صباح حزمي الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 8323 - 2025 / 4 / 25 - 11:20
المحور:
الادب والفن
عام 2002 وردت اشارة الى السفارة من احدى الطالبات العراقيات في المدرسة الدولية في جنيف بأنهم يعرضون فيلما باللغة ألأنكليزية في درس ألأعلام فيه أساءة للرئيس العراقي , حيث أنهم يظهرونه مع ستالين وموسوليني وهتلر , ويقدمون شرحا لحياة كل منهم , وقد أتصل بي أحد المسؤولين في الدولة , وأبلغني بضرورة متابعة الموضوع بسرعة والعودة الية لأبلاغه النتائج , قمت بزيارة مدير المدرسة بعد ان تهيأت جيدا واستحضرت أشد عبارات اللوم والتقريع , لأخاطب أدارة المدرسة فيها لخروجها عن الحياد المفترض ان تلتزم به في دروسها , ولكني فوجئت ان الفلم ليس كما فهمته هذه الطالبة , وأنما يشرح كيف يقوم ألأعلام بشيطنة الشخصيات التي يعاديها , وأن ورود اسم الرئيس العراقي كان دفاعا عنه لا كما نقل الى المسؤول الذي أتصل بي .
أوضح مدير المدرسة الدولية , كيف تحرق نيران الإعلام الشخصيات بالشيطنة , شارحا ان عملية الشيطنة في سياق الإعلام , استراتيجية تهدف إلى تشويه صورة شخص أو مجموعة أو فكرة معينة بشكل ممنهج , وأن هذه العملية ليست جديدة , ولكن تأثير الإعلام الحديث , خاصة الرقمي , جعلها أكثر انتشارًا وقوة , وتتكون آليات الشيطنة الإعلامية بأستخدام طرق التضخيم والتشويه , وكيف يتم انتقاء جوانب سلبية أو أفعال معينة وتضخيمها بشكل مبالغ فيه , بينما يتم تجاهل أو التقليل من أي جوانب إيجابية , أضافة الى التعميمات السلبية , وكيف يتم إطلاق أحكام عامة وسلبية على الشخص أو المجموعة بناءً على أفعال فردية أو حالات محدودة , والربط السلبي , حيث يتم ربط الشخصية المستهدفة برموز أو أفكار سلبية ومرفوضة اجتماعيًا , والتجريد من الإنسانية, بأن يتم تصوير الشخصية المستهدفة بطريقة تجعلها تبدو أقل إنسانية , مما يسهل كراهيتها أو العنف ضدها , واستخدام الصور النمطية السلبية , بالأعتماد على قوالب جاهزة وسلبية لترسيخ صورة نمطية بغيضة في الأذهان , وبالتكرار والإلحاح الذي يساهم في ترسيخ كراهية الشخصية في الوعي الجمعي.
في إحدى المرات زار ستالين أحد مصانع النسيج في لينينغراد , و لشدة خوف إدارة المصنع من شخصيته و جبروته , قامت بتكليف أحد صغار المهندسين ليشرح لستالين عملية الإنتاج و التوزيع و التسويق للمصنع و الرد على تساؤلاته , وقد نفّذ هذا المهندس الصغير التكليف بكل جرأة و معرفة و نجاح , إلى درجة أدهشت ستالين و إدارة المصنع , و فور انتهاء زيارة ستالين لمدينة لينينجراد و عودته إلى مكتبه في الكرملين بموسكو أصدر قرارا بتعيين هذا المهندس الصغير وزيرا لصناعة الغزل والنسيج في الاتحاد السوفيتي , و شهدت صناعة الغزل و النسيج تطورا ملحوظا في عهده , لقد كان ذلك المهندس الصغير هو ( ألكسي كوسجين ) الذي أصبح فيما بعد أشهر و أنجح رئيس وزراء عرفه الاتحاد السوفييتي , وقرب نهاية الحرب العالمية الثانية إستدعى الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر أحد كبار مستشاريه الهندسيين الذي عمل معه طيلة سنوات الحرب و أمره بإعداد كشف بأمهر المهندسين المتخصصين الألمان في كل المجالات , و إحضاره إليه في أسرع وقت , وعندما نفذ المستشار الهندسي الطلب و أحضر القائمة الى هتلر أمره هتلر بأن يأخذهم جميعا في عربات إلى مكان حدّده له بعيدا عن التعرّض لخطر الحرب , و قال له : هذا المكان هو الأكثر أمنا في ألمانيا , وعليك أن تحتفظ بهم فيه و ترعاهم وحسب ,غير أن هتلر تعرض لأنتقادات و اعتراضات القيادات النازية المدنية و العسكرية الذين هاجوا أمام هذا التصرف من هتلر و أخبروه أنهم في أمسّ الحاجة لهؤلاء المهندسين و لا يستطيعون الإستغناء عنهم في الوقت الذي يخوضون فيه معارك مصيرية مع العدو , ولكن هتلر أصرّ على قراره و قال لهم : إن الوقائع تشير الى احتمال خسارتنا للحرب , وأن ألمانيا تحتاج إلى هؤلاء أكثر من حاجتنا لهم , فهم الذين سيعمرّونها بعد الحرب , ويعيدون ألمانيا كما كانت , و ذلك هو ما تحقق فعلا , فبعد أن انتهت الحرب بخسارة ألمانيا إستعان المستشار الألماني ديناور الذي جاء بعد هتلر بأولئك المهندسين الذين أعادوا إعمار ألمانيا و أصبحت ألمانيا خلال عشرين عاما من أقوى دول العالم إقتصاديا , و عادت إلى وضعها الذي كانت فيه قبل الحرب بل أحسن منه , وهكذا نستنتج ان ستالين و هتلر اللذان صورهما ألأعلام الفربي من أسوأ الطغاة , اتضح أنهم كانوا يحبّون وطنهم و يفكرون فيه طيلة الوقت.
تعني الشيطنة الدعاية السلبية المكثفة , وضخ كم هائل من المعلومات السلبية والمغلوطة عن أشخاص وكيانات , هذا المصطلح موجود ومستخدم قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي , وحينها الإعلام التقليدي كان يلعب دورًا مختلفًا في هذه العملية , فشيطنة المختلف , وتشويه صورته , تعد من أهم أدوات الكارهين لغيرهم , ويعدونها ضرورة من ضروريات تعبئة الناس على بعضهم البعض , وإضعاف معنويات المختلف سواء كان الاختلاف في الفروع أو حتى في الثوابت , ويقف خلف هذه الشيطنة وهذا التشويه وذاك التهجم أطراف عديدة , تحركهم دوافع ومصالح وأهداف فكرية , ويعملون ليل نهار على شيطنة الآخر, وربما تجريمه , ﺇﻥ (( ﺍﻟﺸﻴﻄﻨﺔ )) ﻫﻲ ﺃﺧﻄﺮ ﺍﻷﺳﻠﺤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ﺃﻋﺪﺍﺀ ﺃﻣّﺘﻨﺎ ﻓﻲ ﺣﺮﺑﻬﻢ ﻋﻠﻴﻨﺎ , ﺷﻴﻄﻨﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﺿﻠﻴﻦ ﻭﺍﻟﺸﻬﺪﺍﺀ , ﺷﻴﻄﻨﺔ ﺍﻟﺮﻣﻮﺯ ﻭﺍﻟﻘﺎﺩﺓ , ﺷﻴﻄﻨﺔ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ , ﺷﻴﻄﻨﺔ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﻭﺍﻷﻣﻢ , ﻷﻥ ﻫﺬﻩ (( ﺍﻟﺸﻴﻄﻨﺔ )) ﺗﻘﻴﻢ ﻣﺘﺎﺭﻳﺲ ﺍﻟﻌﺪﺍﺀ ﻭﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺃﺑﻨﺎﺀ ﺍﻷﻣّﺔ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ , ﻭﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ , ﻭﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ , ﻭﺗﺼﺮﻑ ﺃﻧﻈﺎﺭﻧﺎ ﻋﻦ ﺃﻋﺪﺍﺋﻨﺎ ﻭﻫﻢ ﺃﺧﻄﺮ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻬﺪﺩ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ , ﻭﺃﺧﻄﺮ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺳﻼﺡ (( ﺍﻟﺸﻴﻄﻨﺔ )) ﺃﻧﻬﻢ ﻳﻨﺠﺤﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻣﻨﺎ ﺿﺪ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﺍﻟﺒﻌﺾ , ﻓﻴﺴﺘﺪﺭﺟﻮﻥ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺷﻴﻄﻨﺔ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺍﻵﺧﺮ, ﺣﺘﻰ ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﻓﺮﻏﻮﺍ ﻣﻦ ﺷﻴﻄﻨﺔ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﻋﻤﺪﻭﺍ ﺇﻟﻰ ﺷﻴﻄﻨﺔ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺍﻵﺧﺮ ﻣﻤﻦ ﻭﻗﻊ ﻓﺮﻳﺴﺔ ﺧﺪﺍﻋﻬﻢ , ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺗﺘﻮﺍﺻﻞ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﺼﺒﺢ ﺃﻋﺪﺍﺅﻧﺎ ﺃﺳﻴﺎﺩﺍً ﻋﻠﻴﻨﺎ .
تبًّا للطغاة الذيول , لا هم ينفعون كطغاة عظماء , ولا هم ينفعون كوطنيين حقيقيين , فأن آخر ما يفكر به السياسيين والحكام العرب أوطانهم , هَمّهُم الوحيد كيف يسرقون قوت شعوبهم , ومستقبل أولادهم و يستنزفون مقدّرات بلدانهم لأسيادهم خارج الحدود .
#صباح_حزمي_الزهيري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟