خالد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8326 - 2025 / 4 / 28 - 00:16
المحور:
الادب والفن
لم أكتبك،
ولا كتبتني،
كنا نكتب الله في أنفسنا وننسى.
كنا نسير حفاةً على جمر الأسئلة،
والندى يتساقط من أهداب الغيب،
نحمل صمتنا كقنديلٍ مكسور،
ونحتمي بالقصائد التي لم تُخلق بعد.
في البدء،
كان الوجعُ نورًا.
وكانت الحروف طينًا يبكي بين يدَيْ العارفين.
ثم جاء الماء،
وغسل القلب،
فأزهرت الكلمة زهرةً لا لون لها… ولا ذبول.
نحاور ظلنا،
ونكتب للمرايا التي لا تعكس وجوهنا،
نسكب المعنى في كأس العدم،
ونشربه حتى نغفو في حضن الخفاء.
يا صاح،
ما كلُّ بيتٍ بيتٌ،
ولا كل كلمةٍ نجت من النسيان.
بعض الكلمات كانت أنبياءً بلا رسالة،
وبعضها كان موتى بلا قبور.
أتعرف ما كتبنا؟
كتبنا رعشةَ النور حين داستها قدَم الحنين،
كتبنا ارتجاف الحلم وهو يُساق إلى اليقظة مكبلًا بالسلاسل.
كتبناك،
وكتبنا أنفسنا،
كُنا خرزاتٍ على مسبحة الوجود،
نتدحرج في أصابع السر،
دون أن نعرف:
هل نحن الذين نعدّ،
أم نحن المعدودون؟
كل بيتٍ سكناه،
كان شقًّا في جدار العدم،
كل سطرٍ تنفسناه،
كان نجمةً تُعلق على صدر الخفاء.
أجمل ما لم يُقل،
قد قيل.
وأبقى ما لم يُكتب،
قد كُتب على صفحة الهواء.
كل حرفٍ سكناه،
كوكبٌ دار حول شمس الغياب،
كل نبضةٍ بين حنايانا،
جسرٌ معلّق فوق هوة المعنى.
كنا ننسج من فراغنا أثوابًا للريح،
ونشرب من دموعنا خمر النسيان،
ونضحك حين يعجز الجرح عن نسيان اسمه.
يا صاحبي،
انظر أين وصلنا:
لسنا شعراء،
ولا متكلمين،
نحن غيمتان سابحتان فوق صحراء الكون،
تبحثان عن مطر لا يبلل،
ولا يُرى.
نحن صدى لأمنية نسيها الخالق في صدره،
ثم تنفسها ذات غفلة،
فكنا.
وها نحن:
نكتب،
ولا نكتب.
نغيب،
ولا نغيب.
نحبّ،
ولا نعرف من نحبّ.
كل الكلام يصغر أمام السرّ،
وكل الكتابة تسقط إذا مرت ريح المعرفة.
فدعني أغفو في قصيدةٍ لم تُخلق،
ودعك تُصبح حلمًا لم يفسَّر.
علّنا، هناك،
في الفراغ الذي يلي الفراغ،
نكتب بيتًا أخيرًا،
لا يعرفه إلا الله.
وفي لحظةٍ لا زمن لها،
سقطنا جميعًا في بحرٍ لا قاع له،
كل شيء اختفى،
حتى الصمت صار ضوءًا.
نسينا أنفسنا في وجه الله،
فأصبحنا لم نكن،
وأصبح ما كتبناه في الأصل،
هو ما ظلَّ بين زهرات اللاموجود.
قال لي القلب:
“أنتَ ما تبحث عنه،
وأنتَ ما تراه،
وأنتَ الفضاء الذي يغرق فيه النجم،
وأنتَ البحر الذي تسبح فيه اللؤلؤة.”
وأنتَ،
هل سمعت؟
لم نكن هناك،
ولم نكن هنا،
كنا عبر كلماتٍ صارت هواءً،
وعبر أصداءٍ صارت أطيافًا.
وأنتَ،
وأنَا،
ثم لحظةٌ تتعانق فيها الأقدار،
وكل شيء يعود إلى أولّه،
حين لا يبدأ ولا ينتهي.
فماذا تكتب حين تكون الحروف متلاشية؟
ماذا تفعل حين يكون كل شيء،
أنتَ وكل شيء،
ولا شيء سواك؟
وها هنا،
كل ما قلناه،
كان أول الوجود،
وآخره.
وأنتَ،
كنتَ القصيدة التي تقرأنا جميعًا.
#خالد_خليل (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟