرواية ، مخيلته تسللت نحو المسرح، قبل أن يتسلل للكتابة، وهذا يستشف عبر الخطاب المضمرفي التقديم:" .. وفي القلب غصة وحسرة، لهذا كان لابد من الغوص في أعماق هذا التاريخ المجيد من أجل فهم بعض الحقائق الضائعة، في خضم الحملة المسعورة التي تستهدف تشويه التاريخ العربي الإسلامي (2) بداهة الكتابة ترتبط بالحافز، منها يطرح السؤال أي تموقف أو حدث (ما) الذي يدفعنا لكتابة نص أو نصوص مسرحية ؟ لكن صاحب النص هنا استبدل الرؤية/ الموقف/ الحَـدث/ بالغصة ( أي) الأَلـمٌ والحزْن والهمٌّ الشديد والمتواصل والتي حـددها في (النكبة العربية) معتبرا:" أن النكبة الحقيقية ابتدأت مع انهيار الإمبراطورية العباسية بفعل الضعف وبفعل التآمر والخيانة. فالتتار دخلوا بكل سهولة ويسر إلى بغداد رمز القوة العربية (3) كيف ذلك؟ وهل نص( سوق المداويخ) أجاب وتفوق في ذلك؟
من المجازفة أن نعطي استنتاجا أمام آلية التفكيك لحمولة النص التي هي المفصل. وإن سعى الكاتب اختيار شخوص/ أسماء ـ بغية تفعيل الحـدث التاريخي/ الواقعي ليؤطرها هكذا:" وعموما فالأسماء المرتبطة بشخصيات هذا النص المسرحي، ليست أسماء اعتباطية بل هي أسماء تحمل دلالات رمزية/ تاريخية (4) أكيد بأن أي شخصية منطرحة في نص( ما) إلا و تحمل دلالاتها الرمزية ، ولكن هل استطاعت في النص أن تكشف عن رمزيتها في سياق الواقع المعاش؟ وهي أساسا شخصيات تاريخية ،ولهذا فحضورها وظيفي أو اسمي ليس إلا؟ هذا السؤال ينضاف لما سبق، لأن " سوق المداويخ" مليئة برموز رمزيتها في سياق تاريخي، علما أن : مشكل التاريخ هو تاريخ المشكل حسب تعبير "هيكل" بمعنى أين يكمن المشكل التاريخي في النص، هل في الشخوص أم في الأحداث؟ لأننا أمام تداخل شخوص في زمن كتابة النص، وفي زمن الأحداث ، وفي زمن الفعل؟ فحي ابن يقضان تم توظيفه كسارد/ راوي/ حكواتي/هل يمثل نفسه أم صوت ابن سينا ، أم ابن النفيس، أم ابن طفيل أم شهاب الدين السهروردي؟(5) هو ليس هذا ولاذاك بل رمز لرحلة ضمنية في التراث العربي، يساهم في عملية الترميز، من أجل تفكيك شفرة [ كود] لقراءة التقاطع بين الصوفي والفلسفي والأدبي، وفي نفس السياق يوحي بتداخل الأزمنة والخيط الرابط ابن يقظان كترميز بتداخل المادة التاريخية باعتبارها حقائق وقعت، وبين الفعل السردي الذي سعى حسب الطاقة الإبداعية والمعرفية بملء فراغات وفجوات التي خلفتها تلك الوقائع/ الحقائق بفعل التقادم. وهَـذا ملحوظ في النص. وبالتالي فاختيار حي بن يقظان كفاعل في السرد مسألة تدعو للتأمل أكثر ولاسيما [ اسمه ] الموغل في الرمزية:" أما اسمي ونسبي، فحي بن يقظان، وأما بلدي فمدينة بيت المقدس وأما حرفتي، فالسياحة في أقطار العالم حتى أحطت بها خبرا، ووجهي إلى أبي وهي حي، وقد عطوته منه مفاتيح العلوم كلا ّ، فهداني الطريق السالكة إلى نواحي العالم، حتى زويت بسياحتي آفاق الأقاليم (6) ولهذا فتوظيف " ابن يقظان" ليس اعتباطيا أو من باب الإبهار، بل بنوع من التطابق بين الماضي /الحاضر المتمثل في:
* الجماعة: تبا لك ، وهل أنت شهرزاد ( يضحكون)
* يقظان : ( بجدية وحزم) بل أنا حي بن يقظان هذا الزمان، أحكي كي لا أموت، وأحكي كي لا تغرب
شمسي، وأحكي كي تستنير العقول. أنا الشاهد على الماضي والحاضر والمستقبل.. لا أنا ذاكرة
الزمان العربي الدامي...أنا سلالة أبي دلامة وأبي الفتح السروجي (ص29) )
ولاسيما أن "ابن يقظان" شخصية منفلتة من التصنيف التاريخي والسياسي كأنه مادة زئبقية .ويتجسد هذا الطرح حينما يصبح حي بن يقظان في حكاية سوق المداويخ ( ص101 ) ابن الزئبق من سلالة و نـسل الشاطر "علي الزئبق" . ولهذا إننا أمام نص يمتلك زخما من السياحة الفلسفية والسياسية والأدبية والتاريخية ، في سياق "حكايا" تتجول في فضاء "سوق المداويخ".
العــنوان:
في استقراء أولي وسريع لعنوان" النص" يتضح خطان رئيسيان [ المكان( سوق)+ صفة (مدوايخ) ]من الطبيعي أن أي سوق يتضمن بشرا ، لكن هذا البشر تم تصنيفه في صفة (مدوايخ) ، صفة كانت مفاجئة لجماعة "النص"
*الجماعة: مدوايخ ( بصوت متعجب) ومن هم هؤلاء المداويخ؟ عليك اللعنة لقد التبس علينا الأمر، وتشابه
علينا البقر في الأول كلمة "كومبارس" والآن كلمة "مدوايخ"
* يقظان: هذا هو السر الجميل في حكايتنا...( يتحرك ويضرب على البندير ثم يغني)( ص96)
وبما أن النص انعكاس للواقع ،مهما تجنح الخيال لمداه ، فمفردة ( مدوايخ) انطرحت في قبة البرلمان:" بعد الجدل الكبير الذي أثاره وصف القائمين على المقاطعة في مواقع التواصل الاجتماعي بالمداويخ، خرج محمد بوسعيد، وزير الاقتصاد والمالية، في ما يشبه الاعتذار للمعنيين، مؤكدا أنه لم يقصد إهانة المغاربة (7) ورغم أن المفردة شبه قدحية [مدوايخ]تم التلاعب بها[ كومبارس/ على لسان الجماعة [ مساطيل/ على لسان يقظان]) أو[ سوق الحشاشين / على لسان أبو عامر] وذلك لتشويق القارئ/ المشاهد المفترض، وإيقاظ ذهنيته ، بأن القصد ب ( المداويخ) تلك العينة التي تستعمل ولاعة "مدوايخ" هذه المنتجات أمست تشغل موقعاً مهماً في عقول المستهلكين. الراغبين في الراحة والاستمتاع والترفيه عن أنفسهم والاسترخاء من هموم الحياة هذا العصر بحيث أصبحت ولاعة مدوايخ خياراً مثالياً. لكن لم ينتبه المساطيل/ الحشاشون/ للأضرار التي كشفتها " طبيبة في مستشفى" القرهود" الخاص بدبي، احتواء عينات من تبغ المدوايخ، الذي يباع على نطاق واسع في السوق المحلية على مادة الماريغوانا المخدرة، عقب إجراء تحاليل طبية لبول مرضى غير مدمنين، يدخنون المدوايخ، فيما بدأت دائرة التنمية الاقتصادية في دبي حملة على محال بيع التبغ و«الدوخة»، وحصلت على عينات عشوائية من تبغ المدوايخ الذي تبيعه (8) فهذا الربط له أبعاده، وإن حاول" يقظان " بدهائه وفطرته أن يوجه "أبو عامر"
*يقظان: ( ساخرا ) ليس سوق الحشاشين ياسيدي بل سوق المداويخ واعدك ان اجعل هؤلاء الكومبارس
أتباعا لك إن شئت.
من هنا يبدأ الرمز والترميز يتداخلان بقوة تصاعد الحكي، باعتبارأن الرمز من أكثر العلامات فعالية في الحياة العامة وبالتالي فهو:" دلالة خارج الذات تحتوي مضمون التمثيل الذي تستحضره منها ... ولا يلزم بالرمز إن يكون مطابقا لمعناه ، إلا انه يمتلك معنى مزدوج فهو يظهر كشكل له وجود مباشر ومن ثم تنتصب أمام أعيننا موضوع أو صورة له"(9) وبالتالي فسوق " المداويخ يبدو لنا صورة، لكن تكثفت حوله عـدة رموز، تحول من الرمز إلى الترميز لتعميق غموض العمل، ولاسيما أن مفهوم الترميز يساعد على إنشاء العمل الفني فكريا وشكلانيا ، من خلال توسيع "الاستعارة "حتى تخرج عن حدود الموضوع ليصبح حكاية. كسوق "المداويخ" الذي أصبح حكاية/ حكايات، يتحكم فيه " شهبندر التجار" وهذا الأخير ترميز باعتباره رمز حكائي/ أسطوري منتجا لدلالات أوسع غير ن منحصرة في نطاق بيئة أو واقع معين ومحدد ،مما جعل النص غير خاضع لهوية معينة، وهاته الإشارة وردت عرضا هكذا:" كما أن السوق ليس سوقا افتراضيا بل هو سوق نزوه كل يوم ونتفاعل مع أحداثه ورواده (... ) فإن سوق المداويخ هو سوق شبيه بالواقع العربي المعاصر فلا يوجد داخله سوى تناقضات البضاعة المعروضة والمذاهب وعُـقم الأ فكار مع موت ما تبقى من سلالة أبي العلاء المعري و الحلاج (10) بمعنى أن التاريخ العربي غير مفصول الأحداث. أحداث فاعلة في المسار العربي/ الإسلامي وفي بنيته الذهنية ،كأننا في "سوق" وما علاقة المعري بسوق المداويخ؟ بالعودة إلى حياة أبي العلاء رمز " العقل" بناء على قوله الشهير[لا إمام إلا العقل] حيث أول شخصية برزت في النص، ليستغلها" يقظان" في سياق الحكي، إلى قوله:
* الشيخ المعري: آه من هؤلاء المداويخ فقد كان في عصرنا كثير من المداويخ أمثال مدوايخ سوقكم هذا
ولكن مداويخنا كانوا من جنس ابي دلامة وأبي العبر وأشعب الطماع
* اليمامة :( تتحرك يمينا ويسارا) سيدي، سيدي الشيخ.. لقد بدأت الشعارات تحتدم وهذا يعني أن الحملة
اشتد وطيسها .
* ابن الزئبق(مازحا) سأذهب لشحذ لساني إذن .
فعلاقة المعري بسوق( المداويخ) شاهد " عصر" وشاهد محاربة "العقل" بشتى الطرق واستفحال " المداويخ" في وضع عربي جد مضطرب ومتعدد الصراعات والانقلابات والسقوط السياسي:" ويظهر أن المصائب ألحت على أبي العلاء عموما وخصوصا. إن اضطراب الأحوال السياسية بعد ضعف الدولة الحمدانية عرض شمالي سورية كلها للغزوات حتى شعرت بذلك المعرة نفسها، فكثرت فيها الفتن وعم الفزع.(11) وبالتالي فالمعري رغم ـأنه استهلك مسرحيا، ففي هذا النص وظف ترميزيا لضمير الواقع العربي، من خلال "لزوم ما لا يلزم" بتأثيراته الرمزية والترميزية الطاغية بحكايات تثير الحقائق العامة التي تؤثر مباشرة في الذين يؤمنون بها كحقائق، ولهذا:" إذا بدأت في قراءة اللزوميات، خيل إليك أن البيئة الاجتماعية أيام المعري كانت أشد فسادا مما سبقها أو لحقها. فإذا أنت سرت فيها إلى آخرها وأنعمت النظر في ثنايا ها بدا لك أنك مغال في خيالك (12)فالخيال كان له دور أساس في النص الذي ركز على معطيات التاريخ، مما وقع تداخل الخيال بالتاريخ والتاريخ بالواقع صانعا بذلك أحداثا في قالب حكايا كل الشخوص أبطالها
الحكي واللعـب §
طبعا التاريخ لا يلائمه سوى الحكي/ السرد، والمسرح في بعده الأعم " لعب" فاللغة لعب والجسد لعب والإشارة كذلك لعب... لكن النص الذي بين أيدينا أقحم الحكي في اللعب لبناء الحدث، وإن كان اللعب يتم في العرض المسرحي، فالكاتب" رشيد هيبا" حاول تفعيل أحداث التاريخ من منظور تداخلي في فضاء " الحلقة" ليست كشل مسرحي كما يفسرها من أراد تأصيل المسرح المغربي؟ بل فضاء للتماثل المحوري، بوصفها أسلوبا بصريا تم توظيفها لتحقيق التوازن بين الرمز والترميز ، وإن كان الترميز أساسا هو الإكثار من استعمال الرمز والتوسع فيه من باب (التفعيل) في تكوين الصورة الموازية للفضاء بشكل متماثل، اعتمادا على خلق التناظر بين العناصر البصرية. لتحويل البيانات/ الصور إلى نحو يسمح بتلقيها بسهولة.
* الشهبندر: ( يقهقه) أنا من أتصرف في سلع سوق المداويخ ، أعطي السلع لمن أشاء . وأمنعها عمن أشاء. وأتصرف في الأثمان وحتى البازار؛ أنا من أحدد نوعية السلع التي يجب أن تباع فيه.
* ابن الزئبق(بخبث): وهل السيف حقا ياسيدي هو سيف عنترة ؟ (ص106)
بلا شك، فهذا الحوار وغيره ، نستشف منه بأن كاتب النص" رشيد هيبا" لم يمارس الإسقاط الفج أو الميكانيكي، بل كثف من الرمز الإيحائي الذي يتضمن شيئا من المعنى الواقعي، جاعلا القارئ المفترض في سياق اللعب، لتفكيك الترميز لغرض تشكيل بنية العرض المسرحي في "المخيلة" باعتبار أن نص" سوق المداويخ" مليء بالصور الرمزية والمعاني المبطنة. كأسلوب إبداعي حاول قدر الإمكان أن يتحدى الواقع والوقائع لكشف لما وراء الواقع كزيف للأحداث والوقائع. لأنه كيف انقلب «  ابن الحجاج «إلى دور الحلاج بعدما تقمص دوره، ليبوح عبر رحلة المعرفة والعَذاب .هنا من يتكلم هل الحلاج شيخ الدروايش أو "ابن الحجاج" شيخ السلطة والقهر؟ لأنه في اليوم الثالث من حكاية "بصرموت" نجد "ابن الحجاج" يعترف بذنوبه وجبروته ! فهذا التداخل يفرض تساؤلات هل "ابن الحجاج " شخصية [ شيزوفرنية]؟ هل في دواخله صوت " الحلاج" ويؤمن به كمفكر/ صوفي؟ وما السلطة إلا قناع طبعه نظام الخلافة عليه ( آنذاك) أم هو صوت " الكفارة" كبقية من يشعرون بملك الموت يقترب لإقامتهم؟ أو بمثابة ديماغوجية للولوج لقبة سيدي بوغطاط (؟)
* العرافة ( تصرخ) التسليم التسليم..
* ابن الحجاج: آه من تاريخي الأسود !لقد سرقت ونهبت وهدمت بيوتا، وقتلت واغتصبت ...و حتى دواحه
اعتديت عليها ، ولهذا فانا أستحق ألف قتلة وقتلة كي أكفر عن جبال الذنوب التي اقترفت .أنا يا
مولاتي لم أعُـد متحمسا لقبة سيدي بوغطاط ولا أريد أن أكون شيخ زاوية أو سيد قبيلة...( ص75)
فمثل هاته التقلبات في المواقف والمواقع واردة بشكل مثير عند ( الكومبارس الأول/ ابن العلقمي/ هولاكو/ابن الزئبق/ العرافة/ الدلال/... فرضتها طبيعة الحكي كانعكاس لطبيعة الواقع العربي. بالتالي فاللعب إطار فعال لإبراز ما بين الحقيقة والوهم.
* أهل السوق ( بغضب) هل نحن خارج اللعبة ؟
*ابن الزئبق ( مبتسما) لا تقلقوا إنما هذه مشاورات ما قبل لانتخابات.
* أهل السوق : ( بصوت واحد) وما هذه الانتخابات؟
*اليمامة :( ضاحكة) مدوايخ وأبناء مدوايخ ( ص127)
ولهذا فاللعب زاد من مضاعفة عملية ترميز" سوق المداويخ "لغرض تشكيل بنية النص المسرحي.حتى أن الشخصيات استهوتها لعبة الحكي باعتبار أن السوق
* أبو عامر: لقد أعجبتني شخصية هولاكو، ليت الحكاية طالت أحببت هذا الدور.
* الخنساء: (ساخرة) إذن أنت تحب أن تنبح كالكلاب ( ص95)
* أبو عامر الضبعي :( بغـرور) أنا من أنطق الخنساء وجعلتها تتحدث هكذا بل أنا من صيرت هذه اليمامة
مجرد عرافة مشعوذة ولولا أنني أعجبت بدوري في هذه الحلقة لكنت قطعت لسانك
أيها الاحمق.
* يقظان ( ساخرا) هاهو الحجاج عاد ثانية إلى وهم القوة . ولكن الحمد لله قبة سيدي بوغطاط بعيدة جدا (ص78)
ولهذا فلعـب الأدوار بين الحقيقة والوهم. نجدها عند كل الشخصيات باستثناء شخصية " أبي العلاء المعري" كشاهد عصر. أما " أبو مالك الضبعي يتحول إلى " هولاكو" وشخصية الخنساء/ اليمامة؛ تتحول إلى "عرافة" التي تتوالد عندها الحكايا ونوايا الشخصيات من الدلال/ الفتاة /الدرويش/ ابن الحجاج/] حتى أنني كنت أشعر بأن شخصية" العرافة" حاولت أن تنفلت من يد المبدع" رشيد هيبا" وذلك بناء على تعدد حضورها في الحكايات، وخاصة أمام " ابن الحجاج"هذا الأخير شحنته " العرافة" بأساليب متعددة ؛ حتى أقـربأن يتنازل عن سلطته وقوته، ليصبح" حكواتيا" يحكي حكايا لأهل القبيلة ، هل هي قناعة ورغبة واختيار، أم من أجل مصلحته الشخصية، لكي يلتحق بقبة " بوغطاط" (؟)
المداويخ بين السلطة والخيانة§
طبعا أشار الكاتب" رشيد هيبا" في مقدمته عن الخيانة؟ ولكن النص لم يتعمق فيها، باعتبار أنها كانت مشهد حكي، في سياق الحكايا( أبو العبر/ص81) التي ادرج فيها "ابن العَلقمي" تلك شخصية اسْمها يدُل على الخيانةِ و الغـدْرِ. وبوجوده تم سقوط الدولةِ العبّاسيةِ:
* ابن العلقمى: أنا هنا يا مولاي هولاكو( يرتجف خوفا)
*هولاكو: عليك لعنة أجدادي، أين اختفيت ؟
*ابن العلقمى: أنا دوما خادمك الأمين يا مولاي.
* هولاكو: ومتى كان للخونة عهد وأمانة ؟ ( ص82)
فرغم أهمية هذا الحوار الكاشف للخيانة .. لكن " ابن العلقمى" رافضي( ؟) طبعا سيقع عليه تحامل من أهل السنة . بما فيهم " ابن كثير" في مجلده ( البداية والنهاية) يتهم هذا الوزير صراحة بأنه خائن ومتآمر مع المغول. ولكن ليس وحده في الخيانة ( كان) والنص بدوره أخفى عمليا شخصية" النصير الطوسي" الذي يعتبراليد الخفية في الخيانة العظمى ! علما أن كل المراجع التاريخية. ذكرته أكثر من الوزير "ابن العلقمى " بحكم أن" النصير" كان عند "هولاكو" ولقد استصحبه في خدمته. وهذا إغفال من كاتب النص" رشيد هيبا" لبعض الحقائق، من بينها كذلك مسألة مقتل وقتل الشيخ دار الخلافة" محيي الدين يوسف بن الشيخ أبي الفرج بن الجوزي، مادام النص في تركيبته الدرامية صراع بين العقل الذي يعتبره " المعري" هو الحقيقة الأولى والأخيرة والمداويخ التي ينشرها ويدعمها "ابن الزئبق" لكن هنالك إشارة واضحة في النص على لسان الحلاج: ...هل يعقل ياسادة ، أن يسجن الأبرياء .وأن يقتل الشجعان. هل يعقل يا سادة ان تصبح كلمة الجاهل موعظة ؟ وأن تصبح كلمة العارف مجرد خرافة ؟ ( ص70)
ويقينا فالذي يشفع لقوة النص؛ أنه تسلسل حكايا صلبها الضمني فعل "التآمر والخيانة" كانعكاس واضح لانهيار الصرح والصوت العربي المتمثل في الإمبراطورية العباسية وسقوط بغداد رمز الشهامة والحكمة والعقل:
* أبو عامر: في مدينة الأصنام لا يوجد شيء اسمه العقل . وهذا الشيخ مع هذين الملعونين يريدون إشعال
الفتنة في المدينة بتحريك العقل.
* الخنساء( غاضبة) وهل تريد منا تريد ان نلغي غريزة التفكير ( ص190)
* الشيخ المعري سيظل أبو عامر في كل زمان ومكان يراقب العقول المشتعلة كي يخمد جذوتها
* يقظان ( ضاحكا) أين الطريق الى سوق " خرافة" أصبحت أخشى على عقلي من أبي عامر الضبعي (ص196).
وأمام انهيار العقل تتقوى السلطة في أبعادها الوهمية ، تجاه مواطنيها، ولاسيما أن الوقائع التاريخية والواقعية كذلك غير المفصولة عن الأحداث والشخصيات، مما يكثر" المداويخ وتتقوى قبة بوغطاط بالمداويخ وصناع المداويخ:
* الخنساء الفهم بداية المعاناة !
* الجماعة ( بصوت واحد وبتعجب ) المعاناة !!
أبو عامر : من الأفضل لكم ( متهكما ) أن تبقوا مجرد سطل فارغ .
* يقظان: ساخرا) أو أبواق ( يضحك) أو مدوايخ ( ص96)
فواقع العالم العربي، هكذا هو حضور السلطة لقمع العـقل بكل طاقاتها، وإنتاج " المداويخ" كأسلوب لإخفاء عجز بنيان الأمة ، وصعوبة مقاومة الخيانة، لأنها جزء منا، و التي تتمدد كسرطان في دواليب وشريان المجتمعات العربية، والنص كان صاحبه ذكيا حينما استعمل منطوق القمع في زمانه. وخاصة [ السلطة] التي تتمظهر في القاضي والفقيه أبو عامر الضبعي :
* أبو عامر: لهذا انا متلهف لقطع لسانك ايها الثرثار الوقح (ص 23)
* العرافة ( بحسرة وسخرية)...أنا مجرد رهينة عند هذا الشيطان الإنسي، فقد ترك أعوانه يراقبونني، هددني بقطع لساني وسمْـل عيوني ( ص52)
* ابن الحجاج: عليكم اللعنة هل تعرفون مع من تتحدثون انا ابن الحجاج قاطع الرؤوس وطلاع الثنايا
* العرافة:( تهمس لابن الحجاج) لقد نسيت شرط أهل المكان، عليك أن تقبل بوضعك الآن فأنت مجرد
حلايقي ولست ابن الحجاج (ص 64)
*الوالي : قبلت بكل شروطك يا جحا وإن لم تنجح في الرهان بعد عشر سنوات سأقطع رأسك.
* ابن الحجاج :( يضحك ويتمرغ في الارض) ( ص66)
*ابن العلقمي: ويحك أيها الحمق أتريد أن تقطع رؤوسنا ( ص83)
* الشهبندر:( مقاطعا) إلزم حًـدود الاحترام، وإلا جلدتك أمام الملأ (ص107)
وعلى هذا المنوال يسير "نص" ( سوق المداويخ) مستحضرا الترابط بين الدرامي والشعري ، في بناء العمل الفني وكتابته، مما حاول الأستاذ[ رشيد هيبا] برؤيته الإبداعية تكثيف النص وامتلائه بالرموز والدلالات المنتجة للترميز. علما أن الرمز ليس صورة لغوية أو كلمة تستمد جمالها مما تدل عليه ، بل تمثل في كثير من اللحظات، تجربة المبدع بكل ما تتضمنه من معنى روحي وإنساني يتسرب بين الحوار أو بين الشخوص ,فضلا عما فيها من قيم جمالية وإيديولوجية .كمسارب ومسالك، تجذب الانتباه.
لهذا فالنص إجماليا: يستحق متعة القراءة والتأمل وإمكانيات عرضه عبر دراماتورجيا مهنية.

الاستئناس §

1 - سوق المداويخ: نص مسرحي تأليف رشيد هيبا سنة 2024 مطبعة انفو برانت/ فاس
2 - نص سوق المداويخ التقديم للمؤلف – ص 7
3 - نفسه – ص10
4 - نفسه – ص10
5 - انظر لحي بن يقضان – النصوص الأربعة لمبدعيها- ليوسف زيدان – دار الأمين/ مصر- ط - 2/1998
6 - نفـــسه – ص / 142
7 - بوسعيد مبررا "المداويخ": لم أقصد إهانة المغاربة- صحيفة هسبريس: محمد بلقاسم بتاريخ الثلاثاء 5 يونيو 2018
8- طبيبة تكتشف احتواء "مدوايخ" على"ماريغوانا" المصدر: سامح عوض الله في جريدة الإمارات اليوم التاريخ- 08أبريل 2015
9 - الفن الرمزي: لهيجل ، ترجمة : جورج طرابيشي - ص10-.دار الطليعة للطباعة والنشر ، بيروت ط/1- / 1978
10 - نص سوق المداويخ - ص/10-
11- أبو العلاء المعري الشاعر الحكيم: لعمر فروخ - ص 26- منشورات دار الشرق الجديد- بيروت/1960
12- نـــفــســـه – ص//89



#نجيب_طلال (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلاغات من أوراق كلينكس !!
- وتلك الأيام !!!
- المقاهي والجريدة !!
- ناسور ممثلا
- التلقي بين الجمالية والإشكالية
- أي مهـــرجـان مسرحي هـذا ؟؟
- المسرحي السليماني عاشق متفرد
- مهرجان الفوضى الخلاقة ؟
- هي فوضى مهرجانيــة ؟؟
- المسرحي الخطيب :جمرة العشق
- سيـــاق مسرح الجـيب
- شطحات ليلية مؤرقة
- الفعل المسرحي والعطب الفكري !!
- رحل المسرحي الداسوكين ، وماذا بعد؟
- الثريدراما بين المونو والديو!!
- بمناسبة اليوم الوطني للمسرح: المسرحي بنعيسى بين القرش والشرق
- الملصق المسرحي لمن ؟
- استحضار المسرحي جواد من زنبقة الياسمين
- أيــنك يا مسرح الـهواة,,, أينك ؟
- وداعا: لنجاح المسرحي البسيط .


المزيد.....




- مصر.. الحكم على شاب تحرش جنسيا بفنانة مشهورة
- اختتام أعمال المؤتمر الدولي للاستشراق في نسخته الأولى بالدوح ...
- مارتينيز.. لاعب كرة قدم إسباني احترف فنون القتال المختلط
- -لن نشارك في السيرك-.. إسرائيل ترفض التعاون مع العدل الدولية ...
- إيفرا قائد فرنسا السابق يدخل عالم فنون القتال وينشد الثأر من ...
- أصالة تعلّق على منحها عضوية نقابة الفنانين السوريين
- مهرجان -بيروت الدولي لسينما المرأة- يكرم هند صبري
- مهرجان -بيروت لسينما المرأة- يكرم هند صبري
- إطلاق خريطة لمترو موسكو باللغة العربية
- الدويري: كمائن غزة ترجمة لتحذيرات الاحتلال من تصعيد ضد قواته ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجيب طلال - سوق المداويخ- نص - بين الرمز والترميز