أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - منذر خدام - أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الخامس)















المزيد.....



أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الخامس)


منذر خدام

الحوار المتمدن-العدد: 8324 - 2025 / 4 / 26 - 07:06
المحور: قضايا ثقافية
    


الفصل الخامس
الديمقراطية وإشكالية تأصيلها
في الثقافة الإسلامية
1-الديمقراطية في الفكر الإسلامي النهضوي.
إن الضغط الذي مارسته التحولات العميقة التي كانت تجري في المجتمعات الأوربية، ولا تزال على المشتغلين في الحقل الثقافي والفكري من داخل المنظومة الفكرية الإسلامية دفعتهم للتفتيش في المرجعية التراثية الإسلامية عن أدوات مفهومية تصلح لقراءة ما يجري في أوربا. وأمام الانبهار والتأثر بالحركة النهضوية الأوربية، وفكرها التنويري، وليبراليتها السياسية، حاول الإسلاميون النهضويون في القرن التاسع عشر قراءتها من موقع الفكر التراثي الإسلامي وبأدواته وقد حققوا نجاحات جيدة على هذا الصعيد. فمقابل كل مصطلح أساسي في الفكر الليبرالي اجتهدوا في إيجاد ما يقابله في الفكر التراثي الإسلامي. فمقابل الديمقراطية والعقد الاجتماعي والتمدن والمنفعة وغيرها أصبح لديهم الشورى والتضامن الاجتماعي والعمران والصالح العام (1). ومع أن النزعات الإصلاحية كانت واضحة لدى الجيل الأول من المفكرين الإسلاميين النهضوين إلا انهم أخفقوا في تأصيل وتبيئة الفكر النهضوي الليبرالي في البلدان الإسلامية. من جهة لأنهم قرأوه بغير أدواته فجاءت قراءتهم انتقائية، ومن جهة ثانية لعمق واستقرار المرجعية التراثية الإسلامية في الوعي العام. رغم ذلك فقد كانت مساهماتهم في الحقل السياسي، خصوصا مساهمات هامة جاءت متقدمة كثيرا عن مساهمات العديد من المفكرين الإسلاميين النهضوين التاليين، وبشكل خاص مساهمات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-التيزيني، الطيب " إشكالية الأصالة والمعاصرة في الوطن العربي". ورقة قدمت إلى الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية تحت عنوان " التراث وتحديات العصر في الوطن العربي" ط2 ، (بيروت ، المركز،1987 ) ص91.2
العاملين منهم في الحقل السياسي. ومن بين أعلام تلك المرحلة يعتبر الطهطاوي بحق أول من وضع أسس التفكير السياسي الحديث بالديمقراطية في كتابه " تخليص الإبريز في تلخيص باريز" الذي صدر في عام 1834. وقد تطور فكر الطهطاوي لاحقا بحيث أخذ ينظر إلى الديمقراطية نظرة شاملة أوسع شملت الحقل الاجتماعي والاقتصادي إلى جانب الحقل السياسي (2).
ومن يتفحص كتاب خير الدين التونسي" أقوم المسالك في معرفة أصول الممالك " الصادر في عام 1867 يكتشف عمق وشمولية حضور الفكر الديمقراطي لديه والذي عبر عنه من خلال
منظومته الفكرية الإسلامية. ففي موضوعات الكتاب وتحت عناوين فرعية نقرأ: "مطلب اقتضاء الظلم لخراب العمران "، و" مطلب وجود المشورة وتغيير المنكر ونتائجها"، و "مطلب أن استقامة سيرة الوزير لا تفي بمصالح المملكة إذا لم يكن لإدارتها قوانين ضابطة"، و" مطلب عواقب الاستبداد والعمل بالرأي الواحد "، وغيرها كثير مما يتلاقى مع الفكر التنويري الديمقراطي (3)
وفي سياق انشغال جمال الدين الأفغاني في البحث عن أسباب تخلف المسلمين بالمقارنة مع نهضة وتقدم أوربا وجد من بين الأسباب ما يتعلق بـ " غياب العدل والشورى "، وتفرد الحكام المسلمين بالسلطة، وممارستها من خلال تحكيم القوة القاهرة في رقاب العباد حتى تأصل في نفوسهم " الذل والاستكانة والخلود للرقاد ". ولم يجد الأفغاني بديلا للخروج من هذه الحالة المستحكمة التي وصلت إليها الشعوب الإسلامية غير إشراك " الأمة في حكم البلاد عن طريق الشورى وانتخاب نواب الأمة" (4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2-عوض، لويس،" تاريخ الفكر المصري الحديث "،ج2،(القاهرة، دار الهلال،1969) ص95.
3-التونسي، خير الدين، " أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك "، تقديم وتحقيق المنصف المشنوفي (تونس ، الدار التونسية للنشر ،1972) ص 32.
4-الأفغاني، جمال الدين،" خاطرات :مصر والحكم النيابي" في الأعمال الكاملة ، تحقيق ودراسة محمد عمارة ( القاهرة ، دار الكتاب العربي ،1968 ) ص473.

وتطرق الكواكبي أيضا إلى أسباب تخلف العرب والمسلمين فوجدها عديدة من بينها أسباب دينية، وأخرى أخلاقية، وثالثة سياسية، وقد شرح ذلك في كتابيه: "أم القرى وطبائع الاستبداد". وحسب الكواكبي فإن " أعظم فائدة استقادها أهل الشرق من الأوربيين معرفة ما ينبغي أن تكون عليه الحكومة واصطباغ نفوسهم بها " (5). ويزيد عبد الرحمن الكواكبي فيعتبر أن أولئك الساسة والحكام الذين يحاولون الخلط بين السياسة والدين لا يتمسكون بالدين إلا بقدر تمكينهم من البسطاء وإن " موقفهم هذا لا أصل له في الإسلام كدين " (6).
وفي كتابه " الإسلام وأصول الحكم دعا الشيخ علي عبد الرازق إلى فصل الشريعة عن النظام السياسي، وحسب رأيه " لا شيء في الدين يمنع المسلمين أن يسابقوا الأمم الأخرى في علوم الاجتماع والسياسة كلها، وأن يهدموا ذلك النظام العتيق الذي ذلوا له واستكانوا إليه، وان يبنوا قواعد ملكهم ونظام حكومتهم على أحدث ما أنتجته العقول البشرية وأمتن ما دلت تجارب الأمم على انه خير أصول الحكم " (7). وأضاف أن الخلافة ليست من أصول الدين، وليس في الإسلام شكل محدد إسلامي للسلطة (8). وأكد ذلك محمد عبده في قوله " ليس في الإسلام سلطة دينية سوى سلطة الموعظة الحسنة للدعوة إلى الخير والتنفير من الشر " (9).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4-الكواكبي، عبد الرحمن، الأعمال الكاملة، تحقيق محمد عمارة (القاهرة، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، 1970) ص 151.
5-عمارة، محمد " نظرة جديدة إلى التراث"، ( بيروت والقاهرة ،المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1979) ص 186.
6-الدجاني، أحمد صدقي،" تطور مفاهيم الديمقراطية في الفكر العربي الحديث " في "أزمة الديمقراطية في الوطن العربي " ، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية (بيروت ، المركز،1987) ص 138.
7-بشارة، عزمي،" مدخل إلى معالجة الديمقراطية وأنماط التدين"،في " حول الخيار الديمقراطي"،مجموعة من المؤلفين( بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية،1994)، ص 70
8-العيسمي، شبلي، " العلمانية والدولة الدينية "، (بغداد، دار الشؤون الثقافية،1989) ص32.

وقد ربط الكثيرون منهم بين التقدم والشورى، وبين التخلف والاستبداد، ورسموا حدودا واضحة بين مجال الدولة ومجال الدين دون أن يصلوا إلى حد القطيعة. وبسبب مواقفهم الانتقائية فقد جعلوا على الفكر النهضوي الأوربي قيوداً ليست من طبيعته، بحيث يأتي متوافقا مع الشريعة، مما قاد العديد منهم إلى التناقض والتلفيق. فعلى سبيل المثال اعتبر الطهطاوي الملك خليفة الله في الأرض، حسابه على ربه وبالتالي ليس في فعله مسؤولية لأحد من رعاياه (9). لكن بعض المفكرين النهضويين من الجيل الثاني من ذهب شوطا بعيدا باتجاه العلمانية والديمقراطية وخير مثال على ذلك علي عبد الرازق وابن باديس.
2-الديمقراطية في فكر الإسلام السياسي المعاصر.
لقد شهدت الساحة السياسية والفكرية العربية حضورا متميزا وفاعلا للقوى الإسلامية على امتداد الوطن العربي، وارتبط ذلك بانهيار المشروع القومي كما قدمه الخطاب السياسي والأيديولوجي العربي خلال الخمسينات والستينات، وكذلك انهيار المشروع الاشتراكي بصورته السوفيتية، هذا بالإضافة إلى عمق الأزمة التي تعصف بالكيان المجتمعي العربي وتكلس الأنظمة العربية الحاكمة، والتحدي إلى حد الإذلال الذي تمارسه إسرائيل وأمريكا على العرب خصوصا بعد حرب الخليج الثانية. وفي جملة الموقف من الواقع العربي والتحديات التي تواجهه، انشغل العديد من المفكرين الإسلاميين وكذلك الحركات السياسية الإسلامية بقضية الديمقراطية، فمنهم من رفضها بشكل مطلق واعتبرها مخالفة للإسلام نصاً وروحاً. السيد حافظ صالح على سبيل المثال يرى أن الديمقراطية تقول بفصل الدين عن الحياة، وتجعل من الحرية مبدأ في الحياة الاجتماعية، وهذا يخالف الشرع وتعاليم الإسلام المستقرة (10).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
9- التواني ، مصطفى" أثر الثورة الفرنسية في فكر النهضة "(تونس،1991) ص 36
10-حافظ، صالح " الديمقراطية وحكم الإسلام فيها"،(بيروت،دار النهضة الإسلامية،1988)ص39.
أما السيد محمود الخالدي فإنه يعتبر النظام الديمقراطي سمة العقل الناقص للإنسان، ويتطرف كثيرا بحيث يصل إلى حد تكفير من لا يقر بحكم الإسلام (11).
من جانب أخر هناك من يتفاعل بشكل إيجابي مع الديمقراطية ويرى أن لا خلاف حول ضرورة الديمقراطية، بل الخلاف يدور حول ما تعنيه في دلالتها الاجتماعية والسياسية. الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، على سبيل المثال، يرى أنه لا يجوز نقل الديمقراطية الغربية كما هي بل لا بد من أن نضفي عليها قيمنا وفكرنا بحيث لا تبدو دخيلة على نظامنا، بل جزءاً مكوناً له (12). وهو يثمن كثيراً ما حققته الديمقراطية في الغرب، ويعتبرها قريبة جداً مما جاء به الإسلام من مبادئ وأصول سياسية مثل الشورى والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها.
ويتطور الموقف كثيرا من قضية الديمقراطية لدى العديدين ممن يعملون في الحركات السياسية الإسلامية المعاصرة، ومن أبرز هؤلاء يمكن الإشارة إلى السيد راشد الغنوشي في تونس، والسيد عدنان سعد الدين في سورية، والسيد حسن الترابي في السودان.
يدعو السيد راشد الغنوشي إلى بناء نظام ديمقراطي كمدخل لتحقيق الإصلاح الشامل، وينتقد بشدة سهولة تكفير المخالف والطعن بدينه لدى الحركات الإسلامية بسبب انغلاقها وتوجسها من كل جديد (13).
لكن بطبيعة الحال لدى السيد الغنوشي تصوره الخاص للنظام الديمقراطي، وهو ينتقد من يطالب بالأخذ بالديمقراطية الغربية كما هي، رغم انه يقر بأنها ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
11-الخالدي، محمود " نقص النظام الديمقراطي "،(بيروت ،دار الجيل ،عمان ،مكتبة المحتسب، 1984) ، ص 84.
12-القرضاوي، يوسف "أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة " ،(بيروت، مؤسسة الرسالة ،1991) ص 157-158.
13-الغنوشي ، راشد ، " مستقبل التيار الإسلامي" ،(منبر الشرق،1992) ص 25-26
أفضل الأنظمة التي تمخض عنها تطور الحياة المجتمعية، واهتدى إليها الفكر
الإنساني ما عدا النظام الإسلامي (14). ولكي تصلح الديمقراطية للواقع الإسلامي لا بد من إعادة استنباتها في الأرض الإسلامية وتبيئتها وتخليصها من شوائب العلمانية (15). ولا يجد السيد الغنوشي حرجا في أن ينظر إلى الديمقراطية من داخل المنظومة الفكرية الليبرالية فتبدو له تعددية سياسية، واحترام حقوق الإنسان بما فيها احترام حرية التعبير والمشاركة السياسية والتداول على السلطة عبر صناديق الاقتراع ورفض العنف كأداة لحل الخلافات السياسية والفكرية (16). ومع أن الغنوشي يعتبر متميزا إلى حد كبير في تفكيره وفي تعاطيه مع الشأن السياسي بالمقارنة مع غيره من المشتغلين في الحقل الفكري والسياسي بمرجعية إسلامية، إلا أن السيد عدنان سعد الدين المراقب العام السابق للإخوان المسلمين في سورية لا يقف بعيدا عنه في موضوع الخيار الديمقراطي، وكذلك يفعل المراقب الحالي السيد علي البيانوني. يدعو السيد عدنان سعد الدين إلى الحرية في التفكير والتعبير والتنظيم والمشاركة في الحكم من خلال مؤسسات دستورية يختارها الشعب. ومع أن مفهوم الأغلبية لدى السيد عدنان سعد الدين يتحدد بالأغلبية الدينية، مع ذلك تعتبر أطروحاته متقدمة على أطروحات أغلبية قادة الإخوان المسلمين في سورية في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن العشرين (17). الشورى تعني، حسب رأيه، مشاركة أفراد الشعب في اتخاذ قرارات ملزمة وقطعية لمختلف مستويات السلطة (18). وهو يرى أن النظام الديمقراطي يجب أن يقوم على ثلاث ركائز:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
14-الغنوشي، راشد، "محاور إسلامية"،(القاهرة ،بيت المعرفة نابلس، مكتبة الكمال،1989).ص 61.
15-الغنوشي، راشد ((مستقبل التيار الإسلامي)) ،1992، مرجع سبق ذكره، ص 26.
16-الغنوشي ر اشد "محاور إسلامية" مرجع سبق ذكره، ص227.
17- سعد الدين، عدنان من " أصول العمل السياسي للحركة الإسلامية المعاصرة " في عبد الله النفيسي، محرر الحركة الإسلامية، رؤية مستقبلية، أوراق النقد الذاتي (القاهرة، مكتبة مدبولي ،1989) ص283.
18-المرجع السابق، ص 79.
أ-حكم الأكثرية وما يلازم ذلك من حرية التعبير والتنظيم.
ب-المشاركة في الحكم عبر المؤسسات والصيغ المشروعة.
ت- حرية الاختيار للشعب (19).
ومن اللافت أن السيد عدنان سعد الدين الذي كان يتزعم الجناح الراديكالي في حركة الأخوان المسلمين في سورية، في مواجهة جناح المعتدلين بزعامة عبد الفتاح أبو غدة، كان قد تحول من وضعية الحزب التضامني إلى وضعية الحزب التمثيلي بعد الهزائم التي تعرض لها الأخوان المسلمون في سورية، وخصوصا بعد التحولات التي جرت على الصعيد العالمي. فخلال المفاوضات التي جرت بين الأخوان المسلمين والقيادة السورية في كانون الأول عام 1984 طالب ممثلو الأخوان بضرورة التحول الديمقراطي الشامل، ولخصوا مطالبهم في بيان 3 شباط عام 1985 بإلغاء حالة الطوارئ، والأحكام العرفية، وإطلاق الحريات العامة، وضمان حرية التعبير والتفكير، والحقوق السياسية لجميع المواطنين، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة على أساس دستور جديد تضعه هيئة تأسيسية (20).
بدوره السيد حسن الترابي زعيم الجبهة القومية الإسلامية في السودان يرى في الحركة الإسلامية حركة شعبية وجماهيرية وديمقراطية، ويعتقد أنه لا بد من فك الارتباط بين الديمقراطية والعلمانية ليسهل تسويقها إسلاميا (21). لقد مالت الحركة الإسلامية في السودان إلى قبول الديمقراطية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
19ـ-بشارة، عزمي " مدخل إلى معالجة الديمقراطية وأنماط التدين "، في حول الخيار الديمقراطي، دراسات نقدية، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1994) ص94-95.
20- مجموعة من المؤلفين " الأحزاب والحركات والجماعات الإسلامية "، الجزء الأول، الطبعة الثالثة (دمشق،المركز العربي للدراسات الاستراتيجية،2000) ص310-313.
21-الترابي، حسن،في قراءات سياسية، العدد 4(خريف 1994)ص11،.أنظر أيضاً الترابي ، حسن،أولويات التيار الإسلامي لثلاث عقود قادمة، منبر الشرق( آذار 1992) ،ص20.

استراتيجي، لذلك بقيت نظرتها إليها كوسيلة للانتشار وحرية العمل (22).
والتعدد والاختلاف تحت ضغط التجارب الديمقراطية في السودان، ولم تصل إلى حد تبنيها كخيار باختصار ثمة اتجاه إسلامي آخذ في التبلور يدعو إلى التعامل الإيجابي مع قضية الديمقراطية كخيار لا يجوز رفضه طالما انه يشرع وجوده ويتيح له فرصة العمل والممارسة السياسية والفكرية والمنافسة على السلطة خصوصا بعد أن تحول في العديد من البلدان العربية إلى حركات جماهيرية.
ففي مصر حاولت جماعة الإخوان المسلمين أن تعيد النظر بمضمونها وأن تقترب من نمط الحزب التمثيلي فأصدرت وثيقتين هامتين: اعترفت في الوثيقة الأولى بحق المرأة في العمل والمشاركة في الحياة العامة وأن تحتل مختلف المناصب ما عدى منصب رئيس الدولة.
أما الوثيقة الثانية فكرستها للمطابقة بين الشورى والديمقراطية الحديثة حيث أكدت فيها على أن الأمة هي مصدر السلطات وأنه لا بد من دستور مكتوب يؤخذ من النصوص الشرعية ومن مراميها وقواعدها الكلية. تؤكد الوثيقة على حفظ الحريات العامة والخاصة وتحديد مسؤولية الحكام ومحاسبتهم أمام مجلس نيابي منتخب بشكل حر يتمتع بسلطات تشريعية وتكون قراراته ملزمة. ويجب أن يقوم النظام الديمقراطي المنشود على التعددية الحزبية دون قيود وقبول تداول السلطة بين الجماعات والأحزاب السياسية عن طريق انتخابات ديمقراطية (23). تكمن أهمية الوثيقتين المشار إليهما في انهما تعبران عن الرأي الرسمي للجماعة (24).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
22- " الأحزاب والحركات والجماعات الإسلامية "، الجزء الأول، مرجع سبق ذكره، ص 123
23- الهضيبي، مأمون يرد على أسامة الباز، الأخوان مع دستور مكتوب ، الوسط، العدد (136) 5/9/1994.
24- "الأحزاب والحركات والجماعات الإسلامية " الجزء الأول، مرجع سبق ذكره،ص223.
وينطبق ذلك بدرجات مختلفة على التجمع اليمني للإصلاح في اليمن وعلى الأخوان المسلمين في الأردن وفي غيرها من البلدان العربية.
يبقى السؤال مطروحاً حول مدى جدية تمسك الحركات الإسلامية بالخيار الديمقراطي؟ وهل تجاوزت في أطروحاتها المتعلقة بالمسألة الديمقراطية حد المناورة السياسية التكتيكية إلى الموقف الاستراتيجي؟ هذا السؤال مجاب عنه جزئيا في أطروحتها حول الدول الإسلامية، ومقولة الحاكمية لله الشهيرة لأبي الأعلى المودودي، التي أخذت طابعا جهاديا على يد سيد قطب، وكذلك أجابت عنه ممارسة بعضها عندما كانت تهيمن على السلطة كما هو الحال بالنسبة للجبهة القومية الإسلامية في السودان، فكانت كغيرها من الحركات القومية أو الشيوعية ذات طابع تفردي استبدالي، وبالتالي استبدادي.
التيار السائد في الإسلام السياسي يرى الإسلام صالحاً لكل زمان ومكان، وهو بذلك يصيره قيمة متعالية ما فوق تاريخية. وبدلا من أن يعمل تحت ضغط الواقع لتكييف النص مع مقتضياته، على العكس يحاول تكييف الواقع مع النص. يتجاهل أصحاب هذا التيار أن القرآن نزل في مناسبات، وله أسباب نزول جاء جوابا عنها. الديمقراطية لدى هذا التيار تكتيك للوصول إلى السلطة سرعان ما يرتد عنه بعد بلوغها.
3-الديمقراطية والدين(التدين)
الدين والديمقراطية ينتميان إلى بنيتين فكريتين مختلفتين تماماً، جوهر الدين هو "المقدس" الذي يشتق منه التدين الشعبي في الحياة العملية موقف من الآخر يقوم على أساس التكفير. فالآخر من منظار ديني، أيا كان هذا الآخر، وهذا الدين فهو كافر. ولا يخفى ما لهذا المصطلح " كافر " من قيمة انفعالية سلبية في مجال العلاقات الدينية، وفي جميع المجالات الدنيوية الأخرى (25).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
25-Rudolf Otto (( The concept of the Holy (London, ) Oxford University press,1923 أنظر أيضاً بشارة ، عزمي ، في " حول الخيار الديمقراطي " مرجع سبق ذكره ص 57.
أما جوهر الديمقراطية فهو إدارة علاقات السيطرة، وبالتالي فهي موجهة بالدرجة الأولى إلى نظام الحكم السياسي وتنظيم الحياة السياسية وإدارتها. بالطبع الدين العملي (الدين كما هو في وعي الناس) لم يكن هو الآخر بعيدا عن إدارة علاقات السيطرة وتنظيم الحياة السياسية للمجتمعات التي هيمن عليها، بل في مرحلة من التاريخ أفرز نظامه السياسي المطابق، وشكل في حينه أيديولوجيته الرسمية. وكما هو ثابت في التاريخ فقد كان نظاما استبداديا، استمد شرعيته من بعده الميتافيزيقي. لكن مع تطور الرأسمالية وتنامي دور الفرد ومصالح الطبقات تولد شكل أيديولوجي جديد ينتمي إلى العالم الدنيوي، أخذت تقرأ به مختلف الفئات والطبقات مصالحها الواقعية. في سياق عملية التحول والانتقال هذه جرت صراعات عنيفة بين القوى الاجتماعية المتلطية خلف الراية الدينية من قوى إقطاعية كهنوتية ومدنية، وتلك المتلطية خلف الراية الدنيوية من برجوازية متحالفة مع العمال والفلاحين، حسمت، في النهاية، لصالح هذه الأخيرة. ونظرا لطبيعة البرجوازية الأوربية في القرن التاسع عشر، التي لم تفترق بشكل قطعي ونهائي عن الأيديولوجيا الدينية لذلك سرعان ما ارتد ت إليها باحثة فيها عما يقوي موقعها المهيمن في البناء الاجتماعي الجديد، في مواجهة الطبقة العاملة. ومع أن التحولات الديمقراطية والعلمانية كانت قد نمت في سياق عملية الصراع هذه، فقد اقتصرت في البداية على فئات محدودة من المجتمع، فئة المالكين. ولم تأخذ الديمقراطية بعدها المتقدم إلا في القرن العشرين من جراء التوسع الرأسمالي وغزو العالم، لذلك فإن الديمقراطية الليبرالية تختلف عن الديمقراطية السائدة، التي يجري الحديث عنها في الوقت الراهن.
ثمة أراء عديدة حول بداية التحول العلماني والقوى التي قادت عملية العلمنة في أوربا (26). الشيء الثابت أنها انطلقت مصاحبة عمليات التحول والانتقال ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
26- بشارة، عزمي، ((في حول الخيار الديمقراطية))، مرجع سبق ذكره، ص59.
من التشكيلة الإقطاعية إلى التشكيلة الرأسمالية، برز في سياقها دور الفرد، وتوسعت حقوقه، وتم تشييد البناء الاجتماعي على أساس مفهوم التعاقد. في سياق عمليات التحول هذه أخذ الدين ينتقل من الدائرة العامة إلى الدائرة الخاصة، وتبرز الأيديولوجيا الوضعية كقارئ رئيس لمصالح الأفراد والفئات والطبقات الاجتماعية، وتراجعت الإحالات الميتافيزيقية. كما جرت تحولات عميقة على التدين فتكيف مع الوضعيات الاجتماعية الجديدة واخذ يبحث عن موقع له في إطارها. لقد جرى انتقال هام للخطاب الديني من الدائرة الاجتماعية إلى الدائرة الأخلاقية مع ما يفترضه هذا الانتقال من تحول في طبيعة الخطاب الديني بحيث نما فيه منطق الحرية والتسامح وتراجع منطق الجبر والقسر. هذا ما جرى في أوربا، لكن واقع الحال بالنسبة للدين الإسلامي مختلف تماما كما سنرى في المبحث التالي.
4-الديمقراطية والشورى في الإسلام.
لقد لاحظنا تحت تأثير الانفعال بما كان يجري في أوربا منذ بداية ما يسمى بعصر النهضة العربي، أن المفكرين النهضويين العرب والإسلاميين حاولوا إيجاد نوع من التزاوج بين الفكر النهضوي الأوربي والفكر الإسلامي وقد تحققت بعض النجاحات على يد الجيل الأول والجيل الثاني من المفكرين الإسلاميين النهضويين، لكن هذا التزاوج أخذ ينفك مع ولادة وانتشار الإسلام السياسي في النصف الأول من القرن العشرين ليصل حد القطيعة مع التيارات المتطرفة فيه في النصف الثاني من القرن العشرين. على العكس تحاول التيارات السياسية الإسلامية المعتدلة إعادة التكيف مع الخطاب الديمقراطي تحت ضغط التحولات العميقة التي جرت في العالم في العقد الأخير من القرن العشرين تحت راية الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ومنذ البداية لم يجد المفكرون الإسلاميون صعوبات جدية في مقابلة الديمقراطية بالشورى بعد تجريدهما من سياقهما التاريخي، وإعادة قراءة الشورى الإسلامية من موقع الديمقراطية الليبرالية. وهكذا تكونت في الحقل الفكري الإسلامي نظرية في الشورى تشكل في قراءاتها العديدة أساساً للحكم من وجهة نظر المشتغلين في الحقل الفكري والسياسي الإسلامي بمرجعية تراثية إسلامية يقابلون بها نظرية الديمقراطية الليبرالية كما تمخض عنها التاريخ الأوربي أو كما تجلت في القراءات المحلية لها بمرجعية فكرية ليبرالية. غير أن الديمقراطية غير الشورى فلكل منهما سياقه التاريخي ووظيفته المتميزة.
الشورى في المرجعية التراثية الإسلامية تنتمي إلى مجال الأخلاقيات السلوكية العامة، وليس إلى مجال السياسة، ولذلك لم يحسبها أحد من الفقهاء شرطا للحكم، ولم تكن ملزمة بطبيعتها. ومن المعروف أن معنى الشورى قد ورد في القرآن الكريم في آيتين: الأولى نزلت على أثر هزيمة المسلمين في غزوة أحد فحضت النبي على مشاورة أصحابه في شؤون الحرب " وشاورهم في الأمر وإذا عزمت فتوكل" (27). أما المعنى الآخر للشورى " وأمرهم شورى بينهم " (28) فقد ورد في سياق تعداد الصفات الأخلاقية التي يتمتع بها المؤمنون.
الثابت في التاريخ الإسلامي أن الخليفة لا مسؤولية له أمام الناس الذين بايعوه، بل أمام الله، وهناك آيات عديدة تؤكد ذلك وتطالب الناس بطاعته، " وأطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم" (29).
وهكذا عبر التاريخ تصير في التكوين النفسي والثقافي للعرب والمسلمين بصفة عامة نوع من الاستعداد والقبول بالحاكم ظالما كان أو عادلا. وقد ساهم في ذلك من بين عوامل عديدة ما يمكن تسميته بسلطة " تجنب الفتنة "، ولا زال هذا الاستعداد سائدا في التكوين النفسي للإنسان العربي المعاصر وله حضوره البارز في ثقافته وفي خطابه الأيديولوجي والسياسي وفي علاقاته ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
27-سورة آل عمران، الآية159.
28-سورة الشورى، الآية 38.
29- سورة النساء، الآية 59
الاجتماعية على مختلف المستويات، ويمكن قراءة ذلك من خلال ضعف الوعي بالديمقراطية وقلة الانشغال بها. فلا زال الخطاب السياسي والثقافي العربي على الضد من الديمقراطية بصورة عامة، وإن المثاقفات والمحاولات الجارية في الوقت الراهن لإبراز حضور الديمقراطية في الوعي العام لا يغير من هذه الحقيقة في شيء. الديمقراطية ليست أصيلة ولا متأصلة لا في ثقافتنا العامة ولا في وعينا ولا في حياتنا اليومية ولا في حياتنا السياسية ولا اختلاف في ذلك بين معارضة أو موالاة فكل منها وجه للأخر.
5- الديمقراطية وإمكانية تأويل النص القرآني.
إن ما يمكن تسميته بالوعي الاجتماعي الإسلامي قد تكون تحت تأثير عوامل عديدة، ربما كان تأثير النص القرآني من بينها هو الأضعف وذلك للأسباب التالية:
أ – إن لغة القرآن ليست مفهومة دائما وهي خاضعة للتأويل، لذلك يوجد فرق بين الدلالة اللغوية للنص والدلالة العرفانية له.
ب – القراءة المرتلة والمجودة للقرآن تخاطب المشاعر والعواطف أكثر مما تخاطب العقل.
ت – تأثير القرآن في تكوين الوعي الاجتماعي تتوسطه قراءات النص التي تحكمها مصالح مذهبية أو سياسية أو مادية، ولذلك فهي قراءات متعددة ومختلفة في غالب الأحيان.
ث –أن تأثير الحديث والسير والثقافة المذهبية والسياسية الإسلامية كانت الأقوى بسبب قربها من وعي الناس وقضاياهم اليومية.
ج – إن إغلاق باب الاجتهاد جعل التشريع الديني يتخلف عن قضايا العصر ومعطياته.
ح –إن التأثير الحاسم لثنائية الكفر والإيمان في وعي المتدين حملت دائما قيمة سلبية تجاه الآخر المختلف دينيا أو مذهبيا، لتنتقل من حقل المقدس الديني إلى جميع الحقول الاجتماعية الأخرى فتعم فيها. ويزداد تأثير هذه القيمة الانفعالية السلبية في ظروف التخلف السائدة في البلدان العربية والإسلامية، حيث تعصف بها الأزمات من كل نوع ولون، وخصوصا في الحقل الاقتصادي والسياسي.
من كل ذلك نخلص إلى استنتاج مبدئي وحاسم يفيد بان آليات اشتغال العقل الإسلامي بمرجعيته التراثية المتكلسة لا يستطيع أن ينتج معرفة أو يؤسس لعلاقات اجتماعية أو لممارسات سياسية تفلت من قبضة هذه الثنائية التي يمكن تعميمها بدرجات مختلفة على جميع الأديان والمذاهب، وعلى كل ممارسة اجتماعية أو سياسية بخلفية دينية (30).
الوضع يختلف عندما نقرا التراث الفكري الإسلامي من موقع الفكر النهضوي العلماني ذي الأبعاد القومية والإنسانية. من هذا الموقع الفكري التاريخي النقدي، إذا نظرنا في الخطاب الديني، في القرآن والحديث، أو في السير، أو في التاريخ الواقعي، سوف نجد شواهد عديدة يمكن أن تساهم في انفتاح الوعي الاجتماعي الديني السائد على قضية الديمقراطية وغيرها من القضايا الأخرى ذات الصلة.
سوف نحاول التوقف عند النص القرآني للبحث فيه عما يمكن أن يؤسس لمقولتنا السابقة، آخذين بالحسبان انه النص الذي لا خلاف عليه لدى جميع المذاهب والفرق الإسلامية في الوقت الراهن.
5-1-الحق بالحياة.
في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تحض على صون الحياة ومنع الاعتداء عليها فهي للإله وحده " وهو الذي أحياكم ثم يميتكم "(31)، وتوعد من يقتل نفسا بأنه سوف يصليه نارا حامية "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما*ومن يفعل ذلك عدوانا فسوف نصليه ناراً "(32).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
30-"الأحزاب والحركات والجماعات الإسلامية "، الجزء الأول، مرجع سبق ذكره ص 495 و 576 و601 و611 . أنظر أيضا نفس المرجع الجزء الثاني ص36-59 و708-709.
31- سورة البقرة، الآية (164) 32 -سورة البقرة، الآية (213)
ومع أن الخطاب القرآني قد منح ولي من يُقتل مظلوما سلطانا يخوله حق المطالبة بقتل القاتل إلا أنه نهى عن الإسراف في القتل " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ومن قُتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل "(33). وينهانا الله عن قتل أولادنا بسبب الضائقة الاقتصادية " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم.." (34). وقد صعد الخطاب القرآني من تشدده في ضرورة صون الحياة التي منحها للإنسان إلى درجة جعلها مبدأ دينيا مقدسا " من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " (35).
مما سبق ذكره، أصبح الشك جائزاً، بمدى مصداقية الحديث المنسوب إلى الرسول" من بدل دينه فاقتلوه ". فلدى التدقيق في جميع الآيات التي تناولت حكم المرتد وجدنا أنها تحصره في حساب الآخرة. ففي الحالات التي يرتد فيها المسلم عن دينه اكتفى الخطاب القرآني بتوعده دون أن يصل إلى حد إقرار عقوبة القتل كما هو سائد ومستقر في الاجتهاد الفقهي لدى مختلف المذاهب الفقهية، فتارة يحبط عمله " ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم " (36)، أو أن لا خلاق لهم " إن الذين يشترون بعهد الله وإيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة " (37)، أو يلعنه الله " وكيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم… أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " (38).
5-2-الحق في أن يعيش الإنسان كريما.
لم يكتف الخطاب القرآني بأن صان الحياة التي منحها الله للإنسان ووضع الضوابط والحدود التي أجاز في حال تجاوزها إزهاق هذه الحياة مثل القتل أو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
33 -سورة الأعراف، الآية (172). 34- سورة الأحزاب، الآيتان ( 7و8.)
35-سورة الكهف، الآية (29). 36 -سورة البقرة، الآية (217)
37- سورة آل عمران، الآية (77). 38-سورة آل عمران، الآيتان (86و87).
الفساد في الأرض والتي تشكل في قراءتها المعكوسة دعوة إلى حماية الحياة المستقيمة الفاضلة، بل خلقه مكرما وعزيزاً " ولقد كرمنا بني آدم…وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا " (39)، وفي أحسن صورة "ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم (40) وفي آية أخرى " وصوركم فأحسن صوركم " (41).
وقد بلغ الخطاب القرآني في تكريمه للإنسان حدا بأن جعل الملائكة تسجد له " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم.." (42)، وزاد في ذلك بأن جعله يفوقهم علما واستخلفه في الأرض " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء…. وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين*قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا.." (43).
ويصعد الخطاب القرآني في تكريمه للإنسان بأن فضله على العالمين " ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين " (44)، وحرره من خطيئته الأولى وتاب عليه ".. فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم "(45)
5-3-الحق في المعرفة.
يحتل خطاب العقل والمعرفة حيزا هاما ومبدئيا في النص القرآني مما يجعل الخلق الإنساني كاملا، فقد خلقه الله فأحسن خلقه، وصان حياتهن وكرمهن وفضله على العالمين، وميزه بالعقل والمعرفة " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار، والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
39-سورة الإسراء، الآية (70) 40- سورة التين، الآية (4).
41 - سورة غافر، الآية (64). 42 - سورة الإسراء، الآيتان (61و62) 43 - سورة البقرة، الآيات (30 إلى 32). 44-سورة الجاثية، الآية (72).
45- سورة البقرة الآيات من (34 إلى 37).

وتصريف الرياح، والسحاب المستمر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون " (46). وكانت أول آية نزلت في القرآن تحض الإنسان على العلم والتعلم " اقرأ باسم ربك الذي خلق* خلق الإنسان من علق* اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم* علم الإنسان ما لم يعلم " (47)، وفي آية أخرى " خلق الإنسان علمه البيان " (48).
5-4- الحق في حرية الاختيار وفي حرية العقيدة.
ما أكثر الآيات التي تؤكد على حرية الاختيار في الإسلام سواء تعلق ذلك بالدين والإيمان أو بغيرهما، وفي ذلك تصعيد لكمال الكينونة البشرية. فمنذ البداية يختار الإنسان خلافة الأرض وإعمارها ويتحمل مسؤولية ما اختار." إن عرضنا الأمانات على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان" (49). وإذا كان الإنسان ظلوما لنفسه فاختار مهمة أبت أن تختارها وتتحمل مسئوليتها السماوات والأرض والجبال، فلم يلزمه الخطاب القرآني بأن ينجز هذه المهمة بعقيدة الإيمان التي دعاه الله إليها، بل ترك له حرية الاختيار على أن يتحمل مسؤولية اختياره." وقل الحق من ربكم من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"(50). وخاطب رسوله قائلا " فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر" (51)، وقال أيضا " فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا، إن عليك إلا البلاغ " (52). وإذا كانت مهمة الرسول تنحصر في التبليغ فذلك لأن مشيئة الله اقتضت ألا يكره أحد على اختيار دينه " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " (53).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
46-سورة البقرة، الآية 164. 47-سورة العلق، الآيات (من 1 إلى 5).
48- سورة الرحمن، الآيات (3-4 ) . 49 -سورة الأحزاب، الآية (72).
50-سورة الكهف، الآية (29). 51-سورة الغاشية، الآيتان (21-22).
52- سورة الشورى، الآية (48). 53 -سورة يونس، الآية (99).
حرية الاختيار من المنظور القرآني كامنة في تكوين الإنسان، هي جزء لا يتجزأ من إنسانيته التي كرمها الله بحسن الصورة والعقل، " إن خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه، فجعلناه سميعا بصيرا * إن هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا " (54). وقال أيضا " من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها، ولا تزر وازرة وزر أخرى" (55). ويصعد الخطاب القرآني من موقفه من حرية الاختيار بحيث يجعلها مبدأ دينيا " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي " (56).
5-5-الحق في الاختلاف.
في الوقت الذي ركز فيه الخطاب القرآني على حرية الاختيار في العقيدة أو في سواها فإنه اهتم أيضا بالحق في الاختلاف الذي هو من النتائج المنطقية لحرية الاختيار. يقول الله في كتابه العزيز " يا أيها الذين أمنوا إن خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم " (57). وقال أيضا " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا … واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين " (58). ولا يقتصر الاختلاف على تنوع الجنس البشري وشكله وإمكانياته، بل تعدى ذلك إلى طريقة حياته ومناهجها " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا…إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون " (59). ورفع الخطاب القرآني من شأن حق الاختلاف إلى درجة جعله مبدأ في الحياة " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين " (60). وإن الحق في الاختلاف الذي شدد عليه الخطاب القرآني لا يعني التفرق والتنازع، بل خلق المناخ الملائم للوحدة القائمة على الحوار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
54-سورة الإنسان، الآيتان (2-3). 55-سورة الإسراء، الآية 15. 56- سورة البقرة، الآية (256). 57 -سورة الحجرات، الآية (13).
58-سورة الروم، الآيتان 21-22 59 -سورة المائدة، الآية48.
60- سورة هود، الآيتان (118-119).
والتعاون، على أن يكون معيار التفضيل والتمايز هو استباق الخيرات وحسن العمل " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما أتاكم فاستبقوا الخيرات" (61). ويقول " إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون "(62). وقال أيضا " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا.. ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" (63). ويأمر الله رسوله " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" (64). ويأمره بأن يقول لعباده أن يقولوا التي هي أحسن " وقل لعبادي أن يقولوا التي هي أحسن " (65)، فالله يريد بهم اليسر " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " (66). وفي مجمل الأحوال ينبه الله رسوله أن يتقيد حدود التذكير ولا يتجاوزها " فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر " (67). وفي إطار مناخ الحوار يحدد الخطاب القرآني قواعده، والسلوك الذي على المتحاور أن يتقيد به، فلا يجوز أن يسخر قوم من قوم، ولا أن يدعوا لأنفسهم فضلا على غيرهم، ولا أن يتنابذوا بالألقاب " إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون* يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا بالألقاب…* يا أيها الذين أمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه.." (68). ويقول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
60-سورة المائدة الآية (48) 61-سورة البقرة، الآية (62).
62-سورة آل عمران، الآيات (103 إلى 105). 63- الإسراء، الآية (53). 64-الإسراء، الآية (53). 65- سورة البقرة، الآية (185).
66-سورة الغاشية، الآيتان (21-22) 67-سورة الحجرات الآيات(10إلى13). 68-سورة آل عمران، الآية (104)
أيضا "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر…)) (69).
5-6-الحق في العدل.
الحق في حرية الاختيار والحق في الاختلاف ومنهاج الحوار وغيرها مما يدعو إليه الخطاب القرآني لا تكتمل بدون أن تؤسس على العدل. فالعدل هو ركن أساسي في الخطاب القرآني يرقى إلى مستوى المبدأ الديني المقدس. يقول الله في كتابه العزيز آمرا رسوله " وقل أمنت بما انزل الله من كتاب وأُمرت لأعدل بين الناس الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم "(70). وفي آية أخرى يقول" وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين" (71). وخاطب داوود " يا داوود إن جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى " (72).
وينتقل الخطاب القرآني من حالة التخصيص إلى حالة التعميم " وإن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل " (73). وفي آية أخرى" إن الله يأمركم بالعدل والإحسان " (74). ويفصل الخطاب القرآني في نطاق العدل فيقول " يا أيها الذين أمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين، إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا " (75). وهناك العديد من الآيات الأخرى تؤكد جميعها على المكانة الرفيعة التي يحتلها العدل في الخطاب القرآني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
69- سورة الشورى، الآية (15) 70- سورة المائدة، الآية (43).
71- سورة ص، الآية (26). 72- سورة النساء، الآية (58).
73- سورة النحل، الآية (90). 74-سورة النساء، الآية (135).
75- الجابري، محمد عابد، " الديمقراطية وحقوق الإنسان " ، (بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية ،1997) ،الطبعة الثانية. علما أننا نختلف معه في بعض ما ذهب إليه.
ثمة في النص القرآني العديد من الشواهد الأخرى التي تسمح لنا، من موقع الفكر التاريخي النقدي، أن نقرا فيها دعوات صريحة لحب الحياة، والتمتع بها، وعمران الكون الذي استخلفنا الله فيه، وإقامة نظام اقتصادي واجتماعي يتيح لمواطنيه أن يتنافسوا فيما بينهم استباقا للخيرات والعمل الصالح (76).
6- النص القرآني ومسألة التكفير.
في الخطاب الديني استسهال لافت لتكفير الآخر المختلف أو المخالف، استسهال نمى وترعرع في الحقل الديني لينتقل بعد ذلك إلى جميع الحقول الأخرى السياسية والثقافية والاجتماعية. والذي يدعو إلى الاستغراب في سهولة تكفير المخالف في مجال الدين أو المذهب أو غيره مما يخرج عن نطاق المقدس، هو افتقاره إلى السند القوي في النص القرآني. بل على العكس حدد النص القرآني على وجه اليقين المرجعية الوحيدة للفصل بين كون الإنسان مؤمنا أم كافرا وهي الله وحده. فعندما " ينفخ في الصور " (77)، سوف يجمع الله الناس إلى يوم لا ريب فيه " فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه " (78)، وهو لا يخلف الميعاد " ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد " (79)، فهو الذي " كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه " (80)، وإن " وعد الله حق وان الساعة آتية لا ريب فيها" (81). في ذلك اليوم سوف تجد كل نفس ما عملت " يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء" (82)، وعندئذ " تبيض وجوه وتسود وجوه " (81). في ذلك اليوم " الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم " (82)، ولا ينفع عندئذ نسب ولا قرابة " فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون* فمن ثقلت موازينه فأولئك هم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
76- سورة الكهف، الآية (94). 77-سورة آل عمران، الآية(25).
78-سورة آل عمران، الآية (6). 79-سورة الأنعام، الآية (12).
80-سورة الكهف الآية (21). 80- سورة آل عمران، الآية (30).
81- سورة آل عمران، الآية (106). 82- سورة الحج، الآية (56).
المفلحون* ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون " (83)، فكل نفس سوف تجزى " بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب" (84).
ومع أن الله يحيط بكل شيء علما ففي الآخرة يأتي بكل نفس وشاهدها معها " وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد" (85)، بل وكل أمة ومعها كتابها " وترى كل أمة جاثية، كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون" (86)، فلكل دينه " لكم دينكم ولي دين " (87). ثم ألم يعلم أولئك الذين يستسهلون التكفير أن الله يغفر الذنوب جميعا إلا أن يشرك به "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن شاء " (88)، فهو "غافر الذنب قابل التوبة" (89)، وهو" الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات" (90). وان المؤمنين موجودون في مختلف الديانات وأن الله وعدهم خيراً " إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون "(91).
أين نحن من كل ذلك؟ ألا يرعوى أولئك الذين يستسهلون تكفير الناس لاختلاف في الدين أو المذهب أو في الرأي. ومتى يمتنع المتطرفون منهم عن قتل الناس وهم يعلمون أنه " ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ " (92)، وأن من يتعمد القتل فجزاؤه جهنم " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها " (93). ألم يحن الوقت لتغليب روح الحوار والتعقل " أدفع بالتي هي أحسن السيئة "(94)، فلا " تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
84-سورة المؤمنون، الآيات (101 إلى 103). 85 -سورة غافر، الآية (17).
86- سورة ص الآية (21) 87- سورة الجاثية، الآية (28)
88- سورة الكافرون، الآية (6). 89 -سورة النساء، الآية (48).
90-سورة غافر، الآية (3). 90- سورة الشورى، الآية (25).
91- سورة البقرة، الآية (62). 92- سورة النساء، الآية (92).
93- سورة النساء، الآية (93). 94- سورة المؤمنون، الآية (96).
فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم " (95). وأن نتعاون فيما فيه الخير العام " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " (96)، فالله " لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " (97).


















ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
95- سورة فصلت، الآية (34) 96 - سورة المائدة، الآية (2).
97-سورة الرعد، الآية (11).



#منذر_خدام (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الراب ...
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ...
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثان ...
- رهانات الاسد والسقوط الكبير
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ...
- العرب والعولمة( الفصل السادس)
- العرب والعولمة( الفصل الخامس)
- العرب والعولمة( الفصل الرابع)
- العرب والعولمة( الفصل الثالث)
- العرب والعولمة(الفصل الثاني)
- العرب والعولمة( الفصل الأول)
- العرب والعولمة( مدخل)
- العرب والعولمة(مقدمة)
- في المنهج-دراسة نقدية في الفكر الماركسي( الفصل الحادي عشر)
- في المنهج-دراسة نقدية في الفكر الماركسي( الفصل الهاشر)
- في المنهج-دراسة نقدية في الفكر الماركسي( الفصل التاسع)
- في المنهج-دراسة نقدية في الفكر الماركسي( الفصل الثامن)
- في المنهج-دراسة نقدية في الفكر الماركسي( الفصل ااسابع)
- في المنهج-دراسة نقدية في الفكر الماركسي( الفصل السادس)
- في المنهج-دراسة نقدية في الفكر الماركسي( الفصل الخامس)


المزيد.....




- كيف أصبح البابا فرنسيس أيقونة موضة غير متوقعة؟
- انتحار فيرجينيا جيوفري.. مُتهِمة الأمير البريطاني آندرو ومن ...
- بطائرة درون حرارية.. شاهد ما يفعله هذا المصور لإيجاد الحيوان ...
- بعد لقاء ويتكوف مع بوتين.. ترامب: روسيا وأوكرانيا -قريبتتان ...
- DW تتحقق: ناشرو الأكاذيب والمعلومات المضللة يستهدفون البابا ...
- دراسة: النوم الكافي يدعم بقوة المراهقين على التحصيل الدراسي ...
- آبل تحذر مستخدمي آيفون من تطبيق شهير
- شي: الذكاء الاصطناعي يحمل مخاطر وتحديات غير مسبوقة
- لليوم الثاني على التوالي... الهند وباكستان تتبادلان إطلاق ال ...
- -حماس-: المفاوضات مستمرة ولن نقبل بصفقات جزئية


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف
- أنغام الربيع Spring Melodies / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - منذر خدام - أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الخامس)