أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة نهيض حرة و غراس شريف .














المزيد.....

مقامة نهيض حرة و غراس شريف .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8322 - 2025 / 4 / 24 - 11:53
المحور: الادب والفن
    


(( تحمل هذه العبارة )) نهيض حرة وغراس شريف ((في طياتها معاني العزة والأصالة , والثبات على المبادئ السامية, ويستشهد بها على مواقف الرجال , وقول بليغ ومُعبر , يستلهم ليضيء على مواقف الرجال الحقيقية , من تراث العباسيين والامويين من قريش , شيخ من الشام كان في صحابة هشام بن عبد الملك , سأله أبو جعفر المنصور عن تدبير هشام في بعض حروبه للخوارج , فوصف الشيخ له فقال: فعل رحمه الله كذا , وصنع رحمه الله كذا , قال له المنصور: (( قم , عليك لعنة الله , تطأ بساطي , وتترحم على عدوي؟)) , فقام وهو يقول : إن نعمة عدوك لقلادة في عنقي لا ينزعها إلا غاسلي , فقال له المنصور: ارجع يا شيخ , فرجع فقال : (( أشهد أنك نهيض حر, وغراس شريف , عد إلى حديثك )) , فعاد الشيخ في حديثه , فلما فرغ دعا له بمال فأخذه , وقال: يا أمير المؤمنين , ما بي حاجة إليه , ولقد مات من كنت في ذكره , فما أحوجني إلى وقوف في باب أحد بعده , ولولا جلالة أمير المؤمنين وإيثار طاعته ما لبست لأحد بعده ثوباً, فقال له المنصور: مت إذا شئت , لله أنت , فلو لم يكن لقومك غيرك كنت قد أبقيت لهم مجداً مخلداً , وذكراً باقياً .

عن أبي دفافة العبسي قال: حدثت المنصور بحديث العجلان بن سهل , وكان دخل على عبد العزيز بن القعقاع , فبينا هو جالس إذ دخل رجل متلطخ الثوب بالطين , فقال عبد العزيز: ما لك ؟ قال : ركب هذا الأحول , يعني هشام بن عبد الملك , فنفرت ناقتي فسقطت , فانتزع العجلان سيفه فنفحه به , ووثب الرجل فأخطأه السيف , ووقع في وسادة فقطعها , وقال : يا لكع أعياك أن تسميه بأمير المؤمنين , وبأسمه الذي سماه به أبوه , أو بكنيته , ونظرت إلى الذي يعاب به فسميته به , أما و اللّه لوددت أن السيف أخذ منك مآخذه , قال : فكان المنصور يستعيدني هذا الخبر كثيرا , ويقول: (( كيف صنع العجلان بن سهل ؟ مع مثله يطيب الملك )) .

يعكس ((النهيض الحر)) رفض الذل والخنوع , والوقوف شامخًا أمام التحديات والظلم , كان هشام بن عبد الملك يكره تقبيل اليد , حكى العتبي , قال : دخل رجل على هشام بن عبد الملك فقبل يده , فقال: أفّ , إن العرب ما قبلت الأيدي إلا هلوعاً , ولا فعلته العجم إلا خضوعاً , هناك أمثلة تاريخية أو معاصرة لرجال أظهروا عزة نفس في مواقف صعبة , مفضلين التضحية على التنازل عن مبادئهم , عن إبراهيم بن أبي عَبْلة قال: أراد هشام أن يوليني خراج مصر فأبيت , فغضب حتى اختلج وجهه , وكان في عينيه حول , فنظر إلي نظر منكر, وقال : لتلينَّ طائعاً , أولتلينَّ مكرهاً , فأمسكت عن الكلام حتى سكن غضبه , فقلت : يا أمير المؤمنين أتكلم؟ قال : نعم , قلت : إن الله قال في كتابه العزيز: (( إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا)) ,( الأحزاب: 72 ) , فوالله أمير المؤمنين ما غضب عليهن إذ أبين , ولا أكرههن إذ كرهن , وما أنا بحقيق أن تغضب عليّ إذ أبيت , وتكرهني إذا كرهت , فضحك وأعفاني.

كان هشام بن عبد الملك يقرب منه الأذكياء أصحاب الحكمة والعقل الراجح , ذلك أنه لما أتته الخلافة سجد لله شكراً , فلما رفع رأسه وجد الأبرش الكلبي واقفاً , فقال : ما لك لم تسجد معي؟ فقال : يا أمير المؤمنين , رأيتك وقد رفعت إلى السماء , وأنا مخلد إلى الأرض , فقال: أرأيتك إن رفعتك معي أتسجد؟ فقال : الآن طاب السجود , فسجد , فأمر له بالإحسان الكثير وأن يكون جليسه طول مدته , وعوتب في شأنه وقيل له : ما تجالس في هذا الأبرش؟ فقال : حظي منه عقله لا وجهه.

لا يساوم الرجل الحق على كرامته وكرامة الآخرين , يشير (( الغراس الشريف )) إلى الأصل الطيب والنشأة الكريمة التي تغذي سلوك الرجل وقيمه , وأن الرجل الأصيل يتمسك بجذوره الأخلاقية والإنسانية , ويسعى دائمًا ليكون خير خلف لخير سلف , ويزودنا التأريخ بأمثلة عن كثير من الرجال الذين كانت أفعالهم امتدادًا لقيم نبيلة ورثوها عن أسرهم ومجتمعهم , ففي أيام هشام قحطت البادية فقدمت عليه العرب , فهابوا أن يكلموه , وكان فيهم درواس بن حبيب , وهو ابن ست عشرة سنة , له ذؤابة , وعليه شملتان , فوقعت عليه عين هشام فقال لحاجبه : من أراد أن يدخل عليّ فليدخل , فدخل حتى الصبيان , فوثب درواس حتى وقف بين يديه مطرقاً , فقال: يا أمير المؤمنين , إن للكلام طيّاً ونشراً , وإنه لا يعرف ما في طيه إلا بنشره , فإن أذن لي أمير المؤمنين أن أنشره نشرته , فأعجبه كلامه وقال : انشره لله درك , فقال: يا أمير المؤمنين , إنه أصابتنا سنون ثلاث , سنة أذابت الشحم , وسنة أكلت اللحم , وسنة أدقت العظم , وفي أيديكم فضول مال , فإن كانت لله ففرقوها على عباده , وإن كانت لهم , فلا تحبسوها عنهم , وإن كانت لكم فتصدقوا بها عليهم , فإن الله يجزي المتصدقين , فقال هشام : ما ترك لنا الغلام واحدة من الثلاث عذراً , فأمر للبوادي بمئة ألف دينار, وله بمئة ألف درهم , ثم قال له : أما لك حاجة؟ قال: ما لي حاجة في نفسي دون عامة المسلمين.

تتجلى هاتان الصفتان (النهيض الحر والغراس الشريف) في مختلف جوانب حياة الرجل , مثل : مواجهة الظلم , والوقوف في وجه الباطل , والدفاع عن الحق , وتحمل المسؤولية , والوفاء بالوعود والالتزام بالمباديء , والتعامل مع الشدائد بالثبات والصبر في أوقات الأزمات , ونصرة الضعيف , ومد يد العون , والمساعدة للمحتاجين , وعدم التخلي عن القيم الأخلاقية مهما كانت الإغراءات , وهكذا فأن قول المنصور نهيض حرة وغراس شريف يقدم معيارًا قيمًا لتقييم الرجولة الحقة , وأهمية أن يسعى الرجال لتبني هذه الصفات في حياتهم وأفعالهم , لتكون تلك العبارة برسالة مُلهمة تدعو إلى التمسك بالعزة والأصالة كركائز أساسية لبناء مجتمع قوي وأخلاقي .



#صباح_حزمي_الزهيري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة التفاهة .
- مقامة العرّافة .
- مقامة السُّهَا .
- مقامة القلب الكسير .
- مقامة اللوكي .
- مقامة البازار .
- مقامة الشيطان يكمن في التفاصيل .
- مقامة الفن للفن ؟
- مقامة ما طار طير .
- مقامة الأستيلاد .
- مقامة البلاد البلاد .
- مقامة المربك و المرتبك .
- مقامة اطاعة المسؤول .
- مقامة حُراس التناحة .
- مقامة سُكرةعراقية .
- مقامة ترانيم المواويل
- مقامة رفيق الحويجة .
- مقامة الأنبهار .
- مقامة السمراوتين .
- مقامة الدرويش .


المزيد.....




- -تحيا فلسطين- نصف قرن من نشيد مناهضة الحرب بالسويد
- إدارة ترامب تسمي مبعوثها لقيادة المحادثات الفنية على مستوى ا ...
- من هو مايكل أنتون الذي كلّفه ترامب برئاسة وفد المحادثات الفن ...
- فنانة تشكيلية لا ترى في الريشة أداة رسم بل أداة للبوح والحكا ...
- سيمونيان تغالب دمعها وتقدم فيلم زوجها المخرج كيوسايان (فيديو ...
- تحوّل بفعل الناس.. طريق هيئة تحرير الشام إلى السلطة في سوريا ...
- -السِّت-.. ماذا تحمل الدورة الـ 9 من مهرجان -أسوان لسينما ال ...
- العراق.. مشاركة روسية في مهرجان -بابل- للثقافات والفنون العا ...
- بدايات القرن العشرين في المغرب بريشة الفنان الإسباني ماريانو ...
- اللقاء المسرحي العربي الخامس بهانوفر.. -ماغما- تعيد للفن الع ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة نهيض حرة و غراس شريف .