أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نبيل عبد الأمير الربيعي - قابيليون ولا فكاك من التسمية















المزيد.....

قابيليون ولا فكاك من التسمية


نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث

(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)


الحوار المتمدن-العدد: 8325 - 2025 / 4 / 27 - 11:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في الحديث عن العراق، حديث عن نسخة قابيلية، فهو يخفي ميراثاً عنفياً دامياً، حامياً، وفي العراق يحضر قابيل بألوانه وهيئاته، وتشذيباته، وتردداته الصوفية، وعقائده، وذاكرته المحملة، ليكون المقيم والرحالة بين السماء والأرض ذاتها الممهورين بصدى الصراخ المكتوم له ذات يومٍ ماضٍ؟
العراق ما كان أن يصبح قابيلياً أكثر من بلد آخر وفي عمره المديد، إلاّ جراء العنف الدامي الذي شهده طوال تاريخه المديد، وما ينطوي عليه هذا العنف من دلالات تحيلنا على تبين ما هو جغرافي، وتحرٍّ في المدونات التاريخية بتنوعها الأركيولوجي والحكائي والأسطوري والديني والنفسي .
هناك كم هائل من الإثنيات التي حلَّت في الطرق، تعايشت وتصارعت فيما بينها، واتخذت ثمئذٍ أمكنة لها، ولكل منها ذاكرتها التاريخية العامة والخاصة العائدة إليها، وما في ذلك من ديمومة العنف أو انفجاره في أي لحظة، وعلينا الارتكاز إلى الأرض التي لم تثبت في جغرافيا حدودية واحدة إلا تطور العراق في كيانه السياسي الحديث إثر الاحتلال الانكليزي له ومن ثم الأميركي، ولكنها ورغم تنوع المناخ من شماله وجنوبه ووسطه، فإن الصراعات التي جمعت ما بين مكوناته الإثنية فعلت كل ما من شأنه اصطباغ الأرض بالمزيد من الدماء، ولو بشكل متفاوت، وإلى مستوى أن يوحد فيهم عنفاً نسَّبهم إليه، وإلى تمايزهم الإثني .
فالعنف الدموي في العراق يتميز بالأسبقية الزمنية، وقابيل لا يبدو عليه أنه مقيم في الخلف منا، إنما يتقدمنا، وربما يباغتنا في كل لحظة، أو يسكننا، ويستنزف متخيلنا، ونحن نسعى وراءه لنتبين أمره، من خلال نوع الجرم الذي ارتكبه، وأي جريرة عنته، ليستحق موتاً إلهياً مقدراً عليه، كما هو شأن ما نحن عليه، في محيطنا الجغرافي الذي انقلب عاليه سافله، حين نصادف هابیل مقتولاً ملء سمعنا وبصبرنا وهو أخف وطأة وإرعاباً يومياً .
وقابيل هذا يشكل ذاكرتنا، حيث تلاحقه جريرة هابيل، الذي يقابل سفك الدم، أو القتل، أو التهديد به، لأن هابيل حقيقة ذاكرة، أو أن ذاكرته لا تسمى إلا من خلال فعل القتل التي تمت في لحظةٍ ما، عبر فعل القتل أو ما يضفي عليه فتنة تاريخ، هي خميرة التاريخ، بما أن قابیل بمقامه السماوي دينياً، يحيلنا إلى ما هو إلهي.
فالذاكرة مثقلة بغواية القتل أو الاعتداء البيني والصادم، والذين يحملون أهليتها يعانون من عُصاب ذاكرة تطاردهم بفعل العنف، والإبداء اللفظي أو العملي، جراء خلل مؤصل في العلاقة .
إذاً نحنُ قابيليون ولا فكاك من التسمية، وفي مواجهة قابيل الأب وقابيل المقاوم والمقوَّم فينا يدون تاريخنا وتتسخن ذاكرتنا، وهي حقيقة متداولة في أدبياتنا بقاسمها المشرك الأسطوري، الخرافي، التاريخي، الديني، السيار السياسي. لذلك نستحضره أو ننتسب إليه بصيغ شتى، نتحدث عنه أو بأسمة، كأنه معايشنا أو كأننا عايشناه عن قرب بموطنه الأرضي والسماوي دينياً توراتياً في الأصيل، فقابيل الموبخ والمؤنب والمحمي في آنٍ إلهيا"، لذلك كان تنا تناسلنا منه.
فجريمة القتل مغامرة العقل الأولى شئنا أم أبينا إلى هذه الدائرة الملتهبة والتي لم تخب نارها حتى الآن، وإزاء هذا التفعيل لذاكرة العنف في مراحل مختلفة من تاريخ العراق، لا بد أن للباحث في هذا الشأن إلى جانب المؤرخ المختص، ومعهما الناقد الأدبي، وكذلك الأركيلوجي، ومحلل النصوص الميثيولوجية والدينية أن يطرح سؤالاً؛ ما الذي أبقى العنف من العلامات الفارقة الكبرى لهذا البلد الذي يحمل اسم العراق، رغم عدم استقراره وتفاوت مساحته، أو من خلال ما يعرف لدى الكثير من كُتّاب الغرب وحتى محلياً كذلك بـ( ميزوبوتاميا، بلاد الرافدين، ما بين النهرين)؟ كيف أجيز لهذه الفسحة الجغرافية أن تحمل كل هاتيك النقائض وتحمل دفعتها في أوجها المختلف عليه .
إن لجوء الناس إلى العنف السياسي مشوب بالعاطفة جزئياً، لكنه لا يحصل من دون سبب، ويكاد يكون الجهل أحد أسبابه: (أحياناً الجهل بعواقبه من جانب الذين يلجأون إليه، وعلى الأغلب يكون جهل أولئك الذين يوجدون، ويستبقون الأوضاع الاجتماعية التي توحي به. لكن العنف السياسي شيء يمكن فهمه وإدراكه، لذا فإنه غير ضروري ولا حتمي، بل هو قابل للحل....)(المصد: تيد روبرت غير، لماذا يتمرد البشر؟ ترجمة ونشر مركز الخليج للأبحاث، دبي، ط1، 2004، ص536.).
بين الناس عموماً، والعنف وشائج قربى، حيث يمكن التعرف إلى الجماهير الحاضنة والمولدة له، لا بل إن الناس من وجدوا يستحيل تأكيد استمراريتهم في الوجود بعيداً عن مؤثرات عنفية، كما هو المفصح عنه في التجربة الكينونية غير المؤرخة لانحدار الإنسان من الموقع الفردوسي إلى الأرض، وهي توليفة حياتية تلقي بظلالها الأبدية الطابع على مدى اسكان الإنسان بالعنف والذي يتفاوت حضوراً وغياباً فيه تبعاً للمواقف واللحظات الحرجة: عنف قابل لأن يظهر في مختلف الحالات حتى أكثرها هدوءاً العنف المنضبط، وأكثرها انفلاتاً انفجاراً العنف العصي على المقاومة وأكثرها تعبيراً عن شرعة القيم المثابة العنف الموجه دينياً ضمن توافقات جماعية، وأكثرها سفوراً ومرذولية العنف المهدّد لذات الجماعة ... إلخ.
لا شيء يعيننا في معاينة ما نحن عليه، أو ما نعيشه اغتراباً، أو ما نصبو إليه، أو نرتقي من خلاله، أو ما يتهددنا مثل العنف هذا، أي حيث تتشكل بطرق شتى تلك المؤثرات التي تبقي الجماهير في وضعية توتر وقابلية الانفجار في أي لحظة، فلا يعود العنف عنفها بالذات، لأنها، وإن بدت المحسوسة، ولكن المرئي يسمي النافذ فيها بخطابه الموجه والمركز، وما في ذلك من جنوح وليس جموح القوة الجماهيرية خارج سياقها، كون الجماهيرية بصنعتها المحسوسة تكون قد قطع اتصالها بقواها التي تمكنها من دخول تاريخ منتظر، حيث ترتبط برموز موجهة له، مهزومة من الداخل، إما لأنها منذ البدء لا تمتلك أي مقوم داخلي اجتماعي، سياسي، من شأنه إنارة الطريق، أو ليست مستعدة لذلك، بقدر ما تعمل على تفتيت المفتت في الجماهير.
يأتي العنف، أو يبرز وكأنه خارجي، كما يُصاغ في عبارات أو نصوص أدبية وتاريخية وفقهية وغيرها، ويجري وصفه أيضاً باعتباره ضغطاً على القوى النفسية، كما هو السيل، وكأنه ديناميتي المشهد، وكأنه مقطوع الصلة بالخارج اجتماعياً وسياسياً.
لكنه العنف الذي يشير إلينا، ويتقاسم فينا جملة القوى العائدة إلينا إن أفصحنا عن صلاتنا به وبالعكس، إذ لا عنف يمكن النظر إليه من زاوية فيزيائية، إنما فور التلفظ باسمه، حتى يتحدد له موقع ووجه، وصوت، وهيئة ولون ومرمى مرصود، أي يكون موقعه متجاوباً في التكوين والتلوين مع الذين يعيشون في دواخلهم: إن من ناحية التهجئة أو التمثيل اليومي للأحداث، ومن ثم فإن الأهم في أي مقاربة تاريخية له، ينبغي الأخذ به من زوايا مختلفة، ليتم التعرف عليه سرعة حضور وطريقة تمثل أيضاً.
في العنف، يمكننا أن نتحدث وبالأرقام، أو باعتماد احصائيات معينة، وفي ميادين بحثية مختلفة عما ينال الإنسان من عنف، وكيف يتم تصريفه، كونه مخزون قوة هي جماع مشاعر وأحاسيس أو ملكات نفسية وعقلية، أو يجري التكتم عليه، بوصفه ترموميراً، إنما في المنحى الذي يمكننا من استشراف الحراك الاجتماعي، إذ إن مدى قدرة مجتمع ما على ترجمة عنف قائم بمردوده الفردي والجماعي، إلى أعمال أو أفعال أو أنشطة قولية، أو في صيغ مناسباتية وكرنفالات، كما هو مفهوم السد المائي، يساوي إمكانية التعرف إليه بقدر كافٍ من القيم المتداولة، وما يكون عليه هيئات ومؤسسات أو نظاماً سياسياً، في إطار التعامل بين كل من الحقوق والواجبات.
في الحديث عن العراق، يظهر ومن خلال تاريخ طويل ومن داخل جغرافيا مختلفة المناخات ومتشابكة المؤثرات، دون الإقفال الحدودي خارجاً، يظهر أن خزان العنف القاعدي والمضغوط ينبئ بالخلل البنيوي والذي عمل على تكوينه منذ زمنٍ طويل.
إن الحديث عن المستنقع العراقي لا يعدو أن يكون التعبير الأوفى عن تراكمات عنفية، ترتبط بخلل في الاتصال بين أبناء العراق، إذ إن المستنقع في أساسه كيان مائي، وهو في عدم جريانه يصبح مصدر تلوث وأوبئة، بينما في الحالة العادية مصدر عادي، وهو لم يكن ولا يكون مستنقعاً، وثمة ما يُرى وما يشم، وما يتحسس عموماً فيه من مآثر قتل وتدمير بنيوية.
ولعل الذين عملوا على إدارة أمور العراق وهو في تجليه الكيان السياسي بدءاً من عام 1921م، كان الاتجاه خارجاً عن السيطرة، ولكل فترة مقياسها الاجتماعي والسياسي أخلاقياً، ليكون المبتدئ من شباط عام 1963م دخولاً في النفق الأكثر قتامة وكارثية.
والأميركان، كما يظهر، لم يدخلوا العراق ومحاولة ضبط أموره، أو وضعه على السكة السليمة نصب أعينهم، كما تنبئنا مجريات وقائعه اليومية، أو كما يعرفنا بيومياته ما عاشه على مدى عشرين سنة، حيث برز العنف بأيد عراقية وبضحاياه العراقيين كثيراً.
وللناظر أيضاً في مشهديات الجغرافيا العراقية، واستبقاء إقليم كردستان جانباً، من خلال وضعه الخاص بدعم من قوات التحالف، بدءاً من عام 1991م، إلى جانب مساعي محلية، من داخل الإقليم، بعد حرب أهلية تحزبية في العقد الثاني من تسعينيات القرن الآفل، يقف على حقيقة معيارية، وهي في الكم المتصاعد للقوى والتنظيمات والهيئات والأحزاب السياسية، كما رأينا سابقاً، وبالمقابل، يمكن التعرف على جمهرة كبرى من العناوين والتي تسلّط الضوء بالذات على أهلية العنف، وكيف قيض لهذه العناوين أن تبصر النور، كما لو أنها هي الأخرى في معرض التنافس، لا بل والتصارع فيما بينها، وهي تتجاذب حقول قوى اجتماعية ودينية، وتفصح عن مكبوتات أطلق سراحها حيث زال الخوف من كابوس نظام سابق أرعب حتى المعنيين به، وفي واجهته رأسه، من خلال تصفياته الفولكلورية، حتى بالنسبة لتلك المؤلفات التي لا يبدو عليها أنها ذات علاقة بما يجري، لارتباطها بماضٍ تليد أو لاحق، سوى أنها تترجم من هذا المعبر، بينما تحتفظ تلك القائمة الملحوظة من المؤلفات التي تتركز على العهد الصدامية وعلى مدى أربعة عقود زمنية، بحصة الأسد، وما فيها من مفارقات، أي ما يقربنا أكثر من حركية هذه الذهنية، حيث إن صدام المقضي عليه إلى الأبد، لما يزل يغذي رؤوساً ونفوساً، وهو ما يجعل الذهنية التي انطلقنا منها، واعتمدناها حتى الآن في أكثر صورها استقطاباً للمشاعر والأفكار، في ثنائيات صارخة مسماة قولاً وسلوكاً.
وفي مثال وليام بولك، يظهر جلياً إلى (أي مدى يكون سبر مكونات المجتمع وكيفية تنفسه لما هو قيمي، وتلمس الأعماق من صلب مهام الباحث الاجتماعي والذي يستند إلى بوصلة تاريخية في المكاشفة والمساءلة عن تشكيلات المكونات تلك، صحبة الرافد النفسي، طالما أن المجتمع هو حقيقة داخلية، وليس رؤية مراوية فقط، كما أتينا على ذكره سابقاً، وهو يستشهد بالأركيولوجيا، إذ تكون مفردته منتمية إلى خانتها، ليذكرنا في الحال بما استهل به كبير الأثر علي الوردي في مرجعه التاريخي الاجتماعي الأثير لمحاته وتعلمت من علماء الآثار القديمة أيضاً أن أحفر وأنقب تحت سطح الأفعال والوقائع لكي أكتشف أبعادها الاجتماعية... ومن ثم والعمل هذا حصاد نصف قرن منذ سنة 1947). (المصدر: وليام بولك، لكي نفهم العراق المسار الكامل للتاريخ العراقي قديماً وحديثاً منذ الاجتياح المغولي إلى العهد العثماني حتى الانتداب البريطاني والاحتلال الأمريكي، ص41).
لا مناص من لوثة الكتابة هنا برشقات إيديولوجية، وهذه بداهة، إذ إن حجم العنف في المجتمع العراقي، وما صيَّره إرهاباً، يمئزق كل كتابة مهما كان تميزها بالوضوح وحيوية الكشف وجرأة التشخيص، على الأقل، لأن قولاً كهذا، يحفزنا على التروي في القراءة.
إنه الصراع المحتدم بين عناوين تكاد تكون على علم فيما يجري بين بعضها بعضاً، بقدر ما يكون الصراع داخل كل عنوان بوصفه حقلاً مغناطيسياً مأهولاً بالدارات القيمية ذات الصلة بطرف أو جماعة أو طائفة أو مذهب، صراع يبلغ من الدرجة ما يصدم كل توقع، جراء ما كان يعاش أو يتنبه إليه سابقاً، من خلال ما بات متداولاً بعبارة الهروب من المشكلة، لتكون كرة الثلج المتضخمة تدريجياً.
ثمَّ التركة الثقيلة لنظام لم يكن هدف وضع النقاط على الحروف، إنما تمييع العلاقات بينها، وهو في سباق مع الزمن لحظة التشديد على البطرياركية الفائقة الوصف، وهو يبث عنفاً مركباً في كل جانب: عنف يكون مصدر ترهيب وليس ترغيباً، وعنف يعتمل في الداخل، لينشغل المعرض للعنف بالطارئ عليه في انقساماته الداخلية، كما في الشيعية والشيعة في أحيان كثيرة مرتبطة بجمهورية إيران الإسلامية وعلى الأخص من الإعلام الغربي.... إن السنة العرب والحكومة العراقية على الأقل مترابطان إلى حد بعيد إن لم يكونا مترادفين تماماً. لكن من الخطأ أن نصنف السنة كجماعة متجانسة التكوين... لقد أزيحت طبقة المفكرين البعثيين بنجاح عندما تولى صدام الرئاسة، وفي غيابهم هيمن على الحزب السنة من أهل الريف، وجميعهم موالون بصورة مطلقة لصدام.
إنها توازنات القوة والرعب، كما يقال، ولكنها ليست مستقرة، طالما أن ليس من ثبات في وضع معين، حيث إن هذه الخطوط المتداخلة بين خارج الشيعة وداخل السنة، وما يؤثر فيهما داخلاً وخارجاً، تمرر عنفيات متعددة المستويات، ويجد النظام، بوصفه أبعد ما يكون عن طالب استقرار، وناشد ضمان مستقبل مرفه لشعبه، في كل ذلك ما يبقيه مطمئناً إلى الجاري ولو إلى حين، والإطاحة به، تفسر من مستوى آخر، مستوى القوة التي نظر إليها خلاف المستجد كما هي وضعية السكونية التي ينتشي بها النظام وممثله.
تلك هي ميثولوجيا الفوضى المنظمة، بطريقة تفقد أمر النظام والسيطرة على رؤية المباغت، وهذا يضعنا إزاء لعبة الدوائر وتفاوتات القوة فيها، وما يقصي قوة دون أخرى، هو هذا النفق المظلم الذي لا يُرى إلا من خلال الكاشف المخبأ في الداخل حصراً، أي حين تغدو الجماهير دون اسمها، مفككة، تعبيراً دالاً على نظام النظام السياسي الذي يعنى بها.
أي ما يقربنا من السلطة وكيف تكون سيرورة وتحولاً، وهي ممثلة في شخص أو أكثر، وكيف تسمي ذاتها والآخرين، حيث إنها ليست موجودة من خلال عنوان محدد يمكن الاهتداء إليه، وعلى مستوى حسي بالمقابل، رغم أنه من السهل جداً، القول بأن ثمة عنواناً، حيث يكون قصر الحاكم، أجهزته الأمنية والحزبية المختلفة ضمناً، وتهجئة اسمه وغيره، غير أن السلطة أبعد من خاصية العنوان والاسم، إذ ثمة أرضية فاعلة في بناء السلطة، في تبينها، وتكون موجودة أيضاً في عنوان وشخص، أو جهة أو أكثر من ذلك، لكن الطريقة هذه تختزل السلطة من جهتها، إذ تبرز أبعد من حدود المرئي من حضور أشخاص بينهم عقد ما، وهو لا يعرف بالموقعين عليه بلغة الحساب.
وما أكثر الذين انشغلوا بالسياقات الدينية والمذهبية، والضحايا في ازدياد، في البحث عن الفردوس وهم أحياء، وممن لقّنوا ويلقنون: تفجير أنفسهم، أو الموت شهداء ليكون في مقدورهم التنعم بالفردوس الموعود.
إن من يمعن النظر في هذه اللائحة الطويلة نسبياً من الأسماء كذلك، ستصدمه انهيارات القيم، كما هي كتل الثلج من علٍ، حيث يتم تعقب الماضي، لا بل ما يبقيه ممتداً في الحاضر والآتي كذلك، عبر المثار سياسياً وبخميرة دينية لا تنفصل عن مخاض الرهان السلطوي، كما في تنوع الفتاوى تبعاً للظروف: فتوى قتل الشيوعيين من الشيخ محمد مهدي الخالصي بعد 8 شباط 1963 من القوميين، وخاصة الضابط المتشدد قومياً ومذهبياً عبد الغني الراوي، واعتبار الشيوعيين مرتدين، وجاءت الفتوى ذاتها من السيد محسن الحكيم وثمة وكلاء له؛ وكيله بالبصرة امتنع عن إصدار فتوى بعدم الانخراط بالحزب الشيوعي، بينما امتنع الشيخ السني طه جابر العلواني حسب مذكراته عن مثل هذه الفتوى... ولاحقاً حيث برز الخلاف بين البعثيين والإمام الخالصي، فيدعو الشيخ إلى النيل منهم في شخص ميشيل عفلق والقدح فيه: اسمه ونسبه... وهو الذي سخر ميليشياته للقتال معه ونصره في أحلك الظروف... وهو كان يقوم بمهام والده يوم كان الأخير منفياً بإيران من وزارة عبد المحسن السعدون، قد حث والده على الاتصال بالبلاشفة... ومساعي الشيخ الخالصي لإقناع النجف بالصلة مع البلاشفة قد أكدتها ملفات الشرطة التي اعتمدها حنا بطاطو في بحث حول العراق... ص307، توضيح ورد الحديث عن الخالصي وعفلق في لاهوت السياسة. والصراع بين المذهبين الحنفي والحنبلي. ونشهد حالات كهذه في لاهوت سياسة الأحزاب والحركات الدينية في العراق باستعادة الخالصي، وما قاله في حزب البعث من خلال شخص ميشيل عفلق، وهو طريف ومرعب جهة الحالات التي يضع ممثلو الدين نفسهم فيها غير عابئين بردود أفعال من حولهم من خطبة الشيخ الخالصي في هجومه على البعثيين، قبيل وفاته في تشرين الأول 1963: قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق، ومن شر ميشيل عفلق... مصيبة العرب أشد وأشق جاءنا بميشيل عفلق. من هو ميشيل عفلق، ما هذا الاسم؟... ليقول بعد ذلك بأنه: الفرج الواسع الرخو، والمرأة السيئة المنطق. وكذلك كتابه (100 عام من الإسلام السياسي بالعراق الجزء الأول- الشيعة، ص 109)، عن (فتوى الحكيم استخدمها عبد السلام عارف ضد الشيوعيين، وهي تكفرهم.... واتهم الشيوعيون باتهام الحكيم الأبن بالجاسوسية. ص 109 -والكثيرون من آل الحكيم اغتيلوا أو أعدموا إضافة إلى السيد مهدي الحكيم الذي اغتيل بالخرطوم عام 1988... ص 124... وفي الجزء الثاني من كتاب الخيون (الجزء الثاني- السنة: الإسلام السياسي، ص 143)، الخلافات بين الفصائل الإسلامية الكردستانية ليست بالقليلة ... ص169 - هيئة العلماء المسلمين ص 177... كيفية مديح من يمارسون الإرهاب في العراق وزعم أنهم يحاربون لتحرير البلاد. ص196.
في ضوء ما تقدم، أو ما يمكن قوله انطلاقاً مما جرت تسميته أو استخلاصه، يبقى توقع ما يمكن أن يحدث غداً أو بعد غد أو بعد بعد غد، في أفضل الحالات صادماً، جراء هذا العنف الذي بات يتهدد العراق وما يليه، أي ما يحيل العراق عموماً إلى أكثر من مستودع بارود ينفجر ليستغرق الجوار الأبعد، وهو ما نعيش أهواله في سياقات مختلفة كما لو أنه يعرف بهويته التاريخية، وكيف اعتبر المرجعية المقدسة الطابع بأكثر من معنى.



#نبيل_عبد_الأمير_الربيعي (هاشتاغ)       Nabeel_Abd_Al-_Ameer_Alrubaiy#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أصدقاءٌ لا ينسون
- سعادة الوطن والإنسان في إيقاعات كوكب حمزة
- الوجع والولع مع الأخلاقيات المدمرة
- محمد علي محيي الدين سيرته وآثاره الأدبية والصحفية
- علي الوردي.. مقاربات إصلاحية في فهم الدين والذات
- الأماكن المقدسة والموروث الديني
- قراءة في رواية (غابة همرباكر) للروائي كريم عباس حسن
- عمر الهزاع قائد الفرقة الأولى في الديوانية
- صدور الجزء الأول والثاني (طبعة ثانية- مزيدة ومنقحة) من كتابن ...
- الحزب الشيوعي العراقي والشعائر الحسينية
- ما يستحضره التاريخ للرد على كتاب عبد الجبار أيوب (مع الشيوعي ...
- ما يستحضره التاريخ للرد على كتاب عبد الجبار أيوب (مع الشيوعي ...
- ما يستحضره التاريخ للرد على كتاب عبد الجبار أيوب (مع الشيوعي ...
- ما يستحضره التاريخ للرد على كتاب عبد الجبار أيوب (مع الشيوعي ...
- اللقاء الذي حدث بين خليل أبو الهوب وجعفر أبو العيس
- قراءة في كتاب ذياب آل غلام (ما تستحضره الشاهدة ولم يقله الرو ...
- قراءة مختصرة لكتاب الشيخ هشام الخفاجي (وضع الأيدي على تُرهات ...
- الزرادشتية أقدم ديانات الوحي في التاريخ
- شكر وعرفان للهيئة التعليمة في متوسطة الجمهورية في الديوانية
- مستشفى الديوانية العسكري في الديوانية معلم صحي أزيل بعد الإح ...


المزيد.....




- تقرير: وقود الصواريخ الإيرانية وعلاقته بانفجار بندر عباس
- كارلو أنشيلوتي يستعد لإجراء محادثات لقيادة منتخب البرازيل
- توافد الحشود إلى كنيسة سانتا ماريا ماجوري لزيارة قبر البابا ...
- -القسام- تعلن تفجير عبوة ناسفة في قوة إسرائيلية شرق حي التفا ...
- الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا لسكان الضاحية الجنوبية لبيروت ف ...
- قطر تعلن إحراز -بعض التقدم- في محادثات وقف إطلاق النار بقطاع ...
- آبل تخطط لنقل تصنيع هواتف آيفون الموجهة للولايات المتحدة من ...
- ما سر السلاح الغريب الذي حمله جنود إيطاليون خلال جنازة الباب ...
- الجيش الإسرائيلي ينذر بقصف منزل في ضاحية بيروت الجنوبية
- هل تحاصر طفلك بحبك؟ تعرف على مخاطر -التربية المكثفة- وكيفية ...


المزيد.....

- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نبيل عبد الأمير الربيعي - قابيليون ولا فكاك من التسمية