أكد الجبوري
الحوار المتمدن-العدد: 8318 - 2025 / 4 / 20 - 00:27
المحور:
الادب والفن
تبرز متلازمة راسكولينكوف، المستوحاة من شخصية البطل المعذب في رواية ("الجريمة والعقاب". 1866)() لفيدور دوستويفسكي (1821-1881)()، كظلٍّ قاتمٍ يخيم على المجتمع المعاصر. راسكولنيكوف، الطالب الشاب الذي تُعذبه قناعاته المشوهة، يُجسّد الأنانية الجامحة، وهو مظهرٌ مُتطرفٌ لما يُطاردنا اليوم. في مواجهة غياب الأمل واستمرار متلازمة راسكولينكوف، فإن المستقبل أمامنا كأفق مظلم لا يمكن عبوره، حيث اليقين الوحيد هو استمرار الأنانية والوحدة والوهم. إن شئتم.
في هذا السيناريو، نشهد زمنًا مُشبعًا بإنكار الشيخوخة واحتقار الأصوات المُختلفة. الأفراد، المُنغمسون في حقائقهم المُطلقة، يعزلون أنفسهم في عوالمهم العقلية، مُغلقين أنفسهم عن التفاهم والحوار مع الآخر. هذا العناد المُنعزل على تصديق تصوراتهم فقط يدفعهم إلى تبرير أفعالٍ قاسيةٍ وغير مُبررة، مُتجذرةٍ في إرادةٍ أنانيةٍ خاليةٍ من التعاطف. في هذا السياق، تكشف متلازمة راسكولينكوف عن نفسها كسرطان نفسي أفسد أسس التضامن والتواصل الإنساني. فالروابط الاجتماعية، التي كانت قوية ومتماسكة في يوم من الأيام، أصبحت الآن ضعيفة ومجزأة، يسودها جو من انعدام الثقة واللامبالاة. ويبدو المستقبل، الغارق في هذه الدوامة المتدهورة، خاليًا من أي أمل، كما لو كنا محكومين بالاستسلام لهوية انعدام الإحساس والعزلة.
في هذه النظرة التشاؤمية للمستقبل، لا مجال للخلاص أو لتجاوز الحدود البشرية. متلازمة راسكولينكوف، كاضطراب نفسي عام، تقوض إمكانيات بناء مجتمع أكثر عدلًا ورحمة. إن غياب التفاعل الهادف وإنكار الآخر يؤديان إلى إدامة حلقة مفرغة من الأنانية والعنف، حيث يُطغى على مفهوم الصالح العام السعي الجامح وراء السلطة والهيمنة. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن هذا المنظور القاتم ليس بالضرورة قدرًا لا مفر منه. يتطلب التغلب على متلازمة راسكولينكوف تحولًا عميقًا في وعينا الجماعي، وانفصالًا عن أنماط التفكير التي أوصلتنا إلى حالة الاغتراب هذه. ومع ذلك، من الصعب أن نلمح ضوءًا في نهاية النفق، إذ يبدو أن إنكار الآخر وإنكار إنكار الذات متأصلان في جوهرنا.
أخيرا. نحن أمام هذه الصورة البانورامية المفجعة، يمكننا أن نتأمل في إرث راسكولينكوف ومتلازمته. إن أعمال دوستويفسكي، بكشفها عن خبايا النفس البشرية، تواجهنا بالواقع القاسي لتناقضاتنا الخاصة وتتحدانا للسعي إلى التجديد الأخلاقي والروحي. ومع ذلك، في مواجهة غياب الأمل واستمرار متلازمة راسكولينكوف، فإن المستقبل أمامنا كأفق مظلم لا يمكن عبوره، حيث اليقين الوحيد هو استمرار الأنانية والوحدة والوهم. إن شئتم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Copyright © akka2025
المكان والتاريخ: طوكيـو ـ 04/19/25
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة)
#أكد_الجبوري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟