أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - خالد خليل - بين المستعمِر والمستعمَر: في نقد إمكان التفاهم – تعليق على طرح عبد الإله بلقزيز














المزيد.....

بين المستعمِر والمستعمَر: في نقد إمكان التفاهم – تعليق على طرح عبد الإله بلقزيز


خالد خليل

الحوار المتمدن-العدد: 8320 - 2025 / 4 / 22 - 10:44
المحور: قضايا ثقافية
    


مقدمة:

في مقاله الذي يدعو إلى “إمكان التفاهم بين المستعمِر والمستعمَر”، يطرح المفكر عبد الإله بلقزيز رؤية تتسم بالتوازن الظاهري، حيث يُذكّر بـ”إنسانية الطرفين” وباحتمال تجاوز العلاقة الكولونيالية عبر الحوار. غير أن هذا الطرح، رغم نواياه الطيبة، يفتح الباب على أسئلة جذرية حول مفهوم التفاهم ذاته:
هل هو ممكن فعلاً؟
وبأي شروط؟
وهل يُمكن الحديث عن تفاهم بين طرفين دون الاعتراف باختلال البُنية التي ربطتهما تاريخياً؟
وهل يُمكن لمفهوم “الإنسانية المشتركة” أن يُغطي على واقع الهيمنة المعرفية والسياسية التي لا تزال ماثلة حتى اليوم؟

ما أقدّمه هنا ليس رفضًا لفكرة التفاهم بحد ذاتها، بل مساءلة للشروط التي تجعل من التفاهم الحقيقي فعلاً تحرريًا، لا مجرد استيعاب ناعم داخل بنية الهيمنة.


1. التاريخ كعبء لم يُرفع بعد

ينطلق بلقزيز من دعوة إلى تجاوز الماضي الاستعماري، لكنه لا يُقارب هذا الماضي باعتباره بنية لا تزال تشتغل، بل كتاريخ يمكن تجاوزه أخلاقيًا.
وهنا مكمن الخلل: فالاستعمار لم يكن حادثًا طارئًا، بل بنية ما تزال فعّالة – اقتصادياً، معرفياً، رمزيًا.

الاستعمار:
• أعاد تشكيل الذات المستعمَرة
• دمّر قدرتها على تمثيل نفسها
• خلق نُخَبًا هجينة تؤدي وظائف التحديث دون سيادة

والسؤال الحاسم هو: هل يمكن التفاهم مع من صاغ وجودك على صورته؟
أم أن البداية هي تحرير الوجود أولاً، ثم الحديث عن الحوار؟



2. التفاهم بين مَن؟ إشكال في تموضع الذات والآخر

يتحدث بلقزيز عن “الطرفين”، لكنه لا يحدد موقع كل طرف في بنية القوة. فهل يُمكن الحديث عن طرفين متكافئين حين يكون أحدهما هو من:
• كتب التاريخ
• وضع القواعد
• صنع الرموز
• واحتكر تعريف “المدنية” و”العقلانية” و”التقدم”؟

الحديث عن “الطرفين” بهذه الطريقة، يُغفل أن المستعمَر لم يكن يومًا شريكًا في صياغة المعنى، بل موضوعًا له.
إن لم تُعد كتابة موقع الذات أولًا، فكل تفاهم سيكون ضمن الشروط التي يضعها المركز.



3. المعرفة كامتداد للسلطة – أزمة تمثيل الذات

إحدى أهم تبعات الاستعمار هي ما سماه إدوارد سعيد “التمثيل بالنيابة”. لم يُحتل الجسد فقط، بل اللغة، والمخيال، والمعنى.
وهنا نسأل بلقزيز:
كيف يمكن التفاهم مع مَن ما يزال يُعرّفك بالنيابة عنك؟
من يراك بعيونه هو، لا بعينك؟

بلقزيز يتحدث عن الحاجة إلى “حوار”، لكن الحوار لا يمكن أن يتم بين ذات وموضوع، بل بين ذاتين. والمستعمَر، ما دام لم يستعد حقه في إنتاج المعرفة، لن يكون في موقع الذات.



4. إرادة التفاهم أم إعادة الإدماج؟

الخطورة في الخطاب التوفيقي أنه كثيرًا ما يُستخدم لتجميل الوضع القائم، وليس لتفكيكه.
حين يتحدث بلقزيز عن “إمكان التفاهم”، فالسؤال المنهجي هو:
هل هذا التفاهم يعني تفاهُمًا متبادلًا؟
أم إدماجًا للمستعمَر في نموذج المستعمِر؟

كثير من الدعوات إلى التفاهم اليوم، تأتي مشروطة:
• بالتحديث على النمط الغربي
• بالديمقراطية كما تُعرّفها مراكز القوة
• بالتنمية التي تضمن استدامة الأسواق المفتوحة

فأين التفاهم هنا؟ وأين الاختلاف المشروع؟



5. في الحاجة إلى لحظة تفكيك قبل لحظة تفاهم

لا يمكن القفز إلى “مرحلة التفاهم” دون المرور بلحظة تفكيك العلاقة الاستعمارية، والتي تشمل:
• تفكيك رمزي: إعادة كتابة التاريخ من وجهة نظر الذات لا المركز
• تفكيك معرفي: نقد المناهج والأطر التي صاغت العالم بصيغة واحدة
• تفكيك نفسي: التحرر من احتقار الذات المتجذّر في لاوعي الشعوب المستعمَرة

بلقزيز يستعجل التفاهم، بينما السياق يقتضي وقفة تأمل وتحرير ذاتي قبل أي لقاء.



خاتمة: شروط إمكان التفاهم الحقيقي

إن أردنا أن نتحدث عن تفاهم بين المستعمِر والمستعمَر، فلابد من استيفاء الشروط التالية:
1. الاعتراف بالتفاوت التاريخي لا تجاوزه اللفظي
2. ردّ الاعتبار للذات المستعمَرة بوصفها كيانًا معرفيًا، لا مجرد كائن أخلاقي
3. تحرير مفهوم “الإنسانية” من كونه مرآة تعكس المركز فقط
4. قبول الاختلاف لا على أنه قصور، بل مسار بديل له شرعية

بهذه الشروط فقط يمكن أن يُصبح “التفاهم” لحظة تحرر مزدوج، لا مجرد لحظة ترضية خطابية.



#خالد_خليل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حينما وجدتني فيكِ
- نسيتني إلى ان تلقفني الله
- سماءٌ تمشي على قدمين
- نزع سلاح حماس وحزب الله: طرح إعلامي أم مشروع إستراتيجي؟
- صوامع الألم
- كتاب : “حين أنجبت الريح طفلًا”
- أنا الذي حلم بي القدر ثم نسيني قصيدة من خمسة فصول نثرية
- الجهاد بين فرض العينية ورؤية الدولة: قراءة فقهية في ضوء الفت ...
- حين يصير القلب وطنًا
- التعريفات الجمركية في عهد ترامب: بين سيادة الاقتصاد الأمريكي ...
- قيامة الطين والنور
- ضعي قلبي بين يديكِ
- تجلِّيات العابر الأخير
- إمكانية التحديث والنهضة في اليمن بقيادة أنصار الله: بين السي ...
- التحديث في العالم العربي وإشكالية السيادة المنقوصة: بين العو ...
- نبوءة الضوء
- لغة الغيم
- تداعيات الحرب على غزة وعودة اليمن إلى الساحة الإقليمية: قراء ...
- لغة السحر
- سَاتِيرَا فِي زَمَنِ العَجَائِبِ


المزيد.....




- عمرها نحو 3 آلاف عام..الإمارات تعلن عن اكتشاف أول مقبرة تعود ...
- تراجع حاد للأسهم الأمريكية بعد انتقادات ترامب المتكررة لرئيس ...
- مصر.. فيديو لفتاتين ترقصان داخل مترو الأنفاق والداخلية تتخذ ...
- قتلى وجرحى بالعشرات جراء سقوط شاحنة في واد بجنوب باكستان
- كوريا الجنوبية تطلق قمرا اصطناعيا للاستطلاع العسكري
- صحيفة: واشنطن تطالب بحرية وصول Amazon و Walmart إلى السوق ال ...
- نائب من -خادم الشعب-: الموارد المعدنية ليست ملكا للشعب الأوك ...
- بوتين يُعلن عن استعداده لخوض محادثات سلام مباشرة مع أوكرانيا ...
- أسرى فلسطينيون سابقون: -نبقى في غزة لتأكلنا الكلاب ولا نعود ...
- 100 يوم على رئاسته.. ترامب يقلب النظام العالمي رأسا على عقب ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف
- أنغام الربيع Spring Melodies / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - خالد خليل - بين المستعمِر والمستعمَر: في نقد إمكان التفاهم – تعليق على طرح عبد الإله بلقزيز