أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بهجت العبيدي البيبة - حين يُصبح الدعاء سلاحًا للكراهية: تأملات في سقوط إنساني واغتيال للرياضة














المزيد.....

حين يُصبح الدعاء سلاحًا للكراهية: تأملات في سقوط إنساني واغتيال للرياضة


بهجت العبيدي البيبة

الحوار المتمدن-العدد: 8315 - 2025 / 4 / 17 - 20:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في لحظةٍ من الحيرة والمرارة، فوجئ الرأي العام بمنشورٍ نُسب إلى الدكتور مصطفى القاضي، المدير التنفيذي السابق لاتحاد الكرة الطائرة، يتضمن دعاءً على الكابتن محمود الخطيب، رئيس النادي الأهلي، بأبشع الأمراض وأكثرها فتكًا. دعاءٌ لا تملك وأنت تقرأه إلا أن تتساءل: كيف وصلنا إلى هذا الدرك؟ كيف استحال الدعاء – ذلك الباب المقدّس بين الإنسان وربه – إلى سلاحٍ للكراهية؟ وكيف يُمكن لعقلٍ يُفترض أنه مسؤول، أن يتمنى الموت البطيء لإنسانٍ لمجرد خلاف كروي؟
إن هذا الحدث، في ظاهره، يبدو منعزلًا، لكنه في الحقيقة مرآةٌ مشروخة لحالةٍ أعمق وأخطر، وأكثر امتدادًا. نحن أمام أزمة فهم للدين، وسقوط أخلاقي، وتدهور في الذوق العام، وانهيار في القيم الرياضية. فمنذ متى أصبح اسم النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، يُستحضر في دعاءٍ يتمنى السرطان والجذام والبرص لإنسان؟! أيّ فهمٍ هذا الذي يُقدّم البركة النبوية قربانًا في مذبح الحقد؟ وأيّ دينٍ هذا الذي يُحرّف في وجدان البعض حتى يُصبح وسيلة للثأر لا وسيلة للتطهر؟
إن النفس التي تصوغ هذا الدعاء ليست نفسًا مطمئنة، ولا حتى لوّامة، بل نفسٌ مأزومة، مسكونة بالكراهية، تتلذذ بآلام الآخرين، وتفرح بفكرة المرض والموت إن حلّ على من يخالفها. هذا انحرافٌ سلوكي ونفسي قبل أن يكون خللًا أخلاقيًا أو دينيًا، لأنه يُعبّر عن هشاشةٍ داخلية تُسقِط الآخر لتشعر بالانتصار، وتدعو عليه لا لتُطهّر قلبها، بل لتُفرغ أحقادها.
لا يمكننا أن نُحمّل هذا “المنشور الصادم” أكثر مما يحتمل، ولا أن نفصله عن واقعه الثقافي والاجتماعي، فنحن في زمن تداخلت فيه الهويات، واختُزلت فيه القيم في انتماءاتٍ ضيقة: هذا أهلاوي، وذاك زملكاوي، وهذا معنا، وذاك ضدنا. لم يعد الإنسان يُعرَف بخلقه أو عطائه أو تفانيه، بل بفريقه، أو بلون فانلته، بموقعه من معركةٍ افتراضية لا ينتصر فيها أحد.
لقد أفرزت هذه الحالة مجتمعات منغلقة، تُصفّق للقبح إن عبّر عن ميولها، وتُهاجم الجَمال إن جاء من “الخصم”. واختُزل الانتماء في مباراة، والدين في دعاءٍ مشوّه، والكرامة في منشورٍ على فيسبوك.
لكن الكارثة الأكبر هي أن هذا الحدث وقع في سياقٍ رياضي، حيث يُفترض أن تكون المنافسة فيه شريفة، والاختلاف فيه باعثًا على الإبداع، لا على الإيذاء. إن الرياضة، في أصلها، فلسفة تُعلّم التحدي لا الحقد، تُربّي على احترام الخصم، وتُنمّي في النفس القدرة على الربح بتواضع والخسارة بكرامة. لكنها في واقعنا تحوّلت إلى ساحة حربٍ تُشرّع الكراهية وتُزيّن التهجم، وتُلبس الثأر قناع “الولاء”.
إن الكابتن محمود الخطيب ليس مجرد نجم أو إداري ناجح، بل هو نموذج في الهدوء والرقي والاحتراف، جمع احترام الخصوم قبل محبة الجمهور. والدعاء عليه لا يُسيء إليه قدر ما يفضح منطقًا أعوجًا يرى في المرض انتصارًا، وفي الخصومة الكروية مبررًا لإنكار الإنسانية.
لسنا هنا لنُحاكم فردًا، بل لنسأل أنفسنا بصدق: كيف غابت القيم إلى هذا الحد؟ كيف أصبحنا نغذي أنفسنا بالكراهية ثم نستغرب حين تنهار القلوب والعقول؟ كيف صرنا نُحارب في الملاعب وخارجها، بالكلمات والشتائم والدعوات، وننسى أن الرياضة وجدت لنرتقي، لا لننحدر؟
إن المطلوب اليوم ليس اعتذارًا، بل وقفة. مراجعة شاملة تبدأ من بعض الإعلام الذي يشعل الحرائق، ومن الأندية التي تُربي التعصب، ومن جمهورٍ صار يرى في العداوة شرفًا. إننا في حاجة ماسة لأن نُعيد المعنى إلى الرياضة، والرحمة إلى الدعاء، والكرامة إلى الإنسان.
إننا نحتاج، بكل تأكيد ،أن نُطهر الملاعب من السُمّ، لا بالأمن فقط، بل بالفكر، وبإحياء المعنى الحقيقي للانتماء: أن تحب دون أن تكره، أن تُنافس دون أن تُدمّر، أن تفوز دون أن تدعو بالموت على من خسر.
فالرياضة بلا أخلاق، ليست إلا معركة قبيحة، والدعاء بلا رحمة، ليس إلا سُمًّا يُزهق الأرواح قبل الأجساد.



#بهجت_العبيدي_البيبة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (1)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العودة من العدم: حينما يعيد العلم المندثرين إلى الحياة
- في خان الخليلي… حيث تمتزج نكهة التاريخ برسائل السياسة
- حينما تتحكم النسبية في خرائطنا: كيف غيّرت نظرية آينشتاين طري ...
- الإنسانية فوق الطائفية: قراءة في مبررات العنف ضد الأبرياء في ...
- عندما تصبح الخرافة تهديدًا للوعي: قراءة نقدية في تصريحات حول ...
- الصيام عبر الزمن: من عادات القدماء إلى عبادة الإسلام
- رمضان… حين يشرق النور في القلوب
- التحديات السكانية في القرن الحادي والعشرين: قراءة مالتوسية ف ...
- الانتخابات الألمانية 2025: تحولات سياسية كبرى وتداعياتها على ...
- عندما يسخر الجهل من المعرفة
- مصر… حائط الصد الأخير في وجه مخطط التهجير
- ترامب ومكتب الإيمان: بين صعود الأصولية والصدام المحتمل
- حادث السويد الدامي: الإرهاب لا لون له ولا حدود
- التناغم الأمريكي-الإسرائيلي بين التصريحات والرموز: قراءة في ...
- الإعلام بين الإنصاف والتحريف - قراءة في تصريحات مارسيل كولر
- إيمانويل كانط: فيلسوف النور الذي رسم حدود العقل والإنسان
- الجنون في الحكم: من الحاكم بأمر الله إلى ترامب … بين الطبع و ...
- مرموش..لماذا يدعم المصريون أبطالهم عالميًا؟ قراءة نفسية واجت ...
- في غياهب الغيبوبة العقلية: من يستفيد من تغييب الوعي؟
- هل يستطيع ترامب تنفيذ تصريحاته حول المثليين .. حدود السلطة ت ...


المزيد.....




- ما تعليق ترامب على انتخاب الفاتيكان أول بابا من أمريكا؟
- حساب يحمل اسم بابا الفاتيكان الجديد يعيد نشر انتقادات لترامب ...
- ليو الرابع عشر: ماذا وراء الأسماء التي يختارها باباوات الفات ...
- هل الصدام وارد بين الرئيس الأمريكي ترامب وبابا الفاتيكان -ال ...
- ماذا نعرف عن دبلوماسية الفاتيكان؟
- ما ردود الفعل الأمريكية على انتخاب بابا -أمريكي- لأول مرة في ...
- الفاتيكان: انتخاب خلف للبابا فرنسيس.. ولادة عهد جديد
- ماذا عن العلاقة بين دولة الفاتيكان ومدينة القدس؟
- الفاتيكان: ثقل مالي واقتصادي لأصغر دولة في العالم
- الفاتيكان يعاني من عجز مالي.. ما الأسباب؟


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بهجت العبيدي البيبة - حين يُصبح الدعاء سلاحًا للكراهية: تأملات في سقوط إنساني واغتيال للرياضة