عقيل الفتلاوي
صحفي وباحث
(Aqeel Al Fatlawy)
الحوار المتمدن-العدد: 8318 - 2025 / 4 / 20 - 08:20
المحور:
الادب والفن
مدينة الخيال التي أصبحت حقيقة.
عندما أمر الخليفة المنصور ببناء بغداد في رجب من عام 145 هـ (حسب أغلب المصادر التاريخية مثل الطبري) الموافق من عام 762م، كان يحلم بمدينة تليق بعظمة الدولة العباسية. لم يكن يعلم أن حلمه سيتحول إلى أسطورة حية ستسكن مخيلة العالم لقرون. (مدينة السلام) كما أطلق عليها، لم تكن مجرد عاصمة سياسية، بل كانت تحفة معمارية بحدائقها المعلقة وقصورها الذهبية وجسورها التي تحدت الأنهار.
عاصمة العالم حينما كان العالم بلا عواصم ..
في ذروة مجدها، كانت بغداد أشبه بمختبر حضاري عالمي. هنا التقى الفرس والهنود والعرب واليونان في حوار معرفي فريد. بيت الحكمة لم يكن مجرد مكتبة، بل كان أول (منصة تبادل معرفي) في التاريخ، حيث ترجمت أعمال أرسطو وجالينوس بينما كان الأوروبيون يعيشون في العصور المظلمة.
أناقة بغداد: من قصور الخلفاء إلى اللهجات الشعبية.
الحديث عن ( التبغدد) كمصطلح يعكس الأناقة ليس مجرد صدفة. فتاريخ المدينة يشهد أن بغداديين كثيرين مثل الجاحظ والمتنبي لم يكونوا عظماء في أدبهم فقط، بل في أناقتهم الشخصية أيضاً. حتى أن بعض المؤرخين يذكرون أن خلفاؤها كانوا يغيرون حليتهم كل يوم بشكل يثير إعجاب البلاط.
بين الماضي والحاضر: مدينة ترفض أن تموت ..
اليوم، وبعد كل ما مرت به، لا تزال بغداد تحتفظ بذلك السحر الغامض. في شارع الرشيد تشعر أن الحجارة تتحدث، وفي المدرسة المستنصرية تسمع همسات الطلاب القدامى. حتى أن (سوق الصفافير) ما زال يصنع نفس النماذج النحاسية التي كان يصنعها قبل ألف عام.
الصورة النمطية والحقيقة ..
لكن لماذا ارتبط اسم بغداد بالأناقة تحديداً؟ يرى بعض الأنثروبولوجيين أن ذلك يعود إلى أن البغداديين طوروا عبر القرون ذوقاً خاصاً في الموازنة بين البذخ والتحفظ. فبينما كانت القصور تزين بالذهب، كانت البيوت البغدادية التقليدية تتسم بالبساطة الذكية.
قد لا يعرف الكثيرون أن بغداد كانت أول مدينة في التاريخ تنظم حركة المرور، أو أنها ابتكرت نظام البريد المنظم قبل أوروبا بقرون. هذه التفاصيل تكشف أن (التبغدد) لم تكن مجرد أناقة مظهرية، بل أناقة في التفكير والتنظيم أيضاً.
وختاماً فأن بغداد اليوم ليست فقط ذكرى تاريخية، وليست فقط واقعاً معاصراً صعباً. إنها فكرة متجددة، حلم لم يكتمل بعد. عندما يقول أحدهم (يا متبغدد)، فهو لا يشير فقط إلى المظهر، بل إلى ذلك الإرث الحضاري الذي يجعل من البغدادي وريثاً غير مباشر لكل هذا المجد.
كلمة أخيرة:
(بغداد ليست مكاناً نزوره، بل هي حالة نعيشها. مدينة تعلمنا أن الأناقة الحقيقية هي أن تعيش بتواضع العالم وعظمة التاريخ في آن واحد ) .
#عقيل_الفتلاوي (هاشتاغ)
Aqeel_Al_Fatlawy#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟