|
سرد الأحلام : آلية للتحوّل النفسي والتمرّد الاجتماعي في رواية ( حكايات عزيزة ) للأديب المصري منير عتيبة دراسة ذرائعية مستقطعة بقلم الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي
عبير خالد يحيي
الحوار المتمدن-العدد: 8323 - 2025 / 4 / 25 - 00:07
المحور:
الادب والفن
"أدب المنامات: هو لون أدبي نثري ظهر في الأدب العربي في القرن السادس الهجري، يجمع فيه الكاتب ألوانًا من الخيال والهزل والسخرية والتهكم في زمكانية خاصة، وفي قالب أدبي رصين متحرّرًا من سلطة الواقع وعين الرقيب، فيقول الكاتب ما لم يستطع قوله في الواقع أو يصعب عليه قوله، إذ يوجه فيه إسقاطات سياسية واجتماعية في عالم عجائبي يصنعه خيال الكاتب، ويكثر فيه من الاستعارات والتشبيهات والكنايات بأنواعها، حيث يبدأ مطلع المنامة بقوله ( رأيت فيما يرى النائم ) ثم يكمل ما أراد الكاتب كتابته وكأنه حلم من أحلامه." أمّا سرد الأحلام: فهو تقنية سردية تُستخدم في الأدب لتقديم الأحلام بوصفها جزءًا من بناء القصة، حيث تتداخل مع الواقع بطريقة تُثري الحبكة وتعزّز البعد النفسي للشخصيات. يمكن أن يكون الحلم أداة لاستكشاف الرغبات المكبوتة، أو كشف الصراعات الداخلية، أو حتى تقديم رموز تعكس معاناة الشخصيات أو واقعها الاجتماعي. - دور سرد الأحلام في الرواية: 1. كأداة لاستكشاف النفس: الأحلام تكشف عن الدوافع العميقة للشخصيات، وتُظهر الصراعات التي قد لا تبوح بها في وعيها اليومي. 2. كوسيلة للسرد الرمزي: الأحلام تُستخدم للتعبير عن أفكار مجردة أو مشاعر معقدة من خلال الصور الغرائبية أو الرمزية، مما يفتح المجال لتأويلات متعددة. 3. للتنبؤ أو التلميح: في بعض الأحيان، يُستخدم الحلم كأداة للتنبؤ بالمستقبل أو الإيحاء بأحداث قادمة، ممّا يعزّز التشويق ويدفع القارئ للبحث عن الروابط بين الحلم والواقع. 4. للتداخل الزمني: يمكن أن يكون الحلم جسرًا بين الماضي والحاضر والمستقبل، ما يسمح بتمثيل الذاكرة واللاوعي في بنية السرد. - التقنيات المستخدمة في سرد الأحلام: التشظي الزمني: يتمّ تقديم الحلم كمشهد غير خطي، حيث تختلط الأزمنة والأحداث. اللغة الشعرية والمجازات: تُستخدم لغة ذات طابع تصويري أو شعري لتعزيز الطابع الغرائبي للحلم. التلاعب بالمنظور السردي: قد يكون الحلم من وجهة نظر الشخصية، أو يُعرض من منظور خارجي يشبه الحلم السينمائي. - علاقته بالصراع النفسي والاجتماعي سرد الأحلام في الرواية لا يكون مجرد استراحة سردية، بل يعكس في كثير من الأحيان الصراع النفسي للشخصيات أو يعبر عن قضايا اجتماعية أعمق. فالأحلام قد تمثل مساحة للهروب، أو العجز، أو حتى المقاومة الرمزية ضد واقع قاسٍ.
• تجنيس العمل : العمل المتناول في الدراسة والمعنون ب ( حكايات عزيزة) للأديب منير عتيبة هو رواية تنتمي إلى هذا الفن المسمى(سرد الأحلام)، وهي مفتوحة على البعدين : الواقعي والخيالي، لها خصائصها اللغوية والبصرية والدلالية والإيحائية وأنساقها الثقافية النفسية والاجتماعية والغرائبية التي تؤثّر وتتأثر بطبيعة الأحلام نفسها.
• البؤرة الستاتيكية : اعتمد الكاتب في كتابة هذا العمل الروائي استراتيجية مزاوجة السرد الواقعي والمتخيّل، وهي استراتيجية تعمل على تحويل المشاهد الواقعية إلى مشاهد متخيّلة، عبر تضفيرها في سياقات تخيلية موحّدة، ويلجأ الكاتب للمتخيّل من أجل خلق عوالم مغايرة أو عوالم بديلة يبدأ منها المزاوجة، والسبب أن هذا الواقع كان منهِكًا للأشخاص، ومؤلمًا بما فيه من معاناة عميقة، وتجعله مربكًا لأشخاص يعجزون عن فهم تعقيداته، فلا يجدون ملجأً- لفهم الكم الهائل من الأسئلة الوجودية وإبهامات الواقع التي تُشكِل على عقولهم- إلّا من خلال الهروب إلى عالم متخيّل تجعلهم يتقبّلون لا معقولية الواقع. تتميّز هذه الاستراتيجية الإبداعية بأن السرد الواقعي فيها يكون مقنعًا بدرجة كبيرة، تُروى فيه الحقائق على شكل قصة تهتم بالتركيز على دقّة المعلومات الواردة، حول الأحداث والمضامين، وذكر العناوين الأساسية والفرعية للنص، وهذا مُحقَّق إلى درجة كبيرة في هذا العمل. وقد اختار منير عتيبة عالم الأحلام، وتحديدًا السبات أو الاحتضار، وهو عالم متافيزيقي، ليكون العالم البديل والمفسِّر لمأساوية وإبهام العالم الواقعي. يطرح الكاتب في هذا العمل العديد من القضايا والمشكلات الاجتماعية منها مثلًا: إرغام البنات على الزواج، مشاكل الميراث بين الأخوة، الغيرة والطمع والشك والقهر والأحقاد الإنسانية، المرض، الحاجة والفقر، الغربة والاغتراب، المعاناة النفسية والضغوطات التي تكسر روح المرأة والرجل على حدّ سواء، والسفر لأجل لقمة العيش، العشق والحب، الموت والحياة، وغيرها من الإشكالات الوجودية والإحباطات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي تعاني منها الأسرة العربية.
• الخلفية الأخلاقية والرسالة المجتمعية : إن الرسائل في الرواية تشير إلى مواقف اجتماعية ونفسية أعمق، وهذا يعكس قدرة الرواية على استخدام الغرائبية والتداخل بين الواقع والحلم ليس فقط لتسليط الضوء على الصراع الشخصي الداخلي للشخصية، بل أيضًا لتفكيك الصراعات الأوسع في المجتمع. يمكن أن تكون هذه الرواية بمثابة نافذة لفهم التوترات الاجتماعية والنفسية التي يعاني منها الأفراد في ظلّ ضغوطات بيئتهم الثقافية أو الاجتماعية.
• على المستوى البصري: - العنوان : ( حكايات عزيزة) لو أن منير عتيبة عنون روايته ب ( أحلام عزيزة ) أو(منامات عزيزة) لأحالنا إلى السرد القصصي، على اعتبار الحلم في القصة القصيرة هو القصة كلها، بمقتضى الوعي الثقافي الساند المتكوّن في أذهاننا عن التجارب الإبداعية السابقة، لكنه كان مراوغًا بقصدية حين اختار عنوان روايته؛ لأنه أراد الإحالة إلى المبنى الحكائي والثرثرات النسائية المعروفة؛ لذلك- خلف هذا العنوان النصّي المكثف- يواري منير عتيبة الفضاء الروائي الشاسع. دلاليًا (المعنى اللغوي): "حكايات" تشير إلى تعدّد القصص أو السرديات داخل الرواية، ممّا يوحي بأنها قد تحتوي على مجموعة من الحكايات المترابطة أو المتفرّقة. "عزيزة" قد يكون اسم شخصية محورية، أو قد يكون وصفًا للقيمة المعنوية للحكايات نفسها، أي أنها غالية أو ثمينة. رمزيًا: إذا كان "عزيزة" اسم شخصية، فقد يكون اختيار هذا الاسم دالًّا على صفة القوة أو المكانة الخاصة لهذه الشخصية ضمن الأحداث. أما إذا كان صفة، فقد تحمل الرواية دلالة على حكايات لها أهمية وجدانية أو اجتماعية، ربما ترتبط بالحنين، الفقد، أو التجارب المؤثرة. وظيفيًا في النص: العنوان يوحي بأن الرواية قد تكون سيرة ذاتية أو رواية تأريخية تُروى من وجهة نظر شخصية معينة. قد يكون هناك تنوّع في الحكايات داخل النص، بحيث تشكّل كل حكاية جزءًا من فسيفساء أوسع عن الحياة أو عن تجربة عزيزة. ذرائعيًّا: يمكن اعتبار العنوان مفتاحًا لفهم الخلفية الأخلاقية للرواية، فقد يكون التركيز على القيم والعبر المستخلصة من هذه الحكايات. من الناحية الديناميكية: العنوان جذّاب لأنه يثير الفضول حول ماهية الحكايات وهوية "عزيزة"، ممّا يجعل القارئ يتساءل عن العلاقة بينهما. "حكايات عزيزة" عنوان بسيط لكنه يحمل معانٍ متعدّدة، فهو يوحي بتعدّد السرديات، ويركّز على شخصية قد تكون محورية أو على قيمة خاصة للحكايات نفسها. مدى توافق العنوان مع مضمون الرواية يعتمد على طبيعة القصص المطروحة داخلها، وهل تعكس حقًا حكايات شخصية تدعى "عزيزة" أم أن الاسم مجرّد دلالة رمزية - الغلاف : أن يكون الغلاف الأمامي والغلاف الخلفي متوحّدًا بلوحة بصرية، باختلاف الألوان، هذا ابتكار يُحسب للكاتب، وهو فعل إجرائي مقصود، يقدّمه كدلالة لها إيحاءها الرمزي، وأراها لا تنفصل عن الدلالة الكبرى للمتن الروائي؛ كون الأحداث الروائية هي أحداث أحلام غير مترابطة، أي بزمكانيات مختلفة، لكنها تعرّضت لعامل تذكير مستفز أتاها من العالم الخارجي؛ فولّد ثقلًا على اللاوعي ليطردَ بعض الأحداث خارج حدوده، مارًّا بالحاجز ومتجهًا نحو الوعي فصار حلمًا، والأحلام تأتي بلا مقدّمات ولا نهايات، لا تختلف فيها البداية عن النهاية إلّا بالفعل الإجرائي، فالبداية تستلزم فعل النوم، والنهاية تستلزم فعل الاستيقاظ، وهذا يوضّح قصدية الكاتب بتوحيد لوحة البداية ( الغلاف الأمامي) والنهاية ( الغلاف الخلفي) مع اختلاف دلالي لوني يشير إلى الفعل الإجرائي. - المتن الروائي: بعد فصل استهلال لا يتجاوز الصفحة الواحدة، قسّم الكاتب المتن الروائي إلى أربعة أقسام، عنونها الكاتب بالعناوين التالية: 1. حكايات البيوت: عنوان يجمع بين الطابع السردي ( الحكايات)والطابع المكاني/ الاجتماعي( البيوت)، ما يجعله جذابًا ومفتوحًا على تفسيرات وتأويلات عديدة، يمكن أن يعكس مضمونًا مرتبطًا بالحنين، الذكريات، أو حتى التحوّلات الاجتماعية التي تؤثّر على مفهوم " البيت". 2. حكايات الحب والرغبة: عنوان يوازن بين العاطفي والجسدي، بين الروحاني والحسّي، ممّا يفتح المجال لسرديات متنوعة قد تتراوح بين الرومانسية العميقة والتجارب الجريئة. وهو عنوان يوحي بالتأمل في العلاقات الإنسانية من منظور نفسي واجتماعي، مما يجعله عنوانً جاذبًا للقراء المهتمين بهذا النوع من السرد. 3. حكايات الكائنات: عنوان يفتح أفقًا واسعًا من التأويلات، ويمكن أن يرتبط بالسرد الفلسفي، الرمزي، أو الخيالي. يمنح مساحة كبيرة للكاتب لاستكشاف مختلف أنواع الوجود، سواء من منظور بشري أو غير بشري، ممّا يجعل العنوان مثيرًا لفضول القرّاء المهتمين بالسرديات غير التقليدية. 4. حكايات المرض والموت: عنوان مباشر، لكنه محمّل بأبعاد فلسفية وإنسانية ممّا يجعله بوابة لسرديات تتناول المعاناة، الفقد، والمواجهة مع الفناء. قد تتراوح الحكايات بين التأمّلات الشخصية، والسرديات الواقعية، أو حتى الطابع الرمزي والخيالي، ممّا يمنح الرواية طابعًا نفسيًّا وجوديًّا قويًّا. وهكذا، أشبع الكاتب كل قسم بالثيمة المختزَلة بعنوانها، وكل ما يتعلّق بالثيمة من رموز تقنية، سأتكلّم عن ذلك في المستوى الديناميكي. التنسيق البصري والمطبعي للفقرات جيد.
• المستوى اللغوي والجمالي: مستوى لغوي وجمالي عالٍ، حيث تتّسم اللغة بالسلاسة والانسيابية، مع استخدام أسلوب سردي يتّسم بالحيوية والتشخيص. وفيما يلي تحليل للمستوى اللغوي والجمالي: 1. المستوى اللغوي: يستخدم الكاتب لغة واضحة ومباشرة لكنها تحمل أبعادًا دلالية عميقة، حيث تعتمد على الوصف الحسّي والتفاصيل الدقيقة لتعزيز المشهد. المفردات، بالمجمل، منتقاة بعناية لتعكس مشاعر الشخصيات وتنقل حالة نفسية داخلية باستخدام ألفاظ بسيطة لكنّها مؤثّرة. الجمل متنوعة في الطول والبنية، ممّا يخلق إيقاعًا سرديًا مشوّقًا. فهناك جمل قصيرة تعكس لحظات التوتّر أو التأمّل، وجمل أطول ترسم المشاهد بشكل أكثر تفصيلًا. 2. المستوى الجمالي: الوصف الحيّ والتصوير البصري القوي: يعتمد الكاتب على صور حسّية واضحة، مثل وصف ملامح الشخصيات، وتفاصيل المكان ممّا يجعل القارئ يتخيّل المشهد بسهولة. " شقة من ثلاث حجرات وصالة، مطبخ صغير وحمام أصغر، طوب أحمر بلا محارة ، تعشش العرسات بين قوالبه، لا أبواب، ولا شبابيك، لا بلاط، قاعدة الحمّام بلد، حوض صغير به كسر واضح." ص 23 تشخيص الجمادات: بحيث تعكس وتتماهى مع الحالة النفسية للشخصية. "جرت تريد أن تحتضن حنفية المياه الكبيرة، صديقتها وكاتمة أسرارها، .... تشكو لها ما بها من هموم.." ص76 الإيقاع العاطفي والتدرج في المشاعر: حيث تبدأ كل المشاهد بحالة شعورية ثم تنتقل إلى حالة تأمّلية وصولًا إلى حالة سلوكية تتناسب مع الحالتين، ثم العودة إلى التأمّل في الموت والزوال. هذا التحوّل العاطفي يعزّز التفاعل العاطفي للقارئ. " شعرت وكأن الماسورة تهتز بين يديها، تنهنه، فتحت المياه‘ فتدفّقت مالحة شديدة المرارة، لم تصدّق أن الحنفية تعاطفت معها إلى درجة أن تبكي بكل هذه الدموع المالحة... عرفت الآن سبب البكاء المر، كانت الحنفية تبكي ذاتها إذ خلعوها بعد ثلاثة أيام..." ص 77 الأسلوب: يتميّز بلغة جميلة تمتزج بين البساطة والعمق، ويعتمد على التوصيف الحسي والوجداني، ممّا يجعله مؤثرًا وقادرًا على إيصال المشاعر بشكل قوي. • المستوى المتحرك : الحلم هو نتاج لا واعي، يحدث من تسرّب لأحداث من اللاوعي نحو الوعي في حالة النوم، وعندما تعبر الأحلام الجدار الفاصل ( GUARD) بين الوعي واللاوعي تكون أحداثًا ميتافيزيقية غير واعية، لأنها تحدث في وضع النوم، لهذا السبب يصرف الإنسان جهدًا لتذكّرها عندما يصحو من نومه، وأحيانًا ترتقي هذه الأحداث إلى رؤى عندما ينشغل اللاوعي بالتركيز على أحداث مهمة في حياة الفرد، لذلك تكون أحداث الحلم مشابهة لأحداث حقيقية، عندها نسميها بالرؤيا. - عن العلاقة بين الحلم والأدب: يقول( إيريك فروم) الحلم هو إبداع الحالم، معتبرًا الحلم مادة إبداعية تفرض نفسها على الإنسان أثناء النوم، ولا يمكن تجاهلها في اليقظة، وآلية عملها مشابهة لآلية إنتاج الكتابة الإبداعية، مدخلاتها مأخوذة من التجارب الواقعية التي أثّرت في العمق الإنساني، فأنتجت لنا منها القصص والروايات، باستخدام فني مميز لمنظومات الرموز والتخييل والدلالات والعلامات، وهو إنتاج حدثي فنّي يحاكي الواقع، لكنه ليس حدث الواقع قطعًا. الحلم في الرواية له وظيفة في خدمة الفضاء الروائي وتوسيع أفقها الدلالي، وأثره محدود بتحقيق وظيفته، ثم يذوب بعدها داخل الفضاء الروائي، باعتباره عنصرًا من عناصره. أما في القصة القصيرة، بالنظر لكثافتها والوحدة الموضوعية فيها، فالحلم ليس عنصرًا فيها، بل هو القصة نفسها. في محاولة طموحة من القاص لإبراز أخيلة الحلم ورموزه وآليات إنتاجه، كذلك إبراز قدرته على تشكيل الأبعاد الزمكانية والشخصيات بما يكسبها أبعادًا تتخطّى الواقع. أما منير عتيبة، فقد نجح في تغيير هذا الدور القاصر للحلم في الفضاء الروائي، فالحلم لم يكن عنصرًا من عناصر الفضاء الروائي بوظيفة محدودة بتوسيع الأفق الدلالي، وإنما كان الفضاء الروائي كاملًا بكل عناصره. وهذا اتجاه فني يُحسب له، ولو لم يسبقه إليه ( مصطفى بيومي ) في روايته ( أحلام سرية) لكان مبتكِرًا له، كما حُسِب لنجيب محفوظ جعله الحلم فنًّا قصصيًّا مستقلًّا مكتمًا بذاته في ( أحلام فترة النقاهة) . لكن، ما يُحسب لمنير عتيبة ابتكارًا هو أنه قدّم لنا رواية أحلام لشخصية في طور الاحتضار. في هذا العمل، يُخرج منير عتيبة الحلم من محدودية الأثر الدلالي، أي من وظيفة كونه عتبة لموضوع النص الروائي، إلى اعتباره موضوع النص الروائي بكامل مضامينه وشخوصه وأحداثه وزمكانياته، فهو مُدرَكٌ بالحضور الملموس شكلًا ومضمونًا وشعورًا، مقروءٌ كما لو أن المتلقّي يشارك الراوي حلمه، بلا مدخلات خارجية لتفسيره أو التعليق عليه، مقبولٌ كما هو بطبيعته ولا معقوليته وغرائبيته وإلغازه، ومفارقته للواقع، معطيًا للمتلقي حقّ اكتناه الدلالات المُقتنصة من خزائن اللاوعي الجمعي الإنساني، مستندًا إلى ثقافته التي تؤهّله لذلك. إن أحلام النوم تأتي بلا مقدمات، يجد الإنسان نفسه واقعًا فيها فجأة، كما يخرج منها بلا نهايات محسومة، لذلك جاء الغلافان الأمامي والخلفي-كعتبات بصرية- للرواية متطابقين بالصورة أو اللوحة مع اختلاف اللون، وعند الاستيقاظ لا يتذكر الإنسان من أحلامه إلا النذر اليسير، كما يؤكد علماء الدماغ، على اعتبار أن الحلم هو نشاط عصبي وظيفته التخلص من بعض الذكريات المشاعر المكبوتة أو المخزنة في الذاكرة مثل الشعور بالذنب أو الدونية والخذلان. فالأحلام، بهذه الحقيقة، هي عملية تطهير للوعي يقوم بها اللاوعي، وما نتذكّره من الحلم عند الاستيقاظ هو تصوّرنا الواعي عن نشاط اللاوعي، والمسافة بينهما كبيرة جدًا وغير مأمونة، لذلك فإن كتابة الحلم هي خلق إبداعي، ينتجه وعينا الجمالي، وليس توثيقًا أو تدويرًا لأحلام رآها الكاتب، من هنا، نجد منير عيبة قد وضع، فنيًّا، عتبة استهلال وضعتنا على عتبة مشهدية ( حركة غريبة- تأوّهات – إرهاق) زمكانية ( حجرة -أريكة- لحاف- جو حار) لشخصيتين( هدى – عزيزة) من شخوص الرواية، يهيّئنا من خلالها للدخول إلى الفضاء الروائي : " أحست هدى بحركة غريبة في الحجرة‘ فقدّرت أنها تحلم، ظنّت أنها فتحت عينيها ولم تر شيئًا، لكنها فعليًّا لم تستطع أن تفتحهما من إرهاق الليالي الماضية، فواصلت نومها على الأريكة الصغيرة بجوار سرير أمها. شعرت " عزيزة" بانسحاب اللحاف الثقيل من على جسدها ببطء. شعورها بالبرد يجتاح جسدها جعل هدى تنتبه وتفرده عليها برغم الجو الحار. نومها المتقطع بتأوهات الألم الذي يعضعض مناطق عديدة من جسدها الواهن؛ جعلها فاقدة للتركيز. " ص7 بعد هذه العتبة الفنية، سيكون الحلم هو الفضاء الروائي بكل عناصره، والذي سيبدأ مباشرة بعد العتبة الفنية السابقة، يبدأ الكاتب بإحضار الشخوص بعالمها الحلمي : " فتحت عينيها بصعوبة لتجد" علياء " مبتسمة لها، تلك الابتسامة الوضيئة المتآمرة لطفلة في العاشرة من عمرها". ص7 نهاية الحلم تجمع عزيزة وهدى بحدث غرائبي، لامنطقي بالواقع ولكنه مقبول بالحلم: " قامت عزيزة، فتحت قبر العائلة بمجرد ملامستها للقفل، دخلت، احتارت أي هذه العظام لمن؟ رصّتها كأنها سرير، تمدّدت فوقها، وصرخت : - ياااا رب. " انتفضت هدى على صوت أمها، رأت الدموع تبلّل وجهها، نظرت عزيزة في عيني ابنتها تمتمت : - سامحيني لم تسمعها هدى، لكنها فهمت حركة شفتيها، ولم تتوقف عند مشاعرها؛ هل سامحتها أم لا ؟ لم تفهم عزيزة كيف رأت كل شيء في اللحظة، ملامحها مجعدة غاضبة تنطق بوضوح : - لست راضية " ص108- 109 ثم ستأتي النهاية الفنية التي تتماهى مع نهاية الحلم، ليعود الكاتب بتقنية التدوير إلى مشهد الاستهلال: " تصرخ هدى صرخة واحدة وتسقط في إغماءة طويلة، بينما يتدفّق على الحجرة الأبناء والزوجات والأحفاد وأبناء الأحفاد." ص109 كنت أتمنى ألّا يذكر الكاتب أي حدث فني بعد هذه النهاية، لكنه فعل، وأعتبر المشهد الأخير فنيًّا زائدًا عن عناصر الرواية إلّا إذا عطفناه، بتقنية التدوير، على عتبة العنوان ( حكايات عزيزة)، وعندها سأتّهمه بتحديد أفق التلقي، وقصدية الإحالة الدلالية للرواية باتجاه مبنى الحكايات، حيث يستلم "علي عيد" ابن عزيزة بعد سنوات كثيرة من وفاة أمه مظروفًا أصفر يفتحه فيجده : "أول نسخة من من ديوانه الذي نساه" سفر الحكايات"، يفتح أول صفحة، تختلط دموعه بحبر الكلمات: الإهداء إلى أمي " عزيزة" أجمل حكايات حياتي " علي عيد"ص110 - الزمكانية: ولأنه ليس للرواية مساق أحادي، بل مساقات متعددة، فإن القارئ يعاني من إرهاق بالغ من أجل الوصول إلى رؤية مكتملة، فبعض الأحلام يتكامل في البعض الآخر، غير أن المسافة بينها متباعدة. وهذا جانب مثير جدًا في الرواية! تشظي الزمان والمكان وتداخل الواقع بالحلم يعكسان حالة من اللامعقول أو الغموض، مما يسمح بقراءة غير خطّية وغير تقليدية للنص. هذا النوع من السرد يعكس التوتر بين الواقع والخيال، وقد يخلق شعورًا بالانفصال عن الزمان والمكان، حيث يصبح القارئ أمام سرد غير محدد المعالم، مما يفتح المجال لتفسير مفتوح ومرن. من خلال المنهج الذرائعي، يمكن النظر إلى كيفية استخدام هذا التشظي والتداخل لتحقيق أهداف معينة داخل النص. على سبيل المثال، قد يكون التداخل بين الواقع والحلم وسيلة لتمثيل تجارب شخصية أو نفسية معقدة، أو ربما يتم توظيفه لإيصال رسائل غير مباشرة حول الواقع الاجتماعي أو السياسي. سأسلط الضوء على كيفية تأثير هذا التداخل على قراءة النص، أو على الطريقة التي تشكّل بها الرواية شعورًا من الفوضى أو الغموض لدى القارئ: " رأت نملة تحمل شيئًا وردي اللون على ظهرها. النملة بحجم عنزة. خلفها قطيع من النمل يحملن مثلما تحمل، مدّت يدها تلمس ما يحملن، حاجز غير مرئي يمنعها، لكن حلاوة الحمل مست أصابعها، استطعمها لسانها. إنها أجزاء أول حصان مولد يشتريه "عيد" لبكرهما "علي"... " ص75 هذه الفقرة تعتمد على التشظي والتداخل بين الحلم والواقع بطريقة تثير شعورًا بالفوضى والغموض لدى القارئ، وهو ما يجعل النص مفتوحًا على عدة تأويلات. هناك عدة تقنيات مستخدمة لتعزيز هذا التأثير: 1. التشظي السردي: الفقرة تبدأ بمشهد غير مألوف: نملة تحمل شيئًا وردي اللون على ظهرها، لكن حجمها غير طبيعي، فهي بحجم عنزة. هذا الخلط بين ما هو واقعي (نملة تحمل شيئًا) وما هو غير منطقي (حجمها الهائل) يضع القارئ في منطقة رمادية بين الحلم والواقع. تتابع المشهد عبر قطيع النمل الذي يحمل الشيء ذاته، ما يرسّخ الإحساس بالغرابة ويعزّز فكرة التكرار واللاواقعية. 2. التداخل بين الحلم والواقع: الحاجز غير المرئي الذي يمنع الشخصية من لمس ما تحمله النملات يوحي بعنصر حلمي، حيث توجد قوانين غير مألوفة تحكم العالم السردي. على الرغم من أن الشخصية لا تستطيع لمس الحمل مباشرة، إلا أن مذاقه يصل إلى لسانها، ممّا يزيد من الغموض والتناقض بين الحواس. التحوّل المفاجئ في الجملة الأخيرة يكشف عن حقيقة أخرى، إذ يتضح أن الشيء الوردي هو "أجزاء أول حصان مولد يشتريه عيد لبكرهما علي". هنا، ينتقل النص من فضاء الحلم إلى الواقع، ولكن بأسلوب مباغت يجعل القارئ يعيد التفكير فيما قرأه سابقًا. 3. تأثير التداخل على القارئ: هذا النوع من السرد يضع القارئ في حالة من الحيرة والتساؤل: هل ما قرأه هو حلم أم حقيقة؟ هل هناك مجاز خفي يربط بين النمل والحصان؟ يجبر القارئ على إعادة بناء المشهد مرارًا، محاولًا العثور على الروابط بين الصور المتناثرة. يشعر القارئ بعدم الاستقرار، وهو ما يتناسب مع تجربة النصوص التي تعتمد على تفكيك الخط الفاصل بين الواقع والخيال. بالتالي، فإن هذا المشهد يوظف التشظي والتداخل الحلمي ليخلق حالة من الغموض، حيث ينجذب القارئ إلى التفاصيل الصغيرة لكنه يجد نفسه غير قادر على تفسيرها بشكل منطقي مباشر، ما يعزّز تأثير النص ويدفع إلى تأويله من زوايا متعددة. - الأساليب والتقنيات السردية : وجود الحلم في سياق شخصية في طور الاحتضار يضيف بُعدًا عميقًا للنص، حيث يمكن أن يُنظر إلى الحلم هنا كوسيلة لاستكشاف لحظات الضعف والانتقال بين الحياة والموت. تقنيات السرد المستخدمة في هذا السياق قد تساهم في تمثيل التوترات النفسية والوجودية، وكذلك قد تُظهر كيف تختلط الذكريات والخيالات في ذهن الشخصية وهي تمر بتجربة الموت. من خلال هذا السياق، يمكن أن تتداخل الأساليب السردية مثل الاسترجاع، التكرار، والانتقال المفاجئ بين الواقع والحلم لتقوية تأثير الحلم على القارئ، أو حتى لتعزيز الطابع السريالي للنص. هذا التداخل بين الأحلام والواقع يمكن أن يُستخدم أيضًا لتقديم رمزية قوية تتعلق بالخوف، الندم، أو الرغبات المكبوتة. الغرائبية : في هذا النوع من السرد تُضيف عنصرًا مميزًا يثري النص، حيث أن الأحداث غير المنطقية أو غير الطبيعية تساهم في خلق شعور بالدهشة وعدم اليقين لدى القارئ. هذا يُشعر القارئ وكأنه يشارك الشخصية في تجربة غير قابلة للتفسير، تمامًا كما هو الحال في حالة الاحتضار حيث يصبح الواقع والخيال غير مفصولين بوضوح. الغرائبية قد تكون وسيلة أيضًا لتمثيل الوعي المشوش أو الفوضى العقلية التي ترافق لحظات الحياة الأخيرة. من منظور الذرائعية، يمكن أن تكون الغرائبية في الأحداث وسيلة لتمثيل حالة داخلية معينة أو لتسليط الضوء على الإحساس بالضياع أو الاغتراب. قد تكون الأحداث الغريبة رمزًا لصراع الشخصية مع نفسها أو مع واقعها، وقد تُستخدم لطرح تساؤلات فلسفية حول المعنى والوجود. مثلًا: في القسم الاول المعنون ب(حكايات البيوت) تمّ تشخيص وتجسيد جدران البيت الجديد كما يلي: "لم يعرف أحد أنها تتحسّس جدران البيت بيديها، تحاول أن تعرفها، تضع أذنيها عليها لعلها تسمع أفكارها، تلحسها بلسانها، فمن طعمها تشعر هل هي تحب ساكنيها أم لا" ص14 الغرائبية في الفقرة: 1. تشخيص الجدران وجعلها كائنًا حيًا: الجدران في النص ليست مجرد عناصر جامدة، بل تمتلك أفكارًا ومشاعر، ويمكن التفاعل معها كما لو كانت كائنًا حيًا. هذه رمزية قوية تعكس العلاقة العاطفية العميقة بين الإنسان والمكان، حيث يصبح البيت شاهدًا على حياة ساكنيه. 2. الغرائبية في طريقة التفاعل مع الجدران: الأفعال التي تقوم بها الشخصية (تحسس الجدران، الاستماع لأفكارها، لحسها لتذوّق مشاعرها) تحمل طابعًا غرائبيًا غير مألوف، فهي لا تتفاعل معها بطريقة طبيعية، بل تحاول استكشافها بحواسها كأنها تمتلك روحًا خفية. 3. البعد النفسي والوجودي: هذه الفقرة توحي بأن الجدران ليست مجرد حواجز، بل تحمل ذاكرة المكان، وقد تكون رمزًا للدفء أو الوحدة أو حتى الحماية والخوف. تذوق الجدران لمعرفة إن كانت تحب ساكنيها أم لا، يعكس هوسًا أو بحثًا عن الأمان العاطفي من مكان صامت لكنه مليء بالحكايات. 4. تقنية التجسيد (الأنسنة): أنسنة الجمادات، وخاصة البيوت، تقنية تُستخدم في الأدب الغرائبي والرمزي لمنح المكان عمقًا نفسيًا، وهنا تتحول الجدران إلى كائن حي يراقب ويشعر ويتفاعل مع من يسكنه. 5. الغرائبية كصورة للعزلة الاجتماعية: المشهد الغرائبي في الفقرة قد يعكس إحساس الفرد بالعزلة داخل المجتمع، فبدلًا من التفاعل مع البشر، تتجه الشخصية إلى التواصل مع المكان نفسه. قد يكون هذا نتيجة لشعور بالرفض أو التهميش الاجتماعي، حيث يصبح البحث عن إجابات في الجمادات تعويضًا عن غياب الحوار الإنساني. تحمل الفقرة بعدًا اجتماعيًا عميقًا، حيث تعكس الجدران طبيعة العلاقات داخل المجتمع، وتبرز مدى ارتباط الفرد بمحيطه، سواء كان ذلك ارتباطًا دافئًا أو شعورًا بالعزلة والبحث عن الأمان في مكان يبدو حيًا لكنه في النهاية صامت. 6. الرسائل الأعمق التي تنقلها الغرائبية في مثل هذه الروايات تكون غالبًا مرتبطة بمفاهيم الوجود والعدم، أو حتى محاولة فهم الموت والحياة من منظور داخلي ومعقد. في سياق الحلم عند شخصية في طور الاحتضار، قد تكون هذه الغرائبية وسيلة لاستكشاف أفكار الشخص حول هويته، علاقاته، أو صراعاته الداخلية التي تُركّز على أسئلة مثل: ما هو المعنى الحقيقي للحياة؟ و كيف يتعامل الفرد مع فكرة موته؟ 7. قد تكون هذه اللحظات الغرائبية وسيلة لإظهار العلاقة بين الوعي اللاوعي والموت، حيث يتداخل الواقع مع الأحلام لخلق حالة من التشويش المعرفي، تُعرّف القارئ على التجربة الإنسانية العميقة التي تواجه الشخصية في فترة الوداع الأخير. في هذه اللحظات، قد تصبح الأحداث الرمزية والخيالية أكثر "حقيقية" من الواقع نفسه، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت الحواف بين الحياة والموت تُمثل مجرد انتقالات في الوعي.
الرمزية: كل ما يملأ فراغ فهو كائن ذرائعيًّا وله وظيفة وواجب ( الجدران - الحنفية – الطشت) كائنات "رمزية تقنية" لندرس في المثال السابق ( الجدران) مدى التداخل بين التقنيات السردية، سيما الغرائبية والرمزية والربط المحكم بينها للتدليل على المواقف الاجتماعية: 1. البيت كرمز للذاكرة الجماعية والمجتمع: الجدران ليست مجرد حدود مادية، بل خزّان للذكريات والمواقف الاجتماعية. في مجتمعاتنا، تحمل البيوت أسرار العائلات وتاريخها، وتصبح شاهدًا على التحوّلات الاجتماعية، من الأفراح إلى الأحزان، من الطفولة إلى الشيخوخة. تجسيد الجدران في الفقرة يعكس هذه الفكرة، حيث تصبح كائنًا واعيًا يراقب الحياة الداخلية لسكانه. 2. البيت كمصدر للأمان أو القلق الاجتماعي: الشعور بأن الجدران "تحب" أو "لا تحب" ساكنيها يرمز إلى التفاعل العاطفي مع المجتمع. أحيانًا، يشعر الإنسان بأن منزله دافئ لأنه محاط بأشخاص يحبونه، وأحيانًا يشعر بالوحدة حتى لو كان داخل بيت مأهول، لأن العلاقات داخله متوترة. هذا الإسقاط على الجدران يشير إلى الحالة النفسية التي يعيشها الفرد بناءً على طبيعة مجتمعه الصغير داخل البيت. 3. المرأة والمكان في السياق الاجتماعي: إذا كانت الشخصية أنثى، فقد يكون لمس الجدران واستكشافها بطريقة حسّية تعبيرًا عن بحثها عن الانتماء أو محاولتها لفهم دورها في هذا المكان. في كثير من المجتمعات التقليدية، يتم ربط المرأة بالبيت كمساحة أمان، لكنه قد يكون أيضًا مكانًا للسجن الاجتماعي، حيث تتحول الجدران إلى رمز للقيود المفروضة عليها. تحمل الفقرة رمزية وجودية عن علاقة الإنسان بالمكان، حيث يتمّ تشخيص الجدران لتصبح شاهدة ومؤثرة، بينما يعكس التفاعل الغرائبي معها حاجة داخلية للشخصية للبحث عن إجابة أو انتماء. 4.رمزية الطشت النحاسي في النص: " جلس " عيد" في وسط الطشت النحاسي، وهي بالكوز النحاسي اللامع تأخذ الماء الدافئ من " الماجور" وتصب على رأسه، وتدلك جسده بالصابون المعطر، ثم يخرج لتجلس هي في الطشت ويحممها... " ص 73 الطشت النحاسي يظهر كعنصر مادي لكنه يحمل دلالات رمزية متعدّدة يمكن تحليلها على عدة مستويات: رمزية الطشت النحاسي في السياق النفسي والجسدي: النحاس معدن قديم يُستخدم في الأواني المنزلية، مما يربطه بالذاكرة والتراث والتقاليد. في سياق النص، قد يرمز الطشت إلى الطقوس المرتبطة بالجسد والتنظيف والتطهير. استخدامه ضمن مشهد خاص بالعلاقة بين الشخصيات قد يشير إلى تطهير نفسي أو جسدي بعد تجربة مكثفة، سواء كانت تجربة حب، اكتشاف الذات، أو حتى شعور بالذنب. كونه "لامعًا" يوحي بالوضوح والانكشاف، وربما يكون هذا انعكاسًا لما تشعر به الشخصية في تلك اللحظة، حيث تجد نفسها في مواجهة ذاتها أو رغباتها. رمزية الماء الساخن والطشت: الماء الساخن المستخدم في الطشت قد يرمز إلى تجربة التجديد أو التحوّل. الماء الدافئ غالبًا ما يرتبط بالراحة والاسترخاء، لكنه في الوقت ذاته قد يحمل دلالة التطهير من شيء غير مرغوب فيه أو الانغماس في لحظة خاصة. فعل صب الماء على الرأس يمكن قراءته كدلالة على الاستسلام للحظة، أو الرغبة في محو أثر معين سواء كان نفسيًا أو جسديًا. الطشت بين الوظيفة اليومية والبعد الحسي: الطشت، كأداة تستخدم للغسيل، يرتبط بالجانب العملي والواقعي للحياة اليومية. لكنه هنا يُوظف في مشهد مليء بالشعور، ممّا يجعله يتجاوز وظيفته العادية ليصبح جزءًا من طقس شخصي أو حتى حميمي. قد يكون الطشت النحاسي رمزًا للأدوار الاجتماعية التقليدية، حيث إنه جزء من البيئة المنزلية، ولكن في هذا المشهد يتم إعادة توظيفه في سياق مغاير، مما يمنحه بعدًا رمزيًا جديدًا. الطشت النحاسي في هذا المشهد ليس مجرد إناء، بل يتحول إلى رمز للتطهير، التحول، وربما التصالح مع الذات أو الاحتفاء بالجسد. كما أنه يحمل بعدًا حسيًا عميقًا يعكس علاقة الشخصية بنفسها أو بالشخص الآخر في المشهد. ربط رمزية الطشت بالتقنيات السردية المستخدمة: " ......برغم الدش الحديث في الحمام، والمياه الباردة والساخنة التي تنزل منه لا تفتأ تقول : - ولا يوم من أيام الطشت النحاس تحاول أن تتخيّل أين ذهب طشتها.... هل ذكرياتها الحميمية لا تزال ملتصقة به؟ .... رأت كيف يتم صهر النحاس، وتخيّلت طشتها الأثير إلى كتلة من النار السائلة اللامعة فشعرت بنبضات قلبها تسيل معها محترقة بحرارة الذكرى. ظنت أنها رأت صفيحة الجاز المسكوبة فوق " راوية"، وحديدة الساقية التي التهمت "فايزة" ينصهران مع نحاس طشتها، فانهار قلبها كبيت متداع بلا أعمدة" ص 74 في هذه الفقرة، يتجاوز الطشت النحاسي وظيفته كأداة منزلية ليصبح رمزًا للحياة والتحولات النفسية والجسدية. ولتوظيفه السردي دلالات عميقة تعكس الحالة النفسية للشخصية من خلال مجموعة من التقنيات السردية: 1. الزمن والاسترجاع (الفلاش باك) الطشت النحاسي في النص ليس مجرد أداة من الماضي، بل يمثل استدعاءً لذكريات مكثفة، حيث يتم توظيفه كأداة ربط بين الحاضر والماضي. استحضار ذكريات الطشت في مقابل الدش الحديث يعكس صراعًا بين زمنين: الماضي الذي يحمل طقوسًا خاصة من الحميمية والعلاقات القريبة، والحاضر الذي يبدو أكثر برودة وعزلة. السرد هنا يستغل عنصر الزمن النفسي أكثر من الزمن الواقعي، حيث تندمج الشخصية في استرجاع ذكرياتها بشكل يجسد تأثير الزمن على الذات. 2. الرمزية والتجريد الطشت يتحول إلى رمز للألفة والحنين، لكنه يصبح أيضًا تمثيلًا لشيء مفقود، كما أن صهره وتحوله إلى مادة أخرى يرمز إلى تبدل الأحاسيس والتجارب، وربما حتى فقدان جزء من الهوية الشخصية. فكرة "انصهار الطشت" في النار وصهره إلى مادة أخرى يمكن قراءتها كاستعارة للتحولات العاطفية، حيث تصبح الذكريات شيئًا لا يمكن استعادته إلا من خلال الإحساس بالحزن أو الفقدان. 3. التناص مع الأسطورة والحكايات الشعبية: تشبيه انصهار الطشت بمشهد صهر المعدن في التلفزيون قد يحمل أصداء أسطورية عن التحولات المادية والروحية، حيث يتحول الشيء المادي إلى حالة أخرى تمامًا. الصياغة الأخيرة التي تُحيل إلى " راوية " و"فايزة" قد تكون إحالة إلى فكرة الانهيار العاطفي أو الفقدان الكامل لما كان يشكل جزءًا من الحياة، مما يجعل النهاية مفتوحة على تساؤلات وجودية. بالنتيجة، يستخدم النص الطشت النحاسي كعنصر سردي محوري، حيث يجسد الانتقال من مرحلة لأخرى، سواء كان ذلك على مستوى الزمن أو المشاعر. تداخله مع تقنيات السرد مثل الاسترجاع والرمزية يجعله ليس مجرد أداة، بل كيانًا يعكس تلاشي الحميمية والتحول إلى واقع مختلف، ربما أكثر قسوة وبرودًا. تقنية الحلم : هذا عنصر قوي في الرواية، حيث أن تقديم تعبيرات عن مقاومة هذه الضغوط الاجتماعية يُضفي على العمل بعدًا إيجابيًا وملهمًا، خاصة في سياق القضايا الاجتماعية المعقدة مثل الزواج المبكر، عداء المرأة للمرأة، وأكل الميراث. المقاومة هنا لا تعني فقط التصدي المباشر لهذه التقاليد والضغوط، بل قد تُظهر أيضًا كيف يمكن للفرد أن يبحث عن طريق آخر، سواء من خلال وعيه الداخلي أو من خلال خلق توازن بين ما هو مفروض عليه وما يتطلع إلى تحقيقه. الحلم كأداة مقاومة يمكن أن يكون له دور كبير في هذا السياق. فقد يكون الحلم بالنسبة للشخصية وسيلة للهروب أو التعبير عن التوق إلى التحرر من قيود الواقع. ويمكن أن يظهر هذا في الأحلام كرموز للتحرر الشخصي أو كحالات يتم فيها تجنب أو تحدي المعايير الاجتماعية القاسية. هذا الأسلوب يعزز قدرة الرواية على التأثير، حيث أن تفاعل القارئ مع الأسئلة المطروحة والنقاشات التي تثيرها يجعلها أكثر عمقًا. من خلال تحفيز التفكير، تصبح الرواية أكثر قدرة على ترك بصمة دائمة في ذهن القارئ، حيث يمكنه أن يعيد النظر في قضايا الهوية والتمرد والتغيير الاجتماعي بطريقة شخصية ومتفردة. أن هذا النوع من الأدب يجعل القارئ يشعر بتواصل أكبر مع الموضوعات المطروحة، بما أنها تُعرض من خلال تجارب شخصيات حية.
- المضامين: تستخدم الرواية الأحلام والرمزية لاستكشاف قضايا اجتماعية ونفسية معقدة، مثل القمع الاجتماعي، معاناة الفرد، والصراعات النفسية الناجمة عن الاضطرابات الشخصية أو الضغوط المجتمعية. تعكس هذه التقنيات كيف تؤثر البيئة المحيطة على رؤية الشخص لعالمه الداخلي والخارجي، حيث يصبح الحلم وسيلة لتعميق الوعي بهذه الصراعات أو التخفيف منها. كما توظّف الرواية الرمزية لتحدي المفاهيم الاجتماعية التقليدية وطرح تساؤلات حول النظام القائم، متناولة موضوعات مثل الزواج المبكر، عداء المرأة للمرأة، وأكل الميراث. هذه القضايا تُطرح في الأدب المعاصر كأداة لنقد الأنماط الثقافية السائدة، حيث تتداخل مع الصراعات النفسية والأيديولوجية، مما يفتح أفقًا أوسع لفحص تأثيرها على الفرد والمجتمع. الزواج المبكر يمثّل في الرواية قيدًا اجتماعيًا يحدّ من حرية المرأة، وفي السياق الغرائبي، قد تُجسِّد الأحلام الرغبات المكبوتة أو الآمال المجهضة لشخصية تُرغم على الامتثال لتقاليد قمعية. عداء المرأة للمرأة يُبرز التوترات التي تغذيها التربية المجتمعية، حيث تُشجع المقارنة والمنافسة بدلًا من التضامن. يظهر هذا العداء في الرواية كصراع داخلي بين الشخصيات الأنثوية، ويُعكس في الأحلام كإدانة لنظام يعزز الانقسام بدلًا من الدعم المتبادل. أكل الميراث يُجسد الفساد الأخلاقي، حيث تتحول الممتلكات إلى أداة لتدمير الروابط الأسرية والمبادئ الإنسانية. في الأحلام، قد يتجسد هذا الصراع في صور رمزية للعقاب أو تحولات غير منطقية تُبرز الظلم والطمع. يتداخل الواقع مع الغرائبية ليكشف عن اللامبالاة المجتمعية تجاه الضغوط والتوقعات الثقافية، ممّا يعزّز النقد الاجتماعي والنفسي للرواية. هذا التفاعل بين الواقع والحلم لا يقتصر على تصوير معاناة الشخصيات، بل يدعو القارئ إلى تأمل أعمق في تأثير هذه القضايا على الحياة اليومية. توفر هذه التقنيات السردية مجالًا واسعًا للتفسير، حيث يكتسب كل حدث أو رمز دلالة إضافية تتكشّف مع تقدمّ القراءة، ممّا يجعل الرواية أداة نقدية تعكس آلام المجتمع وآماله المشتركة.
- الشخصيات : في دراستي هذه، يمكن التركيز على كيف يساهم سرد الأحلام في إبراز تحوّلات الشخصية، ودوره في تقديم النقد الاجتماعي أو النفسي، وكيف يتفاعل مع التقنيات السردية الأخرى داخل الرواية. الاختلاف في طريقة استجابة الشخصيات للتحولات يعكس تنوع أساليب مواجهة قضايا المجتمع. فبينما تمثل الشخصيات التي تكتسب وعيًا تدريجيًا فكرة أن التغيير يتطلب صبرًا واستيعابًا عميقًا، تجسد الشخصيات التي تمر بتحولات مفاجئة لحظات حاسمة تُحدث انقلابًا جذريًا في وعيها ورغبتها في التغيير. هذا التنوع يمنح الرواية عمقًا، حيث يبرز أنواع القوة الداخلية المختلفة وكيفية ظهورها في سياقات متباينة. الشخصيات التي تشهد تحوّلًا مفاجئًا غالبًا ما تكون أكثر إثارة، لأنها تكسر التوقعات، وتُظهر كيف يمكن للحظة واحدة أن تغيّر مسار الفرد بالكامل. مثل هذه التحولات تدفع القارئ للتفكير في اللحظات الفاصلة في الحياة التي تعيد تشكيل الإنسان. التمرّد، سواء كان نتيجة وعي متراكم أو تحول مفاجئ، يعزّز من قوة رسائل الرواية، حيث يبرز قدرة الأفراد على مقاومة القوى المفروضة عليهم. قد يظهر هذا التمرد من خلال قرارات مصيرية أو أفعال تعبر عن انتصار الحرية الفردية على القيود الاجتماعية. وهو ليس مجرد فعل مقاومة، بل قد يكون استجابة مباشرة للصراع مع البيئة، مما يضفي على الشخصيات تعقيدًا نفسيًا، إذ يصبح تحولها جزءًا من صراعها المستمر مع الظلم أو التحديات الاجتماعية. يظهر هذا التفاعل بين الشخصيات وبيئتها كيف أن الهويات تتشكّل وتُعاد صياغتها تحت تأثير الضغوط المجتمعية. كما يعكس كيف يمكن للأفراد تحدي القيم والتوقعات الثقافية، مما يسهم في تقديم صورة مركبة للهوية، حيث تتداخل العوامل النفسية والاجتماعية في توجيه مسار الشخصيات نحو التغيير.
• المستوى النفسي: يجمع السرد بين التطوّر النفسي التدريجي والصراع كقوة دافعة للتحوّل، مما يضفي عمقًا على الشخصيات ويجعل تحولاتهم أكثر واقعية وتأثيرًا. فالشخصيات التي تمر بعملية وعي تدريجية تعكس كيف يمكن للإنسان أن ينمو نفسيًا بالتوازي مع مواجهة التحديات الخارجية، حيث يصبح الصراع عنصرًا أساسيًا في بناء هويتها وإعادة تشكيل رؤيتها للعالم. هذا التوازن بين التمرّد كاستجابة للقهر الاجتماعي، وبين النضج النفسي التدريجي، يمنح التحولات طابعًا أكثر إقناعًا، إذ لا تأتي القرارات المصيرية كردود فعل آنية فقط، بل كنتيجة لمسار داخلي معقد من الإدراك والتأمّل. فالضغوط الاجتماعية لا تقتصر على فرض تحدّيات آنية، بل تمتد لتعيد تشكيل فهم الشخصيات لذواتها، مما يجعلها أكثر وعيًا وأكثر قدرة على المواجهة. عبر هذا المزج بين الصراع النفسي والتحولات السلوكية، تُصبح الشخصيات أكثر عمقًا واتساقًا مع واقعها، مما يسمح لها بالتفاعل مع القضايا الاجتماعية المعقّدة بطرق تُحاكي التجربة الإنسانية الحقيقية. هذه الديناميكية تجعل القارئ أكثر ارتباطًا بالشخصيات، حيث يرى في صراعاتها النفسية انعكاسًا لصراعاته الخاصة، ممّا يعزّز من تأثير الرواية وقدرتها على إثارة التساؤلات حول طبيعة التغيير والتحوّلات الداخلية في مواجهة الأزمات. - المدخل التوليدي : التناص رواية "حكايات عزيزة" لمنير عتيبة، التي تعتمد الحلم كفضاء روائي كامل، تتناص مع عدة روايات أخرى سواء من حيث البناء السردي، أو التقنيات المستخدمة، أو حتى الموضوعات المطروحة. بعض الروايات التي يمكن ملاحظتها في سياق التناص معها، مع بيان أوجه الشبه والاختلاف: 1. "أحلام سرية" – مصطفى بيومي أوجه الشبه: كلا الروايتين يعتمدان الحلم كمكون أساسي في البناء السردي. في "أحلام سرية"، يشكل الحلم عالمًا متداخلًا مع الواقع، وكذلك في "حكايات عزيزة"، حيث يصبح الحلم هو الفضاء الروائي بالكامل. استخدام الحلم كأداة للكشف عن خفايا الشخصيات واللاوعي الخاص بها. أوجه الاختلاف: في "أحلام سرية"، الحلم لا يكون الفضاء الوحيد، بل يتداخل مع الواقع، في حين أن "حكايات عزيزة" تجعله هو الفضاء المركزي. مصطفى بيومي يركّز على التأويل النفسي والرمزي للأحلام، بينما منير عتيبة يستخدم الحلم ليشكّل وعي الشخصية في طور الاحتضار. 2. "الحرافيش" – نجيب محفوظ أوجه الشبه: وجود عنصر الحلم كمكوّن سردي يعكس التحولات النفسية والاجتماعية للشخصيات. امتداد الأجيال والبحث عن المصير والهوية كما يظهر في "حكايات عزيزة" عبر الأجيال المختلفة في العائلة. أوجه الاختلاف: "الحرافيش" تنتمي إلى الواقعية السحرية، حيث تتداخل الأسطورة مع الواقع، بينما "حكايات عزيزة" تستخدم الحلم كحقيقة سردية وليس كعنصر مجازي فقط. نجيب محفوظ يجعل الحلم مرتبطًا بالمستقبل والمصير، أما منير عتيبة فيوظفه كفضاء زمني متداخل بين الحياة والموت. 3. "حديث الصباح والمساء" – نجيب محفوظ أوجه الشبه: السرد المتشظي، حيث تتداخل الحكايات والأزمنة في سرد غير خطي. الاعتماد على منظور متعدّد للشخصيات يعكس رؤية مختلفة للحياة والموت. أوجه الاختلاف: "حديث الصباح والمساء" رواية بانورامية تتناول حياة أجيال مختلفة من خلال سرد تاريخي، بينما "حكايات عزيزة" تتمحور حول وعي فردي داخل لحظة الاحتضار. 4. "مئة عام من العزلة" – غابرييل غارسيا ماركيز أوجه الشبه: تداخل الحلم مع الواقع لخلق فضاء غرائبي. امتداد السرد عبر الأجيال بطريقة تجعل الحلم والواقع متماهيين. الغموض السردي والتداخل بين الشخصيات والأحداث. أوجه الاختلاف: "مئة عام من العزلة" تنتمي إلى الواقعية السحرية، بينما "حكايات عزيزة" تعتمد على الحلم كآلية سردية وليست كأسطورة. منير عتيبة يركز على لحظة الاحتضار كإطار زمني، بينما ماركيز يروي تاريخ عائلة يمتد لأجيال. 5. "اللجنة" – صنع الله إبراهيم أوجه الشبه: تداخل الحلم والواقع بطريقة تجعل القارئ غير قادر على تحديد الفاصل بينهما. استخدام الرمزية والإشارات الخفية للتعبير عن السلطة والمصير. أوجه الاختلاف:"اللجنة" ذات طابع سياسي نقدي، بينما "حكايات عزيزة" تهتم أكثر بالجانب الإنساني والنفسي. في "اللجنة"، الحلم يستخدم كأداة للتلاعب بالوعي، بينما في "حكايات عزيزة"، هو تجربة ذاتية عميقة. الخلاصة: تتناص "حكايات عزيزة" مع العديد من الروايات التي استخدمت الحلم أو التداخل بين الأزمنة والوعي، لكنها تنفرد بكونها تجعل الحلم ليس مجرد تقنية سردية، بل فضاءً روائيًا كاملًا ينبني عليه النص، وهو ما يجعلها تجربة مميزة في الرواية العربية. • في الختام : في ختام تحليل هذه الرواية، يتضح أنها لا تقتصر على كونها مجرد سرد للأحداث، بل تشكّل تجربة أدبية غنية تعكس تعقيدات النفس البشرية وصراعاتها الداخلية والخارجية. من خلال المزج بين التطور النفسي التدريجي والصراع كعنصر محرّك للتحوّلات، نجحت الرواية في تقديم شخصيات واقعية ومؤثّرة تعيش صراعاتها بعمق إنساني. كما أن استخدام سرد الأحلام أضاف بُعدًا دلاليًا يعكس تداخل الواقع بالخيال، ممّا منح النص أفقًا تأويليًّا واسعًا. إن هذه الرواية تُثبت أن الأدب ليس مجرد وسيلة للحكي، بل أداة لاستكشاف الذات والمجتمع، حيث تتشابك الهوية الفردية بالهوية الجمعية في ظل التحديات الاجتماعية والوجودية. ومن خلال أسلوبها السردي المتقن، تفتح الرواية بابًا للتأمل والتساؤل، تاركةً للقارئ مساحة لإعادة التفكير في مفاهيم التغيير، والتمرد، والوعي الذاتي. #دعبيرخالديحيي الإسكندرية – مصر 4 مارس 2025
المراجع والمصادر 1. منير عتيبة – حكايات عزيزة – بيت الحكمة للصناعات الثقافية – القاهرة 2024 2. بخش، محمد؛ البرادي، بنت صالح محمد (10 Jun 2019). "الانزياح العجائبي الساخر في أدب المنامات "المنام الكبير للوهراني أنموذجًا "". اللّغة العربية (بالفرنسية). 21 (2): 335–364. ISSN:2600-6545. Archived from the original on 2022-03-28. Retrieved 2022-03-27. 3. مصطفى بيومي: أحلام سرية، دار الأحمدي للنشر، القاهرة 1998م. 4. (أحلام فترة النقاهة: الأحلام الأخيرة) أول عمل لنجيب محفوظ تنشره دار الشروق- القاهرة- 2019 5. الذرائعية والعقل- عبد الرزاق عوده الغالبي، د. عبيرخالد يحيي- منشورات اتحاد الكتاب – بغداد- 2021
#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الساحل السوري بين المؤامرة والانقلاب: حين كشف الغبار الحقيقة
-
سوريا.. معركة الوحدة في مواجهة رياح التقسيم والعقوبات والتحر
...
-
سوريا بين فكي العاصفة: تحديات الداخل والخارج
-
بين المبدأ والانتهازية.. الفن حين يكشف الوجوه الحقيقية
-
تجليات العزلة والاعتراف في السرد الوجداني : قراءة في بناء ال
...
-
مي سكاف: نجمة الحرية التي أبت أن تنطفئ
-
حسن نصر الله: زيف إيران الذي احترق بنيران الحقيقة
-
أدب الرحلات المعاصرة: سفر في الجغرافيا والذات دراسة ذرائعية
...
-
اغتيال الحريري: الرصاصة التي فجّرت لبنان
-
(ألفيّة القس جوزيف إيليا) بين هندسة الشكل وجمالية القيَم في
...
-
مجزرة حماة 1982: إبادة جماعية بأوامر الأسد وجرح لم يندمل
-
الروح الضائعة في اللحن المكسور : بين الشغف والتضحية دراسة ذر
...
-
مأساة الأطفال المختطفين من أبناء المعتقلين في سوريا: جريمة إ
...
-
النقد وأدب الذكاء الاصطناعي
-
الميتاقص- أساليبها وتمظهراتها في قصة / رسول الشيطان/ للقاص ا
...
-
ديستوبيا الماسونية الجديدة في رواية (العوالم السبع) للأديب ا
...
-
أدب الرسائل عند الأديبة حياة الرايس (رسائل أخطأت عناوينها) د
...
-
قراءة في رواية / جبل الزمرد/ للروائية المصرية منصورة عز الدي
...
-
تجلّيات المكان في أدب الحرب رواية / زند الحجر/ أنموذجًا للكا
...
-
اقرئي.. ابحثي.. واكتبي
المزيد.....
-
نقابة الفنانين السورية تمنح أربعة فنانين بينهم أصالة وفضل شا
...
-
حفل موسيقي في موسكو بعنوان -موسيقى الشام: التقاليد والحداثة-
...
-
خديعة القرن! كيف وقعت الصحافة البريطانية في فخ -مذكرات هتلر-
...
-
فنان قبرصي يوازن 416 كأساً على رأسه سعيا لدخول موسوعة غينيس
...
-
-سلمى وقمر- و-عثمان في الفاتيكان- يتصدران جوائز مهرجان أفلام
...
-
-تحيا فلسطين- نصف قرن من نشيد مناهضة الحرب بالسويد
-
إدارة ترامب تسمي مبعوثها لقيادة المحادثات الفنية على مستوى ا
...
-
من هو مايكل أنتون الذي كلّفه ترامب برئاسة وفد المحادثات الفن
...
-
فنانة تشكيلية لا ترى في الريشة أداة رسم بل أداة للبوح والحكا
...
-
سيمونيان تغالب دمعها وتقدم فيلم زوجها المخرج كيوسايان (فيديو
...
المزيد.....
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
المزيد.....
|