|
رسائل إينيسا و لينين
دلير زنكنة
الحوار المتمدن-العدد: 8318 - 2025 / 4 / 20 - 23:40
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الفصل 13 من كتاب "فلاديمير و ناديا: حكاية لينين"، تأليف ماري هاميلتون- دان، مطبعة الانترناشونال ، نيويورك ، 1998 …………
صديقتي العزيزة و الاعز، اليوم و لأول مرة تلقيت تقريرًا (جيدًا جدا جدًا!) - من الواضح أنه كتبه كامسكي. أحييكِ ألف مرة!! كانت مهمتك شاقة و.. لقد فعل هويسمانس كل شيء ضدك وضد وفدنا... لقد قدمتِ خدمة عظيمة جدًا لحزبنا! أنا ممتن بشكل خاص لأنك حلتِ محلي. ملاحظة: اكتبي… هل أنت متعبة جدًا، غاضبة جدًا؟ هل أنت مغتاظة مني لإقناعك بالذهاب؟ [1]
إننا إذا لم ندرس مراسلات لينين مع إينيسا أرماند بكاملها، فمن الممكن أن نستنتج، استناداً إلى ملاحظات معزولة من سياقها، وجود علاقة حميمية بينهما. ولكن التقييم الواقعي لهذه الرسائل لابد وأن يتضمن، بالإضافة إلى محتواها، الظروف التي كتبت فيها. فمن بين مئات أو ربما آلاف الرسائل المتعلقة بعمل الحزب التي كتبها لينين بين يناير/كانون الثاني 1914 ومارس/آذار 1917، كانت تسعون رسالة موجهة إلى إينيسا.
يمكن تقسيم المراسلات إلى أربعة أجزاء؛ بعضها لفترة وجيزة، وبعضها الآخر تغطي فترة زمنية ممتدة. على سبيل المثال، كانت الرسائل التي كتبها في الفترة الأولى من كراكوف (وبروكسل عندما كان يحضر مؤتمر الاشتراكية الديموقراطية ) قليلة العدد ومُركزة في مدة قصيرة. كانت إينيسا تعيش آنذاك في باريس.
تغطي فترة بورونين (الثانية) الفترة من مايو إلى يوليو 1914. خلال تلك الفترة، كانت إينيسا وأطفالها يقيمون في لوفران، وهو منتجع صيفي بالقرب من ترييستي، النمسا. كانت جميع الرسائل، باستثناء اثنتين، مؤرخة بين 4 و24 يوليو. في 26 يوليو، قبض على لينين وسجن في نوفي تارغ. كانت الحرب العالمية الأولى قد بدأت للتو. بعد ذلك، وصل لينين وعائلته إلى برن حيث انضمت إليهم إينيسا "التي كانت تعيش عبر الشارع منا". لم تكن برفقة أطفالها. كان الزوجان سفاروف يقيمان أيضًا في برن.
لم تتضمن الفترة برن/سورينبيرج/برن (الثالثة) سوى سبعة رسائل. غادرت إينيسا لوفران إلى ليه أفانت، وهي بلدة صغيرة على بحيرة جنيف في جنوب غرب سويسرا. لا يمكن التأكد من الدافع الذي دفعها لاحقًا إلى الانتقال إلى برن من رسائل لينين إليها قبل وصولها مباشرة. كتب من سورينبيرج رسالة واحدة تضمنت تعليمات دقيقة تتعلق بالسفر من برن إلى سورينبيرج. سجلت نادية: "جاءت إينيسا للإقامة معنا". اقترح خطاب لينين أن تستفسر إينيسا من كارل راديك عما إذا كان هو أيضًا يرغب في القدوم إلى سورينبيرج: "إذا كان الأمر كذلك، فسوف نرسل الدعوة"، أضاف.
لم تكن هناك مراسلات خلال النصف الأخير من عام 1915، لأن إينيسا كانت إما في برن أو في سورينبرج. بعد العودة إلى برن من سورينبرج، كتب لينين ثلاث رسائل إلى إينيسا التي كانت في باريس مرة أخرى. وكانت الرسائل مؤرخة في 15 و19 و21 يناير/كانون الثاني 1916.
عندما اضطرت عائلة أوليانوف إلى الانتقال إلى زيورخ بسبب التصرفات غير المريحة لصاحبة المنزل في برن (الفترة 4)، كانت إينيسا لا تزال في باريس. كتب لها لينين ثلاث مرات: 26 فبراير، و31 مارس، و7 يوليو 1916. في أوائل الصيف، عادت إلى برن وسرعان ما ذهبت بعد ذلك إلى هيرتنشتاين، وهي منطقة منتجع على بحيرة لوسيرن على بعد حوالي 50 ميلاً جنوب زيورخ. وفي غضون ذلك، ساءت حالة ناديا، فأخذها لينين إلى دار راحة في الجبال في فلوم في كانتون سانت غال الشرقي. وقد وجه لينين رسالتين، كتبتا بفارق أسبوع، إلى إينيسا في هيرتنشتاين.
خلال الفترة الرابعة والأخيرة ـ من سبتمبر/أيلول 1916 إلى إبريل/نيسان 1917 ـ كانت كل رسائل ف. إلى إينيسا مكتوبة من زيورخ. وكانت قد انتقلت من هيرتنشتاين إلى سورينبرج حيث بقيت بمفردها على ما يبدو من أوائل الخريف حتى أواخر نوفمبر/تشرين الثاني.
"لا تبقي في سورينبرج"، حذرها لينين، "سوف تتجمدين وتصابين بالبرد. ملاحظة: ربما ليس لديك مال لسداد أجرة سفرك؟ انتبهي، أخبرينا: يمكننا بسهولة الحصول على ما تحتاجين إليه". بحلول 30 نوفمبر، كانت تقيم في كلارينس على بحيرة جنيف. ومنذ ذلك الوقت وحتى نهاية فبراير 1917 عندما انضمت إلى المجموعة البلشفية العائدة إلى روسيا، كانت تقيم في كلارينس. وكان بعض أطفالها يعيشون معها.
كانت مراسلات لينين مع إينيسا غزيرة الإنتاج خلال فترة زيورخ - أربع وخمسون رسالة ولأسباب ستصبح واضحة فيما بعد.
باستثناء حالتين فقط، كانت تحيته الثابتة لإينيسا هي "صديقتي العزيزة"، وهي نفس التحية التي كان يستخدمها مع بعض الرفاق الذكور الذين كان ودودًا معهم بشكل خاص [2]. وحتى السابع عشر من يناير 1915، كان توقيعه موحدًا أيضًا: "تحياتي، ف. آي. (أو ف. يو.)". وبعد ذلك التاريخ، كانت رسائله إلى إينيسا تحمل توقيع "تحياتي، لينين". وعندما كان يكتب إلى أسرته، كان لينين ينتهي عادةً بعبارة "ناديا ترسل تحياتها". ولم يكن هذا صحيحًا بشكل عام في رسائله إلى الرفاق أو أعضاء الحزب الآخرين، بما في ذلك تلك الموجهة إلى إينيسا. وفي الحالة الأخيرة، فإن إغفاله الإشارة إلى زوجته ليس ذا أهمية. وتُظهِر الأدلة الداخلية من رسائل لينين أن ناديا نفسها كانت تراسل إينيسا بانتظام.
كان أسلوبه في الكتابة عملياً، وإن كان يعبر أحياناً عن البهجة الناجمة عن حدث معين أسعده. وكانت عبارة "جداً، جداً، جداً" أحياناً تؤكد على تعليق ما. على سبيل المثال، كتب لينين في رسالة إلى والدته: "نشكر أنيوتا جدا، جداً، جداً على الكتاب". وفي أحيان أخرى لجأ إلى المرح في الكتابة إلى رفيقاته (انظر رسائله إلى "روزاليا"). ومع ذلك، كان هناك دائماً تحفظ كامن. لم يتجاوز حدود اللياقة الشخصية في رسائله إلى إينيسا، ولا إلى أسرته أو زملائه.
إن ما يميز رسائله إلى إينيسا عن مراسلاته مع غيره من أعضاء الحزب من النساء هو الطريقة غير المقيدة التي انتقد بها الفصائل المختلفة المؤيدة للحرب. والواقع أن إدانته الشديدة للحرب كانت تملأ كل ما كتبه منذ عام 1914 فصاعداً. ويبدو أنه شعر بأن إينيسا لن تنزعج من لغته الجامحة: "ها أنا ذا. أعتذر عن هذه الرسالة الطويلة وعن كثرة الكلمات اللاذعة: لا أستطيع أن أكتب بطريقة أخرى عندما أتحدث بصراحة. حسناً، على اي حال، هذا أمر خارج عن إرادتنا، وربما تنتهي اللغة البذيئة غير الضرورية".
ولكن ما سبق لا يعني بالضرورة وجود علاقة حميمية بين لينين وإينيسا على مستوى آخر. فقد كان لينين يتحدث بنفس القدر من الحماس إلى ناديا، ليس فقط لأنها زوجته، بل وأيضاً لأنها كانت مستمعة ذكية ومتعاطفة.
ومن الواضح من رسائله إلى إينيسا أنه كان يحترم آراءها، ويطلب رأيها في أفكاره، ويعهد إليها بمهام حزبية مهمة، بل وحتى كان معجباً بها. ولكن لا يوجد في الرسائل ما يشير إلى أنها كانت أكثر من مجرد صديقة جيدة، وإن كانت صديقة "جيدة جدا، جدا، جدا". ولا شك أنه كان يحبها. في الحقيقة ، لقد قال ذلك.
"لقد تلقيت قصتك عن تقرير س- والخطاب الذي ألقاه ي-؛ بصراحة، كنت غاضبًا منكِ- لأنكِ لم تفهمي جوهر موقف ي-. ومرة أخرى- أنا آسف- أطلقت عليك لقب العذراء المقدسة. من فضلكِ لا تغضبي، كان ذلك لأنني أحبكِ، لأننا أصدقاء، لكن لا يسعني إلا أن أغضب عندما أرى "شيئًا يذكر بالعذراء المقدسة". وانتهت الرسالة، المؤرخة في الأول من أبريل 1914، بـ: "كل التوفيق، مع تحياتي، ف.أ."
ولكن ما الذي يمكن فهمه إذن من تعليقاته العرضية التي أطلقت العنان لمثل هذه الشائعات الواسعة النطاق بين المؤرخين؟ إن هذا التكهن لا علاقة له بالأدلة. ولا يمكن فهم تعليقات لينين الشخصية إلا بوضعها في أجواء الرسائل، وربطها بالأحداث والمواقف الخارجية التي دفعته إلى كتابة هذه الرسائل إلى إينيسا.
الرسالة الثانية "الصديقة العزيزة " (الرسالة الأولى عبارة عن مقتطف يتناول اهتمامات الحزب)، كتبت من بروكسل إلى باريس في 26 يناير 1914، وبدأت على النحو التالي: "لقد سررت للغاية بتلقي رسالتك اللطيفة والودية والدافئة والساحرة. وأنا ممتن لك على ذلك بشكل لا يوصف. لقد ساءت الأمور هنا . لقد هجر أحدهم بالفعل لصالح الموفقين... الذين سيسلكون الآن سبيلهم الفاسد الخاص". وبعد الإشارة إلى أمور أخرى تتعلق بمؤتمر بروكسل الذي كان يحضره، اختتم لينين: "أحييك جدا جدا جدًا، صديقتي العزيزة . أرجو المعذرة على التسرع والإيجاز. ليس لدي وقت. تحياتي، ف.أ."
وفي رسالة كتبها بعد يومين ذكّرها بأهمية مهمتها في توحيد المجموعة المتذبذبة في باريس. وكانت إحدى فقرات رسالة (مخصصة لشئون الحزب) أرسلت من بورونين بعد شهرين ، لتبين لامرأة ذكية أن مراسلها لم يكن متورطاً عاطفياً معها: "أنا مسرورة للغاية لأن أطفالك سيأتون لرؤيتك وأنك ستذهبين قريباً لقضاء الصيف معهم. كل التوفيق لك. ملاحظة: أعتذر عن هذه الرسالة القصيرة. أنا في عجلة من أمري". كانت إينيسا لا تزال في باريس.
كانت إينيسا، مثل العديد من زميلاتها، تكافح من أجل إتقان تعقيدات النظرية الاشتراكية. وكانت تحاول أيضاً صياغة أساس نظري لتحررها مما أطلق عليه "التقاليد والممارسات البرجوازية لإخضاع النساء من قِبَل الرجال". وكانت إحدى رسائل لينين الأكثر إثارة للاهتمام تتعلق بتحليل وانتقاد كتيب كانت إينيسا تكتبه حول موضوع الحب/الجنس:
"أنصحك بإلغاء الفقرة الثالثة: " المطالبة (للمرأة) بالحب الحر". إن هذا ليس مطلباً بروليتارياً في الحقيقة، بل مطلباً برجوازياً. ماذا تفهم من هذه العبارة؟ وماذا يمكن أن نفهم منها؟ هل هي التحرر من الحسابات المادية (المالية)في شئون الحب؟ أم من الهموم المادية؟ أم من التحيز الديني؟ أم من المحظورات التي يفرضها علينا البابا، إلخ؟ أم من أراء "المجتمع" المسبقة؟ أم من البيئة الخسيسة التي تحيط بنا؟ أم من قيود القانون والمحاكم والشرطة؟ أم من تبعات الحب الجدية؟ أم من ولادة الأطفال؟ التحرر من الزنا؟ إلخ... الأمر لا يتعلّق بما (تقصدينه) ذاتياً بهذا التعبير... مع احترامي و مصافحتي الودية! .
وعندما ردت إينيسا دفاعاً عن موقفها، رد لينين:
"إذن، لقد تعهدت بتدميري؟... "حتى الهوى العابر و العلاقات العابرة" "أكثر شاعرية و نقاوة" من " القبل بلا حب" المتبادلة عادة بين زوج و زوجة . هذا ما كتبتيه. وهذا ما تنوين كتابته في كراستك. مدهش. هل هذه المعارضة منطقية؟ إن القبل العارية من الحب التي يتبادلها الزوج و الزوجة عادة دنسة. موافق، فبم يجب معارضتها؟ بقبل مليئة بالحب؟"
وقد غطت هذه المناقشة الحية المكتوبة بخط اليد، والتي عاد إليها بعد سنوات عديدة في محادثة مع كلارا زيتكين، عدة صفحات.
إن الرسالة المقتبسة في بداية الفصل تشير إلى رحلة إينيسا كمندوبة إلى مؤتمر بروكسل للتوحيد. وتوقع لينين أن كارل كاوتسكي والبلجيكيين (هويسمانس وفاندرفيلدي) وروزا لوكسمبورغ وآخرين كانوا ينوون "النيل منه" في المناقشة، فقرر عدم حضور المؤتمر. وقبل أيام قليلة من المؤتمر كتب إلى إينيسا: "سامحيني من فضلك على هذه الرسالة غير المترابطة. أنا متوتر للغاية، وأكاد أن أكون مريضاً". عندما رفض زينوفييف الحضور بسبب مرض زوجته الشديد، حث لينين إينيسا على أن تحل محله. في البداية رفضت؛ لأن هذا يعني ترك أطفالها في رعاية شخص ما. لكن إصراره العنيد أقنعها في النهاية. وبعد المؤتمر كتب إليها:
"لقد كان سلوكك في المؤتمر صحيحًا وكان بمثابة خدمة عظيمة للحزب. كتب لي بوبوف أنك كنت مريضة ، وكان صوتك ضعيفًا. ما هو هذا المرض؟ من فضلك اكتب لي بمزيد من التفصيل!! لا يمكنني أن أصمت بخلاف ذلك. مع أطيب التحيات وأطيب التمنيات: كوني بصحة جيدة و مطمئنة . مع خالص تحياتي"
كانت صحة إينيسا محل اهتمامه بشكل متكرر. ولأن مرضها الأساسي (السل) أصيبت به أثناء خدمتها للقضية، فقد شعر بمسؤولية خاصة عنها. كانت شخصية تستحق التعاطف؛ ولكن بدلاً من السعي إلى ذلك، أنكرت ضعفها. وفي رسالة كتبها باللغة الإنجليزية في أوائل سبتمبر/أيلول 1914، تساءل لينين:
كيف الطقس في ليه أفانت؟ هل تقومين بالمشي؟ هل تشعرين بتحسن الآن؟ هل لديك كتب؟ أوراق؟ يرجى كتابة المزيد عنكِ. مع التحيات الخالصة جدا، جدا، والمصافحة.
في بعض الأحيان كان صمتها الطويل يزعجه، وكان يرسل لها سلسلة من الرسائل والبطاقات البريدية يسألها عن أخبارها. "هل تذهبين للتزلج؟ إنه مفيد للصحة".
قد يتساءل المرء: هل كان لينين ليشعر بالدفء تجاهها لو كانت عجوزة وقبيحة؟ تروي ناديا:
"من بين اليومين اللذين قضاهما فولوديا في أوفا، لم يتبق في ذاكرتي إلا يوم واحد، وهو زيارة إلى عضو قديم في نارودنايا فوليا، تشيتفيرغوفا، التي كان يعرفها في قازان. كانت لديها مكتبة في أوفا. في اليوم الأول، ذهب فولوديا لرؤيتها، وبدا وجهه وصوته لطيفين بشكل خاص أثناء حديثه معها."
بنيت قصة حب سرية من أجزاء من رسالة كتبها لينين إلى إينيسا في يناير/كانون الثاني 1916. وبعد بعض الكلمات القاسية عن راديك وتروتسكي، كتب:
"إنه يوم مشمس رائع اليوم، مع تساقط ثلوج خفيفة. بعد الإصابة بالأنفلونزا، قمت أنا وزوجتي بأول نزهة لنا على طول الطريق المؤدي إلى فراون كابيلين حيث قضينا نحن الثلاثة - هل تتذكرين ؟ - تلك النزهة الجميلة ذات يوم. ظللت أفكر في الأمر وحزنت لعدم وجودك هنا."
حتى عندما تم اقتباسها، فإن الملاحظة كانت مملة. لكن الرسالة استمرت:
"بالمناسبة، أنا مندهش بعض الشيء لعدم وجود أخبار عنك. دعيني أعترف، وأنا أتحدث عن هذا، بأن الفكرة التي خطرت لي ربما تكون انك قد " كنت مستاءة" لعدم ذهابي لتوديعك في اليوم الذي غادرت فيه (إلى باريس). يجب أن أعترف بأنني فكرت في ذلك، لكنني أستبعد الفكرة غير الجديرة، فقد طردتها من ذهني. هذه هي بطاقتي البريدية الثانية إليك. ربما ضلت الأولى طريقها؟"
وبعد أربعة أيام كتب مرة أخرى:
"هذه هي بطاقتي البريدية الثالثة إليك... إذا كنت مستاءة مني، فربما كنت قد كتبت إلى أصدقاء آخرين، ولكن بقدر ما أعلم، لم تكتبي إلى أي شخص. إذا لم أتلق خطابًا منك خلال الأيام القليلة القادمة، فسأكتب إلى أصدقائنا لمعرفة ما إذا كنت مريضة ."
وكرر التعليق بشأن "نزهتنا" واختتم:
"كيف حالك؟ هل أنت راضية؟ ألا تشعرين بالوحدة؟ هل أنت مشغولة جدًا؟ أنتِ تسببين لي قلقًا كبيرًا بعدم إخباري بأي أخبار عن نفسك!... أين تعيشين ؟ أين تأكلين ؟ في "بوفيه" المكتبة الوطنية؟ مرة أخرى أطلب رسائل poste restante (التوصيل العام). مع خالص التقدير، باسيل[3]. ملاحظة: مرة أخرى لا شيء! لا رسائل منك."
في 21 يناير/كانون الثاني، وصل إلى لينين رد طال انتظاره من إينيسا، مما أراح ذهنه و انتزع منه بعض الأخبار القصيرة حول خلاف تروتسكي -راديك.
ولقد كشفت سلسلة الرسائل التي كتبها لينين إلى إينيسا أثناء الفترة الأخيرة (في زيوريخ) عن مدى توتره العاطفي؛ وعلى حد تعبير ناديا: "لقد شعر بشدة باقتراب الثورة". ولأن إينيسا لم تكن عضواً في الدائرة الداخلية التي يهيمن عليها الرجال في الحزب، فقد أضافت مناقشاته معها بعداً آخر إلى تفكيره. وكانت مراسلاتهما تتخذ في كثير من الأحيان شكل مناظرات ، لأن إينيسا لم تكن بأي حال من الأحوال متلقية سلبية لآرائه.
في إحدى الرسائل، قال بشكل قاطع: "لا! لم يكن إنجلس معصومًا من الخطأ. ولم يكن ماركس معصومًا من الخطأ". وفي رسالة أخرى كتب: "أردت بشدة أن أكتب إليك رسالة طويلة عن السلمية (وهو موضوع بالغ الأهمية بشكل عام، وموضوع أساسي من وجهة نظر الموقف الدولي برمته اليوم)".
كانت رسائله مليئة بالحجج، سواء مع نفسه أو مع إينيسا. كان من الواضح أنه ما زال يتصارع مع المشاكل النظرية التي لم يتم حلها بالكامل بعد على النحو الذي يرضيه. ومع ذلك، كانت إينيسا أكثر من مجرد لوح صدى. ربما أثرت عليه أكثر من ما أدرك اي منهما ذلك. وفي كل الأحوال، كان صوتها منفصلاً ومميزاً في المناقشة العامة الجارية. ومع وجود دعم ضئيل من زملائه الذكور، وجد في إينيسا، وإن لم تكن رفيقة روح، فقد كانت على الأقل رفيقة فكرية يكن لها عاطفة كبيرة.
ولكن ماذا كان رأي ناديا في كل هذا؟ نادراً ما كانت رسائل زوجها إلى إينيسا تستخدم ضمير المتكلم المفرد. وعندما كان يشير إلى جانبه من المراسلات، كان يستخدم ضمير المتكلمين"نحن" او "منا" دائماً تقريباً. وكان التضامن الزوجي الضمني ينتقل إلى الزوجة التي تعيش في تواصل وثيق مع زوجها.
هل كانت إينيسا هي الجانية؟ هل "وقعت" في حب لينين؟ في كل الأوقات كان عدد من الأشخاص يعرفون بالضبط أين كان وماذا كان يفعل. ولم يكن من الممكن أن يظل ملاحقته إينيسا في سويسرا سراً لفترة طويلة. كانت إينيسا هي التي تلاحق لينين: إلى برن، وسورينبرج، وبورونين، وفي النهاية إلى روسيا. ومن المسلم به أن بعض هذه الزيارات كانت بدعوة تتعلق بأمور الحزب؛ وفي أوقات أخرى بمبادرة منها.
من المحتمل أن يكون تغيير توقيعه إلى "المخلص، لينين" في بداية عام 1915 نتيجة لبعض الشائعات التي وصلت إلى علمه. من ناحية أخرى، ربما كانت إينيسا تكن له مشاعر لم تكن متبادلة.
كانت العديد من "نساء الثورة" غير المتزوجات يشعرن بالوحدة. وعلى النقيض من الرجال، الذين كان أغلبهم متزوجين، كانت هؤلاء "العذارى" الحزينات يبحثن عن روابط عاطفية. كانت فيرا زاسوليتش مغرمة ببليخانوف، الرجل المتزوج، الذي يبدو أنه كان يتعامل مع تفانيها بموضوعية متسامحة. وبعد أن فقدت كل شيء منذ ذلك اليوم في عام 1878 عندما دخلت مكتب الجنرال تريبوف، حاكم سانت بطرسبرغ، وأطلقت عليه الرصاص احتجاجاً على أمره بجلد السجناء، و فرّت إلى سويسرا (بعد تبرئتها من قبل هيئة محلفين متعاطفة)، حيث كانت تتلقى الدعم المالي طيلة بقية حياتها من بليخانوف وبول أكسلرود.
كانت أولغا رافيتش تعيش مع كاربينسكي في ما قد يكون زواجًا عرفيًا، على الرغم من حقيقة أن لينين أشار إليهما باسم "آل كاربينسكي".
من ناحية أخرى، كانت روزا لوكسمبورغ مخلصة لليو جوجيشيس، وقضت حياتها كلها في محاولة إقناعه بالزواج. وعندما انفصلا بعد مشاجرة بين العشاق، لجأت إلى كوستيا، ابن كلارا زيتكين البالغ من العمر اثنين وعشرين عامًا، طلبًا للعزاء. لكن ليو استمر في السيطرة على عواطفها. وكثيرًا ما كانت رسائلها اليائسة إليه تقترب من الهستيريا.
"رابطتنا الوحيدة هي القضية ... عندما جلست لألتقط أنفاسي، منهكًا تمامًا بسبب القضية التي لا تنتهي، نظرت إلى الوراء وأدركت أنني لا أملك بيتًا في أي مكان. أنا لا وجود لي ولا أعيش كنفسي."
بعد الانفصال، واصل جوجيشيس، كما فعل منذ بداية علاقتهما، دفع نفقات معيشتها بما في ذلك الملابس.
وعلى النقيض من نساء رابطة النضال، كانت ألكسندرا كولونتاي تتواصل مع العشاق علناً. وكانت كلارا زيتكين، من بين النساء الاشتراكيات الرائدات المشار إليهن في هذه الحكاية ، هي الوحيدة التي نظرت إلى الرجال باعتبارهم رفاقاً. في البداية كانت أرملة، ثم وبعد أن انخرطت في زواج غير سعيد وطلاق، تحولت من حب الرجال إلى حب البشرية.
كانت علاقة أنجليكا بالابانوفا بالحركة الثورية الروسية تقتصر على الهجمات على لينين وحلفائه البلاشفة. وبسبب تراثها الأوكراني، كانت معادية للروس العظام. وكان رحيلها إلى إيطاليا، حيث كرست مواهبها الأدبية لمجلة أفانتي الاشتراكية، وسيلة لإبعاد نفسها عن الاشتراكية الديمقراطية الروسية.
كانت أنجليكا امرأة غير جذابة من الناحية الجسدية. ومن أجل التعويض عن ذلك، انسحبت إلى ملاذ مثالي حيث حلت "الأيقونات" الخاصة محل الزواج أو علاقة الحب. ربما كانت أنجليكا واحدة من العوانس القلائل الحقيقيين في الاشتراكية الدولية.
لقد كانت بالابانوفا، مثل العديد من المثاليين المتشددين، تتحدث ضد عيوب السياسة الواقعية. ولكنها كانت تحسد من الناحية الذاتية أولئك الذين يتمتعون بالسحر أو الكاريزما أو الثقة الشخصية. في حين كتبت روزا لوكسمبورغ: "إن التحدث إلى لينين متعة. فهو شخص مثقف وواسع المعرفة، وله ذلك النوع من "الوجه القبيح" الذي أحب أن أنظر إليه كثيرًا... لم تر بالابانوفا سوى "الوجه القبيح". ثم شرعت في هدمه، سواء كشخصية عامة أو كشخص خاص. ولم توفر زوجته أيضًا. كانت بالابانوفا واحدة من هؤلاء النساء اللاتي ساهمن في الشائعات حول لينين وإينيسا.
لقد كانت روايتها للمحاولة الروسية تحمل في طياتها حقداً بالكاد تخفيه. وعلى هذا فإن ما كان من الممكن أن يكون بياناً موضوعياً صادراً عن امرأة تتمتع بموهبة فكرية، تحول بدلاً من ذلك إلى كشف مرير عن الوِحدة الشخصية والغربة.
وكان الحرمان العاطفي هو الثمن الذي تم دفعه من قبل العديد من "نساء الثورة".
ورغم أن إينيسا أرماند اختارت أن تترك زوجها من أجل متابعة حياة الثوري المحترف، إلا أن الانفصال كان ودياً؛ فقد ظل ألكسندر أرماند صديقاً لها. ومع ذلك، فقد افتقدت إينيسا القرب من شخص معين، وهو الفراغ الذي كان يملأه أطفالها، الذين كانت مخلصة لهم. وفي ظل هذه الظروف، من الممكن أن يكون إعجابها الأولي بلينين قد تحول إلى حب. وإذا كان الأمر كذلك، فقد وجدت نفسها عُرضة للخطر في ظروف لم يكن لها حل ممكن.
"بالطبع، أريد أيضًا أن اراسلكِ"، طمأنها. "دعونا نواصل مراسلاتنا". كانت الرسالة تحمل توقيع "كل التوفيق، لينين".
ولكن التعاسة التي غرستها فيه إينيسا كانت أكبر من مجرد حب غير مكتمل، أو اعتلال الصحة، أو الملل. وربما تفاقمت حالة الاكتئاب التي كانت تعاني منها بسبب أعراض انقطاع الطمث. وفي ذلك الوقت (1916) كانت إينيسا في عامها الثالث والأربعين. وكتب إليها: "صديقتي العزيزة ، أتمنى لك كل التوفيق، وأطلب منك مرة أخرى أن تقومي برحلة إلى مكان ما، ولو لفترة قصيرة، ولو لمجرد إلقاء المحاضرات أو أي شيء آخر، حتى يتسنى لك أن تغيري من نفسك، وأن تنغمسي في عمل ممتع".
لا بد أنه تلقى منها في ذلك اليوم أو المساء مكالمة هاتفية، لأنه كتب لها مرة أخرى في اليوم التالي:
"أعلم مدى سوء حالتك، وأنا حريص على مساعدتك بأي طريقة ممكنة. ماذا عن محاولتك العيش في مكان حيث يوجد أصدقاء وحيث يمكنك التحدث عن شؤون الحزب؟ صدقني، إن العمل الجاد هو الأهم والأكثر راحة للصحة والعقل!"
وفي اليوم التالي واصل حديثه قائلاً: "أود أن أقول لك الكثير من الكلمات الطيبة لتسهيل الأمور عليك حتى تتمكني من إنجاز العمل الذي سيشغلك تمامًا. كل التوفيق لك، لينين".
هل كانت هذه كلمات محب؟ بالنسبة لامرأة واقعة في حب، كانت لتكون فارغة ومخيبة للآمال. أما بالنسبة لـ لينين، فهل كان قد خدعها ذات يوم ثم تخلى عنها عاطفياً؟ أم أنها أساءت تفسير أسلوبه البرئ في التعامل معها؟ [4]بعد أكثر من سبعين عاماً، لا تزال أسطورة إينيسا باقية. فقد عرض متجر أسطوانات في لينينغراد (بطرسبرغ) ألبوماً بعنوان "القصائد الرومانسية - إينيسا أرماند".
لا تزال غرفة ناديا في الكرملين، والتي كانت بمثابة مكتب، كما كانت أثناء حياتها. وفي صندوق صغير توجد ثلاث صور فوتوغرافية للينين، وصورة مستديرة لناديا ووالدتها، وصورة صغيرة لإينيسا. ……………… ملاحظات
[1] بقلم لينين باللغة الإنجليزية 19 يوليو 1914 [2] انظر الرسائل الموجهة إلى شليابنيكوف، ودوبروفينسكي، وزينوفييف، وكاربينسكي، وفي بعض الأحيان إلى أولغا رافيتش. [3] لأسباب أمنية. [4] في الوقت الذي نشرت فيه الرسائل الموجهة إلى إينيسا لأول مرة، كان هناك أشخاص ما زالوا على قيد الحياة وكانوا ليعلموا الحقائق. ولو كانت الرسائل ذات طبيعة مشكوك فيها، لكان من السهل إخفاؤها، أو على الأقل حذف ما اعتبرته دار النشر الحكومية فقرات مثيرة للجدل.
#دلير_زنكنة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الذكاء الاصطناعي: لصالح أرباح رأس المال أم احتياجات الناس؟
-
لاي تيك، السكرتير العام الخائن للحزب الشيوعي المالايي
-
ضد تشاؤم جيجيك.الأمل والإرادة وجدلية التحرير
-
أكثر من 7000 شخص قتلوا في مجازر سوريا
-
فلسفة برتراند راسل السياسية والاقتصادية
-
لا يوجد شيء اسمه سلاح نووي تكتيكي
-
الفاشية. الثورة الزائفة
-
هل فكرة -زوتشيه- في كوريا الشمالية ماركسية حقاً؟
-
لماذا نعيد تصور جورجيا السوفييتية؟
-
20 عامًا من اقتصاد بوتين
-
اكثر من (770 الف) مشرد في الولايات المتحدة الاميركية !
-
الماركسية والمنهج
-
مفهوم الذات في ظل الرأسمالية والماركسية ومتطلبات القرن الحاد
...
-
ماذا قال ديفيد بن غوريون؟
-
الحرارة المميتة في السجون الأميركية تنتهك قوانين القسوة على
...
-
ألكسندر دوغين وصعود الفاشية -المقبولة سياسيًا-
-
كلام بلا افعال: لماذا الدول العربية عاجزة عن وقف إسرائيل؟
-
واشنطن تنصب فخا لإيران فهل تبتلع إيران الطعم ؟
-
ما تحتاج إلى معرفته: الوزيران بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن غ
...
-
فوز أنورا ديساناياكي: نظرة عن قرب على أول رئيس شيوعي لسريلان
...
المزيد.....
-
نادت بـ-رحيل ترامب الآن-.. اندلاع مظاهرات حاشدة ضد ترامب في
...
-
-إخفاقات مهنية-: هكذا وصف تحقيق عسكري إسرائيلي مقتل 15 مسعفا
...
-
متحدث سابق باسم البنتاغون يشير إلى احتمال إقالة وزير الدفاع
...
-
الخارجية الأمريكية: واشنطن تبقى ملتزمة بتحقيق وقف النار الشا
...
-
مفرزة تابعة للأسطول الروسي ترسو بميناء الجزائر (صور)
-
زوجته كانت على علم بخطط ضرب الحوثيين.. البنتاغون ينفي ضلوع ه
...
-
الكويت توقف التبرعات مؤقتًا.. وجمعيات خيرية تسعى لاستئناف ال
...
-
ترامب يتظاهر بالتخلّي عن أوكرانيا
-
العم سام يتخلف عن التنين
-
وزارة التجارة الصينية تؤكد أهمية حل الخلافات مع الولايات الم
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|