محمد زهدي شاهين
الحوار المتمدن-العدد: 8315 - 2025 / 4 / 17 - 02:24
المحور:
قضايا ثقافية
يقول ايمانويل كانط كن جريئا في استخدام عقلك، لهذا وبعد تفكر وتدبر فقد تجرأت على عنونة مقالنا بهذا العنوان إذ كنت مترددا في ذلك خوفاً من سوء فهم بعض القراء، من ثم نزعت رداء التردد عني ومضيت فيما عقدت العزم عليه. ومما لا شك فيه بأن عنوان المقال قد مثير للفضول وهذا هو عين ما نريد من وراء ذلك من اجل تحفيز القراء وتشويقهم ولكي يتبحروا بين كلماته لعلهم يجدون ضالتهم.
ان اساليب الكتابة و اهدافها تختلف من كاتب لأخر وقد تتعدد وتتنوع الأهداف والأساليب عند ذات الكاتب ايضاً وكذلك الرسالة التي يسعى إلى ايصالها. فمن الكتاب من يسعى الى معالجة قضية اجتماعية سواء اكانت فردية أو اسرية أو مجتمعية، أو معالجة قضية سياسية أو اقتصادية وذلك من خلال عدة طرق أو فنون كتابية أدبية وفكرية الى غير ذلك من فنون.
وهنا سنبتدأ بالكتابة من حيث كان يتوجب علينا الانتهاء بها، فكما يقال فللضرورة احكامها، لهذا فقد رأينا بأنه من الأولى تقديم قطع الطريق وإغلاقها على مرضى النفوس الذين يحرفون الكلم عن موضعه، فيقومون بتوظيف كتابات الكاتب التي يشير فيها إلى أنه قد وقع بخطأ هنا أو هناك، فيستخدمون هذه الكتابات كحجة عليه من اجل إدانته والانتقاص من مكانته وقدره ورؤيته علماً بأن العكس هو الصحيح.
إن طريقة التقديم هذه تأتي من باب معالجة المُعارضة قبل المعارضة، وبشكل ادق وأصح اتت من باب سد وقطع الطريق على هذا الصنف أو هذا النوع من المتربصين والمتصيدين، فالناس ليسوا على شاكلة واحدة، وهنا نؤكد على احترامنا وتقديرنا الشديدين لمن يخالفنا الرأي، فنحن نقول دائماً بأنه لا يفل الحديد إلا الحديد ولا يدحض الرأي إلا برأي رشيد، أرشد وأصوب وأسلم منه.
نستهل حديثنا من كلام خير البرية نبينا محمد ابن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، فقد قال لعائشة (....وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب؛ تاب الله عليه) رواه البخاري.
وقد قال علماء العرب إن الاعتراف بالذنب فضيلة ، وقد ذهب علماء النفس بأن الاعتراف بالذنب والاعتذار عنه يتطلب قدراً كبيرا من قوة الشخصية، ونحن ممن يؤمنون بأن من أساسيات التربية القيام بتعليم ابنائنا وتنشئتهم على ثقافة الاعتذار عن الخطأ وعدم الخجل منه، وهذا التوجيه والإرشاد التربوي لا شك بأنه يأتي كجزء أساسي من ثقافة بناء وصقل الشخصية السوية والسليمة.
إن هذه الاستدلالات التي تقدمنا بها سقناها لكم من باب قطع الطريق على هؤلاء الذين قمنا بذكرهم أنفاً ومن باب التأكيد على وجوب زرع ثقافة الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه في نفس كل شخص منا، والأمثلة التي سنقوم بضربها هنا نضعها بين أيديكم من اجل تقريب الصورة لا أكثر.
يجد الكثيرين من الناس بأنهم كانوا ساذجين أو مغفلين في موقف معين وقد يكون الموقف قد حصل مع طفل صغير ففطن الصغير لأمر لم تنتبه وتفطن له انت، ومن باب تخفيف وطأة هذه الكلمة ووقعها نستعيض عنها ونستبدلها بكلمة لها دلالة اخرى بالقول بأنهم كانوا "مخطئين" في بعض المواقف وفي بعض القرارات التي قاموا باتخاذها، منها ما يمكن تداركه وعلاجه وإعادة النظر فيه، ومنها ما يصعب على الشخص تصويبه واصلاحه إذ ينطبق علينا جميعا في مثل هذه الحالة المثل القائل بأن الطيور قد طارت بأرزاقها، ولكن يبقى بإمكاننا منع تكراره مرة اخرى.
نعم لقد اخطأت التقدير في بعض المواقف، وفي مواقف اخرى كنت "مغفلا" فيها، ففي إحدى المواقف احرجتني ابنتي التي لم تكمل عامها السادس بعد، فانتبهت هي لأمر لم انتبه له أنا، وغالبا ما تقوم هذه الفتاة بخداعي على الرغم من صغر سنها فهي ما تزال في بستان الطفولة ولكن كما يبدو بأن للأطفال عالمهم الخاص، وعلى الرغم من أنني كنت طفلا يوماً ما إلا أنني قليل الخبرة فيما يتعلق بعالمهم. نعم لقد اخطأت وأنا لا انكر ذلك على الاطلاق، فأنا مجرد إنسان اصيب واخطأ انجح وافشل، وهنا، لا بد لنا من التنويه لأمر في غاية الأهمية، فيجب أن لا يغيب عن اذهاننا بأن تجربتنا الإنسانية هي تجربة إنسانية واحدة نخوض غمارها أنا وأنت، نعم أنا وأنتم. ونحن نرى بأنه لا بد للإنسان بأن يكون صادقاً مع ذاته أولاً ومع الأخر ثانياً، وفي ذات السياق؛ ففي مواقف اخرى قد نحسن الاختيار، فالأمور هنا بمجملها امور وقضايا نسبية فأنا على سبيل المثال احسنت الاختيار في مواقف ومشاهد اخرى، فقد رغبت بأن احصل على شهادة اكاديمية بعد أن ظننت بأن قطار التعليم قد فاتني، فحصلت عليها وحصلت، ورغبت بإن اكون في موقع ومكان معين، فكنت، ودعوت الله متضرعاً بأن يستجيب لي؛ فأجبت، وهذا بفضل من الله وكرمه علي.
في بعض المواقف واللحظات التي تحيطها ظروف معقدة وشائكة بل ومستعصية جدا في مثل واقعنا نجد بأن السكوت عنها أو الإيماءة إليها من قريب أو من بعيد بأنه بحد ذاته "بيان" نعم ان السكوت هنا والتراجع خطوة إلى الوراء هو بحد ذاته بيان لكون الأمور ليست في نصابها.
نكتب هذه المقالة وقد تختلف الآراء حولها، فهناك من سيراها بأنها جلدا للذات، وهنالك من سيقرأها بأنها نقدا لواقعنا السياسي الفلسطيني بطريقة غير مباشرة وصريحة على الرغم من أنها كتبت من اجل معالجة قضية اجتماعية من خلال تعزيز ثقافة الناس بالاتجاه نحو الأخذ بثقافة الاعتذار والاعتراف بالخطأ بكل شجاعة والتراجع بالاعتذار عنه.
في كثير من المشاكل العالقة والمعضلات الصعبة نجد بأن اصحاب العقول الراجحة يقومون بطرح حلول و طرق عقلانية راجحة وحكيمة في كيفية التعاطي مع هذه المعضلات، ولكن هيهات هيهات في اصحاب العقول المقفلة والعقيمة التي لا تتراجع عن اخطائها، فكما يقال فهنالك _ألف احمق امام كل عقل راجح، وألف كلمة خرقاء أمام كل كلمة واعية_ .
إن من اشد واصعب المواقف هو بأن تدرك امرا ادركه غيرك في وقت سابق وقد ادركته أنت بوقت متأخر، لا لعلة فيك بل لكونك كنت على أمل أن يستقيم "الأمر"، وعلى الرغم من هذا فما زالت جذوة الأمل متوقدة مشتعلة ومهما كان العقل متشائماً فإرادتنا متفائلة على الدوام.
من نوادر العرب الجميلة يقال إذا ما حل الثقيل (اقول: لا أحله الله علينا ولا على أمرنا) فعلى القوم الرحيل ويا ليتكم تتطلعون على هذه النادرة،، فإذا حل الثقيل بأرض قومٍ،،،فما للساكنين سوى الرحيل. وهذا ما ذهبت إليه العرب في الحالات المستعصية فأخر الدواء الكي والبتر والاستئصال أو الرحيل. وكما يبدو بأنه عندما قالت العرب بأن "الزيارة غارة" عائد لهذا السبب لكي لا يثقل الضيف على المضيف. والمقصود بالثقيل هنا هو كل شخص يقوم بفرض نفسه على الأخرين عنوة أو في حال قيام فرضه من قبل الأخرين على جماعة من الناس فالأمر سيان.
إن ما قمت بذكره والتطرق إليه في قضية بأن اخر الدواء هو الكي أو البتر والاستئصال يمكن لكل منكم اسقاطها على حالة معينة ترونها مناسبة لكل شخص فيكم، في حالة الأزواج واصلاح الشريك وتقويم سلوكه وإن تعذر ذلك فالطلاق،،، أو في مؤسسة معينة استعصت حالتها لسبب معين فالخروج منها ومغادرتها إلى حيز أخر أو ترك المجال كله، وفي حالة العملية الديمقراطية يحتكم الناس إلى الصندوق؛ نعم إلى الصندوق.....
وعوداً على ذي بدء سأقوم بالاقتباس هنا من انجيل يوحنا، فعندما خاطب معلمو الشريعة اليسوع في امرأة قد زنت قال لهم: (من كان منكم بلا خطيئة، فليرمها بأول حجر)، وأنا اقول من كان منكم بلا موقف شعر به بأنه كان فيه مغفلاً في لحظة ما، فليرمي مقالتي بأول حجر. لهذا فنحن جميعنا في لحظة ما كنا (.....) مخطئين/ مغفلين، وهنا سأترك لكم الخيار في الاختيار، فمعيار الصدق مع الذات هو ميزان الاختيار في هذه المسألة، فإذا رجحت كفة المصطلح الثاني سهل علينا الاعتراف بالخطأ والاقرار بأننا ملزمون بالاعتذار عنه. أي بمعنى اذا قام المرء بالاعتراف والقبول بأنه كان في لحظة معينة مغفلاً مع العلم بانها كلمة ثقيلة، سهل عليه حينها بأن يتقبل بأنه في لحظات اخرى كان مخطئاً وإذا اقر الإنسان بخطئه لا بد بأنه سيقر بأنه يتوجب عليه الاعتذار وخير الخطائين التوابين، لهذا فأنا كنت مغفلاً في لحظة معينة لهذا فأنا لست معصوما عن الوقوع في الخطأ ولا اخشى ولا اخجل من التراجع عن خطأي والاعتذار عنه.
وسأختم بما قاله الامام الشافعي :
كلـما أدبني الدهـر ... أراني نقص عقلي
وإذا ما أزددت علما ... زادني علما بجهلي.
*ماجستير بناء مؤسسات وتنمية بشرية*
جامعة القدس/القدس المحتلة
#محمد_زهدي_شاهين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟