عيّال الظالمي
الحوار المتمدن-العدد: 8325 - 2025 / 4 / 27 - 16:59
المحور:
الادب والفن
النص الثقافي في الشعر العراقي المعاصر
المقدمة:
النص الثقافي:
حقيقة الأمر كنت أعتقد بأني أول من انتبه لهذا المصطلح، فعند سماع هكذا جملة أو مصطلح في اللغة العربية، وخاصة الكتابة في حقل الأدب، تبرز عدة تساؤلات من أين أتى هذا المصطلح، وكيف أطلق، وماهي مرتكزاته، ولماذا أُطلق؟ ولكنني بعد بحث في وسيلة ( الكوكل) وجدت سعيد يقطين قد تصدى لهذا المصطلح في الجانب السردي، يقول: (يقصد بـ«النص الثقافي» النص الجامع الذي يمثل الذاكرة الثقافية لشعب أو أمة، ويظل يشكل أساس تراثها الذي تعول عليه في تكوين الأجيال. إنه يشكل «الخلفية النصية» التي تتأسس عليها كل النصوص المستقبلية. وليس النص الجامع، بذلك، سوى مجموع النصوص التي تعتبر «الأصول» التي ينهل منها المنتمون إلى ثقافة ما، ويستمدون منها القيم الفنية والمعرفية التي تمثل الهِوية الثقافية المشتركة في شموليتها. )
ولكنني أريد ان أكيفه كنص خاص للنصوص الشعرية التي تهتم بالذاكرة الثقافية للشعوب، فهناك عدة أنواع من الكتابة الإبداعية الشعرية، ومن هذه الأنواع الاهتمام ببعث التراث القيمي للمجتمع سواء كان على مستوى الوطن وما يحمل من مآثر وتراث شعبي، أو خروج ظاهرة تهديم في قيم وأسس المبادئ التي نشأ عليها الآباء وتحمل من الأصالة والحفاظ على الهوية العربية والعراقية والمناطقية من أن تذهب بمهب ريح التطور الماحي من رؤوس الأبناء الذين سيكونون مستقبلاً آباء، لكي تقطع صلة التواصل بين الأعراف والقيم والمبادئ الأصيلة الجيدة التي تبني الشخصية العراقية تحديدا، [فيقول بول ريكون: ( هناك علم ينطلق من المعنى الظاهر للوصول إلى المعنى الباطن والمكنون ) وهو ما يحاول بعض الآباء والشعراء نقله ظاهريا لينقلوا ما يحمل الباطن من الإرث الأصيل] والقيم المستوردة عبر الغزو التكنلوجي من تقطيع أواصر اللحمة العائلية، وقيم الإسلام من برٍّ وصلة رحم، وتوادد وتراحم، وتغليب مصلحة العام على الخاص، والحفاظ على القومية العربية بصفاتها المتوارثة والمنتقلة عبر الدم والتعامل العملي والروحي عبر حقب من الدهر، لهذا وجدت أن عددا من الشعراء ذهبوا لبعث التراث الذي عاشوه أو رُويَ لهم شفاهياً من الأجداد عبر مجالس أو آباء كوصايا للحفاظ على هذا التراث القيمي للشخصية العراقية المتفردة في الكثير من العادات النبيلة المتوارثة، كالكرم والشجاعة والحمية أو ما تسمى (الغيرة العراقية) والتي يدافع أبناء العراق عنها ضد أي باطل أو ظلم والوقوف بوجه المعتدي أو المخرب وأحيانا تصل إلى العراك، دون أن تكون له مصلحة خاصة فيما يفعل، يورد سعيد يقطين عددا من كتب التراث السردية "كتب ابن خلدون في أواسط القرن الثامن: «وسمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول هذا الفن وأركانه أربعة دواوين وهي: « أدب الكاتب» لابن قتيبة، وكتاب «الكامل» للمبرد، وكتاب «البيان والتبيين» للجاحظ، وكتاب «النوادر» لأبي علي القالي البغدادي، وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع عنها». وأضاف كتاب «الأغاني» للأصبهاني باعتباره ديوانا خامسا."
فالنص الثقافي أريده في الشعر ومن وجهة نظري والذي اقتنعتُ بها يقع ضمن المساحة التي تعتني بالتقابل بين أعمال وأعمال، أو حالة وحالة شاذة، أو بين تراث مهني دثر، وبين تجديد نوعي أكثر تطور وأكثر إفسادا من أجل الركون إلى الراحة التي تؤدي إلى الكسل وإنهاء طموح العمل والجد والاجتهاد وفق منشأ المصدر في عصرنا الحالي، فإذا ما صحت نظرتي لهذا الميزان القيمي في شتى أنواعه ماذا يحتاج الشاعر لكي يكتب به، ولكي يتحول من السرد إلى الشعر، ليكون سرد ثقافي لما ذكره الكبير سعيد يقطين ونص ثقافي للشعر بكل انواعه؟
أولا: الإختيار الصحيح للمادة المنتقاة، والخامة المستعملة في النص والتي يتبنى الشاعر من خلالها الهدف المبتغى من النص، فقد تكون هذه الخامة شخص من المجتمع إضطلع بمَهَمَّة حياتية اجتماعية وسلوك حسِن، أو مهنة هي حاجة ماسة للمجتمع الذي يعيش به، ومن خلال تعامله وإقرار قيميٍّ في التعامل اليومي لهذا الفرد مع أبناء منطقته أو مدينته، من التسامح والمحبة واثبات أن الدين المعاملة، مما يجعل صفته محمودة بين الناس وعلامة فارقة عن باقي أبناء جلدته الذين يعيش معهم، وقطب قيمي مهما كان بسيطاً، كأن يكون نجارا أو حدادا أو حتى عامل نظافة، أو حارس أو شخصية من وجهاء المنطقة والمدينة وقائم على إثبات تلك القيم والإصول والوقوف بوجه موجات انتهاكها والشذوذ عن مجرى هذه القيم المتوارثة عبر العصور.
ثانيا: المكان سيكون المكان متنوع أمّا مكاناً معيناً في منطقة ما من العراق، كأن تكون قرية أو مدينة مذكورة باسمها وتحمل هذه الصفة بحيث ترافقها لأزمان غير محددة في القِدَم، وأصبحت سمة أهالي هذه المدينة أو المحافظة أو مكانا عائما يتصل بمكانة الراوي الذي أخذ منه الشاعر ما أراد توظيفه في نصه، لكي يضفي شرعية الحادثة أو الموعظة سواءً أكانت ظاهرة كقول ضمن نص شعري أو مستنبطة منه، بمشاركة القارئ الذي سيسقط ما احتوى النص على ما يحيطه.
ثالثاً: الزمان، من العوامل الأساسية أن يكون الزمن الركن المهم في المقارنة، لأن المُنشِيء لا يتحدث عن حالة آنية بل حالة مناقضة توجد لمثلها حالة قديمة أو تراثية قد تهدمت، وربما يندرج النص الثقافي تحت غرض الفخر لما تمتلك قبيلته أو منطقته أو مدينته أو وطنه وأفراده من قيم عُليا وانزاح الناس عنها عبر تحول زمني، وهناك مَنْ لم يهزموا من خلال الثبات والمكافحة والمجاهدة، لكل الموجات الجامحة التي غزتهم، او مقدار الفعل الزمني بعمل أو مهنة او عادة كانت دارجة في المجتمع وقد ذهبت اليوم أدراج الرياح، أو شخصيات كانت تعمل ليل نهار من أجل الصالح العام وتعتبر عملها من الثوابت وتخلّى عن وجود أمثالهم اليوم، أو شذوذ فعلي اليوم مستهجن سابقا ومستهجن قيميا وعرفيا ودينيا وأصبح من البداهة عمله اليوم دون وازع بحجة أن الزمن الماضي عفى عليه القِدَم، وأن الوقت الحالي بكل طغيانه الجارف القادم عبر وسائل التواصل والمخالطة مع الشعوب الأخرى يُعَد تخلفاً.
رابعا: الغاية، لكل عمل ابداعي دوافع ونوازع ومَهَمَّة لابد منها، دعت المبدع لإنتاج ذلك المُنشأ من النصوص، وبما أن النص الثقافي يكتب لغاية فقد تكون إصلاح خلل خلقي ساد في الشارع القيمي للمجتمع، أو نصيحة يراها الباعث هم بحاجة إليها إمّا للتذكير أو للوعظ، أو لإيقاظ الضمائر، أو للفخر بتفرد أبناء مجتمعه فيها، كإجارة المظلوم وحماية الدخيل، ومقارعة الظلم الحكومي التعسفي سواء أكان وطني ظالم أو دخيل خارجي بكل أنواعه، أو الكرم والصفات الإخلاقية الحميدة التي يتمتع بها الماضون عمّا مَن إنهار منها بين الأجيال الحديثة العهد بالحياة، أو حالة وطنية عامة حققت في زمن ما وظهرت اليوم حالة معاكسة لها على كافة الأصعدة، أو شرح من متعلم عليم ببواطن الأمور لبث ثقافة حسنة في المجتمع كأن تكون جمالية أو معرفية أو علمية خافية عن الناس، لهذا أرى أن هناك عدة كُتّاب يحملون هذه الصفة وتعتبر الميزة الحقيقية لهؤلاء الأشخاص على مساحة التواصل الكتابي النوعي بين الخلق، لهذا حينما أردت الكتابة عن مجموعتين شعريتين لشاعرين عراقيين إمتاحوا من اليَّم القيمي للمجتمع العراقي المتنوع بالطوائف والمتشابه جداً بما يحملون من صفات ومبادئ، وجدت بأني بحاجة لإفراد الشعر عن السرد، ولكي لا أجمع بين السرد والشعر في عنوان واحد أن يكون للشعر نصه الخاص، وقد يقول القارئ لم تأتي بجديد، فمثلاً يحمل لنا التراث الشعري عدة اسماء من الشعراء، وظَّفوا ما تقول أو ما تتحدث عنه، تحت مسمى سردي آخر، فأقول ولما لا يكون للشعر مسمى غير مسحوب من السرد، كالحكاية والملحمة والقصة والمسرحية الشعرية؟
المهم أني اكتب بهذا المصطلح وممكن ان يطور وفق منظور أكاديمي علمي أو يدرج ضمن محاولات التغيير الكتابي غير الناجحة وخاصة أن هناك أصوات تعتمد كلياً على التفنيد وربط التجديد بما معمول به في مجتمعات أخرى، وهناك من يدعي بأنه له، وأنا على كل حال ومع كل ما يقال، اتعامل معه وفق رؤيتي وثقافتي ومقدار ما أعتقده لمصلحة الجمع ولا شيء سوى الجمع والله الموفق.
#عيّال_الظالمي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟