أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضحى عبدالرؤوف المل - في حضرة العشق الطاهر














المزيد.....

في حضرة العشق الطاهر


ضحى عبدالرؤوف المل

الحوار المتمدن-العدد: 8325 - 2025 / 4 / 27 - 16:48
المحور: الادب والفن
    


قراءة شاعرية نقدية في قصيدة أساور الخريف

ضحى عبدالرؤوف المل

في قصيدة "أساور الخريف للشاعر "محمود عثمان " نحن إزاء عملٍ شعري متخم بالوجد، مكتنز بالعاطفة، ينتمي إلى مدرسة الحنين العميق والافتتان الميتافيزيقي بالمحبوبة. هذه القصيدة، على قِصرها، تشي بعالم كامل من الجمال والتطهّر، حيث يلتقي العاشق بنسخته الأكثر نقاءً، لا من خلال ذاته، بل من خلال مرآة الحبيبة، تلك التي تتوشّح أساور الخريف في يديها — رمز الزوال الساحر، والحنين الذي لا يموت. فمنذ السطر الأول، يدهشنا الشاعر بمجاز غريب ومؤثر:
"أساورُ الخريفِ في يديكِ يا حبيبتي / لا تشبه الأساورا"
الخريف، الذي طالما اقترن بالذبول والانتهاء، يتحوّل هنا إلى زينة تتجلى في يدي الحبيبة. لكنه لا يشبه "الأساور" المعتادة، لأن الجمال الذي في يديها ليس جمالًا ملموسًا أو مرئيًا، بل حالة من التجلّي، من التأمل الوجداني، من البوح الخافت. نحن أمام مفارقة شعرية: كيف لرمز الانتهاء (الخريف) أن يكون زينة؟ وكيف لتلك الزينة ألا تشبه الزينة؟ هذا التوتر بين الرمز والمعنى هو ما يمنح القصيدة أبعادها التأويلية الواسعة.
تجعَّدَ الحنانُ في الجبينِ / كيف تندى غيمةٌ / وتنشرُ الغدائرا
هنا، ينتقل الشاعر من المظهر الخارجي للحبيبة إلى شيء أكثر عمقًا: تعبير الوجه. الجبين المتجعد لا يعني التقدّم في العمر، بل هو تراكم الحنان، كتجاعيدٍ من لطفٍ عاشه القلب وترك أثره في الوجه. ثم يأتي السؤال الشعري: "كيف تندى غيمة؟" — غيمة، بطبيعتها مائية، لكن أن "تندى" يعني أنها تغدو أكثر حنانًا، أكثر اقترابًا من روح الآخر. ثم "تنشر الغدائر"، وكأن الغيمة — التي هي الحبيبة — تمطر شعرها على الأرض، على العاشق، فتغمره. فهل تتصاعد القصيدة نحو الروحانية حين يقول الشاعر:
"لو كنتُ يا أميرتي الصباحَ حين ينحني / أمام بابكِ الصغيرِ أو يقبِّلُ الستائرا"؟
فهو يضع الحبيبة في موضع القداسة، هي الباب، هي الصباح، هي الطلوع، وهي "البيت الصغير" الذي يُراد الوصول إليه لا للسكنى، بل للسجود عند عتبته. الصورة هنا تختلط فيها الدلالات الدنيوية بالحالات الصوفية، حيث تتحوّل الستائر إلى أستار حجاب بين العاشق وتجلي محبوبته.ويزيد في الصورة حين يتمنى لو كان "ذاك الواديَ المسحورَ" أو "العابثَ النسيمَ جاء زائرا"، لأن كلّ ما يمكنه أن يقترب من الحبيبة ويخالطها — حتى لو كان نسيمًا عابرًا — هو في عُرفه نعمة، وغاية. فماذا عن اللعب مع الموت والحياة؟
في مقطع بالغ الجمال، يقول:
"لَمتُّ ألف مرةٍ / وعشتُ ألف مرةٍ / مُسَبِّحًا وشاكرا"
هنا، نلمس احتضانًا للشعور المتناقض: الموت حياة، والحياة موت، في حضرة المحبوبة. التكرار يُحدث تأثيرًا موسيقيًا وصوفيًا، يذكّرنا بأحوال العاشقين في التصوف، حيث الفناء في المحبوب هو عين البقاء. فهل كل هذه الطهارة والتقديس تجعل العاشق يصل إلى أقصى درجات الخضوع ؟
"أستغفرُ الترابَ تحت نعلكِ الطهورِ / كي أعودَ طاهرًا"
فهو لا يستغفر الله فحسب، بل يستغفر التراب الذي داسته قدماها. هذا التقديس للمحبوبة، ليس شهوانيًا، بل طُهراني، هو يريد التطهّر من دنياه، من دنيويته، في أرضها، ليعود إلى ذاته أنقى، أنبل، أكثر قدرة على الحب. فهل نهاية القصيدة، هو بداية القصيدة
أما البيت الأخير يحمل انقلابًا فلسفيًا:
"لولاكِ / لولا الحزنُ في عينيْكِ لم أكُن / على الزمانِ شاعرًا"
هنا، نكتشف أن الحب ليس في الفرح، بل في الحزن الكامن في عينيها. هذا الحزن هو ملهم القصيدة، وربما القصائد كلها. ومن دون هذا الألم الصامت، لم يكن الشاعر ليكتب، ليبدع، ليكون شاعرًا أصلاً. كأن الحبيبة، بحزنها لا بجمالها، هي الخلق الأول والمعنى الأخير. فماذا عن اللغة والانزياح؟
القصيدة تتسم بلغة رقيقة، غير مباشرة، وتبتعد عن التقرير المباشر، بل تستنطق الصور والرموز، وتقوم على الانزياح في الدلالة. كل استعارة تفتح بابًا على تأويل، وكل تشبيه يأخذ القارئ إلى عوالم من التفاعل بين الحسي والمجرد، بين الواقع والحلم.
إن قصيدة أساور الخريف للشاعر محمود عثمان ليست مجرد بوح حب، بل هي صلاة شعرية. فيها يتجلّى الحبيب باعتباره معبرًا إلى المطلق، إلى الذات المتطهّرة. تتعدد فيها طبقات المعنى، وتتماهى الصور مع الأحاسيس، ويتحوّل النص من قصيدة غزلية إلى طقس روحاني، فيه العاشق مصلٍ، والمحبوبة محراب. فدائما هي الأم عند شاعرنا رمز الطهارة والقداسة والحبيبة الأولى في النفس التي تتوق الى الجمال والحب في حضن الأم في كل شىء من الطبيعة إلى الإنسان. فالقصيدة مثال على تزاوج ناجح بين الشكل والمضمون أيضا . فمن حيث الوزن ، حافظت على موسيقى كاملة تتناسب مع انسياب العاطفة، ومن حيث البلاغة، نسجت صورًا مدهشة ترفع الإحساس من مجرد غزل إلى طقس روحي . ( ربما الحبيبة هنا هي الأم في خريف عمرها )
قصيدة كهذه لا تُقرأ، بل تُتذوّق، كعطرٍ قديمٍ على منديل أميرة. إليكم القصيدة

أساورُ الخريفِ في يديكِ يا حبيبتي
لا تشبه الأساورا

تجعَّدَ الحنانُ في الجبينِ
كيف تندى غيمةٌ
وتنشرُ الغدائرا

لو كنتُ يا أميرتي الصباحَ حين ينحني
أمام بابكِ الصغيرِ أو يقبِّلُ الستائرا

لو كنتُ ذاك الواديَ المسحورَ
حين يحملُ المباخرا
أو كنتُ ذاك العابثَ النسيمَ جاء زائرا
لَمتُّ ألف مرةٍ
وعشتُ ألف مرةٍ
مُسَبِّحًا وشاكرا
أستغفرُ الترابَ تحت نعلكِ الطهورِ
كي أعودَ طاهرًا
ألملمُ الدموعَ والأزاهرا

لولاكِ
لولا الحزنُ في عينيْكِ لم أكُن
على الزمانِ شاعرًا
الأحد- 27 نيسان -2025



#ضحى_عبدالرؤوف_المل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذاكرة المظلمة
- الشعر بين التقليد والحداثة قراءة في رؤية نزار دندش للأدب
- تبقى الديمقراطية هي الفاعلة
- حين تصير الموسيقى امتدادًا للروح
- الدراما السياسية في سيرة معاوية بن أبي سفيان بين التاريخ الم ...
- -البطل- معركة الإنسان مع نفسه في زمن الفوضى
- لام شمسية- وآثاره في مواجهة قضايا التحرش بالأطفال عبر الدرام ...
- الدماء التي لا تنسى -فهد البطل- وجوهر الصراع الأخوي
- أم هاشم وحقل الشوفان
- حديقة -الامريكان في بيتي- وشجرة الالوان
- خط النجمة البيضاء في رواية الشوك يزهر للروائي هاري مارتينسون ...
- هل الرواي اداة وظيفية دالة..؟
- صلاة لبداية الصقيع
- زمن ما قبل الذاكرة – قراءة في رواية ساق البامبو
- المشرقي القادم من شريط حدودي محتل
- شاعرات من الدول العربية في اليوم العالمي للمرأة والشعر
- مكانة الشعر في الفصل بين المفردات العاطفية وبناء منطق القصيد ...
- القوة الثقافية في تحديات قوى الدول الكبرى وصناع الحروب
- دورة حياة ووجود واحدة
- لحظة الكشف الاصيلة


المزيد.....




- مهرجان -بيروت لسينما المرأة- يكرم هند صبري
- إطلاق خريطة لمترو موسكو باللغة العربية
- الدويري: كمائن غزة ترجمة لتحذيرات الاحتلال من تصعيد ضد قواته ...
- المكتبات المستقلة في فرنسا قلقة على مستقبلها في ظل هيمنة الم ...
- نساء حرب فيتنام في السينما.. حضور خجول في هوليود وأدوار رئيس ...
- -ذا سينرز-.. درس في تحويل فيلم رعب إلى صرخة سياسية
- عاجل | وزير الثقافة العراقي: سلمنا الرئيس السوري أحمد الشرع ...
- معرض أبو ظبي للكتاب ينطلق تحت شعار -مجتمع المعرفة.. معرفة ال ...
- الدورة الـ30 من معرض الكتاب الدولي بالرباط تحتفي بالشاعر الم ...
- إحالة نجل الفنان محمد رمضان لمحكمة الطفل.. التفاصيل كاملة


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضحى عبدالرؤوف المل - في حضرة العشق الطاهر