الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي
(Echahby Ahmed)
الحوار المتمدن-العدد: 8313 - 2025 / 4 / 15 - 10:19
المحور:
قضايا ثقافية
هل هناك شيء يُنتج المجرمين الصغار مثلما يفعل المجتمع؟ المجتمع هو ذاك الأب الذي يتفاجأ من سلوك ابنه، مع أنه هو من ربّاه على الانحراف منذ البداية. يبحث عن من يعلّمه الأدب، وهو نفسه من لقّنه الرذيلة. يتساءل: "أين ذهبت التربية؟"، وهو من دفنها بيديه، من دون جنازة، ولا صلاة، ولا حتى دمعة واحدة. المجتمع، هذا الكائن الغريب، يتصنّع الفضيلة على ملامحه، بينما يسلخ القيم من تحت جلده.
يدخل التلميذ إلى المدرسة، لا طلباً للعلم، بل هرباً من المنزل. هناك في البيت، أبٌ يضرب، وأمٌ منهكة، وخوفٌ يسكن في ركن المطبخ. يهرب نحو المدرسة، فتستقبله سبورة باهتة، ومعلمٌ مقهور مثله، وكلمات جارحة، وسخرية من ملبسه، من حذائه، من رائحته، ومن طريقة وقوفه. المجتمع ليس فقط في الحي، بل يتسلل حتى إلى زنزانة القسم، حاضراً في كل نظرة ازدراء، في كل لقب ساقط، في كل مرة يُكسَر فيها حلم صغير على طاولة مهترئة.
ذاك الطفل الذي كان بالأمس يبكي لأن ممحاته سُرقت، أصبح اليوم يسرق المحافظ. الطفل الذي كان يخجل من كونه حافي القدمين، صار يتفاخر بأنه لا يملك شيئاً، بل ويريد أن يُفقر الآخرين أيضاً. لقد غسل له المجتمع دماغه على البارد، وقال له: "لكي تُحترم، يجب أن تكون عنيفاً، أن تكون شرساً، أن تكون وحشاً وسط الكلاب". ولم يخبره أن الوحش لا يعوي، ولا يلعب أمام أبواب المدارس.
الكل يتنصّل من المسؤولية. المدرسة تلوم الأسرة، الأسرة تسب الدولة، الدولة تهاجم التلفاز، والتلفاز يقول: "أنا فقط أنقل لكم الواقع". لكن من صنع هذا الواقع؟ هل الطفل وُلد فاسداً، أم أن المجتمع هو من زرع فيه الفساد كما تُزرع النعناع في أصيص فوق السطوح؟
نحن نعيش داخل مسرحية كبيرة، الطفل فيها هو الضحية والجلاد، والمعلم هو المتفرج، والأب هو المخرج، والمجتمع هو المنتج. وكلما تخرّج من هذه المؤسسة تلميذ جديد يحمل سكيناً بدلاً من كتاب، غسلنا أيدينا منه، وكأننا لم نكن من علّمه أن العنف لغة يُفهم بها الآخرون.
أطفالنا لا يتعلمون الإجرام في الشارع فقط، بل في نظرات الجيران، في سخرية الأساتذة، في تهميش الإدارة، في صمت الأسرة، وفي إهمال الدولة. يتعلّمونه حين يرون أخاهم الأكبر يصعد إلى الجبل ولا يعود، أو يدخل السجن فيُمحى من الذاكرة، أو يحاول أن يصعد سلّماً مقطوعاً من المنتصف.
المجتمع لم يكتفِ بتفريخ التلاميذ المجرمين، بل يعجنهم كل يوم، يشكّلهم من طين الغضب، ويُيبّسهم بحرارة القهر. وحين يتصلّبون، يبدأون في التكسير، ويأخذون معهم كل ما يعترض طريقهم، دون رحمة، دون ندم. وحينها، يقف المجتمع متفرجاً متسائلاً: "من ربّاهم هكذا؟"، ناسياً أنه هو من كتب النص وأدار الكواليس منذ البداية.
#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)
Echahby_Ahmed#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟