رحمة يوسف يونس
الحوار المتمدن-العدد: 8317 - 2025 / 4 / 19 - 18:38
المحور:
قضايا ثقافية
لا يُمثِّل الإيمانُ بالأديان مجردَ بوصلةٍ أخلاقيةٍ قابلةٍ للاستبدال بقوانينَ وضعيةٍ أو مُثُلٍ يتفق عليها الفلاسفة، بل هو نافذةٌ تُطل بالإنسان على أفقٍ لا محدود، حيثُ يتحوَّل الوجودُ من زنزانةِ الزمان والمكان إلى رحابةِ عالمٍ سرمديٍّ يتجاوزُ المادةَ وقيودَها. فالأديان لا تُنتجُ أفرادًا يحملون قيمًا مجردةً فحسب، بل تُخرِجُ إنسانًا متكاملَ الروح، مُتصلًا بغايةٍ عليا تُضفي على حياتهِ عمقًا ومعنى يتجاوزانِ لحظةَ الفناء. فالإنسان بلا إيمانٍ أشبهُ بمركبٍ بلا شراع، يتهادى على أمواجِ العبثيةِ، بينما المؤمنُ – حيثما كان – يحملُ في قلبهِ بذرةَ الخلود، ويَسعى ليكونَ خليفةَ الله في أرضهِ، عامرًا بالعدلِ والإحسان.
وأما الأدبُ والشعر، فليسا ترفًا يُستهانُ به، بل هما حصنٌ يُدافع عن إنسانيةِ الإنسان في زمنٍ تحوَّلَ فيه العالمُ إلى ساحةٍ ماديةٍ صاخبةٍ، تُجردُ الفردَ من مشاعرهِ، وتصهرهُ في قوالبَ نفعيةٍ جافةٍ. فالقصيدةُ والروايةُ ليستا كلماتٍ تُسكَبُ على الورق، بل هما مرآةٌ تعكسُ نبضَ القلبِ، وتُعيدُ للروحِ توازنَها في عالمٍ يلهثُ وراءَ الربحِ والسرعةِ. ففي زمنِ الحروبِ والآلاتِ، يُذكِّرنا الأدبُ بأننا بشرٌ، نضحكُ، ونبكي، ونحلمُ، ونشتاقُ، وأن هذه المشاعرَ ليست ضعفًا، بل هي جوهرُ وجودنا الذي لا ينفصلُ عن قيمنا.
وعندما يلتقي الإيمانُ بالدينِ مع شغفِ الأدبِ، يولدُ إنسانٌ جديدٌ: لا آلة مغتربة تُدارُ بأزرارِ المصالحِ، بل كائنٌ حيٌّ ينبضُ بالوعيِ، يزرعُ الجمالَ في كلِّ عملٍ، ويُقدِّمُ لوطنِه وإنسانيتِه أفضلَ ما لديه، لأنه يرى في الحياةِ فرصةً لبناءِ جنةٍ أرضيةٍ تُعبِّدُ الطريقَ لجنةٍ سماويةٍ. فهذا المزيجُ الفريدُ بين الروحِ والكلمةِ هو ما يحفظُ للبشريةِ إنسانيتَها، ويجعلُ من كلِّ خطوةٍ نحوَ التقدمِ خطوةً نحوَ السماءِ كذلك.
#رحمة_يوسف_يونس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟