أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - رمضان نجم أومري حين يصبح الفن جبهة والعود سلاحًا للوجود














المزيد.....

رمضان نجم أومري حين يصبح الفن جبهة والعود سلاحًا للوجود


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8319 - 2025 / 4 / 21 - 21:25
المحور: الادب والفن
    


لم يكن رمضان نجم أومري مجرد فنان يُتقن العزف والغناء، بل كان ضميرًا حيًا في زمن الخوف، وشاهدًا على أكثر المراحل ظلمة في حياة الكرد في سوريا. لم يبحث عن الأضواء، بل حمل قبس ضوئه في صدره، ووهبه للناس. وفي حين حاولت الأنظمة تكميم الأفواه، تكفّل هو ورعيل من الفنانين الكرد بإيصال صوت القضية من خلال أوتار الطنبور أو البزق والحنجرة. من خلال النغمة والمقام، والكلمة.
سمعت لأول مرة صوت وأغاني رمضان نجم أومري في بداية السبعينيات من القرن الماضي، ويبدو أنه كان في بداياته، إلا أن صوته كان مدويًا آنذاك، أشهر من نار على علم. إذ تحتفظ ذاكرتي وجيلي والأجيال التي سبقتني أو تلتني بحضور وحرمة وقدر لهذا الاسم المضيء، عبرريادة فنه، في ذلك الزمن الذي كانت فيه الأغنية بمثابة جزء من الجبهة المقاومة في سبيل مواجهة أدوات الزوال.
ولد رمضان، ابن قرية سيكرا التابعة للدرباسية، في عام 1941 في بيئة ريفية غنية بثقافة شفوية متوارثة، وتربّى على سماع القصص والأغاني الكردية القديمة. تعلّم مبكرًا أن الفن ليس للتسلية، بل ذاكرة وهوية. رحلته إلى حلب في خمسينيات القرن الماضي لم تكن نزهة، بل بداية اشتباك مع واقع أراد إلغاء وجوده الكردي من جذوره. هناك التقى الفنان نعيم دلال، وتعلم منه أصول العزف على العود، لتتحوّل تلك الآلة البسيطة إلى سلاحٍ مقاوم في يديه.
في السبعينيات، سافر أومري إلى بيروت، حيث عاش وسط حراك فني كردي نابض. شارك هناك في حفلات جمعت رموزًا كـ سعيد يوسف ومحمد شيخو ومحمود عزيز وغيرهم من الرادة المبدعين. لم تكن تلك مجرد مشاركات موسيقية، بل إعلان وجودٍ كرديٍ في وجه الطمس. ومن بيروت إلى بغداد، حيث سجّل أغانيه في إذاعة بغداد الكردية عام 1975، متحديًا الجغرافيا السياسية وقيود المنع المفروضة في بلده، مغنياً للثورة الكردية التي حطمت أسطورة الرعب، ولاتزال رؤاها دليلاً للكردي، للخلاص من أخطبوط المتاهة المحكمة!
عندما أصدر ألبومه الأول في حلب عام 1984، كان قد مرّ بسنوات طويلة من الترحال الفني، والتجارب، والملاحقة بأشكالها، ومنها: الفعلية والمعنوية. غنّى للكرد، للوطن، للحب، لكن الأغنية القومية كانت دائمًا خلف كل لحن، تنبض بقلب حر لا يعرف الانكسار. استمر بعده بإصدار ثلاثة ألبومات، ليصل أرشيفه الفني إلى قرابة 80 أغنية، كانت على مدى عقود صوتًا آخر للشارع الكردي، وحكايةً بديلة تروي ما لا تسمح به الكتب والمناهج المدرسية، كي تكون مادة في المنهاج البيتي، في موازاة المنهاج المدرسي. معلموه مناضلو الكرد: ساسة ومثقفين ومبدعين، وحملة الآلة الموسيقية ووي الحناجر الذهبية، وهو من بينهم، بلا منازع!
رمضان لم يكن وحده في معركته، بل كان جزءًا من طليعة ثقافية كردية تشكّلت في أقسى ظروف القمع. الفنانون الكرد في الجزيرة وكوباني وعفرين، في تلك المرحلة، لم يُنظر إليهم كـ "مطربين"، بل كحراس لذاكرة جماعية مهددة. أغانيهم كانت مختبرًا للوعي، وجسورًا تصل القرية بالمنفى، والتاريخ بالمستقبل.
كل من حمل العود أو الطنبور أو البزق أو الناي أو الدف، حتى كل من غنّى في الأعراس، فحسب، تعرض للمضايقة والمراقبة والتهديد. الأغنية الكردية كانت تُعامل كخطر أمني. لم يكن يُسمح ببثّها في الإذاعة، ولا عرضها على التلفزيون. حتى الأبجدية الكردية كانت محرّمة. وسط هذا الحصار، بقي رمضان في موقعه، لم يغادر سوريا حتى في أوج الحرب، بل بقي في الدرباسية حتى وفاته، وشهد سقوط "قلعة البعث" العنصري، كما وصفها الكثيرون من جيله، واعتبر بقاءه في الوطن تحديًا لا يقل أهمية عن الغناء نفسه.
قدر رمضان أنه ولد في بيئة تكاد لا تعترف بدور مبدعيها ومناضليها، إلا متأخرًا، بعد فوات الأوان، وهو ما لم يثبط همته، ولم يُطفئ جذوة إبداعه، في زمن توقدها. زمن التحدي الكبير، فهو لم ينتظر التكريمات أو الجوائز، ولم يُغنِ طلبًا للشهرة. كان يرى في فنه رسالة، وفي صوته وعدًا، وفي جمهوره امتدادًا للروح الكردية التي لا تموت مهما اشتد القمع.
صبيحة الخميس 17 نيسان 2025، أُسدل الستار على حياة رمضان نجم أومري بعد معاناة طويلة مع المرض. توفي عن 84 عامًا، بهدوء يشبه بداياته، لكنه خلّف وراءه ما لا يمكن دفنه. موسيقاه ستبقى حاضرة، كما بقيت أغاني من سبقه، وكما ستبقى أصوات من سار على دربه.
رمضان نجم أومري لا يحتاج تمثالًا لتخليده، بل يحتاج أن تُروى قصته، وتُدرّس تجربته، ويُعاد الاعتبار لأمثاله من فنانين حملوا عبء المرحلة، وفتحوا للجيل الجديد طريقًا من نور عبر عتمة المنع والخوف.
من حق الفنان أومري ومجايليه الذين رحلوا ويرحلون واحداص تلو آخر أن نكتب عنهم، من واجبنا أن نحفظ أسماءهم، ومن الضروري أن نرى في مناسبات رحيلهم فرصة لإعادة فتح دفاتر منسيّة لفنانين عاشوا الكفاح ولم يذوقوا طعم التكريم، إلا جماهيرياً، وخارج الأطر الرسمية، غير الموجودة، في ظل حالة انعدام الدولة.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رمضان نجم أومري حين يصبح الفن جبهة والعود سلاحًا للكرامة
- الزئبقيون: سيكولوجيا الحرباء في ظل السلطة
- جلد الذات والعبودية تجاه الآخر وسائل التواصل ومفاقمة العقدة!
- لماذا أكتب؟ حين تصبح الكتابة بلا قرّاء! في رثاء نصف قرن من ا ...
- بعد مئة يوم ويوم على سقوط الأسد: خطوط في خريطة طريق أمام الس ...
- بعد مئة يوم على سقوط الأسد: من منهما أعاد سوريا إلى الآخر؟
- مائة يوم من السقوط: محطات هائلة من التحولات كأنها قرن
- من يستلم يقرّر جور ووجوه تتكرر!
- الشمس تشرق من وراء الجبل: عفرين تسقط الرهان والأقنعة
- السنية السياسية كإطار جامع جدلية القيادة والشراكة في سوريا ا ...
- من يرفع علم إسرائيل - 2-
- وصايات وتوصيات النذر بالقيم وتناسي الذات!
- من يرفع العلم الإسرائيلي؟ .
- من يرفع العلم الإسرائيلي؟
- حكومة دمشق الانتقالية: في امتحان الاعتراف بحقوق الكرد
- بعد سقوط البعث العنصري ونظام أسده: قمم جيايي كورمينج تتوهج ب ...
- الأسد والبعث وثنائية الأكثرية والأقلية
- السيد الشرع في دوامته لا خريطة طريق للخلاص إلا عبر رفع آلة ا ...
- دولة المماطلة: بين الحلم بالمواطنة وواقع الإقصاء
- نقد قانوني للإعلان الدستوري المقر لسوريا في المرحلة الانتقال ...


المزيد.....




- الكشف عن الإعلان الترويجي لفيلم -المشروع X-.. ما قصته؟
- فلة الجزائرية: تزوجت كويتيا ثريا أهداني طائرة خاصة ومهري لحن ...
- الكشف عن الإعلان الترويجي لفيلم -المشروع X-.. ما قصته؟
- مصر.. جدل بسبب اللغة الثانية وقرار وزير التعليم أمام القضاء ...
- -معرض الكتاب- في الرباط يتذكر -السي بن عيسى- رمزا ومثالا يحت ...
- إسرائيل زيف الرواية: الجيش يحقق مع نفسه
- بعد وفاة الراحل سليمان عيد .. فيلم فار ب 7 تراوح يتصدر أعلى ...
- فيلم -Sinners- يحطم توقعات صناعة السينما
- من 41 دولة.. 200 رئيس نقابة ينددون بإبادة غزة أمام الممثلية ...
- الفنان اليمني كمال شرف يحصل على جائزة الفن الثوري الإسلامي ا ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - رمضان نجم أومري حين يصبح الفن جبهة والعود سلاحًا للوجود