أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - خلف علي الخلف - تاريخ المعتزلة وتدليس اليسار العربي














المزيد.....

تاريخ المعتزلة وتدليس اليسار العربي


خلف علي الخلف

الحوار المتمدن-العدد: 8318 - 2025 / 4 / 20 - 15:01
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    


لطالما أُعلِيَ من شأن فكر المعتزلة في أوساط اليسار العربي، ووُصفوا بأنهم "أبناء العقلانية والحرية"، حتى خُيّل إلينا أن هذا الفكر، لو استمر، لبلغنا المريخ قبل كل الأمم وأنشأنا مستعمرات هناك. هكذا رُسمت الصورة المثالية من اليسار الذي أوقعنا في فخ التدليس الذي مارسه طوال عقود.

النواح المستمر على المعتزلة أوحى بأنهم فرقة مضطهدة، كان في مقدورها أن تجعل البطاطا تنبت في الهواء، والمعزات تلد ثلاثًا. كان من المقرر وفق القراءة اليسارية أن تقودنا عقلانيتهم إلى مجتمع متحرر، مبدع، ومتساوٍ في الحقوق. لكن الحقائق حينما نُبصرها لا تكون صادمة فحسب، بل بشعة. فقد تبين لي أن المعتزلة حكموا أكثر من نصف قرن في قلب الدولة العباسية، ولم يكونوا مجرد فرقة مسحوقة، وحين وصلوا السلطة، مارسوا فكرهم بمنتهى السلطوية.

لا شك أن فكرهم تضمن عناصر عقلانية، غير أن من روجه في العالم العربي كان اليسار الذي ارتبط بالديكتاتوريات أو خلقها، ثم سلّم رايته إلى "التنويريين الجدد" ممن واصلوا تقديس المعتزلة والديكتاتوريات بنفس العمى. لقد كانت الممارسة الفعلية لذلك الفكر نقيضًا لشعاراته، ما دفعني إلى إعادة النظر في كل ما قيل عنهم. توقفت مطولا أمام التشابه الظاهر بين وهم الاشتراكية ووهم المعتزلة؛ كلاهما حمل وعودًا بالمساواة والعدالة والحرية، ثم انقلب عند التطبيق إلى أداة قمع. بل تكاد مساراتهما في العالم العربي تتطابق في استعمال الفكر كغطاء للتسلط والوحشية والقمع.

التدليس اليساري العربي

منذ نشأة الثقافة العربية الحديثة، ابتُلينا بقراءة يسارية تجعل من المعتزلة مشعل المستقبل. وُصف الفكر المعتزلي بأنه القادر على بناء مجتمعات متقدمة علميًا وأخلاقيًا، ولو ساد الفكر المعتزلي، لبلغنا ذرى الحضارة. هذه المثالية لم تكن مبنية على جهل، بل على تجاهل متعمد من قبل اليسار الذي أخفى الجوانب القمعية لتجربتهم، لأنه لم ير فيها انتهاكا لكرامة الإنسان بل ممارسة عادية لفرض الفكر "التنويري العقلاني" كما فعل اليسار خلال حكم السلطات التي خلقها. حين قرأت تاريخهم بعيون مفتوحة، صُدمت. المعتزلة الذين ظنناهم رموزًا للتنوير والعقلانية، مارسوا القمع ضد خصومهم الفكريين بكل وضوح وبشاعة. ادّعوا العقلانية وتجاهلوا الحرية الفكرية، فأصبح فكرهم سلاحًا ضد كل من يخالفهم، تمامًا كما فعلت الأنظمة التي خلقها أو ارتبط بها اليسار الذي مجّدهم.

المعتزلة: الفكر القمعي والممارسات الوحشية

إن محنة خلق القرآن وتعذيب خصوم الفكر المعتزلي، مورس على مدار أكثر من نصف قرن، ومحنة أحمد بن حنبل ليست إلا قمة جبل الجليد الظاهرة في تاريخهم القمعي. على الرغم من إطلاعي على ممارساتهم الوحشية في السلطة فإن أكثر ما هزّني كان إرسالهم للجان تفتيش إلى مكان تبادل أسرى المسلمين مع الروم، وسؤال كل أسير عن "خلق القرآن". من قال إنه مخلوق، عاد؛ ومن رفض، تُرك في الأسر. هذه ممارسة لا تنتمي للعقلانية بل لمحاكم التفتيش الوحشية. إنها لحظة سقوط أخلاقي وفكري لمن يدّعون التسامح ويدعون له.

العقلانية والعدالة كأدوات للقهر

الفكر المعتزلي، كالفكر الاشتراكي، بدا مثاليًا على الورق، لكنه سقط عند أول اختبار للسلطة. كلاهما قال بوعد المساواة وانتهى بالقمع. تحوّلت الشعارات التنويرية إلى أدوات سلطوية، تُمارس الإقصاء والبطش. لقد تحولت الاشتراكية إلى ديكتاتورية في كل التجارب العربية، تمامًا كما تحولت "عقلانية" المعتزلة إلى قهر فكري. كلاهما لم يصمد أمام غواية السلطة، وكلاهما أوقعنا في فخ المثالية الفكرية الورقية المخادعة. ما لم ننتبه له هو أن الفكر حين يتحول إلى أداة سلطة، يتخلى عن جوهره. وأن المثالية التي لا تعترف بممارساتها القمعية، لا تختلف عن الاستبداد الذي تدّعي مواجهته.



#خلف_علي_الخلف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دليل الحيران إلى مذاهب الإيمان: الأريوسية المسيحية المنقرضة
- عن الدولة الأندلسية في الإسكندرية
- يامبليخوس: الفيلسوف الذي شكل الأفلاطونية المحدثة
- وجوب محاسبة من تلطخت كلماتهم بالدماء في سوريا
- معايير تشكيل اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني في سوريا والجدل ...
- مقاربات عملية لحل معضلة قسد في إطار سوريا الجديدة
- الدور السعودي في سوريا الجديدة
- الوهابية الثقافية العربية
- رسالة تأخرت سنة إلى طالبي فتح الحدود
- الحسين مجرد طالب سلطة وليس ثائرا
- دفاعًا عن الأدب العربي المترجم إلى اليونانية وليس بيرسا
- عبدالله الريامي: جيشٌ من رجلٍ واحدٍ يحارب على جبهات متعددة
- قصيدة النثر بالعربية: إضاءات من زوايا شخصية
- بولاق الفرنساوي لحجاج أدول والحنين للماضي
- هل احتل العرب المكسيك؟
- عن المغاربة الذين لا يعرفون أن الأندلس أموية
- السوريون وهواية أسطرة الفوارغ
- العلاقة بين اليهود وحائكي السجاد في رواية بازيريك للماجدي
- سلام حلوم في «كسْر ِالهاء»: الحنين كمنبع للشعر
- المهنة كوسيلة لفهم تركيب وسلوك الشخصية السورية


المزيد.....




- هارفارد تقاضي ترامب بعد تجميد التمويل الفدرالي وتصف قراره با ...
- إشادات عربية بمواقف البابا فرانشيسكو من الحرب على غزة وحوار ...
- فنزويلا تعلن الحداد ثلاثة أيام على وفاة البابا فرنسيس
- جامعة هارفارد تقاضي إدارة ترامب بسبب تجميد منح بـ2.2 مليار د ...
- الأردن ينكس أعلامه لمدة ثلاثة أيام حدادا على وفاة البابا فرن ...
- إعلام: سرقة حقيبة وزيرة الأمن الداخلي الأمريكي في مطعم بواشن ...
- غارات أمريكية تستهدف صنعاء اليمنية
- رئيس البرازيل: البابا فرنسيس كان بابا الأمل
- تحذير أممي: هايتي على شفا -نقطة اللاعودة- مع تصاعد عنف العصا ...
- جامعة هارفارد تقاضي ترامب


المزيد.....

- نعوم تشومسكي حول الاتحاد السوفيتي والاشتراكية: صراع الحقيقة ... / أحمد الجوهري
- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها / عبدالرزاق دحنون
- إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا ) / ترجمة سعيد العليمى
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي / محمد علي مقلد
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ... / فارس كمال نظمي
- التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية / محمد علي مقلد
- الطريق الروسى الى الاشتراكية / يوجين فارغا
- الشيوعيون في مصر المعاصرة / طارق المهدوي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ... / مازن كم الماز
- نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي / د.عمار مجيد كاظم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - خلف علي الخلف - تاريخ المعتزلة وتدليس اليسار العربي