الحياة كما لا نعيشها: خدعة الشاشة الجميلة

زينة ركين

الحوار المتمدن-العدد: 8314 - 2025 / 4 / 16 - 02:09
المحور: قضايا ثقافية
    

حين نشاهدُ مسلسلاً أو فيلماً، غالبًا ما ننجرفُ بسهولة داخل القصة، نُحب الشخصيات، نتعاطف معها، ونعيشُ معها لحظاتها الحلوة والمرة، لكن شيئًا ما، في مكانٍ ما، لا يبدو صادقاً تمامًا.

هناك شيء يلمع أكثر من اللازم، يبتسم أكثر مما يجب، يُحبّ بسهولة، يُسامح بسرعة، ويبدو أن الحياة كلّها تدور بخفة في عالمٍ لا يُشبه عالمنا، ولا حتى في أقسى أحلامنا تفاؤلًا.

الشخصيات التي نراها غالباً جميلة من مجهود،أنيقة من دون مناسبة، ومثالية حتى في لحظات انكسارها، لا أحد منهم يُعاني من بشرة متعبة أو من أيام يخرج فيها من دون أن يُصفّف شعره.
لا أحد يتعثر بكلماته حين يعترف بالحب،ولا أحد ينفجر غضبًا ثم يندم بطريقة غير مرتّبة.... كل شيء محسوب، كل مشهد مفلتر، كل حوار مصقول ليبدو "واقعياً"… لكنه بعيد تمامًا عن الواقع.

في هذه العوالم المصنوعة بدقة، الحب دائماً ينتصر، والخيانات تُغتَفر، والخلافات تُحلّ بحوار واحد على طاولة عشاء، حتى الفقر فيها نظيف، حتى الحزن فيها مرتب، حتى الجوع فيها رومانسي!!!

لكن الحقيقة؟ الحقيقة أكثر فوضى. في الحقيقة، الحب يُفشلنا، والخلافات تخلق مسافات لا تُردم، والحزن لا يأتي على شكل مشهد درامي بل على شكل انهيار صامت وسط نهار مزدحم.

نتعلقُ بالشخصيات لأننا نريد أن نصدّق أن هناك حياة بهذا الجمال، لكن ما لا نقوله لأنفسنا هو أن هذه الصورة "المثالية" ترهقنا، تجعلنا نشكّ في واقعنا، نحتقر التفاصيل العادية في حياتنا، ونقارن أنفسنا بأبطال وُلدوا من ورق وكُتبوا ليكونوا أفضل من البشر.
نبدأ بمطاردة وهم،نبحث عن جمل نحبُ بها، عن صداقة تنقذنا، عن مشهدٍ يُغير كل شيء....كما يحصل على الشاشة...لكننا لا نجد ذلك.

وهنا، يصبح الأمر أخطر! لأننا لا ننتبه كيف يتحوّل هذا الفن إلى مرآة مُشوّهة.... لا نطلب من الفن أن يعكس الحقيقة كما هي، ولا أن يغرقنا بالبؤس، لكن أن يُعطينا لمحة منّا، من تعبنا، من هشاشتنا، من أيامنا التي تمرّ بلا نهاية سعيدة. نحتاج أن نشاهد أناسًا يُشبهوننا فعلًا، يقعون ويكذبون ويخافون ويخطئون، ويعيشون رغم كل ذلك.

القصص الحقيقية ليست مثالية، لكنها صادقة، وهي، بطريقتها غير المصقولة، قادرة أن تلمس فينا ما تعجز عنه كلّ جملة مُتقنة في نص مكتوب بعناية... لأن الحقيقة لا تحتاج ديكورًا… تحتاج فقط من يجرؤ أن يرويها.

#زينة_ركين (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات