غالب المسعودي
(Galb Masudi)
الحوار المتمدن-العدد: 8322 - 2025 / 4 / 24 - 22:47
المحور:
قضايا ثقافية
اللغة الأيديولوجية للسرديات التاريخية تدعي انها تقدم سياقًا ثابتا لفهم الأحداث المعاصرة، من خلال سيولة الماضي الى الحاضر باعتبارها نتاج لحظة الهام تمثل جذوة النضج الكوني رغم انها في حقيقتها ذات صلة وثيقة بالأبداع الادبي صادرة عن المسكوت عنه في ثقافة الترحال، وصلتنا عبر هاوية الزمن وهي تتقفى عطب الحواس، كانت المعادلة صعبة في الازمان المسحوقة حينما يقع الانسان تحت سلطة ثقافة متعجرفة، لذا لا يمكن تفسير القضايا الاجتماعية والسياسية الحالية الا في ضوء ما انتجته السرديات التاريخية اوما اعطت من فرصة في النقد والتحليل مما يشجع على تقبل اليات التفكير الضيق حول الماضي وكيف يمكن أن يؤثر على المستقبل ،حيث تتم إعادة تفسير السرديات التاريخية بما يتوافق مع القضايا الجدلية المعاصرة، وإعادة تشكيل الوعي الجمعي المعاصر. كون الوظيفة الاساسية للسرديات التاريخية هي تعزيز الإحساس بالانتماء إلى مجموعة معينة، سواء كانت قومية أو دينية، مما يجعلها محفورة في الوعي والذي يعمل كحافظة لذاكرة الشعوب، يُسجل التجارب التاريخية ويورثها عبر الأجيال بضمان استمرارية تأثيرها. أحيانا يتم إعادة تفسير السرديات التاريخية لتناسب السياق الجديد مع الحفاظ على النسق الشكلي، مما يمنحها حياة جديدة ويجعلها ذات صلة، تستمر السرديات التاريخية في التأثير بسبب ارتباطها بالهوية، ذاكرة الشعوب، وتعليم الأجيال، ويمكن استخدامها في الخطاب السياسي، وإعادة التفسير في سياقات جديدة. هذه العوامل مهمة وتساهم في ديمومتها وامتدادها المعاصر.
تغيرات السرديات
رغم الادعاء بالثبات تتغير السرديات التاريخية عبر الزمن بفعل مجموعة من العوامل والتأثيرات، منها التغيرات في الهيكل الاجتماعي والسياسي، مثل الثورات، الحروب، أو التغيرات في الأنظمة الحاكمة، مما يؤدي إلى إعادة تفسير الأحداث وفق السياقات التاريخية، ويمكن أن يؤدي إلى إعادة تقييم الشخصيات التاريخية، مما يعيد صياغة السرديات بطرق جديدة مع الاخذ بعين الاعتبار تأثير العوامل السابقة مضافا لها التقدم في المعرفة الإنسانية هذه العوامل تساهم في إعادة تشكيل للسرديات التاريخية وتحقيق ترابط نقدي بين الماضي والأحداث المعاصرة.
اركيولوجيا السرديات التاريخية
من ناحية اركيولوجية تعتبر السرديات التاريخية نصوصًا إنسانية المنشأ، لكنها قد تتحول إلى سرديات ذات منشأ ميتافيزيقي عبر عدة عمليات .عندما تُدَوَّن السرديات التاريخية، تُمنح طابعًا رسميًا، مما يعزز من مكانتها ويجعلها مرجعية ويؤدي إلى قدسيتها. تُنقل السرديات عبر الأجيال، مما يعزز من مكانتها في الذاكرة الجماعية ويجعلها جزءًا من الهوية الثقافية، مما يُعطيها طابعًا مقدسًا، تتضمن السرديات التاريخية رموزًا ومعانٍ يعتبرها البعض عميقة تتعلق بالانتماء والانحدار الجيني، مما يعزز من مكانتها كمقدسات من خلال المؤسسات الثقافية والدينية، تُستخدم السرديات التاريخية في تعزيز الأيديولوجيات السياسية ، مما يؤدي إلى اعتبارها مقدسة لأنها تُدعم قيمًا أو معتقدات سلطوية معينة ،عندما تُستخدم السرديات في الطقوس والممارسات الثقافية أو الدينية، تصبح جزءًا من العبادات، مما يعزز من قدسيتها، تعمل الأعمال الأدبية والفنية ذات الانحيازات المؤدلجة في تعزيز مكانة السرديات التاريخية، حيث يتم تقديمها بطرق تجعلها تبدو أكثر أهمية وقدسية، كذلك تتحول السرديات التاريخية إلى مقدسة من خلال عمليات التدوين الخاص، والاستمرارية، والرمزية، والتوظيف السياسي وإعادة التفسير، هذه العوامل تسهم في تعزيز مكانتها في الذاكرة الثقافية والدينية للمجتمعات.
السلطة والسرديات التاريخية
تعتمد الأنظمة السياسية على السرديات التاريخية لتعزيز شرعيتها، حيث تُستخدم لتبرير السياسات والأفعال، مما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من الهوية الوطنية، تقوم السلطة بإعادة تفسير السرديات التاريخية بما يتماشى مع الأهداف السياسية أو الأيديولوجية ، مما يؤدي إلى تحريف الحقائق أو المبالغة في بعض الجوانب، تُعزز السلطة من مكانة السرديات التاريخية من خلال إدماجها في الطقوس الوطنية والدينية، مما يجعلها جزءًا من الممارسات اليومية ويُعطيها طابعًا مقدسًا، يمكن أن تستخدم السلطة القمع والرقابة على السرديات البديلة أو المعارضة، مما يضمن عدم ظهور روايات تتحدى السرديات ، هذه الآليات تساهم في تعزيز الروايات التي تدعم الأجندات السياسية والثقافية للسلطة، تتفاعل الآليات التي تلعب دورًا في تعميق دور السرديات التاريخية بشكل معقد، مما يعزز من تأثيرها.
تدوين السرديات التاريخية
في اغلب الأحيان ما يصلنا من سرديات تاريخية من خلال النقل الشفاهي الذي تسيطر فيه السلطة على عملية التدوين، ويتم تأسيس سردية تاريخية معينة، هذه السردية تُستخدم لاحقًا كمرجع للترويج وتعزيز السلطة بذلك تضمن السلطة استمرارية الرواية وتقوم بترويج السرديات بشكل منهجي يجعلها جزءًا من الوعي الجمعي. هذا الترويج يدعم السرديات التي تم تدوينها، مما يعزز من مكانتها كمقدسات وتُستخدم لتعزيز الشرعية السياسية اذ يتزامن ذلك مع إدماجها في الطقوس الوطنية، مما يجعل الأفراد يشعرون بالفخر والانتماء، ويعزز من إحساسهم بأهمية هذه السرديات، عندما تُدرج السرديات في الطقوس، فإن ذلك يعزز من الطاعة والولاء للسلطة، الأفراد الذين يشاركون في هذه الطقوس يشعرون بأنهم جزء من شيء أكبر، مما يعزز من قدسية السرديات ،تتفاعل الآليات المختلفة في تقديس السرديات التاريخية من خلال تعزيز بعضها البعض في السيطرة على السرد والترويج ، والتوظيف السياسي، وإعادة التفسير، والرقابة، والرمزية، لتعمل كلها لتكوين سرديات مقدسة غير خاضعة للنقد.
التقديس هو جدار حماية
تقديس السرديات التاريخية يعتبر شكلا من أشكال "جدار الحماية" الذي يحمي هذه السرديات من تأثير التفكير النقدي عندما تُعتبر السرديات مقدسة، تُصبح جزءًا من الهوية الجماعية للأفراد، مما يجعلهم أقل ميلًا إلى نقدها أو التشكيك فيها، السرديات المقدسة تخلق جوًا من التقدير والاحترام الذي يمنع النقاش النقدي لذا يتجنب الأفراد التعامل مع الأفكار التي تُعتبر مُسيئة أو مُنافية لهذه السرديات، الرموز والطقوس المرتبطة بالسرديات تُعزز من مكانتها، مما يجعل الأفراد يشعرون بالواجب تجاه الحفاظ عليها، وبالتالي يقلل من النقد، تقديس السرديات غالبًا ما يترافق مع رقابة على المعلومات البديلة أو المعارضة، مما يمنع الأفراد من الوصول إلى وجهات نظر مختلفة من خلال تعزيز التفكير النقدي، احينا تُستخدم السلطة العنف لتأكيد قدسية السرديات معينة، مما يُعزز من وضعها ويجعلها محمية من النقد لان أي تحدٍ لهذه السرديات يُعتبر تهديدًا للسلطة، هذه العوامل تمنع الأفراد من التشكيك أو النقد، مما يحافظ على قدسية السرديات بتشكيل جدار الحماية صامد عبر الزمن المتغير.
إعادة التدوير السرديات التاريخية
إعادة تدوير السرديات التاريخية يؤثر سلبًا على تقدم الإنسان من خلال تعزيز الانغلاق الفكري والاستناد إلى روايات مضللة، إعادة إنتاج الفجوات الاجتماعية، وتغليب المصلحة الذاتية في تأجيج النزاعات. من المهم التعامل مع السرديات التاريخية بدقة وموضوعية لتعزيز التقدم والتطور رغم ان السرديات التاريخية هي نفسها ليست بريئة من الاستعمالات السلطوية ، حيث يمكن أن تُستخدم لتعزيز السلطة، وتوجيه الذاكرة الجماعية، وإقصاء الأصوات المعارضة، وتأجيج النزاعات، وتغليب روايات معينة، في تشكيل الهوية الوطنية. من المهم التعامل معها بنقد ووعي لفهم تأثيراتها المحتملة في تأكيد التخلف الحضاري، السرديات التاريخية لعبت دورًا مهمًا في تشكيل الوعي الجمعي وتفسير الأحداث التاريخية ويمكن أن تؤثر هذه السرديات على كيفية فهم المجتمعات لتاريخها وتطورها، وقد تسهم في تأكيد التخلف الحضاري ان بقيت مغلفة بجدار التقديس كونها ليست مستقلة عن السياقات المعاصرة، بل هي نتاج تفاعل معقد بين الماضي والحاضر، مما يؤثر على كيفية فهم المجتمعات لتاريخها وتطورها.
#غالب_المسعودي (هاشتاغ)
Galb__Masudi#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟