اسعد عبدالله عبدعلي
الحوار المتمدن-العدد: 8325 - 2025 / 4 / 27 - 15:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الكاتب/ اسعد عبدالله عبدعلي
عندما نتحدث عن التشابه بين نظام هتلر ونظام صدام فأننا نجده من عدة جوانب, بعضها يتعلق بالسلطة، واخر بالسيطرة، وثالث بالتنظيم الاجتماعي، ورابع بالشأن الاقتصادي, رغم أن كلا النظامين ينتمي إلى سياقات تاريخية وسياسية مختلفة، حيث ان كلا النظامين كانتا استبداديتين، استخدم هتلر وصدام سلطتهما لتعزيز حكمهما من خلال القمع والعنف, استخدم هتلر جهاز الأمن ومخابرات الدولة لقمع المعارضين والفئات المستضعفة، بينما استخدم صدام جهاز الأمن والمخابرات (مثل جهاز الأمن العام والمخابرات العسكرية) لترهيب وتحجيم خصومه السياسيين.
وكل من هتلر وصدام استغلا الحروب لتعزيز سلطتهما. هتلر شن الحرب العالمية الثانية كوسيلة لتعزيز نفوذه وفرض الهيمنة، بينما أدت حرب العراق مع إيران (1980-1988) في الثمانينات والغزو الكويتي في 1990 إلى تكثيف السيطرة العسكرية والسياسية لدى صدام.
وكل هذه الخطوات تهدف في السيطرة وخلق الولاء المطلق للطاغية. ونكمل اليوم تشابه النظامين:
• اولا: الخطاب الحماسي والتضليل الإعلامي
كان لكل من هتلر وصدام القدرة على استخدام وسائل الإعلام للأغراض الدعائية, لدعم خطابهم الحماسي وتعزيز سلطتهم، وبناء صورة إيجابية عن نفسيهما، وتعزيز الأيديولوجيات التي تبناها كل منهما, استخدم هتلر البروباغندا بشكل واسع عبر الإذاعة والسينما لنقل رؤى نظامه إلى الشعب , بالمقابل شكل صدام آلة إعلامية ضخمة تقودها وزارة الإعلام، حيث كان يتم تصويره كقائد عظيم ومخلص، في حين كانت الحقائق تُخفي أو تُحرف, حيث تم استغلال المؤسسات الاعلامية الحكومية للتلاعب بالرأي العام والسيطرة على المعلومات المتاحة للشعب.
وقد كانت ادوات هتلر للتأثير بالشعب الالماني هي:
1- الإذاعة:
كانت الإذاعة في فترة الثلاثينيات والأربعينيات وسيلة فعالة لنشر الأخبار والمعلومات, وقد استخدم هتلر الإذاعة لنشر خطبه وكلماته الحماسية، مما سمح له بالوصول إلى أعداد كبيرة من الناس في منازلهم, لقد كانت الخطابات تُبث بشكل دوري وتُصاغ بلغة تحفيزية, تلهم الحماس الوطني وتعزز شعور الوحدة.
2- السينما:
أنشأ النظام النازي إنتاج أفلام دعائية مثل فيلم *انتصار الإرادة* (Triumph of the Will)، الذي أخرجه ليني ريفنستال, الصورة الموجودة في هذه الأفلام كانت تهدف إلى تعزيز فكرة العظمة الألمانية والولاء للهتلرية، من خلال تصوير العروض الجماهيرية بشكل مبهر.
3- لملصقات والنشرات:
كانت تُستخدم الملصقات بشكل واسع لنشر الرسائل الداعمة للنظام، حيث كانت تتضمن شعارات تحث على الوطنية وتُظهر "العدو" في حالة ضعف، مما يُسهم في تعزيز الشعور القومي.
4- التعليم:
تم دمج البروباغندا في النظام التعليمي، حيث تم تعليم الأطفال والشباب على قيم النظام النازي وتاريخ العرق الآري، مما ساعد على تشكيل جيل كامل من الألمان يؤمن بأفكار هتلر.
اما آلة الإعلام في العراق في عهد الطاغية صدام, فاعتمدت نظامًا إعلاميًا يعتمد على مبدأ السيطرة والدعاية، مستخدمًا أجهزة الدولة كمركز للتحكم في المعلومات وبث الرسائل الداعمة لنظامه, وأبرز خصائص هذا النظام تشمل:
1- وزارة الإعلام:
كانت وزارة الإعلام هي المسؤولة عن ضبط المحتوى الإعلامي وإصدار البيانات الرسمية, تم استخدامها لتنفيذ الدعاية، وكان يتم التحكم بشكل صارم في جميع وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة، مما يضمن عدم وجود أي معارضة.
2- التلفزيون والإذاعة:
لعبت وسائل الإعلام هذه دورًا هامًا في تصوير الطاغية صدام كقائد عظيم ومخلص, وكانت تُبث على مدار الساعة أخبار عن إنجازات النظام وتجسس وتضليل عن الأعداء. تميزت هذه البرامج بالعاطفية والمبالغة في الثناء على القيادة.
3- الصحافة والمطبوعات:
تم إغلاق الصحف المستقلة، وتم دمج الصحف الحكومية في مشروع سياسي يستهدف تلميع صورة النظام. كانت تُكتب المقالات بطريقة تحرض على الوطنية وتعزز الصورة المثالية لصدام.
• واعتمد النظامان على:
اولا: إخفاء الحقائق: كان المسؤولون في كلا النظامين يمارسون الرقابة على الأخبار والمعلومات التي تُعتبر غير مرغوب فيها. كانت الصحف ووسائل الإعلام تمتنع عن نشر أي أخبار تُظهر العيوب أو الفشل، مما يخلق صورة إيجابية زائفة للنظام.
ثانيا: تحريف الحقائق: في بعض الحالات، كان يتم تحريف الحقائق لإظهار إنجازات النظام. على سبيل المثال، تم تصوير الفشل في الحرب على أنه انتصار، بينما كان يتم إخفاء الأرقام الحقيقية عن الضحايا والمعاناة.
ثالثا: فرض الخطاب الرسمي: أي شخص يخالف هذا الخطاب الرسمي يُعتبر خطرًا على الأمن الوطني، مما يُكرس مناخ الخوف الذي يمنع حتى التفكير في الانتقادات.
• نتائج التضليل الإعلامي:
هناك العديد من النتائج المترتبة على استخدام هتلر وصدام للخطاب الحماسي والتضليل الإعلامي، منها: اولا: تشكيل الرأي العام: أدت البروباغندا المدروسة إلى تشكيل آراء الجماهير وتعزيز الشعور بالولاء للنظام، مما جعل الناس أكثر تقبلاً لسياسات القمع.. ثانيا: إضعاف المعارضة: من خلال السيطرة على المعلومات، تم تهميش جميع الأصوات المعارضة وتخويف المجتمع من التعبير عن الآراء المختلفة.. ثالثا: تعزيز الهوية الوطنية المزيفة: تم بناء صورة عن القائد كرمز للوطنية، مما جعل المواطنين يشعرون بأن مشاركتهم في الاحتفالات والانتصارات المدعومة إعلاميًا هي واجب وطني.
• ثانيا: الرمزية والتقديس الشخصي
شجع كلا النظامين عبادة الشخصية, كان هتلر متمركزًا بشكل كبير في الثقافة والشعار النازي، حيث تم تصويره كمخلص للأمة, كذلك، بنى صدام حسين صورته كرمز للبطولة والفخر العربي، حيث كانت هناك تماثيل وصور له في كل مكان، مما ساهم في خلق صورة زائفة عن القائد الذي لا يُهزم.
عبادة الشخصية هي إحدى الأساليب التي استخدمها كل من أدولف هتلر وصدام لتعزيز سلطتهم وترسيخ نفوذهم على المجتمعات التي حكموها. اعتمد كلا النظامين على الرمزية والتقديس الشخصي لبناء صورة مثالية عن الزعيم، مما ساهم في خلق ولاء أعمى وغير مشروط للنظام, عبر هذه الرمزية، وقام كلاهما بتطوير شخصية مهيمنة تُعتبر مركز القوى والهوية الوطنية.
• عبادة الشخصية في النظام النازي
كان هتلر يمثل تجسيدًا للقوة والنقاء العرقي، حيث تم تصويره بمثابة المخلص للأمة, واعتمد على:
اولا: الخطاب الزائد: استخدم هتلر لغة تحريضية في خطاباته، حيث كان يتحدث عن تجسيد الشعب الألماني وأحلامه في بناء "الإمبراطورية الثالثة". استخدم مركزيته في الخطاب كوسيلة لتقوية ارتباط الجماهير بشخصه.
ثانيا: الرموز الثقافية: تم تناول رموز نازية مثل الصليب المعقوف والشعار النازي في كل مكان، حيث كانت هذه الرموز وسيلة لتوحيد الشعب الألماني حول أفكار هتلر، مما ساهم في ترسيخ صورته في الوعي الجماهيري.
ثالثا: السينما والتصوير الفوتوغرافي: أُنتجت العديد من الأفلام الوثائقية التي تروج لهتلر كقائد عظيم، مما ساعد في خلق صورة زائفة عن قوة غير قابلة للهزيمة. كانت الصور تُعاد صياغتها لتظهر هتلر كقائد تاريخي مخلص يعمل من أجل مصلحة الشعب.
• التقديس الشخصي لدى صدام حسين
في العراق، اختار صدام حسين طرقًا مشابهة لهتلر لبناء صورته الشخصية والتقديس الذاتي.. واهمها:
اولا: الصور والتماثيل: انتشر في أنحاء العراق العديد من التماثيل والصور لصدام حسين، مما جعل من الصعب على المواطن العراقي تجنب الرمزية المرتبطة بشخصه. كانت هذه الصور تجسيدات للبطولة والفخر العربي، مما أعطاها صبغة دينية تقريبًا في نظر بعض الناس.
ثانيا: الخطابات والدعاية: كان صدام يروج لنفسه من خلال وصف نفسه كقائد بطولي يدافع عن الأمة العربية في وجه التحديات. استخدم خطاباته كوسيلة لتحفيز الحماس الوطني وتعزيز الشعور بالفخر، حيث كان يتم تقديمه كقائد يحارب من أجل الكرامة والسيادة.
ثالثا: احتفالات وعروض ضخمة: كانت تُنظم احتفالات ضخمة تُبرز قوة نظامه، حيث تُستخدم الموسيقى والتصوير الضخم لنقل انطباع عن عظمة القيادة, كانت هذه الفعاليات تُبرز صورة صدام كقائد، مما يعزز من ولاء الجماهير.
• العواقب الاجتماعية والسياسية لعبادة الشخصية
أدت جهود هتلر وصدام في تأسيس عبادة الشخصية إلى عدد من العواقب العميقة على المجتمعات التي حكماها: وهي: تآكل القيم الديمقراطية, حيث أضعفت عبادة الشخصية من عملية الحوار السياسي والتنوع، حيث أصبح أي شكل من المعارضة يُعتبر خيانة للوطن. هذا أسس لثقافة الخوف وعزز القمع. وثانيا: تفشي الفساد, حيث تركت عبادة الشخصية أثرًا عميقًا على المؤسسات الحكومية، حيث تركزت معظم القوى حول القائد، مما أضعف الهيئات الحكومية وساهم في زيادة الفساد وعدم الكفاءة... وثالثا: فقدان الهوية الفردية, حيث عاش الكثير من المواطنين تحت وطأة صورة القائد المتعالي، مما أدى إلى تآكل الهوية الفردية, أصبح الناس يرون أنفسهم في ضوء القائد، مما شجع على عدم التفكير النقدي, ورؤية الأمور من منظور مهيمن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكاتب/ اسعد عبدالله عبدعلي
العراق – بغداد
موبايل/07702767005
ايميل/ [email protected]
#اسعد_عبدالله_عبدعلي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟