عثمان الماجد
الحوار المتمدن-العدد: 8325 - 2025 / 4 / 27 - 16:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عند الحديث عن غطرسة إيران وغرور حكامها الذين يرون أنفسهم أفضل خلق الله وأكثرهم إيمانًا وإخلاصًا للدين إلى الدرجة التي تعطيهم الحق في تعميم طريقتهم «التحررية» والإيمانية وفرضها على الشعوب المسلمة كافة، وتسمح لهم بتحدي المجتمع الدولي عبر الإصرار على تخصيب اليورانيوم بهدف بلوغ النسبة المطلوبة لإنتاج السلاح النووي محافظة منهم على ما يرون فيه نموذجًا فريدًا وعلامة من علامات عظمة الأمة الإيرانية، وعبر تبنيهم للمليشيات المنتشرة جهرًا في أرض اليمن والعراق ولبنان وسوريا وسرًا في بلدان أخرى طالتها القلاقل الإيرانية وتقديم الدعم لهذه التشكيلات العسكرية المارقة عن سلطان الدولة في أكثر من بلد عربي تحت اسم محور المقاومة، وعبر إنشائهم جهاز «فيلق القدس» بقيادة قاسم سليماني الذي لقى حتفه بضربة أمريكية في العراق التي عدها إحدى عواصم إيران، عند الحديث عن كل ذلك لا بد لنا من العودة إلى الوراء قليلاً؛ لنعرف أن هذه الغطرسة وهذا الاستكبار ليسا وليدي الثورة التي قادها الخميني في عام 1979، وإنما هي إرث تاريخي متوارث منذ أن أقام الشاه إسماعيل الصفوي الأول الدولة الصفوية في العام 1502، ولربما كانت نزعة الاستعلاء هذه أقدم بكثير من هذا التاريخ مثلما تنبئنا بذلك كتب الأدب والتاريخ عن الحركة الشعوبية التي ظهرت أيام الخلافة الأمويّة وقامت على فكرة الإعلاء من العرق الفارسي أمام غيره من الأعراق.
وعلى خطى الشعوبيين وإسماعيل الصفوي خصّ ملالي إيران الدول العربية القريبة منها جغرافيا، أي الدول العربية الخليجية، بهذه الغطرسة والتحدي والتهديد ظنًا منهم بأن هذه الدول هي الحلقة الأضعف للبدء في نشر «الثورة» الإسلامية، ولاتخاذها بوابة للتسلل إلى البلدان العربية الأخرى، ولكن خاب ظنهم لما اكتشفوه من تماسك مجتمعي ومتانة في عرى الوحدة الوطنية. ولذلك جندوا كل إمكانياتهم لتمزيق نسيج هذه المجتمعات العربية عبر تكريس المنابر الدينية والإعلام والأموال، وحققوا شيئًا من الاختراق عند من كان مهيئًا نفسيًا وطائفيًا وعقائديًا، ولكن هذا النجاح البسيط لم يكن ليخلق الحالة التي يتمناها ملالي إيران لإحداث الفوضى التي يتمنون، فما كان منهم إلا أن عدلوا عن هذه السياسة لبعض الوقت، وأقاموا علاقات بين طبيعية ومتقلبة مع هذه الدول.
تميز حكم الملالي دائمًا منذ أن دان لهم حكم إيران بإبراز قدرة إيران على التحدي وبالتباهي بقوة موروثة عن حكم الشاه، وبخلق القلاقل وافتعال الأزمات لمواجهة الآخرين.. كل الآخرين، وإن بالبيانات والكلام. وبما أن إيران الملالي بنت استراتيجيتها على فرض نفوذها على جوارها العربي، فقد وجدت في القضية الفلسطينية، لما لها من مكانة في الوجدان الشعبي العربي والإسلامي، حصان طروادة ونقطة الارتكاز في مشروعها الإمبراطوري للهيمنة. وقد وفقت نسبيًا، وحققت شيئًا من النجاح بإنشائها أذرعًا لها في المنطقة العربية بدفع من القضية الفلسطينية من أمثال «حزب الله» في لبنان، والنظام الأسدي في سوريا، والأحزاب الدينية السياسية بميليشياتها العديدة التي آل إليها حكم العراق بمساعدة أمريكية خالصة، وبالاستثمار في فوضى ما سُمي بالربيع العربي؛ فقدمت مساعدات هائلة للحوثيين ليمدوا سيطرتهم على ما أمكن من المساحات في اليمن، ودعمت عصابات الإخوان المسلمين حيثما كانوا ففي بعض بلدان الخليج العربي في مملكة البحرين والمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية وفي الكويت أحزاب صغيرة تنتمي للإسلام السياسي زرعتها إيران ورعتها معنويًا وماديًا من أجل إحداث الفوضى في هذه البلدان، لكن يقظة الحكومات والشعوب في هذه الدول حالت دون بلوغ هذه التنظيمات طور تنفيذ الأهداف الإيرانية.
ملالي إيران ونتيجة لغرورهم في تعاملهم مع الكل، ونتيجة تحديهم للإرادة الدولية برعايتهم التيارات الإسلامية الإرهابية، الشيعية منها والسنية، واتخاذهم من فلسطين وسيلة وأداة استراتيجيتين للتغلغل في البلدان العربية، وخلق فجوة بين المجتمعات العربية وحكوماتها، وجدوا أنفسهم بعد مجيء إدارة جديدة إلى البيت الأبيض برئاسة دونالد ترامب محاصرين بعد أن نجحوا في مناوراتهم مع إدارتي أوباما وجو بايدن. ترامب وفي إطار التغييرات الجذرية التي أدخلها على طريقة تعاطي الدبلوماسية الأمريكية مع عدد من الملفات الحارقة بالاستغناء عن الوساطات والتفاوض المباشر، وفي خضم احتدام الحرب على غزة بسبب طوفان الأقصى، وجدها فرصة ليفرض اتفاقًا نوويًا جديدًا صارمًا غير ذاك الذي وقعه باراك أوباما في عام 2015، وهو الاتفاق الذي لم يكن يتضمن كثيرًا من القضايا التي يرى الرئيس ترامب وجوب تضمينها مثل: الأذرع الإيرانية وتدخلات إيران في دول الإقليم وكذلك صواريخها الفرط صوتية، أي القضايا التي جعلت جرعة الغرور والتحدي الإيرانيين مرتفعة.
إيران وبعد أن رفضت طويلاً وماطلت في عقد مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة، التي تطلق عليها منذ سنوات نشأة إيران الأولى، الشيطان الأكبر، من منطلق إقناع أذرعها وأتباعها بأنها دولة كبرى قادرة على تحدي الولايات المتحدة الأمريكية ودول العالم الأخرى، ها هي الآن بعد تقليم أذرعها في لبنان وسوريا وتضييق الخناق على الحوثيين وعلى الميليشيات المنتشرة هنا وهناك في العراق تذهب صاغرة إلى عمان لتتفاوض مباشرة مع إدارة ترامب وتبدي شيئًا من الاهتمام برضى ترامب عليها من خلال الإغراءات الاستثمارية، وإظهار الاحترام لأمريكا من خلال العناية بالعلم الأمريكي بجامعة طهران، الذي ظل لسنوات يُحرق ويُداس بالأقدام. إلى الآن إيران تنكر مناقشة قضايا أخرى غير المفاعلات النووية والتخصيب، ولكن سلوك إيران على مدى هذه السنوات يخبرنا بأن ما تقوله شيء وما تفعله شيء آخر تمامًا، ولكن يبدو أن حبل التقيّة قد بلغ منتهاه، ولم يعد يخفي سوأة ركوع إيران وخضوعها للإملاءات الأمريكية حفظًا لمصالح الأوليغارشيا الحاكمة لبلاد فارس تحت غطاء مذهبي.
ما ينبغي أن يقال هنا هو إن إيران بلد ذو تاريخ وحضارة راقية؛ لكنه الآن ضحية حكم الملالي وحكومات متتابعة تعرف جيدًا أنها بلا مستقبل حتى لو حصلت على السلاح النووي؛ ذلك أن المستقبل للمجتمعات المدنية. وإن غدًا لناظره قريب.
#عثمان_الماجد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟