أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - حمدي سيد محمد محمود - استثمار في الخراب : كيف تبتلع الحروب مقومات التنمية في المجتمعات العربية؟














المزيد.....

استثمار في الخراب : كيف تبتلع الحروب مقومات التنمية في المجتمعات العربية؟


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8320 - 2025 / 4 / 22 - 16:18
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


د.حمدي سيد محمد محمود
يشكّل اقتصاد الحرب أحد أكثر العوامل تدميرًا لمسارات التنمية المستدامة في العالم العربي، نظرًا لما يفرضه من أولويات قسرية تعيد توجيه الموارد والإمكانات بعيدًا عن المجالات المدنية والتنموية نحو الآلة العسكرية والاحتياجات الأمنية. فعوضًا عن استثمار الطاقات في التعليم، والرعاية الصحية، والبنية التحتية، والابتكار، تجد الدول العربية المنخرطة في النزاعات أو المهددة بها نفسها أمام واقع يتطلب ضخّ ميزانيات ضخمة في التسلّح، والتجنيد، والدفاع، على حساب النسيج الاجتماعي والاقتصادي. هذا الانحراف في بوصلة الأولويات يؤدي إلى ما يمكن وصفه بـ"الاستنزاف الهيكلي"، حيث تتآكل أسس الدولة التنموية لصالح بنية أمنية-عسكرية مغلقة.

من منظور التنمية المستدامة، والتي تقوم على ثلاثة أبعاد مترابطة: الاقتصادي، الاجتماعي، والبيئي، يتجلى أثر اقتصاد الحرب بوضوح في تفكيك التوازن بين هذه الأبعاد. اقتصاديًا، تساهم الحروب في تدمير البنى التحتية الحيوية، وانكماش الناتج المحلي، وهروب الاستثمارات، وتضخم الديون الخارجية، مع ما يصاحب ذلك من تعطّل لسلاسل الإنتاج وتآكل في قدرات الدولة على الابتكار والإنتاجية. أما اجتماعيًا، فإن انتشار العنف المسلح يؤدي إلى تهجير السكان، وتفشي البطالة، وانهيار المنظومات الصحية والتعليمية، فضلًا عن تزايد نسب الفقر والتفاوت الطبقي، مما يولّد أجيالًا محرومة من الأسس التي تمكّنها من المساهمة الفاعلة في بناء المستقبل. بيئيًا، غالبًا ما تكون الحرب سببًا مباشرًا في تدمير الموارد الطبيعية، وتلويث الهواء والمياه، واختلال التوازنات البيئية، ما يشكّل تهديدًا مباشرًا للاستدامة البيئية طويلة الأمد.

تُضاف إلى ذلك آثار نفسية وثقافية عميقة، حيث تتآكل الثقة المجتمعية وتتفشى ثقافة العنف، مما يعيق إعادة بناء العقد الاجتماعي، ويُضعف من قدرة المجتمعات على التعايش السلمي، وهي ركيزة أساسية لأي نموذج تنموي مستدام. إن المقاربة الأمنية التي تفرضها اقتصاديات الحرب تحوّل الدولة من فاعل تنموي إلى فاعل سلطوي، حيث تغيب آليات المشاركة السياسية والتوزيع العادل للثروات، ويصير الاستقرار المشروط بالقوة هدفًا أعلى من الازدهار المشترك. وقد أدّى ذلك في العديد من الدول العربية إلى ظهور اقتصاد ظلّ موازٍ، يسيطر عليه أمراء الحرب أو شبكات المصالح المتحالفة مع السلطات، مما يُعقّد أكثر من فرص التحول نحو اقتصاد إنتاجي وتنموي.

علاوة على ذلك، فإن تكرار الصراعات وعدم حلها بشكل جذري يفضي إلى ما يمكن وصفه بـ"ديمومة الهشاشة"، حيث يصبح العنف السياسي والبنية الحربية جزءًا من الاقتصاد الوطني، ويجري تقنينه وتمويله خارجيًا في أحيان كثيرة. يؤدي هذا الوضع إلى حالة من "فقدان السيادة الاقتصادية"، إذ تُرهن القرارات المالية والتنموية لإملاءات المانحين أو الأطراف الداعمة لطرفٍ دون آخر، ما يضعف من قدرة الدولة على وضع سياسات وطنية متكاملة تلبي احتياجات التنمية المستدامة.

في النهاية، لا يمكن فصل التنمية المستدامة في العالم العربي عن معضلة الحروب والنزاعات، إذ يشكّل التحول من اقتصاد الحرب إلى اقتصاد السلام شرطًا أساسيًا لإعادة إطلاق عجلة التنمية. ويستلزم ذلك رؤى استراتيجية تتجاوز الحلول الأمنية نحو تبني سياسات شاملة للعدالة الاجتماعية، والتوزيع العادل للموارد، وبناء مؤسسات قوية وشفافة، تعيد الاعتبار للإنسان كمحور مركزي في مشاريع التنمية. من دون هذا التحول البنيوي، ستظل المنطقة العربية تدور في حلقة مفرغة، حيث يغذّي العنف تخلّف التنمية، ويغذّي غياب التنمية مزيدًا من العنف.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفكيك المقدس: ديكارت في مواجهة الميتافيزيقا
- نيتشه و مابعد الحداثة: من موت الإله إلى تشظي المعنى
- العلمانية والإسلاموفوبيا: جدلية التنوير والإقصاء
- الذكاء الاصطناعي في مواجهة تغير المناخ: أمل تقني في معركة مص ...
- عصر الخوازميات الناطقة: الثقافة الرقمية وتحولات الإعلام
- مستقبل القواعد العسكرية الأجنبية في الوطن العربي في ظل التحو ...
- الحرية بين العقل والإيمان: قراءة مقارنة في الفلسفة الإسلامية ...
- المقاومة التنظيمية وإعادة تشكيل الثقافة المؤسسية: تحديات وسب ...
- على حافة العدم: النقد الفلسفي للإلحاد الوجودي ومعضلة المعنى
- الأمن الأوروبي في مفترق طرق: تحديات التحول الاستراتيجي في ظل ...
- الأمن المائي في العالم العربي: بين التحديات الجيوسياسية والف ...
- الوعي تحت المقص: مقارنة نقدية لتحولات الإعلام والدراما المصر ...
- نظرية الحق بين الفلسفة والقانون: نحو أفق رقمي جديد لحقوق الإ ...
- مشروع محمد عابد الجابري: قراءة نقدية في تفكيك التراث وبناء ا ...
- حروب بلا رصاص: الإعلام في زمن الخوارزميات والواقع المزيف
- تفكيك المقدس: العقل الفلسفي في مواجهة الإيمان المسيحي في الف ...
- ما بعد الهيمنة : قراءة في خرائط النظام العالمي الجديد
- صراع العمالقة : الولايات المتحدة والصين ... إعادة رسم خرائط ...
- نظرية المعرفة عند ابن رشد: العقل، التجربة، والتأويل الفلسفي
- من الحق الإلهي إلى العقد الاجتماعي: التحولات الفلسفية للسلطة


المزيد.....




- صفقة كبرى يشهدها قطاع العقارات في الرياض 
- روسيا وسلطنة عمان توقعان اتفاقية إلغاء التأشيرات بينهما
- نائب الرئيس الأمريكي فانس من الهند -زعموا أن العالم مسطح-
- سلطان عمان يؤكد سعي بلاده لعلاقات مميزة مع روسيا في الطاقة و ...
- أسعار النفط تتسارع وترتفع بأكثر من 1%
- للعام الثاني على التوالي.. مطار غاتويك يحتفظ بلقب أسوأ مطار ...
- الدبيبة: ليبيا تواجه -حربا اقتصادية- والدين العام الوهمي ينه ...
- بلومبيرغ: أميركا ترامب تتجه للانكفاء بأسرع مما كان يُخشى
- سعر الذهب اليوم في محلات الصاغة.. الجرام تجاوز الـ 5900 جنيه ...
- تزايد محاولات الالتفاف على الرسوم الجمركية الأمريكية عبر كور ...


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - حمدي سيد محمد محمود - استثمار في الخراب : كيف تبتلع الحروب مقومات التنمية في المجتمعات العربية؟