لخضر خلفاوي
(Lakhdar Khelfaoui)
الحوار المتمدن-العدد: 8321 - 2025 / 4 / 23 - 18:12
المحور:
الادب والفن
كتب:لخضر خلفاوي
-*قصة مستوحاة من الواقع:
*
-تُقى لم تُكمل علامها بسبب منعها من طرف عائلتها -اتقاء انحرافها-و تمردها على أعراف المجتمع و العائلة. فخروجها الدائم للتمدرس قد يشجع نفسها على العصيان و الانحراف، خصوصا بعدما صارت فيزيونوميا أنوثتها تتشكل شيئا فشيئا. مذ ذلك الحين مع تقدم سنها و نموها بدأ الخناق يشتدّ عليها إلى أن مُنعت من الخروج لمّا بلغت السّن القانونية.. و تم إخضاعها بشكل أو بآخر لرعاية شؤون البيت و احتياجات والديها و إخوتهامن تنظيف البيت و من طهو طعامهم بشكل دائم.. يخرج الجميع يوميا إلى أشغالهم العملية و الدراسية بما في ذلك والدتها التي كانت ببرامجها مكتظة بين العمل (كعميلة) أو مُساعدة انتاج في مؤسسة اقتصادية صغيرة في منطقتها القاحلة المرافق و بين جولات تسوقها و متابعة دروسها التعليمية في إطار محو (أُمّيتها)!. كانت تُقى خادمة الجميع بالقسر المجتمعي العرفي فلا يحقّ لها رفض أيّ أمر أو طلب خصوصا لمّا أُخضعت إلى قرار العائلة في إقامتها الجبرية بالمنزل خصوصا بعد اشتعال شمعتها الثامنة عشر ! فإشعال الشموع بعد هذا السقف الأنثوي يذكي نار الفتن و الطمع ؛ كلّما أوقدت لهم تُقى شمعة جديدة ازداد ذعر و خوف و قلق أفراد العائلة، مردّ ذلك السلوك النمطي هو الخَوفٌ منها و عليها ...
لم يتوقّع "حمدان" و "رقية" أنهما سيتعاملان مع بنتهما الوسطى و أُنثى العائلة المُنجبةالوحيدة بهذه القسوة و الفضاضة. يا حمدان لقد وضعتها أنثى!
تحدث رقية زوجها بتخوّف كبير من زوجها متوقعة سخطه مما صوّره الله في بطنها إذْ خلَّق مؤَنِّثاً نُطفته فيها. إجابته كانت غير متوقعة و مبددة في آن لمخاوفها و مُشكِّلة لارتياحها:
-وَ لْيَكن! إنها مشيئة الخالق لا اعتراض على ذلك يا "مخلوقة ربي"..نحن أناس على قد الحال لكننا و الحمد لله مؤمنين ..أوَ نسيتِ فضل الأنثى في تكثير البشر ، لو لا الأنثى ما عرفنا آدم ، إنها أمنا الأنثى ! ربّي يعيننا و نؤدي أمانة تربيتها أحسن تربية ، و نعتني بها و نحافظ عليها حتى تكبر و -ايْجيها مكتوبها- متمثِّلا لها بشراً صالحا سويّا و نزوجها منه ككل البنات. نُسمّيها على بركة الله "تُقَى"، و نُصاحبها بمعروف عسى أن تكون فتاة صالحة مُتّقية مُطيعة لله و لِأهليها !
-آمين يا ربّ العالمين! تردف مُعقّبة زوجته رُقيّة.
***
-تبرّكا بالتراث و السّلف الصالح أسماء الفضلاء و أعلامهم من الصالحين و الصّالحات المفروضة من قبل الوالدين و توخّي العفاف و الفضيلة من ذرّيتهم لم تكن إلا وبال شؤم و أوزار تكليفية و أغلال لحامليها..ليست الأسماء و الألقاب و الكُنيات في شيء التي نوسّم أو نوشّم بها هويات "أحفاد قابيل" أو ذرية "سيزيف" ..تلك الكُنيات المتعدّية كتعاويذ تُقوَيّة لن تقيهم من جحيم صراع الوجود إلا من رحم ربّ قابيل ، حتى ربّ "سيزيف" لا يستطيع ! الأمانة الثقيلة العظمى الكبرى، التحدّي الكبير إن لم أقل التحدي المستحيل. ينسى هؤلاء أنّ غالبا ما تكون الأسماء في تضاد مع المُسمّيات المرغوبة و أن للخطيئة فضل على الفضيلة فلو لا الخطايا ما عرف الإنسان معنى الفضائل و مواضعها و ما اهتدى !. فرُبّ (محمّد) مثلا أو (حميد) عاش رذائليا و سِكِّيرا و ماجنا، فاجرا مذؤوما بين الناس شريدا ضالا كفورا و محمودا بينه و بين نفسه و الشيطان أو في وسطه الفاسد ..و ربّ "مؤمن" ألحد في الله و بارز دينه بالمعاصي و الكفر بالفضيلة و ربّ "حليم" أو "هادي" كان كفّارا و جبّارا في الأرض جسورا على بني جلدته و ملّته و ربّ "طاهر" أفنى حياته في التنجيس و الترجيز و ربّ "حَسن" اتخذ للنفاق و الفساد دينا و رفيقا و سبيلا فيلتحق بعد انقضاء زمنه بغتة بصف المجرمين يوم حساب النّاس. عادة المُكَنّيات تتنافر مع المُسمّيات في السلوك و السيرة؛ لأن الذي أغوى آدم و أغوى قابيل و أغوى "سيزيف" حتى في الأساطير و ذريته قعدَ لهم جميعا سبيل الحق!.
***
منزوية في غرفتها مُغلّقة الباب و النوافذ، حمّالة لهاتفها الذّكي الغويّ اللصيق بها طوال اليوم تتصفح فضاءات التواصل الافتراضية و "أسواق الرّجال"، غائبة النظرات و هي في أوج الألم و الحزن و السخط على معاملة أهلها..بأسى يمضغها الحزن و هي (تجلسُ مع نفسها) .. ثاني إثنين إذ هما في حضرة شهوة الجُنح و العار، ثالثهما (الخنّاس) .. تقول لها .. ثماني حِجج مرّت على هذا الحال! إنهم كتموا أنفاسي / خنقُوني ، إنهم يودون قتلي ..إنّي أموت، اختنق بأهلي .. إني اختنق.. أموتُ أنا .. أنا أموت بشدة ".كانت تحاول مُجاراة نفسها الجريحة فقاسمهما إنّي لكِ و لنفسكِ لمِنَ الناصحين..فوَسوسَ لها يا "تُقى" إني حَضرتُ لأدلّكِ على حياة المتعة و النعيم فاتِّبعيني أَدُلِّكِ سبيل الرّشاد..فلا تقولي "إنّي أموت" بعدئذ، فما نهاكِ والديكِ عن حياتكِ تلك إلا أن تكوني "أميرة" أو مَلِكة أو تكونين من المَحبوبات المُفضلات في الحياة الدنيا! تذكّري نصحي جيدا ، أنتِ لستِ عورة ، لستِ فضيحة ، أنتِ فاكهة لذيذة خلقها الله للفاكهين ! فبعزّة الغواية و جلالها لأجعِلَنَكَ تقولين باستمرار "أنا أحيا.. أنا أحيا .. أنا فاكهة جميلة.. نَذَرتُ نفسي و جسدي للفاكهين"!.
مذ تلك اللحظة انقلب حال تُقى و صارت فتاة أُخرى غير التي اعتاد عليها أفراد أسرتها ككثرة تذمرها و شكواها من الأعباء المنزلية و فروض واجباتها تجاههم.. صارت إيجابية ، مُسالمة و كاظمة لسُخطها و حزنها بل تبدو أحيانا سعيدة فأعطتهم انطباع الرضا بهم و عنهم فقليل ما يصدر منها جدل و تصادم معهم. و يمضي الوضع سنة بعد سنة على هكذا حال، كان يبدو الأمر إيجابيا، فكانت في بعض الأحيان تغنّي و هي تمارس مهام خدمة كل أفراد العائلة الكريمة ، كان تمويهها لهم و تمثيلها دور الراضية في غاية الإحكام.. كانت سعادتها الواضحة بنفسها تدفعها إلى الرقص تزامنا مع أشغالها .. لقد نسوا كل تلك الخلافات العنيفة التي سببتها لهم عندما كانت في المتوسطة بسبب ظهور أزمات مراهقتها و تغيرها المفاجئ إلى حال أسوإ و بروز سلوك عصياني متمرّد مجادل
.. أو لمّا كانت لا تفهم سبب محاربة أهلها لها و حرمانها من حرّيتها الشخصية في اتخاذ قرارتها بنفسها مما اضطروا حسب ظنهم إلى وقايتها بعد تعبهم من سلوكها إلى إيقافها عن الدراسة نهائيا تجنبا لحدوث أي فضيحة أو انحراف لا رجعة منه!.
-كانت لما تخلو بنفسها في غرفتها بعيدا عن أنظار عناصر أسرتها المنتفعين بخدمتها لهم المُطلقة و طاعتها العمياء تلجُ عالمها الأزرق و تُقلّب أبواب و نوافذ غرفها العديدة السرية الافتراضية، كل غرفة تضرب فيها موعدا لذكر من الذكور الكثر الذين وفرهم لها بسخاء "العم مارك" مجانا .. كانت ترى نفسها أميرة استثنائية أو ملكة رائعة يحبها و يرغب فيها و يعزها كل ذكور العالم فتنتفخ لها في لياليها الفروج .. تقول في نفسها منتشية (الله يرحمك يا عمي مارك على جود كرمك بسوق للرجال كهذا و الشهوات و المُتع المجانية.. تأتينا دون عناء إلى شراشف نوافذنا و أسرتنا).. لا يوجد ذكرٌ واحد أنْ كدّرها أو قبّحها أو لامها .. (من أين أتيت يا العم مارك بكلّ هؤلاء الذكور النبلاء الكرماء الجُملاء الراقون المعصومون عن الأخطاء ! فعلا أنا أحيا بهم ! أنا أحيا بهم ! صدقت يا خنّاسي الجميل ! ها أنا أكفر و انتصرُ لكلّ الجنح و الخطايا انتقاما و مكرا بكل السُلطات السماوية و الأرضية التي حاولت قتلي و خنقي .. أنا أحيا لأنّ "مارك" منحني مطلق الحرية أفعل بها و بنفسي ما أشاء ! أخذ عدد الذكور يتزايد و يتوافد إليها في خلواتها حتى تشابه عليها العدد و اختلط الرهط ، هم لا يتوقفون من قطف و التهام فواكهها بالتناوب الافتراضي من خلال كاميرا هاتفها و هي لا تشبع من الشعور بالسعادة و الرضا لما تودعه حسّيات الشهوة و المتعة النفسية الشخصية. لم تكن تدري أن تماديها أفقدها نفسها في عالم ليس ملموسا و لا وجود له بالمادة، بل أصبحت مدمنته و تراه التعويض الأعظم للحرية و المتعة هي المحفّز الأكبر عن ذلك الخراب المادي و المعنوي الذي تجده في بيت العائلة التي أسرتها و منعتها من الخروج و قوضت حريتها ! هذا العالم الذي جعلها أو أعطاها القوة الواهمة في الاستمرار و الحياة! لم تَكن تدري أنّ "ناصحها" (ألهمها فجورها) !
عالمها يفقدها الوعي أحيانا ، فعُصارة أخيار الذكور المثاليون لكل البشرية تجدهم في الافتراض في غرف الدردشة و ممارسة المتعة المجانية دون رقيب متسلّط ! ما أنْساها إلا الذي وعدها غرورا و لم تُغلق باب غرفتها لتكتشف والدتها ما لم يَكُ في الحُسبان! في دخلة مُباغتة تُدركها والدتها تمارس المتعة مع ذكر من ذكورها الافتراضيين ! السّماء التي كانت تضيق ذرعا برقابتها سقطت عليها و الأرض التي كانت ينسلُ منها أناس جبارون متسلطون كادت أن تبتلعها! لم تكن تدري أن رصيد الستر الذي منحه لها ربّ آدم و رب "قابيل" و رب "سيزيف" قد انتهى! لقد طال عهدها بحب الانغماس في الشهوات المحرمة على مرأى أعين الله فسحب عليها غطاؤه لأنها لم تستحِ منه في سِرّها فنفذ قسطها من صبر الله!
-تهاوى عالمها و صار حُطاما و هي وسطه تقلّب كفّيها ، أين عالمي ، أين حياتي ، أين رجالي .. أين مُتَعي.. أين شغفي بذكوري و دهشة كلّ لقاء في كل ليلة ساخنة !؟.
-بعد هذه الواقعة ازداد الخناق و التضييق عليها من قبل العائلة و حُرمت من أي وسيلة اتصال أو جهاز من شأنه أن تتواصل به مع ذكورها و ممارسة حياتها الموازية المُطلقة الحرية في تجريب كل الجنح و الخطايا دون وازع و لا رادع و لا حدية سماوية و لا موانع وضعية! إدمانها للافتراض، عالمها الموازي الواهم بالتعويض و إدمانها لسلوكها ذلك كان أكبر و أخطر من أن تسكتَهُ أو تَحدّه أو تقمعه جدران أهلها .. يمضي العمر الحقيقي بسرعة و لم تنتبه أنها أطفأت ستُّ و عشرون شمعة. مرت شهور دون ممارساتها الرذائلية الافتراضية، فطموها عن حياتها (الأخرى) .. تأزّمت حالتها النفسية و تدهورت .. إنها كانت تحيا و تمارس حياتها في محيط أزرق غير متناهي المتع و الشهوات!
و كتموا ثانية أنفاسها بتشديد الخناق على كل حركة و سكينة لأنها فقدت ثقتهم فيها ! إنّي اختنق ، لا أستطيع التنفس ، ماذا حدث لعالمي.. أينك يا مُلهِمي .. إنّي لا أحيا .. إنّي أموت !؟
بينما كان الجميع في الخارج يتنفس الهواء بحرية و دون رقابة يزاولون الواقع يطرق باب منزلهم طارق غير متوقّع! كانت الطفلة "خلود" التي لا تتجاوز الثلاث سنوات لا تدري أنها على عتبة المرور إلى العالم الآخر.. أرسلتها والدتها لجلب غرض ما كالعادة ..أدخلتها تُقى باحة الحوش ثم استدرجتها شيئا فشيئا ثم فجأة انقضّت عليها كالوحش الكاسر و أخذت تتنَفّس بشدة و هي تخنق الطفلة بكل ما أُوتيت من قوة و غضب و كأنها تريد أن تسرق أو تجتثّ منها الحياة لتشحن بها حياتها و تُسعفها بكمية الأوكسيجين الذي يختلج جسد الطفلة البريئة.. أو كانت ترى أخيلة عائلتها على هيئة خلود المسكينة ، تقول لنفسها "لا أبدية للخناق" ، تريد أن تثأر من الخناق الذي سلّطوه عليها و تجسّد في شخوص عائلتها متلبّسا جسد خلود الصغير .. أُرديَتْ خلود جثة هامدة قابعة في قعر برميل كبير للماء! لقد فقدت الحياة فعلا ! و كأنه بعد الجريمة لم يحدث شيء، تنفّست تُقى الصّعداء و هي في قاع السقوط الحر من شواهق سحب عالمها السابق و كأنها استعادت حصة معتبرة من الأكسيجين يسمح لها بتمديد حياتها قليلا في انتظار حلول استرداد حريتها المرضية الافتراضية ..هل كان انهيار عالم تُقَى الافتراضي أكبر و أعظم كارثة من ازهاق روح طفلة صغيرة؟..
كان يُعتقد من قبل فرق الأمن و التحقيقات أن لِذكور تُقى على منصّات الافتراض ضِلعٌ في تفاصيل هذه الجريمة البشعة فأُوتِيَ بهم جميعا و أُحضروا من جهات و بلدات مختلفة لكنه اتضح بعد كل التحرّيات أن كتيبة الذكور تلك بريئة من صنعها و لم يكن عناصرها الليليون إلا شُركاء عبث و متعة و لهو ل تُقى في عالمها الأزرق.. عندما قررت أن تكون أُنثى الجميع للمتعة عن بعد ! حينها أخلت الجهات الأمنية سبيلهم.. و لم تجد و لا نصف أو شبه ذكر من ذلك العالم الواهم أن وقف إلى جنبها ليشد أزرها.. تلاشى جميع الذكور كالفقاعات و لم يبقَ حاضرا معها عدا حمدان والدها أوّل ذكر في حياتها ترسم تقاسيم وجهه الفاجعة، العار و الفضيحة معاً، في حين ثبت الجريمة على تُقى و مسؤوليتها الكاملة في قتل نفس بغير حقّ و أُودعت السّجن إلا أن تُحدد لاحقا جلسة حقيقية لمُحاكمة حقيقية ل القاتلة التي فقدت حياتها الافتراضية و عُذريتها الحقيقية و دمّرت وجودها المادي الواقعي.. و سيكون القاضي بلا شكّ حفيدا لِقابيل!
بعد القبض على تُقى كانت رُقية والدتها حاضرة في مكتب للتحقيق مصدومة جالسة و تتذكر يوم ميلادها لمّا سمّاها والدها تُقى و قرأ حصرا في أُذنيها آية وحيدة أقسم بها الخالق من سورة الشمس (و نفسٍ و ما سوّاها)...شموس الافتراض لا تغرب..
(منْ ألهم فُجورها ) أالله أم إبليس؟!. كانت الوالدة تُحدث نفسها مكترثة ! أمّا شمس الواقع يدركها الغروب و يلبسها الظلام و لكن لو لا الظلام ما عرفنا حقيقة الشمس و لو لا الشمس لما سكنَّا الليل ، و لا يسبق الواحد منهما الآخر كما يحدث في العالم الموازي !
—
31/1/25
#لخضر_خلفاوي (هاشتاغ)
Lakhdar_Khelfaoui#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟