أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - واثق الجلبي - رحلة الخلود بين الأسطورة والواقع في رواية -كلكامش: عودة الثلث الأخير- للروائي -واثق الجلبي-















المزيد.....

رحلة الخلود بين الأسطورة والواقع في رواية -كلكامش: عودة الثلث الأخير- للروائي -واثق الجلبي-


واثق الجلبي

الحوار المتمدن-العدد: 8319 - 2025 / 4 / 21 - 16:50
المحور: الادب والفن
    


قراءة / حمدي العطار
مقدمة:
لطالما كانت ملحمة كلكامش من أبرز الرموز الخالدة في الأدب الإنساني، إذ جسّدت ببُعديها الأسطوري والفلسفي رحلة الإنسان الأبدية للبحث عن الخلود، والخوف من الفناء. ومن هذا المنطلق، يحاول الروائي واثق الجلبي أن يستكمل الحكاية ويعيد صياغة الثلث الأخير من ملحمة كلكامش في روايته "كلكامش: عودة الثلث الأخير"، مقدّماً رؤية سردية وفكرية جديدة تنبض بروح الشعر، وتسأل معنى الخلود، وتعيد تشكيل ملامح البطل في زمن آخر وسياق مختلف.
التحليل الأدبي:
تنطلق رواية "كلكامش: عودة الثلث الأخير" من لحظة محورية في الملحمة الأصلية، حيث يُغضب كلكامش الآلهة على رفيقه أنكيدو، مما يؤدي إلى موت الأخير، ويدخل البطل في رحلة مضنية للبحث عن الخلود الجسدي، إلا أن مسعاه ينتهي بالفشل. ومع ذلك، فإن كلكامش لا يموت، بل يظل حيّاً في ذاكرة أورك وأسوارها، وهو ما يشير إليه الكاتب قائلاً: "لم أجد ملحمة قديمة إلا وكانت ملحمة كلكامش تلقي عليها من ظلالها شيئاً" (ص5).
اعتمد الجلبي على تقنية السرد المتداخل، متنقلاً بين أزمنة مختلفة (الماضي، الحاضر، المستقبل) ليكسر رتابة الحكاية ويمنحها حيوية فكرية. كما وظّف عنصر الاسترجاع بشكل بارز، عبر لغة سردية تنهل من الشعر، وحوارات متعددة بين الشخصيات مثل عشتار والحية، وكلكامش وعشتار، بل وحتى الحوار الداخلي مع الذات، حيث تُطرح أسئلة وجودية وفلسفية دون إجابات واضحة، مما يفتح الباب أمام القارئ للتأمل والتأويل:
"لماذا يعرف العراقي كل شيء ولا يتحصل إلا على الحزن؟ هل سيكون خلوده كما يشتهي قلبه؟ أم أن للأقدار رأياً آخر؟" (ص21).
*كما برز عنصر الاستباقية بوصفه تقنية فنية تُستَشرف من خلالها حياة افتراضية جديدة لكلكامش، يعيش فيها زمنًا مستقبليًا مختلفًا تمامًا عن ماضيه البطولي، إذ يتحول إلى فلاح بسيط، يواجه ضغوط الحياة اليومية وأعباء الأسرة. وفي حوار رمزي مع الأفعى، يُصدم كلكامش بحقيقة واقعه الجديد، حيث يُقال له:
"أنت في وطنك، وهذه زوجتك وأولادك، وهذه أرضك التي لا بد أن تزرعها..." (ص24).
*هل تأقلم كلكامش مع الخلود؟
ذلك هو السؤال المحوري الذي تحاول الرواية الإجابة عنه. فبين مشاعر الاغتراب والدهشة، ينجح كلكامش في التكيف مع واقعه الجديد، ويصبح ربّ أسرة، يعلم أبناءه السباحة والرماية، ويشارك في بناء بيت متواضع، ليتحوّل من ملك أسطوري إلى إنسان بسيط تغمره حكمة الحياة اليومية. يتساءل:
"من يرغب بقتال الوحوش وهو يعيش في أسرة ملؤها الحب؟ ما قيمة الإنسان بلا حكمة؟"
*رواية "كلكامش: عودة الثلث الأخير" ليست فقط سرداً مكملاً لملحمة خالدة، بل هي عمل أدبي متكامل يحمل بُعداً فكرياً عميقاً، حيث يتداخل الحلم مع الواقع، والأسطورة مع الحياة اليومية. إن الروائي واثق الجلبي قدّم من خلال هذا العمل سردية فلسفية عن الخلود والوجود الإنساني، تجمع بين الشعر والسرد، وبين الفكر والرمز، تاركًا القارئ في نهاية الرحلة أمام تساؤلات وجودية مفتوحة. فهل الخلود فعلاً هو ما نبحث عنه؟ أم أن القيمة الحقيقية تكمن في الحكمة والمعنى وسط الفناء الحتمي؟
تمثل رواية "كلكامش: عودة الثلث الأخير" للكاتب واثق الجلبي محاولة فريدة لإعادة إحياء الأسطورة السومرية القديمة، لكن من زاوية معاصرة تطرح أسئلة وجودية كبرى عن الحياة والموت، والخلود والمعنى، والسلطة والإنسان. في هذا العمل، يتتبع الروائي رحلة كلكامش بعد الموت، متناولًا محطات متعددة تتقاطع فيها الأسطورة بالتأمل الفلسفي والشعر بالحكمة.
*تحليل المحاور والأفكار:
1. تكرار الرحلة ومفارقة الخلود:
يسلك كلكامش الطريق ذاته الذي سبق له أن اجتازه مع أنكيدو، في حركة دائرية لا توحي بالسعي لاكتشاف جديد، بل تعكس رغبة في التخلص من الخلود ذاته. فالملك الأسطوري لم يعد يطلب الخلود كقيمة إنسانية، بل بات يبحث عن استعادة "المنصب والمكانة". وهنا يظهر الفرق بين الخلود بوصفه رغبة إنسانية في الاستمرار، والخلود بوصفه استمرارية للنفوذ والهيبة. هذا التحول الجوهري في نظرة كلكامش ينزع عن الخلود قدسيته، ويجعله عبئًا نفسيًا لا معنى له دون سُلطة أو مجد.
2. رمزية الحية ومطاردتها المتكررة:
ترافق الحية كلكامش في كل محطاته، تذكّره بعشبة الخلود التي فقدها. لكن الروائي يُعيد توظيف هذه الرمزية لتصبح الحية نفسها تائهة تبحث عن معنى لخلودها، أو ربما عن شريك تكتمل به دورة الحياة. إنها ليست مجرد كائن خادع، بل رمز لقلق أبدي، ولحقيقة أن الخلود بلا غاية ليس سوى امتداد للفراغ.
3. الحوار مع شخصيات رمزية: (الرجل والمرأة العقرب، سيدوري، شمخة):
كل شخصية في الرواية تمثل منعطفًا في مسيرة التحول الداخلي لكلكامش. المرأة العقرب تقف كمرآة تعكس له ضياعه وفقدانه لذاته السابقة، فيما يعيد الحوار مع سيدوري وشمخة فتح جراح الموت والفقد، والتفكر في المعنى العميق للرحمة والمغفرة. هذه الحوارات لا تُقدّم أجوبة، بل تعمّق الأسئلة التي تحاصر البطل في طريقه إلى الحقيقة.
4. استخدام الشعر والغنائية:
يلجأ الروائي إلى الشعر الغنائي في لحظات اليأس والانكسار، خاصة حين يعترف كلكامش بندمه وتوقه إلى البراءة الأولى. هذه المقاطع الشعرية تُضفي طابعًا وجدانيًا حميميًا، وتكسر الصيغة السردية لتفسح المجال لصوت داخلي أقرب إلى الابتهال.
5. الفلسفة والذاكرة والأسئلة الوجودية:
في محطة "إزميل الضياع"، تظهر ملامح جديدة لكلكامش، إذ ينغمس في تأملات حول علاقته بوالده، وبالموت، وبالمقدّس، وبالعبودية. هنا يتجلى التحول من البطل المغامر إلى المفكر الحكيم، الذي تنهكه الأسئلة وتطارده شكوكه، ليظهر صراع داخلي مع الذات، كأن الأسطورة نفسها تنهار تحت وطأة الأسئلة الوجودية.
*خاتمة:
رواية "كلكامش: عودة الثلث الأخير" ليست مجرد استعادة لملحمة خالدة، بل هي عمل تأملي يعيد رسم ملامح البطل القديم بما يتناسب مع هواجس الإنسان المعاصر. إنها رواية سؤال لا جواب، رحلة داخلية تتقاطع فيها الأسطورة مع الذات، والموت مع الحكمة، والخلود مع العزلة. بقدر ما هي استذكار لحضارة، فهي أيضًا نقد للخلود حين يُفرَغ من معناه، وللقوة حين تُفقَد غايتها.



#واثق_الجلبي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منبع الحكمة وفتنة المعرفة يُرَوِّيهما كلكامش على لسان الكاتب ...
- إشارة معرفية .. واثق الچلبي ..الزمن دونما أعتاب
- أجمل ما قرأت.. واثقيات الچلبي..اشتباكات الذات الفطنة
- تشظي الذات وسقوط اليقين .. قراءة في جدلية الوجود والعبث في ن ...
- معارضات يوسفية في الديوان الشعري ( يوسفيات ) للأديب واثق الج ...
- يوسفيات الشاعر واثق الجلبي ... أنسنة الشعور وشمعة في عالم ال ...
- قصة يوسف الإبن والنبي تتحول الى ملحمة فلسفية في الديوان الشع ...
- حفريات معرفية متوارية في ثلاث روايات قصيرة للكاتب واثق الجلب ...
- واثقيات 52 .. استعارات الظلام في أنوار الشموع
- الآخر في قصيدة (الجن) للشاعر واثق الجلبي
- أحكام البناء الهندسي في ( يوسفيات واثقية 46 ) للشاعرواثق الج ...
- حامد الحمراني .. وداعا
- الزمن الاستباقي وأنواعه في روايات واثق الجلبي .. التوظيف وال ...
- كُوَّةٌ فِي زَوَايَا مَخْفِيَة مِن التَارِيخ.. قراءةٌ في كتا ...
- كتاب ( أربع شخصيات عراقية من التاريخ ) الكاتب واثق الجلبي .. ...
- واثق الجلبي .. الشغف وانفتاح الدلالة وتدجين المستحيلات
- كلكامشيات
- جماليات التشكيل اللغوي والتنغيم الموسيقي في قصيدة (لا أبالي) ...
- واثقيات 28 ( نتوءات على وجه الحب للأديب واثق الجلبي )
- أسئلة مثيرة في المجموعة القصصية ( قشرة الملح ) للأديب واثق ا ...


المزيد.....




- الكشف عن الإعلان الترويجي لفيلم -المشروع X-.. ما قصته؟
- مصر.. جدل بسبب اللغة الثانية وقرار وزير التعليم أمام القضاء ...
- -معرض الكتاب- في الرباط يتذكر -السي بن عيسى- رمزا ومثالا يحت ...
- إسرائيل زيف الرواية: الجيش يحقق مع نفسه
- بعد وفاة الراحل سليمان عيد .. فيلم فار ب 7 تراوح يتصدر أعلى ...
- فيلم -Sinners- يحطم توقعات صناعة السينما
- من 41 دولة.. 200 رئيس نقابة ينددون بإبادة غزة أمام الممثلية ...
- الفنان اليمني كمال شرف يحصل على جائزة الفن الثوري الإسلامي ا ...
- مبادرة -بالعربي-: خطوة لإحياء اللغة العربية كمحرك للإبداع وا ...
- فضيحة جديدة لميغان ماركل.. اتهامات بالسرقة الفكرية في مسلسل ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - واثق الجلبي - رحلة الخلود بين الأسطورة والواقع في رواية -كلكامش: عودة الثلث الأخير- للروائي -واثق الجلبي-