|
حاجتنا إلى عبقرية لينين
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 8318 - 2025 / 4 / 20 - 23:10
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
هناك أشخاص يبقى أثرهم حاضرا وفاعلا، وذلك لقدرتهم تحليل الواقع، ووضع آلية عمل/خطط تخدم الشعب/الأمة/الإنسانية، من هؤلاء الأشخاص "لينين" الذي بين أهمية دور الحزب الثوري في تجاوز الأخطار والمصاعب المحدقة بالشعب، ووضع برنامج يتلاءم مع الحالة الروسية والواقع الذي تعيشه روسيا، بعيدا عن الاعتماد الشكلي بالماركسية، مع التمسك بجوهر الماركسية التي تدعو إلى حسم الصراع الطبقي لصالح البروليتاريا. الماركسية أي نظرية/عقيدة إذا ما تم التعامل معها حسب الظرف الذي تمر به الأمة/الشعب، بالتأكيد ستبقى هذه النظرية حية وحاضرة وفاعلية في المجتمع، ولكن إذا ما تم التعامل معها على أن شكل/صنم بالتأكيد ستموت وتقتل معها أتباعها، ولكن، في الوقت ذاته هناك جذور وأسس لا يمكن لاتباع هذه النظرية تجاوزها، فأهمية العمل ضمن الأسس/الجذور والتمسك بها، يجب أن يتوازى مع حرية الخروج إلى الفضاء الخارجي، لتحقيق الانسجام بين الاستراتيجي وبين التكتيك . هكذا فهم "لينين" الماركسية، فهناك أسس وجذور يجب الاستناد عليها، وهناك تكتيك حسب الظرف الزماني والمكاني يجب التعامل معه، لتحقيق الهدف/الغاية من هذه النظرية/العقيدة/الإيديولوجية، يقول الناشر في مقدمة المختارات الأربعة: "لينين... وعارض قطعا تحويل الماركسية إلى منهج من الصيغ الموضوعات المتحجرة، المفصولة عن الحياة، وأكد على ضرورة تطوير الماركسية تطويرا خلاقا وفقا للواقع التاريخي، وعدم التشبث بنظرية الأمس... وفي الوقت نفسه كافح لينين بحزم وبلا هوادة ضد الانحرافات والارتدادات عن الموضوعات الجذرية في الماركسية وضد إعادة النظر في أسسها وتحريفها" ص6و7، أجزم أن التعامل مع الأيديولوجية/العقيدة بهذه الروح يبقيها حية وفعالة ومؤثرة إلى يوم يبعثون، غير ذلك تموت العقيدة/ الأيديولوجية وتمسى مجرد جذع لشجرة لا تعطي ثمر ولا يستظل بها. أما ما قاله "لينين" عن الماركسية: "فنحن لا نعتبر أبدا نظرية ماركس شيئا كاملا لا يجوز المساس به، بل إننا مقتنعون، على العكس، بأنها لم تفعل غير أن وضعت حجر الزاوية لذلك العلم يترتب على الاشتراكيين أن يدافعوه إلى الأبعد في جميع الاتجاهات، ونحن نعتقد أنه من الضروري بخاصة لآن يدرس الاشتراكيون الروس ويطوروا نظرية ماركس بصورة مستقلة لأن هذه النظرية لا تعطي سوى موضوعات توجيهية عامة تطبق مثلا في بريطانيا على غير ما تطبق في فرنسا" ص44، وهذا ما جعل إضافات "لينين" على الماركسية تتماثل مع الأسس التي وضعها ماركس وإنجلز، كما أسهم هذا الفهم في انتصار البلاشفة على القصير، وعلى خصومهم الاشتراكيين، انتصرا فكريا، وانتصارا فعليا/عمليا. من الأسس التي اعتمدت عليها الماركسية حق الأمم في تقرير مصيرها: "إن شعبا يضطهد شعوبا أخرى لا يمكن أن يكون حرا" ص257، هذا الأساس وضعه ماركس قبل مرحلة الإمبريالية وتغولها في أوروبا أسيا وأفريقيا، وهذا ما جعل "لينين" يؤكد حرية الأمم والشعوب في تقرير مصيرها، بصرف النظر على الجهة المهيمنة على الشعب/الأمة، فحتى لو كانت تلك الجهة/الدولة تتبنى الاشتراكية، من حق الشعب أن يقرر مصيره: "وأن الاشتراكيين الروس الذين لا يطالبون بحرية الانفصال لفنلندة وبولونيا وأوكرانيا، الخ، الخ، أن هؤلاء الاشتراكيين كلهم يسلكون سلوكا شوفينيا ويخدمون بذل واستجداء الملكيات الإمبريالية والبرجوازية الإمبريالية" ص263، بهذا القول يحسم "لينين" ـ بشكل قاطع ـ مسألة حرية الشعوب في تقرير مصيرها اختيار النظام الذي تريده، بعيدا عن الضغوطات/الترهيب، والمغريات/الامتيازات. الإمبريالية الإمبريالية تمثل (تغول) الرأسمالية، تغولها على كل شيء، تغولها حتى على ذاتها، من هنا يتم القضاء على الصناعات الصغيرة والمتوسطة لصالح الصناعات الكبرى، ويتم تحويل التنافس إلى احتكار، وما الحروب التي خاضتها أوروبا ـ الحرب العالمية الأولى والثانية ـ لتقاسم العالم والسيطرة على أكبر مساحة من الأرض والسكان، إلا صورة لتغول الإمبريالية التي تعتمد على القوة لاضطهاد الشعوب والأمم الأخرى: "ويستحيل في ظل النظام الرأسمالي أي تنظيم آخر، التخلي عن المستعمرات، عن مناطق النفوذ، عن تصدير الرساميل...لا يمكن لتقاسم في ظل النظام الرأسمالي أن يرتكز على أي أساس، على أي مبدأ غير القوة...فالحرب لا تتناقض مع أسس الملكية الخاصة، إنما هي تطورها المباشر المحتوم" ص244و254، هذا القول طُبق بحذافيره الدقيقة في المنطقة العربية، من خلال بريطانيا وفرنسا اللتان تقاسمتا المنطقة بينهما، ومن خلال أمريكيا التي حلت مكان بريطانيا، وهيمنت على مصادر الطاقة/النفط، وهيمنت على الجغرافيا العربية لأهميتها الاستراتيجية، من خلال إبقاء التجزئة وخاضعها لأسيادها الجدد. الحزب يعتبر "لينين" الحزب الثوري هو المنقذ/المخلص/المحرر للشعب/للأمة/للبشرية، ودون الحزب الثوري سيبقى المجتمع/الناس يساقون كالأغنام من قبل الأسياد والمتنفذين: "لقد كان الناس وسيظلون أبدا، في حقل السياسة، أناسا سذجا يخدعهم الآخرون ويخدعون أنفسهم، ما لم يتعلموا استشفاف مصالح هذه الطبقات أو تلك وراء التعابير والبيانات والوعود الأخلاقية والدينية والسياسية والاجتماعية" ص27، فتعليمهم يأتي من قبل حزب ثوري، حزب مبدئي يدافع عن مصالح الأمة/الشعب، يحمل هومها/تطلعاتها ويقودها لتحقيق الانتصارات، الانتصار على ذاتها/واقعها بداية، ثم الانتصار على أعدائها، أعداء الداخل والخارج، فلا يمكن لأي شعب/أمة أن تنتصر دون حزب ثوري يقودها نحو أهدافها: "حزب منظم قوي لا يبتغي الظفر ببعض التنازلات وحسب، بل يبتغي كذلك الاستيلاء على قلعة الحكم المطلق ذاتها" ص50، فالحزب هو الوسيلة التي يمكن من خلاله تحقق أهداف الشعب وتطلعاته، وهو القادر على التميز بين الغث والسمين، بين الأبيض والأسود: "فإن العمل على إنشاء التنظيم الكفاحي وعلى تحقيق التحريض السياسي امر إلزامي في الظرف "الرمادي"، السلمي أيا كان، في مرحلة هبوط المعنويات الثورية" ص51، نجد أثر فقدان الحزب الثوري واضحا في المنطقة العربية، حيث نعيش في مرحلة من أقتم المراحل، لعدم وجود الحزب الثوري، لعدم وجود قيادة حزبية صادقة وصالحة، تقود الشعب نحو الحرية والكرامة والعزة، وتخلصه من هؤلاء الحكام القابعين على صدورنا، المؤتمرين بأوامر الأعداء الصهاينة والأمريكان. "لينين" فرق بين النضال/الانتصار الاقتصادي والسياسي، ووضح أن أي إنجاز اقتصادي ( تحقيق مطالب عمالية وفلاحية) لا يقنع/يكفي الحزب الثوري، فالحزب الثوري لا يقبل بنصف كعكة، بل يريدها كاملة: "وكانوا يهتمون على الأخص بتنظيم الإضرابات والنقابات وتعاونيات الإنتاج، ناسين أن المقصود بالدرجة الأولى هو الاستيلاء بانتصار سياسي على الأرض" ص231، هذا الإصرار على إكمال الطريق والوصول إلى الهدف يبين للقارئ الفرق بين الحزب الانتهازي/الإصلاحي، والحزب الثوري الذي يسعى بثبات وتواصل لتحقيق أهداف الشعب/الأمة التي يمثلها ويقودها، فلو كان في المنطقة العربية حزب ثوري لما وصلنا إلى ما نحن فيه من تيه وذل وخنوع وقهر وجوع وجهل وتخلف و... و... و... ولما بقيت دولة الاحتلال جاثمة على أرضنا وفوق صدرنا كل هذه المدة. فالحزب بمثابة محرك السيارة، لا يمكنها السير سنتمتر واحد دون محرك، والشعب/الأمة لا يمكنها التقدم خطوة إلى الأمام دون حزب ثوري، حزب حقيقي، منتمي للشعب/للأمة، وينتمي للشعب/للأمة: "وهم يدركون أن "الأيديولوجي" لا يستحق اسم الأيديولوجي إلا متى سار أمام الحركة ليدلها على الطريق، ومتى استطاع أن يحل قبل غيره جميع القضايا النظرية والسياسية والتكتيكية والتنظيمية التي تصطدم بها "عناصر" الحركة المادية بصورة عفوية" في هذا المقطع يوضح "لينين" دور الحزب/ دور القيادة/القائد الذي يتمتع بقدرات على التحليل والتفصيل ما يجري، ومبينا الفرق بين التفاصيل/الإنجازات الصغيرة والأهداف الكبيرة، وتقديم هذه المادة التحليلية للجماهير/للشعب/للأمة لتعرف إلى أين وصلت، وما تبقى من أهداف لم تحقق، ويجب السعي نحو تحقيقها، وإنجاز ما لم ينجز، ونحن في المنطقة العربية لم تحقق الأحزاب الوطنية/القومية/اليسارية/الدينية أي هدف من أهدافها، بل على العكس، وجدنا أنفسها في تقهقر وتراجع أكثر مما كانا فيه، فالخراب في الصومال وسورية وليبيا والعراق واليمن والسودان، وحالة الموت السريري في بقية الأقطار العربية خير شاهد على حالنا البائس، البائس اقتصاديا واجتماعيا وأخلاقيا ودينيا وسياسيا واجتماعيا. الإرهاب/العنف الثوري العمل العسكري، ممارسة العنف أحدى الوسائل التي يقدم عليها الحزب لتحقيق أهداف الشعب/الأمة، لكن هناك شروط وظروف وحيثيات يجب أخذها عند الإقدام على العمل العسكري، فأحيانا: "يكون صالحا وضروريا في لحظة معينة من القتال" ص52، وأحيانا علينا: "أن نحذر بكل الحزم من التولع بالإرهاب، من اعتباره الوسيلة الرئيسة والأساسية للنضال" ص53، قد يبدو الاقتباس متناقض، لكنه يحمل جمهور فهم لينين للعمل الحزبي، فأحيانا يكون العنف الثوري ضروري وحيوي في حسم الصراع، وتحقيق غايات الحزب والشعب/الأمة، وأحيانا يكون العنف تخريبا وتشويها لنضال الحزب، مما يعيق تحقيق الأهداف التي يسعى لها الحزب/الشعب/الأمة. وإذا ما توقفنا عربيا عند هذا التحليل، سنجد أن ما جري في الصومال، العراق، سورية، ليبيا، السودان، اليمن، هو هدم ودمار، وليس بناء وإعمار، فمعاناة هذه شعوب أفقدتها القدرة على التميز بين الغث والسمين، التميز بين الخير والشر، وجعلها تعيش في الجحيم، لهذا هي تتمنى أن يعود النظام (الدكتاتوري) السابق لتتخلص من هذه (ديمقراطية) الجديدة
مختارات لينين في أربع مجلدات، المجلد الأول، دار التقدم، موسكو، الطبعة الأولى 1977.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إلى أين تذهب المنطقة العربية
-
عقم الثورة في رواية -قصة مدينتين- شتارلز دكنز، ترجمة صوفي عب
...
-
الدبية في غار الإخلاص محمد علي ضناوي
-
الإقطاع في رواية -ميميد الناحل- ياشار كمال، ترجمة إحسان سركي
...
-
الجديد في كتاب -مذكرات الأرقش- ميخائيل نعيمة
-
المكان والإنسان في رواية -عين التينة- صافي صافي
-
المنطقة العربية في كتاب -الوحدة العربية هل لها من سبيل- منيف
...
-
جمالية الشكل والمضمون في كتاب -من حديث أبي الندى- إبراهيم ال
...
-
سورية الجديدة (5) وما أرسلناك إلا قاتلا للسوريين
-
نقد الذات في رواية شامة سوداء أسفل العنق
-
الماضي في رواية جبل التاج لمصطفى القرنة: قراءة نقدية
-
التحدي في -كفاح كفاح- كفاح الخطاب
-
ية والواقع في رواية -العاشق الذي ابتلعته الرواية- أسيد الحوت
...
-
الإنجليز وعملائهم في مذكرات صلاح الدين الصباغ
-
المبدئي والمرتد في مسرحية الدكتاتور جول رومان، ترجمة عبد الم
...
-
فلسفة الكرة وجمال الأدب: قراءة في عالم «الطريق إلى المرمى»
-
بين فلسفة الكرة وجمال الأدب: قراءة في عالم «الطريق إلى المرم
...
-
الشاعر في قصيدة -حملت حروفي- أحمد الخطيب
-
سلاسة التقديم في بكائيات غزة ميسون حنا
-
العالم في قصيدة -نصفان: مأمون حسن
المزيد.....
-
تافسوت إيمازيغن/ الربيع الأمازيغي: دروس الماضي الكفاحي لمستق
...
-
صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 21 أبريل 2025
-
الكتابة الاقليمية لحزب التقدم والاشتراكية بالخميسات نتظم لقا
...
-
“القصر العيني” توقف ثمانية أطباء عن العمل.. لاعتراضهم على “ط
...
-
اعتقال نجل المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح
-
المحامون يمتنعون عن توريد رسوم “الاستئناف” لليوم الثالث
-
إيداع نجل المرشح الرئاسي السابق “أبو الفتوح” في سجن العاشر
-
اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين يطالبون بصفقة تباد
...
-
الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة:
...
-
أميركا والبوليساريو.. تقرير يقدم -أدلة حاسمة- لتصنيف الإرهاب
...
المزيد.....
-
طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة
/ شادي الشماوي
-
الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة:
...
/ رزكار عقراوي
-
متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024
/ شادي الشماوي
-
الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار
/ حسين علوان حسين
-
ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية
/ سيلفيا فيديريتشي
-
البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية
/ حازم كويي
-
لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات)
/ مارسيل ليبمان
-
قراءة ماركسية عن (أصول اليمين المتطرف في بلجيكا) مجلة نضال ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسائل بوب أفاكيان على وسائل التواصل الإجتماعي 2024
/ شادي الشماوي
-
نظرية ماركس حول -الصدع الأيضي-: الأسس الكلاسيكية لعلم الاجتم
...
/ بندر نوري
المزيد.....
|