أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محفوظ بجاوي - العقيدة الموروثة : حين يصبح الإيمان قيدًا بدلًا من أن يكون وعيًا














المزيد.....

العقيدة الموروثة : حين يصبح الإيمان قيدًا بدلًا من أن يكون وعيًا


محفوظ بجاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8322 - 2025 / 4 / 24 - 13:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في مجتمعاتنا المغاربية، نولد داخل منظومة عقائدية جاهزة، لا يُطلَب منّا فهمها، بل فقط تبنّيها والدفاع عنها، كأنها جزء من هويتنا الوراثية. يُربَّى الطفل منذ وعيه الأول على أنّ الدين ليس مجالًا للفهم أو التساؤل، بل هو مسلّمٌ به، والخروج عن تفاصيله — ولو بالسؤال — يُقابَل بالتشكيك في الإيمان والولاء.
لكن هل الإيمان الحقيقي يُخاف عليه من الأسئلة؟ وهل عقيدة لا تحتمل التفكير يمكن أن تصمد أمام الزمن؟ ما مدى مساهمة هذا الإرث الديني، غير المفكَّر فيه، في تعطيل الوعي الفردي، وتحويل المجتمع إلى جمهور يُصفّق لكلّ من يتحدث باسم "المقدّس"؟
الدين كهوية وليس كخيار واعٍ هو أول عُقدة يجب تفكيكها. فمنذ لحظة الميلاد، يُمنَح الفرد هوية دينية لا يختارها، وتُحاط بأسوار من الخوف والحرام. لا يُسأل إن كان مقتنعًا، بل يُطالَب فقط بأن يُطيع. هذه الممارسات تخلق "إيمانًا آليًا" هشًّا، تنهار أركانه أمام أول شكّ، وتُربّي أجيالًا ترفض النقاش بدل أن تخوضه، فتغيب بذلك فكرة "المسؤولية الإيمانية" ويحلّ محلّها الالتزام الغريزي بما هو مفروض لا مفكَّر فيه.
وهذا ما يقود إلى الخوف من التفكير، حيث تهمة الكفر جاهزة. السؤال في الدين يُعدّ في مجتمعاتنا تمردًا، وتهمة "الزندقة" أو "الضلال" تُلاحق كل من يحاول استخدام عقله خارج الإطار المرسوم. وهكذا، تُزرع الرقابة الذاتية لا باسم القانون، بل باسم الجحيم، وتُخنق القدرة على التفكير النقدي من الجذور. الفرد لا يجرؤ على أن يقول "لماذا؟" أو "كيف؟"، لأن مجرّد طرح السؤال قد يُنظر إليه كتهديد للسلم العقائدي.
هذا المناخ الذهني لم يأتِ من فراغ، بل تسهم فيه المؤسسات كحُرّاس للعقيدة المُعلّبة. المدرسة، الإعلام، وحتى بعض المنابر الدينية، لا تُشجّع على الإيمان الواعي، بل تُعيد تدوير نفس الخُطب والمفاهيم التي وُلدت قبل قرون، دون تجديد أو مراجعة. يُقدَّم الحديث عن الفلسفة أو العلم وكأنه تهديد، لا رافد لفهم أعمق للدين. وهكذا، بدلًا من أن تكون العقيدة منارة، تتحوّل إلى سورٍ يطوّق الوعي.
لكن الأخطر من هذا الجمود، هو ما يحدث حين يُستغَل الدين سياسيًا. هنا يصبح الدين أداةً بيد السلطة لتبرير القمع، وتكريس الطاعة، وإسكات المعارض. كل سؤال يُقابل بخطاب ديني مفرغ من مضمونه، لكنه فعّال في تخدير العقول. ومع الوقت، تتماهى السلطة مع المقدّس، فيُخشى نقد الأولى خشية المساس بالثاني، ويتحوّل الدين من قوة تحرير إلى وسيلة سيطرة.
ليس المطلوب أن نتخلّى عن إيماننا، بل أن نعيد امتلاكه بوعينا، لا بوراثتنا. أن نفهم بدل أن نحفظ، أن نسأل بدل أن نخاف. فالدين، حين يُفهم بعمق، لا يُخشى منه ولا عليه. أمّا حين يتحوّل إلى قيد فكري، فإن أولى ضحاياه هو الإنسان ذاته، الذي لا يجرؤ على أن يكون حرًّا حتى في إيمانه.



#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من ذاكرتي : عندما لا تغادرنا الأوجاع
- هواري بومدين وصناعة الرموز : حين يصبح التاريخ أداة للشرعية ا ...
- رغم إنك كبير يا وطني....
- أحمد أويحيى: رجل الدولة الذي خسرته الجزائر
- الركود الفكري في الجزائر: تحديات المجتمع في عصر الجمود
- الدولة المؤمنة... واستنزاف الجيوب باسم العقيدة
- كرامة المواطن ليست للبيع!
- غربة في غربة... حين تصبح الغربة مصيرًا لا مفر منه
- خطر الفكر الظلامي في الجزائر : بين الإهمال والسياسة الممنهجة
- 8 مارس-عيد المرأة : ليس مجرد احتفال...بل صرخة للحقوق والكرام ...
- عيد المرأة : بين الاحتفاء والبحث عن العدالة والمساواة
- علم الاجتماع في قبضة التجهيل : هل تخلى عن دوره في كشف الواقع ...
- رمضان : فرصة للتوازن الأخلاقي وتجديد الذات
- التجسس على الناس باسم الدين : أزمة أخلاقية أم انحراف فكري
- قفة رمضان : بين التكافل الإجتماعي وإهانة الكرامة
- عبء التاريخ : كيف نتحرر من الماضي لبناء المستقبل ؟
- المدرسة الجزائرية : كيف شوهت الهوية الوطنية وضلّلت الأجيال؟
- العبودية الاختيارية... لماذا يتأقلم البعض مع القمع؟
- الجزائر بين الماضي والحاضر، ضرورة الإصلاح والنهضة الفكرية
- التربية السليمة للأبناء : بين التوجيه والحرية


المزيد.....




- ناد أرجنتيني يقيم قداسا لوداع بابا الفاتيكان بكنيسة النادي
- الأردن يحظر الإخوان المسلمين: ما مصير الإسلام السياسي؟
- تساؤلات ما بعد حظر -جماعة الإخوان المسلمين- في الأردن؟
- مراسلة CNN من داخل الكنيسة التي يرقد فيها البابا فرنسيس.. هذ ...
- الأردن يحظر جماعة الإخوان المسلمين ويغلق مكاتبها
- الفاتيكان يعلن الحداد 9 أيام بدءا من السبت ويترقب توافد حشود ...
- الرئيس السوري يقدم التعازي في رحيل بابا الفاتيكان 
- الشرع يعزي الطائفة الكاثوليكية الرومانية برحيل البابا فرنسيس ...
- نتنياهو: لن نسمح بقيام خلافة إسلامية
- حظر أنشطة جماعة الإخوان المسلمين بالأردن


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محفوظ بجاوي - العقيدة الموروثة : حين يصبح الإيمان قيدًا بدلًا من أن يكون وعيًا